وثيقة هامة عمرها 73 عاما تكشف سر عدم غناء أم كلثوم لـقصيدة (وردة من دمنا) !
كتب : أحمد السماحي
رحل الموسيقار (فريد الأطرش) وفى حلقة غصة من الحزن على عدم التعاون مع كوكب الشرق (أم كلثوم)، رغم أن سيدة الغناء العربي كانت تحترمه وتعشق جملته الموسيقية، لكن يبدو أنها لم تأخد الأمر محمل الجد فوضعت شرطا تعجيزيا فقد طلبت منه انتقاء شعرا وتلحينه فإذا أعجبها الكلام واللحن كان به، وإلا خيرها بغيرها، وبالفعل وبعد محاولات عديدة للتلحين لها فى الأربعينات والخمسينات، انتقى (فريد) فى نهاية الستينات قصيدة وطنية من ديوان الشاعر اللبناني (بشارة الخوري) الملقب بـ (الأخطل الصغير) بعنوان (وردة من دمنا) ولما اطمئن لجمال وقوة اللحن عرضه على (ثومة) فسعدت جدا بالكلمات واللحن وقالت: يسعدني أن أغني هذه القصيدة خاصة أنها لفلسطين، وفى أحد لقاءاته التليفزيونية قال (الأطرش): أن ثومة طلبت منه بعض التعديلات فاستجاب، وأعاد إليها اللحن فكانت شديدة السعادة به.
وانتظر (فريد) الخطوة التالية، غير أن (أم كلثوم) بدون أسباب امتنعت عن غناء (وردة من دمنا)، كان (الأطرش) يروى ما حدث بينه وبين كوكب الشرق، وهو يتمزق من الألم لأنه كفنان ومتذوق للغناء يدرك قيمة (أم كلثوم) ويتمنى أن تقدم له لحناً عصَر فيه روحه، ولا يدرى كيف استجابت لوشايات الذين حذروها من الغناء لـ (فريد) وأقنعوها بأن تتخلى عن لحن كانت شديدة الإعجاب به.
وتم حبس الأغنية فى الأدراج، حتى حدث انتصار أكتوبر العظيم فقام الموسيقار (فريد الأطرش) بإخراج لحن (وردة من دمنا) من الأدراج وقام بتأديته، وللأسف الشديد لم تحقق القصيدة ولا اللحن النجاح المرجو منهما بدليل أن العامة من الناس لا يعرف هذه القصيدة، ولا يتذكرون اللحن، رغم جمال الكلمات واللحن في الواقع.
ما تم سرده فى السطور الماضية هو الذي نعلمه جميعا، والذي كتبته أنا نفسي من قبل، ولكن الحقيقة تجلت واضحة أمام عيني، وأنا أتصفح أحد المجلدات الخاصة بمجلة (الراديو) القديمة الصادرة منذ 73 عاما، حيث وجدت فى العدد 693 الصادر فى مثل هذه الأيام وبالتحديد يوم 26 يونية 1948 الموافق 18 شعبان، مفاجأة من العيار الثقيل، حيث وجدت قصيدة (سائل العلياء، أو وردة من دمنا) مكتوبة كلماتها كاملة فى هذا العدد، وكتب تحتها قصيدة جديدة تغنيها المطربة (لورد كاش) من تلحينها.!
ولم يتوقف الأمر عند هذا فقد وجدت هذه القصيدة تذاع كثيرا مع أغنيات وقصائد أخرى أثناء إندلاع حرب فلسطين، مثل (تسلم أرضك يا فلسطين) كلمات بيرم التونسي، وألحان مصطفى بك رضا، غناء صالح عبدالحي، (كلنا لفلسطين) تأليف إبراهيم كامل رفعت، ألحان أحمد صبره، غناء سعاد مكاوي وفاطمة علي، (إحنا عرب) كلمات عثمان شحاته، ألحان سيد مصطفى، غناء محمد البكار، (نشيد العروبة) كلمات محمود محمد صادق، ألحان محمد يوسف، غناء المجموعة، (خوض لهيب النار) كلمات طاهر أبوفاشا، تلحين وغناء محمد البكار، (فلسطين يا حرة يا مهد العرب) كلمات محمود رشاد الدسوقي، تلحين وغناء كارم محمود، وغيرها الكثير.
وعندما تابعت برامج الإذاعة فى المجلة وجدت قصيدة (سائل العلياء) تذاع بصورة يومية فى الإذاعة المصرية، ولمدة شهور، وبهذه المعلومة تكون (أم كلثوم) على حق ولم تظلم فريد الأطرش، عندما لم تغن قصيدة (وردة من دمنا) لأنه من المؤكد أنها استمعت إليها فى الماضي، لكنها نسيتها في زحمة الأيام وانشغالاتها الفنية والإنسانية، وعندما عرضها عليها (فريد الأطرش) عام 1968 أي بعد عشرين عاما من غنائها أول مرة لم تنتبه إلى أنها لحنت وغنيت من قبل، لكن بالتأكيد تذكرها الشاعر(أحمد رامي) أو الموسيقار (رياض السنباطي) عندما علما أن صديقتهما (أم كلثوم) ستغني قصيدة الأخطل الصغير (وردة من دمنا)، لأن (الأخطل الصغير) اسم كبير في عالم الشعر، وكانت قصائده الغنائية معروفة بالنسبة لـ (أحمد رامي) تحديدا، وبالتأكيد ذكر (رامي) لـ (كوكب الشرق) أن هذه القصيدة غنيت من قبل، مما جعلها ترفض غناء (وردة من دمنا) التى سبقتها فى غنائها المطربة (لوردكاش) والتى تقول كلماتها :
سائل العلياء عنا والزمانا هل خفرنا ذمَّةً مُذْ عرفانا
الْمروءاتُ التي عاشت بنا لم تزل تجري سعيرًا في دِمانا
ضحِك الْمجدُ لنا لَما رآنا بدم الأبطال مصبوغًا لِوانا
عرسُ الأحرار أن تسقى العِدى أكؤسًا حُمرًا وأنغامًا حزانى
مذ سقيناها العُلا من دمنا أيقنت أن مَعَـدًّا قد نَمانا
انشروا الْهول وصُبّوا ناركمْ كيفما شئتم فلن تلقَوا جبانا
شرفٌ للموت أن نُطعِمَه أنفسًا جبارة تأبى الهوانا
وردةٌ من دمِنا في يدِه لو أتى النارَ بها حالت جِنانا
يا جهادًا صفّق الْمجد له لبس الغارُ عليه الأرجوانا
شرفٌ باهتْ فلسطينٌ به وبنـاءٌ للمعـالي لا يُدانى
إنَّ جرحًا سال منْ جبهتها لثَمتهُ بِخُشوعٍ شفتانا
نحن يا أختُ على العهد الذي قد رضعناه من الْمهد كِلانا
يثربٌ والقدسُ منذُ احتلما كعبتانا وهوى العُرْب هوانا
قُمْ إلى الأبطال نلمسْ جرحهمْ لَمسة تسبحُ بالطِّيب يدانا
قم نصُمْ يومًا من العمر لَهمْ هبْهُ صوم الفصح ، هبهُ رمضانا
إنَّما الْحقُّ الذي ماتوا له حقُّنا، نَمشي إليه أين كانا