رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

يسرا أكبر الخاسرين

بقلم: محمود حسونة

مع بداية رمضان في كل عام تتسابق الأعمال الدرامية للاستحواذ على عقول ومشاعر الجمهور، في حين يتسابق المشاهدون على المتميز والهادف والجديد فيها، لاغياً مشاهدة الرديء أو مؤجلاً إياه ومعه المكرر والنمطي والممل إلى ما بعد رمضان، ليشاهده في وقت الفراغ كمجرد أداة لقتل الوقت أو للتعرف على مدى الانحدار الذي وصلت إليه بعض الأعمال ومدى الانهيار الذي أصاب مستوى بعض الفنانين سواء في الأداء أو في الاختيار.

في رمضان الأخير تسابق معظم الناس في مصر من أقصاها إلى أقصاها على مسلسلات اجتماعية مثل “لعبة نيوتن” و”خلي بالك من زيزي” و”نجيب زاهي زركش” لما تحمله من تجديد في الفكر والطرح والأداء والصورة والمشهد والزاوية ومستوى الحوار، ولما يضفيه عليها نجوم يتألقون ويزدادون لمعاناً بالتقدم في العمر مثل الفنان المجدد والمتجدد يحيى الفخراني، ونجمات تحرصن على عدم الوقوع في فخ النمطية وعلى ألا يكون همهن مجرد التواجد على الخريطة الرمضانية مثل منى زكي وأمينة خليل.

تسابق الناس أيضاً بمختلف انتماءاتهم، باستثناء المنتمين إلى الفصيل الضال، على أعمال أنصفت الوطن وخلّدت الشهيد، وأعادت تأكيد المؤكد تاريخياً، وهو أن مصر دولة عصية على السقوط مهما كان حجم المؤامرات التي تحاك ضدها، مثل مسلسلات “الاختيار” و”هجمة مرتدة” و” القاهرة: كابول”، أعمال تباهينا بها وتابعها معنا قطاع عريض من الجمهور العربي الذي يعشق مصر وكل ما هو مصري، ويدرك أن شموخ الوطن هو شموخ بكل وطن عربي، وسقوطه سقوط للوطن العربي الممتد من المحيط إلى الخليج.

شاهدنا الأعمال سالفة الذكر في رمضان وخلقنا من الوقت ما يمكننا من متابعتها بعد أن شفيناها من إزعاج الإعلانات، ووجدنا أن مشاهدتها عبر المنصات الرقمية هو الوسيلة للحفاظ على وقتنا وأعصابنا.

وبعد أن انتهى رمضان اتسع الوقت لمتابعة ما أخرجناه بإرادتنا من الماراثون، لنفاجأ بأعمال عجزنا عن احتمالها بعد أن وصلت فيها السذاجة إلى منتهاها، وأرغمنا أنفسنا على مشاهدة حلقتين منها، ولم نستطع أن نزيد على ذلك مثل مسلسل “كوفيد 25″، وهناك أعمال استطعنا أن نستكمل مشاهدتها بصرف النظر عن ضيق مساحة الاستمتاع فيها مثل “حرب أهلية”.

الإصرار على مشاهدة “حرب أهلية” له أسبابه المقنعة، وأولها وآخرها وأهمها أنه بطولة يسرا، ويسرا نجمة كبيرة واسم له مكانته على خريطة الإبداع التمثيلي في مصر والعالم العربي وسيدة لها رصيد من المحبة والتقدير في قلوب معظم عشاق الفن، وتاريخ محفور في الذاكرة يمتد لحوالي 44 عاماً، شاركت خلاله في أعمال تعد من العلامات المضيئة في السينما والدراما المصرية، وأعتقد أن سبباً واحداً من السالف ذكره يكفي لمتابعة “حرب أهلية”، ولا ينفي الحق في انتقاده والقول صراحة بأنه كان من الأعمال التي لا تضيف لرصيد أبطالها شيئاً، ان لم تنل منه.

أما يسرا فلعلها الضحية الأولى لهذا المسلسل، فقد يكون حقق مزيداً من الانتشار والشهرة في مصر لباسل خياط، وعرّف الجمهور المصري أكثر بالفنانة اللبنانية سينتيا خليفة، وحقق بعض الوجود لأروى جودة، وأضاف عملاً إلى رصيد كل من جميلة عوض ومايان السيد، أما بالنسبة ليسرا فرغم أنها هي السبب الأول لمشاهدة الناس له فإنها أكبر الخاسرين من ورائه، ولم تمثل شخصية طبيبة التجميل مريم أي إضافة محمودة إلى رصيد النجمة الكبيرة، خصوصاً أنها في بداية الأحداث تبدو شخصية ضعيفة يتحكم فيها طبيبها النفسي يوسف الذي اكتشفنا أنه متزوج منها ويحركها كما الدمية، وبعد ذلك وجدناها بلا ردود فعل تتناسب وحجم الخطايا التي ارتكبها في حقها، وجاء الأداء الخالي من أي انفعال والذي لا يتجاوز ترديد الكلمات كما التلاميذ في الفصول التعليمية ليؤكد ذلك؛ وفي الجزء الأخير نجدها السيدة القوية القادرة على الإيقاع بكل الشريرين المحيطين بها والقادرة على الانتقام من كل منهم بقدر ارتكاباته في حقها وحق ابنتيها، البيولوجية تمارا والتي تولت تربيتها تعاطفاً نور.

مريم لا تختلف عن عهد التي جسدتها يسرا العام الماضي وهما وجهان لعملة واحدة، و”حرب أهلية” ليس سوى تكرار لـ ” خيانة عهد”، وكلاهما يدوران في إطار صراعات الأهل والنزاعات التي تتجاوز المنطق بين أبناء الأسرة أو العائلة الواحدة، والفرق أن “خيانة عهد” ركز على مطامع أخ وأخت عهد فيها ومساعيهما للانتقام منها نتيجة تمييز والدها لها ولأمها عليهما وعلى والدتهما، وأزمات مريم هذا العام خلقها لها زوجها الأول الذي حرمها من ابنتهما الوحيدة تمارا وزرع داخلها كل أشكال وألوان الكراهية لها، وعندما لجأت إلى طبيب نفسي، خدعها باسم الحب وتزوجها وأوهمها بأنها مريضة سرطان ليسطو على المستشفى الذي تمتلكه.

ابن عهد مات بفعل مؤامرات أختها وأخيها، وابنة نور غير البيولوجية نور هذا العام ماتت خلال تنفيذ خطة طليقها الطبيب النفسي سرقتها، وفي المسلسلين هى المرأة المعطاءة بلا حساب لمن يسعون للنيل منها وتدمير حياتها، وبقدرة قادر تتحول من امرأة ضعيفة في المسلسلين إلى وحش كاسر ينتقم بعيداً عن سلطة القانون في إطار نهج الكثير منها الأعمال الدرامية التي تكرس منطق البلطجة في استعادة الحق.

“حرب أهلية” مسلسل لا يقدم جديداً، وأحداثه لا تختلف عن “خيانة عهد”، وكلاهما بتوقيع أحمد عادل مؤلفاً وسامح عبدالعزيز مخرجاً، ولعل المجني عليها فيهما هى يسرا التي أساءت الاختيار والقرار وأحسنت الظن في التأليف والإخراج والإنتاج لتدفع هى الثمن، وكأنها تعيد خطايا عهد ومريم، ولكن من دون انتقام ولا بلطجة.

mahmoudhassouna2020@gmail.com

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.