الإعلام الديني .. وسقوط الأقنعة
بقلم : على عبد الرحمن
ظلت مصر تعاني فترة من الزمن من احراف الخطاب الديني، وظلت أيضا في جدلية تجديد الخطاب الديني منذ زمن بعيد، وعانت مصر كثيرا من إعلام الفتنة وبرامجه وقنواته وشيوخ التحريم والاعتزال والقتل والتدمير وغسيل الدماغ وترويج أفكار ذات مردود سلبي علي الوطن ومسيرة تنميته واقتصاده، رغم النداءات العديدة بضرورة وجود إعلام ديني ذو خطاب وسطي سمح والمطالبه بضرورة تنقية كتب التراث وفلترة المحتوي الديني الإلكتروني وإيجاد محتوي معرفي وسطي موثق وضرورة ظهور ذراع إعلامي للأزهر الشريف.
إلا أن كل ذلك لايعدو كونه حلم ورغبة وحاجة لم يتحقق أي منهم، ولست أدري لماذا؟، فبرغم ظهور سيل من القنوات ذات المضامين المتشابهة والمحتوي غير الجيد، ورغم تكاليف ذلك الباهظة سواء علي الإعلام الرسمي أو شبه الرسمي حيث يتم ضخ عدة مليارات سنويا لتدور عجلة الانتاج الإعلامي غير المرضي.
لم يبادر أحد في التفكير في إطلاق قناة دينية سنية وسطية، وكانت المحاولات الدينيه ضئيلة وغير موفقة، ولا أجد مبررا لإحجام الإعلام الرسمي عن إطلاق قناة دينية، رغم قنواته القومية والإقليمية والمتخصصة.
ورغم ظهور الحاجة الملحه لذلك واستمرار تلك الحاجة حتى الآن وهذا غريب في بلد الأزهر إمام أهل السنة في الأرض، ولم تجدي قناة أزهري في هذا المجال وتوقفت مسيرة قناة الأزهر أيضا، وتركنا القري والنجوع والكفور بل والمدن أيضا والمناطق الشعبية لشيوخ الضلالة ليوعظوا في الناس بما شاءوا، ولم ينتبه أحد لنجوم الكاسيت والبرامج وهم يجافون الحقيقة مستغلين عوام الشعب في نشر أفكارهم المسمومة.
وأفرزت هذه الأفكار شباب مشوش وشابات تحت العباءة معتزلات وفرق فكرهم بين أبناء الأسرة الواحدة وعانت مصر وشعبها من فكر التطرف واعتزال المجتمع وتكفير كل من خالف لهم رأيا، وأصبح الشباب تائها بين شيوخ الضلالة والشيخ جوجل رائد فن الفتوي من خلال مرجعية الكثيرين لمحتواه الغير موثق، حتي أعلن الرئيس أننا بحاجة إلي ثورة دينيه لتصحيح مفاهيم كثيرة خاطئه طالما تم ترديدها علي ألسنة العوام من الأمه المعتدلة الوسطية السمحة.
هذا الحديث مثاره تلك الشهاده التي أدلي بها أحد شيوخ الخطابة والدعوة والنصح والإرشاد الذي ملأ الأسماع صياحا والعقول أفكارا والشاشات ظهورا والمناسبات خيلاءا وعجبا، ذلك الرجل الذي أقر بنفسه أنه لايمت إلي الدراسة الدينيه بصلة، وأن مؤهله متوسط، وأنه لايدري شيئا عن جماعات التطرف الديني التي يعلم أخبارها كل مولود علي هذا الكوكب وتعامل معنا بمبدأ انه أسير يحق له المراواغة رغم أنه كان تحت قسم معظم وأكمل شهادته بمبدأ التقيه عند الشيعة، وهو مبدأ يجعل الغايه تبرر الوسيلة، وظهر الرجل في شكل ثعلب مراوغ أساء بأدائه هذا إلي صورة رجل الدين وشمت فينا أهل الملل، بل وأساء إلى صحيح الدين وموثوق السنة.
ذلك الرجل الذي اجمعت كل إجاباته بين لا أدري ولا أعلم فكيف كان يدعو وكان يعلم وكان يدري، وبسؤالي لذوي الشأن الديني في مصر عن سبب ظهور وسيطرة أمثال الرجل علي شاشات الإعلام الديني أجمع المختصون علي أنهم ظهور في فترة فراغ، أي فراغ؟! .. فراغ مؤسسات أم دعاة؟ وأين كانت مؤسساتنا الدينية والثقافية والشبابية والإعلامية والأمنية؟.
هل نحاسب الرجل على إفساده عقول العوام، أم على مراوغته أم نحاسب من تركوا الفراغ يظهر، ومن ترك هؤلاء يتعاظموا نفوذا وتأثيرا وثراءا ومراوغة؟ لعل هذه الشهادة أو المراوغة أو سقوط القناع تكون دافعا لمؤسسات الدولة لتحريك ملف الإعلام الديني الوسطي، وظهور قناة دينية عصرية متخصصة ودعاة عصريون ملائمون وذراع إعلامي لمؤسسة الأزهر، ودور هام لمراكز تدريب الدعاة ولجان الفتوي والمجالس الدينية والمراصد الإعلامية، ولعلنا نوكل الأمر لاهله لإعداد دراسة عن شكل المحتوي الديني المطلوب وفنون تقديمه وملائمة مقدميه وتنوع مجالاته الدينية ليغطي ما التبس على الناس من قضايا عصرهم.
وليكن المحتوي الديني المذاع تحت سلطان الأزهر وتوجيهه ولتذهب قنوات الفتنة وشيوخ الضلالة والعابثين بصحيح الكتاب والسنة وعقول البسطاء ليذهبوا إلي جحيم الدنيا والآخرة، ولتستقر أفكار شبابنا ولينعم الوطن بأمنه وهدوئه وليتقدم اقتصادته ولتعد للدين سماحته وللموسسات الدينية احترامها وهيبتها ولرجل الدين وقاره وقدسيته ولإعلامنا رسالته الوطنية المخلصة، ولتحيا دوما مصر وطن نعيش فيه ويعيش فينا..اللهم آمين.