كتب : محمد حبوشة
تبدو ظاهرة مسلسلات الأكشن والإثارة فى جوهرها تعكس تطور أدوات التصوير والإخراج من ناحية، ومن ناحية أخرى محاولة البحث عن أفكار جديدة تناسب فئات الشباب، على الرغم من كونها مع الوقت تبدو متكررة بشكل كبير، وربما يرى البعض أنها توقفت عن التطور على مستوى الأفكار والكتابة والإخراج، لكننى أرى عكس ذلك تماما، خاصة إذا كانت هذه النوعية من المسلسلات تعتمد على قصة خالية من الغموض حيث أطراف الصراع معروفون من الحلقات الأولى، ويتم تعقيد الصراع تدريجيا إلى أن نصل لذروة الأحداث، وهذا ما يجعل من الأكشن بالأخص نوعا مثيرا من الدراما يضع المشاهد فى حالة ترقب، وهو من أكثر أنواع الدراما إثارة خاصة مع زيادة الإمكانات الإنتاجية التى تسمح بذلك، وهذا النوع يثرى الدراما بالتأكيد، ولكن فى حالة كتابته بشكل جيد ومعالجة مقبولة لاتستخف بعقل المشاهد أو إدخالها على الموضوع بصورة فجة، ومن هنا تصبح الكتابة هى الأساس خاصة فى الأكشن، لأن السيناريو الجيد هو العمود الفقرى لأى عمل درامى، وفى النهاية لن تبقى إلا الأعمال الجيدة، لأن المشاهد يبحث عن الأفضل بغض النظر عن النجوم والميزانية المعروفة على العمل.
ومن الأعمال التي عرضت مؤخرا وتتمتع بالجودة والإتقان على مستوى الأداء والتصوير والإخراج وحتى الموسيقى التصويرية المصاحبة للأحداث، المسلسل اللبناني (داون تاون)، والذي تدور أحداثه حول القصص العاطفية وجرح القلوب، مع المزيد من الأحداث الشيقة التي تحدث كنمط من الدراما المثيرة والرعب، والتي تحوي معها الكثير من المركبات العامة في الدراما التي تشتمل على الوقائع المبهمة، وهو من بطولة النجمة العربية أمل بوشوشة، والسوريون سامر إسماعيل، عبد المنعم عمايري، هبة نور، واللبنانيون يوسف حداد، ستيفاني صليبا، سارة أبي كنعان، عباس جعفر، وسام صليبا، وغيرهم، والقصة من تأليف (كلود أبو حيدر) والسيناريو والحوار لـ (محمود إدريس)، والإخراج للسوري المبدع (زهير قنوع)، والذي صنع صورة تتسم بالإثارة والتشويق بطريقة جاذبة محافظا على سخونة الأحداث التي تتطور من حلقة لأخرى، بحيث يضع المشاهد فى حالة ترقب دائما.
وعلى قدر ارتباط الغالبية العظمى من الجهور بتلك النوعية من الأعمال المقترنة بالحركة والتشويق والإثارة باسم بطل رئيسى، إلا أن حلبة الأداء المشترك والعذب شهدت منافسة حامية الوطيس بين أجيال وجنسيات مختلفة من الممثلين، أولئك الذين جسدوا أدوارا أولى، أو ثانية، أو حتى أدوارا ثانوية تصل فى حدها الأدنى لمستوى المشاهد القليلة، مثل ما فعلت (كارمن لبس) كضيف شرف فى عدة حلقات الحلقات، ولعلنا شاهدنا تجسيدا دراميا رائعا وملحوظا لكل فريق العمل، وأظن أن المتعة ظلت قائمة حتى نهاية الحلقات، كما يبدو ملحوظا أيضا أن تقنيات التصوير والسنوغرافيا والإضاءة والديكور، علاوة على المونتاج والإخراج جاءت على درجة عالية من الدقة والبراعة فى خلق نوع من الإثارة التى نجحت – إلى حد ما – فى تغطية بعض العيوب الطارئة على السيناريو، لكن بفضل كل تلك العناصر مجتمعة وعلى رأسها الإداء الاحترافي لفريق التمثيل، وخاصة (أمل بوشوشة) تمكن المسلسل من فرض نفسه، ويبدو لى من خلال مراقبتى لمسيرة النجومية عند (أمل) أنها ثمرة عقل لماح، وفكر وقاد، وتجربة أصيلة، فالنجومية الحقة لا تتأتى إلا بالجهد والسهر والتعب والمكابدة والمعاناة.
صحيح أن للموهبة دورها فى صنع النجومية، ولكن للبيئة دور أكبر فى صنعها، فكم من مواهب وئدت بسبب الأساليب غير التربوية وأجواء الفاقة والإهمال والحرمان التى تحول دون النمو السليم، والتفتح الجميل، ورحم الله الشاعر إيليا أبو ماضى إذ يقول: (رب ذهن مثل النهار منير صار بالبؤس كالظلام دجيا)، وكم من مواهب تفتحت وأزهرت وأثمرت وأبدعت بسبب المعاملة الحسنة والرعاية الحانية والتشجيع البناء والتعزيز الفعال، والتعهد الهادف والبيئة الحاضنة الواعية، تماما كما حدث مع (أمل بوشوشة) التي تربت فى كنف عائلة جزائرية تعنى بالثقافة والفنون، فالأب هو الذى زرع بذرة صالحة، وعبر الكلمة المشجعة – على مايبدو – كان لها فعلها فى صنع تلك النجومية التى ربما نمت أكثر وأكثر بانخراطها في قلب الدراما السورية التي احتضنتها واسثمرت فيها عبر أعمال دفعتها لمقدمة صفوف النجومية.
استطاعت (أمل) أن تنتزع حب الجماهير بأداء عذب يتوافر فيه الإحساس وقوة التركيز للأفكار وقوة التذكر للحركة الجسمانية، بحيث تقدر أن تعيش فى دور (جولي) كأنثى لعوب، وتتسلل تحت جلد الشخصية، وأن تكون له المقدرة على إيجاد العلاقات الذهنية ومنطقية الإحساس والقدرة على التحليل النفسى، فإذا لم يكن هناك معين فى داخلها ليخرج منه هذه الأشياء عند قيامها بأحد الأدوار فهى ليست ممثلة، لذا تجدها دائما تتغير تغيرا كاملا فى الشكل الخارجى لهيئتها وتدخل فى الشخصية التى تمثلها، فضلا عن كونها تمتاز بعقل وجسم نشيط، مما يدل على القوة الديناميكية لتكوين الشخصية، وعلى الممثل دوما أن يخلص للدور الذى يؤديه (يعيش فى مجتمع الدور وبإحساس صادق- وأن يحاول الوصول إلى أكبر درجة من الإتقان).
وشيئا من هذا القبيل كان لدي النجمة السورية (هبة نور) التي لعبت دور (ليلي) بحرفية عالية وبطريقة جديدة عليها في أداء الأدوار المركبة لأول مرة في حياتها، وقد بدت لغة الجسد عندها معبرة للغاية على مستوى الحركة والإيماءة ونظرات عينيها اللتين تقطران شرا طوال الوقت على جمالهما الفاتن في لونيهما واتساع حدقتيمها، فضلا عن جسد مطواع يتسم بالشدة والصلابة والنعومة في آن، حتى أنها سلبت قلوب مشاهدي (داون تاون) طوال الوقت بفتنتها القاتلة في غالبية المشاهد التي تعاونت فيها مع عصابات ومافيا المخدرات وتجارة الآثار والمراهانات في حلبة الصراع حتى الموت التي كانت تساهم في تنظيمها.
وعلى الرغم من عدم قناعتي التامة بموهبة (سامر إسماعيل) الذي بدا جامدا وباردا في أحاسيسه في بعض المشاهد حتى الرومانسية منها التي قابلها برود من جانب ستيفاني صليبا بصوتها غير الواضح وجمود وجنتيها، إلا أنه قد حالفه الحظ كثيرا في مشاهد التحدي والصراع بروح مقاتل يسعي للحصول على ثأره من (جون) قاتل أخيه (لؤي)، وهو ما يعكس بالضرورة قوة التخيل لديه، فالممثل لا يستطيع أن يعيش على إحساساته الشخصية وحدها، بل إن قوة التخيل والإعداد – تساعد الممثل على أن يصب كل أفكاره فى دوره، بعد أن يتلقى التوجيهات من المخرج، ومراحل الدور التمثيلى فى حاجة دائمة إلى قوة التخيل، فإذا غابت أو نقصت خصوبة التخيل عند الممثل ضاع جهده على طول الخط.
ربما كان لشخصية (هشام) التي جسدها ببراعة ودقة فائقة تنم عن خبرة كبيرة (عبد المنعم عمايري) مبرر غير أخلاقى يشبه إلى حد كبير دور القواد، لكن ذكاء الموهبة عند (عمايري) كان لها دورا كبيرا فى نجاحه الحالى، فاختياراته باتت موفقة وبها حالة من الوعى ظهرت في جلب المتعة لمشاهد ظل مستمتعًا طوال الوقت، ومن حلقة إلى أخرى بمغامرات (هشام) التي جاءت على جناح خفة ظله وإتقانه دور النصاب والمحتال الذي لايكل ولا يمل من المحاولة، بحيث أثبت لنا أن الممثل الموهوب يستطيع أن يلعب بالأدوات التى من حوله بشكل يحقق له النجاح على جناح الحرفية، وقد ظهر ذلك من خلال مشاهد عدة وأبرزها عندما تم القبض عليه وهو خارج من بيته، وهو ما جلب له ملايين الإشادات من جانب الجمهورالذى تمتع بمستوى تمثيل احترافي خاصة في مشاهده العديدة مع (جولي) التي تكشفت شخصيته منذ البداية، وتعرف جيدا تقلباته المزاجية وعشقه للنساء وأسلوبه الثعلبي في العزف على أوتاره مشاعر المراهقات بأسلوب التخدير للإيقاع بفرائسه.
ربما تجب الإشارة إلى أن مهارة المخرج (زهير قنوع) التي غالبا ما كانت تأتى فى إطار إيجابى، وهو اختيار عناصر محترفة، اختيار دقيق ومناسب بعينه الواعية فى دقة ملفتة لاختيار الزوايا و (الكلوز أب) فى كثير من المواقف التى تسجل انفعال الممثلين طبقا لطبيعة المشهد، وكذلك الموسيقى التصويرية لـ (رامي شلهوب) التي كانت تمنح قوة خاصة لمشاهد كثيرة، وأسهمت إلى حد كبير فى إبراز قدرات (أمل بوشوشة، سامر إسماعيل، هبة نور، عمايري) التمثيلية، بحيث جعلت من المسلسل حالة خاصة يعيش معها الجمهور باعتبار أن ما يقدمه من شكل ولون درامى متنوع ما بين الأكشن والإثارة والرمانسى والاجتماعى، ومن ثم فقد لاقى نجاحًا كبيرًا بين الجمهور الخارج لتوه من دراما رمضان المكدسة بتلك النوعية من المسلسلات.
وللأمانة هنالك مشاهد كثيرة تصلح لأن تكون (ماستر سين) عبر مختلف الحلقات لكن المشهد قبل الأخير في الحلقة 30 لفت نظري أكثر للوقوف أمامه، حيث يتوج الحب المستحيل بين البطل والبطلة، وقد جاء هذا المشهد القصير جدا وسط أجواء تتسم بالحماس من جانب (جولي / أمل بوشوشة) و(نوح/ سامر إسماعيل) في أثناء تجهيز نفسه للمباراة الحاسمة على النحو التالي:
قبل المباراة الحاسمة بين (نوح) وغريمه قاتل أخيه (جون) تدخل (جولي) على (نوح) في غرفة تدريبه المعدنية وتقف أمامه كقطة شرسة تم ترويضها للتو لتعترف بحبها له، لكنه اعتراف جاء في الوقت الضائع، لأن قلبه مشغول بالفعل بحبيبته (تمارا / ستيفاني صليبا) التي سيتزوجها فيما بعد وينجب منها طفلا يدعى (لؤي) على اسم أخيه بعد أن يقتل (جون) قاتل أخيه في حلبة الصراع العنيف في الحلقات الأولى.
تقف جولي أمام نوح قائلة : حولتلك 100 ألف دولار على حسابك.
نوح : آخر همي.
جولي : مجنون .. مجنون بس حبيتك .. ثم تجلس بجوار ناظرة بعمق في عينيه : إي حبيتك .. بدي أقولك اياها في وجك .. اليوم بس يخلص كل شيئ بنكون كلنا صرنا برات البلد .. ونكمل سوا .. شو رأيك؟
نوح : جولي فيه عندي جريمة قتل .. في مجال أركز فيها؟
تجلس (جولي) بجوار (نوح) وفي تودد شديد تقول له : ننتظر من شان خطرك لتاخد بتارك .. دا حتى الكلمة لناخد بتارنا.
متري يهتف في وجه (جون) : (ماي هيرو) ثم يدخل على جولي ونوح قائلا لها : صادق بك على البوابة ناطرك؟
متري بعد أن تغادر جولي ينحني أما نوح لينصحه قائلا : بالعادة قبل الفايتات بيبعدوا النسوان عن اللاعيبة.
نوح : لخص؟!
متري : راح ترجعلك الأمورة بس يخلص الفايت .. هذا إذا طلعت منها .. ثم ينحني أماه مرة ثانية قائلا في تحد : جاي لاخبرك اني مراهن على جون، وانه راح يكسرلك رقبتك زي ما كسر رقبة خييك.
نوح يهب واقفا كالصقر الجريح ويقول لمتري في وجهه: كذاب .. كذاب .. رهنك على أنا .. متري شوف أنا راح ربحك وراح طقله رقبته .. تكرم عيونك متري.
تجرى المبارة ويفوز نوح بالفايت ويلتقي بعدها بتمارا ويتزوجان بعد تصفية المواقف المعلقة بينهما وينتهي المشهد الأخير من الحلقة 30 بحفل عيد ميلاد (لؤي) ابنهما، بينما في مشهد موازي تلتقي جولي بأبيها في عرض البحر ليذهبا سويا في رحلة سفر بعيدة.