الوحش.. أذل القرى الوادعة حتى أذلته !
بقلم : سامي فريد
لا يفوت الكاتب الكبير نجيب محفوظ مؤلف قصة هذا الفيلم أن يقدم لنا في فيلمه درسين في وقت واحد: الدرس الأول هو أنه مهما كانت قوة بطش وإرهاب عبدالصبور (محمود المليجي) بطل الفيلم الإرهابي الذي أذل الريف لعنفه فإنه حتما لابد أن يذله المخدر (الأفيون)، فهو الوحيد الذي يستطيع ان يتحكم فيه وأن يذله.
والدرس الثاني هو أنه لن ينقذ القرية أو أي قرية إلا المقاومة والمواجهة لا الاستسلام أو الخضوع.
ثم نعود إلى الفيلم الذي كتاب السيناريو الخاص به والحوار نجيب محفوظ والمخرج صلاح أبو سيف.
لكن بداية الفيلم كانت بسيطة وساذجة لجأ فيها السيناريو إلى المقدمة المقروءة لتحكي مع كل ما قدمته لنا الكاميرا من المشاهد الجميلة لوداعة الريف وهدوئه وسكونه وطيبة أهله، وكيف أن الشر يهبط عليها مع عبدالصبور وعصابته ليقلب هدوءها رعبا وخوفا وفزعا بحرق المزارع وتسميم المواشي وفرض الإتاوات، بل والقتل أيضا إن لزم الأمر ليسقط الريف الذي كان وادعا، لينفذ له كل رغباته مهما كانت منحطة أو حقيرة.
ولا تسكت إدارات الأمن بعد أن استشري فساد (الوحش) وعصابته على البلد بل ودخل فيها من باب الرعب والخضوع والخوف العمدة أيضا بل والباشا الإقطاعي الذي أدى دوره باقتدار عباس فارس.
وتلجأ الداخلية إلى تغيير خططها.. فهي وإن كانت تعلم أن عبدالصبور المجرم أو الوحش يكون دائما بعيدا من مكان أي جريمة حتى لا يمكنهم إثبات أي دليل عليه لأن كل رجالها معروفون لديه وأن له أعوانا من قيادات القرية مثل العمدة والباشا.
وتقدم الداخلية معاون المباحث الجديد رؤوف بك (أنور وجدي) الذي لا يعرفه الوحش ليتقرب منه ويبعد عن نفسه أي شبهة، ولا يشك معاون المباحث الجديد لحظة في أن عبدالصبور هو الوحش وهو المجرم وكيف ذلك وعبدالصبور عنده وفي مكتبه بشكل شبه دائم، حيث يكون قريبا من الأمن الذي لا يشك فيه لحظة وإن كان أحد جنود مكتب سيادة المعاون يعرف تمام المعرفة ان عبدالصبور هو الوحش.
ويحتاج المعاون الجديد إلى أن يعتابه بنفسه، فينزل إلى السوق ويختلط بالناس متنكرا ليسمع منهم ويراقب عبدالصبور الذي لا يخفى عليه التنكر فينهر رجاله الذين يقهون البسطاء على الاتاوات الأمر الذي يؤكد للمعاون أنه يستحيل أن يكون عبدالصبور ذلك الرجل القوي الذي يحترمه الجميع هو المجرم!!
ويخطط الوحش تخطيطا بعيدا المدي فيقرر خطفه الطفل (سليمان الجندي) في المولد اثناء متابعته للعب الأراجوز ليكون وسيلة جديدة للضغط على معاون المباحث عند اللزوم.
في الوقت نفسه يخطط معاون المباحث بعد أن عرف أن عبدالصبور مدمن الأفيون لا يستطيع الحياة بغير الأفيون فيقرر قطع كل مصادر الأفيون عن الوحش.. يحدث هذا رغم محاولات نعسانة (الغازية سامية جمال) عشيقة الوحش وزوجة الإنسان المقهور محمد توفيق .. فهي التي تهرب له فصوص الأفيون.
وهكذا يبدأ الصراع يسفر عن نفسه شيئا فشيئا.. من ناحية معاون المباحث الذكي وعبدالصبور الشرير الماكر الذي يؤدي كل جرائمه بعيدا عن الشبهة.
لكن لحظة المواجهة الحقيقة تقترب بمراقبة معاون المباحث لعبد الصبور وخروج عبدالصبور من البلدة إلى الجبل ليطلب معاون المباحث بعد أن أدرك أن عبدالصبور قد اقترب من السقوط في يد الشرطة بعد أن أذله نقص المخدر فبدأ يفقد وعيه وتضطرب وترتبك قراراته.. يطلب معاون المباحث قوات إضافية من الشرطة بل وربما أيضا من الجيش لمحاصرة عبدالصبور ورجاله المسلحين الذين تزعمهم نظيم شعراوي وآخرين.. وفي إحدى المواجهات يسقط معاون المباحث أسيرا في يد الوحش لكن قوات الأمن كانت قد بدأت في الوصول إلى القرية فيقرر الوحش المرتبك والمتخبط في قرارته بقرار الخروج لمنع القطار الذي يحمل رجال الشرطة من الوصول إلى البلد.. لكن معاون المباحث الذي ينجح في فك قيوده والعودة مع قواته إلى مطاردة الوحش يخرج لمطارته خارج القرية.. ولا يعرف الوحش ماذا يفعل؟ هل يخرج لإيقاف قطار الشرطة أم يعود لقتال معاون المباحث، كل هذا وهو يدق رأسه الذي يكاد ان ينفجر لنقص الأفيون.
ولكن التحول الكبير يحدث فجأة عندما تفيق القرية إلى نفسها وتخلع عنها ثوب سلبيتها وتقرر مواجهة الوحش بكل ما لديها من أفراد وسلاح فيجد الوحش نفسه بين ثلاث جبهات.. معاون المباحث من ناحية .. وقوات الأمن التي جاءت للمساعدة ثم أهالي القرين الذين خرجوا لمواجهة الوحش وقتاله.
وتدور المعركة النهائية ليسقط الوحش الذي أذل هدوء ووداعة الريف وأهله الطيبين.. بعد ان أذله المخدر ووعي الشعب الذي قرر المواجهة.. الفيلم من إخراج صلاح أبو سيف وقصة نجيب محفوظ وانتاج 1954.