كتب : محمد حبوشة
استطاعت (شافكي المنيري) – وبجدارة كعادتها – في سهرة أمس الخميس عبر برنامج (التاسعة) على القناة الأولى المصرية أن تجلب لنا متعة خاصة بالغوص في التراث الغنائي المصري باستضافة (مروة ناجي ووائل) الفشني بطلي مسرحية (ألمظ وعبده الحامولي)، وعلى جناح البهجة والسعادة تفوقت (شافكي) في هذه الحلقة من خلال فقرة لا تتجاوز 40 دقيقية في التطرق إلى مواطن الشجن المصري الجميل، وكأن لسان حالها يقول: (ياللي تحب الوصال وتحسبه أمر ساهل .. ده شىء صعب المنال وبعيد عن كل جاهل.. وإن كنت ترغب وصالي حصل شوية معارف.. لأن حرارة دلالى صعبة وان ت عارف) .. هكذا كانت تغنت (ألمظ) لـ (عبده الحامولى) فى واحدة من أشهر قصص الحب فى نهاية القرن التاسع عشر، واستعادت أجواءها شافكي ليلة أمس.
الجميل في أمر الاهتمام بالتراث الغنائي المصري القديم أن (ألمظ وعبده الحامولي أعادها على المسرح للمرة الثالثة المخرج مازن الغرباوي – قبل ثلاثة شهور – بهدف تعريف جيل الشباب على الرموز الفنية القديمة التي أوشكت أن تندثر، كما يسعى العرض أيضا لتعريف الجيل الجديد على تاريخه الفني والغنائي حتى لا يصبح في طي النسيان، والمسرحية بطولة مروة ناجي، وائل الفشني، حسن العدل، محمد حسني، لبني الشيخ، إميل شوقي، محمد عمر، أحمد الشريف، نورهان صالح، طارق مرسي، عماد عبد المجيد، محمد الخيام، صابر عبد الله، محمد طلبة، والطفلة ملك مازن، ومشاركة خاصة بالأداء الصوتي لسيدة المسرح العربي الفنانة القديرة سميحة أيوب.
(ألمظ وسي عبده) إنتاج وزارة الثقافة المصرية تحت رعاية الدكتورة إيناس عبد الدايم وزيرة الثقافة، وإشراف المخرج الكبير خالد جلال رئيس قطاع شئون الإنتاج الثقافي، وإنتاج البيت الفني للفنون الشعبية والاستعراضية برئاسة الدكتور عادل عبده، ويعرف معظم المهتمين بتاريخ الغناء العربي وتطوره قصة المطربين أو المغنيين المصريين (ألمظ وعبده الحامولي)، وهما مغنيان شهيران ظهرا في عصر الخديوي إسماعيل آواخر القرن التاسع عشر، وتربعا على عرش الغناء، وتزوجا، وبعد الزواج منع الحامولي زوجته من الغناء، ثم رحلت ألمظ وهي في السادسة والثلاثين من عمرها، ولحق الحامولي بها بعد خمس سنوات، ويقال إنه عندما قام بالغناء بعد رحيلها كان يبكي ويجعل جمهوره يبكي معه.
العرض يأتي ضمن سلسلة مسرحيات ينتجها هذا القطاع تتناول سيرة الفنانين المصريين المؤثرين في الموسيقى والغناء، حيث سبقه عرضان، الأول (سيرة حب) عن حياة الموسيقار الراحل بليغ حمدي، والآخر (سيد درويش) عن حياة فنان الشعب سيد درويش الذي أحدث نقلة كبيرة ومفصلية في الغناء المصري، هذا واعتمد المخرج على راوٍ يسرد سيرة المغنين، ليتراوح العرض بين الحكي والتمثيل والغناء والاستعراض، ويمثل كل منها لبنة من لبنات العرض، فقد كان حريصاً على أن يكمل كل عنصر الآخر، بحيث لا يكرر التمثيل ما تم سرده، ولا تعلق الأغنية على موقف تم تمثيله، أو تأتي مجلوبة لذاتها، وهكذا أدى كل عنصر دوره في إيقاع لاهث ومشوق، من دون أن تكون هناك مراكمة تفضي إلى ترهل الدراما وتثقل على المشاهدين، وكان واضحاً ضرورة السرد هنا، حيث اختزل الكثير من الأحداث التي يتطلب (تشخيصها) زمنا طويلا.
ولأنها مسرحية تندرج تحت تصنيف (ميوزيكال) أي فن الاستعراض الغنائي فقد أقبل عليها جمهور الشباب المتعطش إلى هذا الفن الذي نفتقده حاليا وسط ضجيج المهرجانات، لذا كان طبيعيا جدا أن تستضيف (شافكي المنيري) بطلي المسرحية (مروة ناجي، ووائل الفشني) ومن خلال مقدمة قالت فيها : صوتان مختلفان تماما، فكل صوت من عالم آخر، حتى تشعر بأنهما مابين البحر والنهر، صوت طربي أصيل يقدم المقامات بشكل صحيح بحنجرة مضبوطة مقابل صوت يأخذك لعالم آخر من المديح الصوفي على قدر متدفق من الروحانيات في ثوب غنائي جميل، ثم استطردت في حديثها عن كيفية لقاء هذين الصوتين (البحر مع النهر) من خلال وزارة الثقافة وقطاع الفنون الشعبية .. هذا هو موضوع الحلقة، فبحسب شافكي سيكون اللقاء في سهرة الخميس المميزة حوال كواليس لقاء (مروة ناجي ووائل الفشني) في مسرحية (ألمظ وعبده الحامولي).
وبالفعل بدأ (وائل الفشني) في استعراض قصة تواجده ضمن فريق عمل المسرحية قائلا : كانت مفاجأة اختياري لدور عبده الحامولي مذهلة بالنسبة لي خاصة في وجود مطربة تنتمي للون الغناء الرصين (مروة ناجي) التي استفدت منها جدا وكذلك المخرج (مازن الغرباوي)، ثم استعرضت شافكي نبذة عن فيلم
(ألمظ وعبده الحامولي) الذي لعبته (وردة أمام عادل مأمون) ، وعرضت مشهدا من المسرحية الجديدة، وقالت أن البوستر جميل جدا ويليق بالزمن الحالي، وبعدها سألت ضيفيها ماذا تغنون في المسرحية: هل أغاني الفيلم الذي أخذ عليه عدم أداء أغاني ألمظ وعبده الحامولى في زمنهما؟
أجابت مروة بأن الأغاني عبارة عن (ميكس) حيث أخذت بعض أغاني الشهيرة مع تعديل بعض الكلمات والألحان، مع بعض أغاني التراث، فضلا عن أغنيات جديدة أعدت خصيصا للعرض، لكنها جاءت بروح الزمن والعصر في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وعلى الفور طلبت شافكي من (مروى ووائل) غناء (روحي ورحك حبايب)، وبدورها قالت شافكي بعد انتهاء الاثنين من الغناء : الله الله قدمتما ديتو رائع جدا دون موسيقى، ومن هنا أوضحت (مروة) أن الحال على المسرح يختلف تماما عن الاستديو الحالي على مستوى تجسيد الشخصية والمكان والموسيقى، وتطرقت مروة في حديثها عن كيف جاءت فكرة العرض من جانب المخرج مازن الغرباوي، حيث اتصل بها قبل سنتين واعتذرت وقتها، وبعد سنة بدأت البروفات بترشيحات أخرى، لكنها فوجئت باتصال الدكتور عادل عبده رئيس البيت الفني للمسرح، يقول لها أنت ستكونين معنا في ألمظ وعبده الحامولي وهذا قرار نهائي لارجعة فيه.
وتضيف مروة: عندئذ تحدث معي (مازن) وأكد على كلام الدكتور عبده وقال لي سأرسل لك الورق لتقرئي وتقرري، وبالفعل لم يستغرق مني ورق المسرحية أكثر من ساعة ونصف خلالها أصيب جسدي بقشعريرة مصحوبة ببكاء من شدة تأثري بالورق، فقررت على الفور المشاركة في المسرحية لكني سألته من سيجسد دور (سي عبده) فقال بنسبة كبيرة سيكون (وائل الفشني) قلت أنا موافقة بنسبة 100%، واستكمل (وائل) قائلا: عندما عرض مازن الغرباوي لعب الدرور (اتخضيت)، وقلت بيني وبين نفسي: كيف أجسد دورا قام به المطرب الكبير عادل مأمون ومن بعده الفنان الكبير على الحجار، لكن شجعني الدكتور عادل عبده ومنحني الثقة وبمجرد دخولي المسرح في وجود (مروة) شعرت بالأمان أكثر، لكن في أثناء البروفات كنت مترددا في استكمال المسرحية، خاصة أنني أمام شخصية كبيرة، لكن بفضل تشجيع الجميع قمت بتجسيد الدور على أكمل وجه.
عندئذ بدأ مسار السهرة الممتعة يتخذ منحى آخر، خاصة في ظل وجود مطربين قويين هما بطلي مسرحية (ألمظ وعبده الحامولي)، وقررت شافكي أن تمتع مشاهديها من خلال صوتي (مروة ووائل) لتنتصر للغناء على حساب الحكي عن موضوع المسرحية التي بدأت تبعد قليلا عن الاهتمام، حيث انتقل الاثنان إلى غناء بعض أغانيهما الشهيرة، فقد غنى وائل تتر مسلسل (واحة الغروب)، وغنت مروة (برضاك يا خالقي)، وبعدها عادت شافكي تسأل عن وجه المقارنة بين الفيلم والمسرحية، حيث أكد كل من (مروة ووائل) أن المقارنة هنا ظالمة لأننا أمام أساتذة كبار في التمثيل والغناء ومن هنا يصعب المقارنة رغم أننا نملك أدوات مهمة في المسرح من تقنيات إضاءة وديكور وإخراج، وهى عناصر أبهار بلاشك، لكنها لاتعوض الإداء الصوتي الرصين لوردة وعادل مأمون أو حتى علي الحجار، لكن الاثنان أثنيا بامتنان شديد على المشاركة الصوتية لسيدة المسرح (سميحة أيوب) في أثناء العرض.
وعودة إلى الغناء مع ارتجالات وائل الفشني بصوت شجي عذب عبر كلمات (ولك من الله ياقاسي ياظالمني)، وعاد المطربين للحديث عن كواليس العمل التي تمتعت بمفارقات رائعة أكسبتهم طاقة إيجابية ساهمت في نجاح العمل، وبعدها غنت (مروة) أغنية (في يوم وليلة) للعظيمة الراحلة (وردة) بصوت قوي استعرضت من خلاله إمكاناتها المبهرة في الغناء الطربي الرصين، وتحدث نجمي السهرة عن ظاهرة الغناء في اليوتيوب والفيس بوك وغيرها وخصوصا المهرجانات التي اجتاحت ساحة الغناء الحالي، مؤكدين أن كل زمن وله ملامحه التي تميزه لكن المسألة زادت عن الحد من خلال المهرجانات التي ينبغي أن يطلق عليها (راب) على الطريقة المصرية، خاصة هناك فروق جوهرية بين طريقة الأداء الطربي وأداء المهرجانات، ومن ثم لاينبغي المقارنة هنا.
وأجمل ختام لسهرة الخميس المفعمة بالبهجة والسعادة والفرح كان مع غناء (مروة ووائل) أغنية (يا حبايب مصر) للمطربة (عليا التونسية)، لتتحول أجواء الاستديو إلى حالة من الشجن وشحن الروح الوطنية في نفوس جمهور أتعبته مهرجانات هذا العصر التي شوهت ملامح التراث الغنائي المصري الذي حاول الضيفين استعادته بملامحه الرائعة من خلال استعادة أجواء مسرحية (ألمظ وعبده الحامولي).