راندا عبد السلام .. زهرة جديدة تتفتح في سماء الدراما المصرية
بقلم : محمد حبوشة
سئل ربان سفينة كيف يتأتى له أن يتذكر ـ خلال رحلة طويلة ـ جميع التفاصيل الدقيقة لساحل من السواحل بمنحنياته وأجزائه القليلة الغور وشعبه الصخرية فأجاب قائلا ليس ألقي لها بالا؛ وإنما أنا ألتزم خطة سير معين لا أحيد عنه، وهذا هو المسلك الذي يجب أن يسلكه الممثل إذ يجب أن يتقدم في طريقه غير حافل بالتفاصيل العديدة، وإنما يكون احتفاله بتلك الوحدات المهمة التي تعيق خط سيره وكأنها الإشارات وتجعله لا يحيد عن الاتجاه الإبداعي الصحيح.
هذا هو المنهج الذي تسير عليه الممثلة الصاعدة الواعدة (راندا عبد السلام) التي أراها زهرة جديدة مبشرة تتفتح وبقوة في قلب الدراما المصرية الحالية، كما ظهرت في رمضان 2021 في مسلسل (فارس بلا جواز)، وعلى الرغم من أنه عمل يعد ضعيفا على المستوى الفني، فالعمل الكوميدي الناجح، سواء كان رواية أم مسرحية أم فيلما أم مسلسلا تلفزيونيا، هو الذي يحترم قيم معظم المشاهدين، ويتجنب جعل السماجة دافعا للإضحاك، لأنها إذا أضحكت فإنما هى تضحك شريحة ضيقة من المشاهدين، وليس الغالبية العظمى من الناس.
ومع ذلك فإن (راندا) استطاعت أن تلفت الأنظار إليها من خلال أداء يتسم بالهدوء المطعم بنوع من الكوميديا الخفيفة، ويبدو لي أنها تؤمن بنظرية: لا يقف أداء الممثل – بحسب أهم المرجعيات التنظيرية – على ثرثرة لسانه، وحركات وجهه ويديه، أو وقع خطواته، بل يحل مطرح كل ذلك العين المدركة، التي تحدق مباشرة في المشاهد وتصل إلى قلبه، وهى تطفح إحساسا، كما بدا تماما في أداء راندة لشخصية (فريدة) تلك الفتاة الرومانسية الحالمة بالزواج من (فارس).
من خلال متابعتي على مضض لحلقات مسلسل (فارس بلاجواز) لم يساعدني على احتمال ثقل ظله كمسلسل يندرج تحت مسمى الـ (كوميدي) سوى أداء (راندة) الفطري بتلقائية تنذر بموهبة تتفتح على مهل، لكنها تحتاج إلى نظرة متأنية، وخاصة جدا من جانب المنتجين والمخرجين كي يمكن استغلال قدراتها الهائلة على تجسيد دور الفتاة الرومانسية، بما تتمتع به من جمال (منصوري) يذكرك بفاتن حمامة، سيدة الشاشة العربية في بداياتها الأولى، ففي عينيها الملونتين لمعة وبريق آخاذ لاتخطئهما الموهبة، ووجه خجول تحمر وجنتيه لمجرد انفعال بسيط، على غرار (زبيدة ثروت)، وهو ما يساعد كثيرا في أدوار الرومانسية الحالمة التي يمكن أن تسند لتلك الصبية الجميلة، والتي كانت عبر شخصية (فريدة) تحيلنا في كل مشهد تطل به إلى الحالة الداخلية للشخصية التي تجسدها وتعكس قلق اللهفة والغيرة، حتى أنها تقتنص حصتها من الكاميرا بعيدا عن التصنع، بل بشيء من الندية تقف في مواجهة مصطفى قمر، كذلك لا تضيرها شراكتها مع (نجم الكاريزما الكوميدية) محمد ثروت في مجاراته في الأداء الضاحك.
لا يقتصر حضور الممثلة الصاعدة (راندا عبد السلام) عند هذا الحد في مسلسل (فارس بلا جواز)، بل إنها استطاعت أن تجذب الأنظار إليها في شخصية (نجوي) في مسلسل (طاقة حب)، حيث كانت تجيد إقناع مشاهديها بأنها صبية في أهبة الصخب النفسي، وهى تتقاسم عمليات النصب بطريقة احترافية في ظهور لافت جدا أمام (محمد علاء)، ولأن الله قد حباها بملامح جميلة فقد واجهت صعوبات بالغة في مشاهد تتطلب منها قدرا من القسوة، عكس شخصيتها (الحنونة) كما جاء في مسلسل (القمر آخر الدنيا) أمام الفنانة عايدة كامل، إذ كانت الشخصية تتطلب قدرا من (كيد النساء) بزيادة مفرطة كي تؤثر في نفسية المشاهد، وهو ما أجادته (راندا) بتلقائية غاية في الروعة والتألق، ما يؤكد لي بأنه ينتظر لها مستقبلا باهرا جراء إتقانها الأدوار التي تؤديها بهدوء ونعومة.
راندا عبد السلام من مواليد مدينة المنصورة، وتخرجت من جامعة المنصورة من كلية التربية الرياضية، واشتغلت مدربة سباحة لفترة زمنية وكانت تلعب في فريق (نادي الحوار) للكرة الطائرة، في الفترة من المرحلة الإعدادية حتى آخر سنة في الجامعة، وجربت نفسها على مسرح المدرسة في عمل مسرحي باللغة الإنجليزية كان عن (العناكب)، وكانت تلك أول مرة في حياتها تكتشف قدرتها على التمثيل حتى باللغة الإنجليزية، وكانت ظاهرة جدا ولقيت نفسها باللعب بجسمها وتلوين صوتها وبالنظارة في نص الكلام، رغم عدم حضورها للتدريبات.
أجلت (راندا) فكرة التمثيل لأجل غير مسمى، والتحقت بكلية التربية الرياضية وأكملت مسيرتها الرياضية، وبعدها اتجهت لمجال آخر مختلف حيث دخلت عالم المكياج والتجميل والذي كان مهما للغاية في تكوين وتشكيل تكوين شخصيتها الفنية التي حتمت عليها الاحتكاك بأنواع عديدة ومختلفة وكم هائل من البشر، وفي كل يوم تتعامل معاهم بشكل وبآخر كانت تراهم بعين الفنان وليس عين (رندا) المحترفة في وضع اللمسات الخاصة في التجميل حيث كانت تتعلم أسلوبهم، طريقة كلامهم واختلافهم في الشخصيات التي يقدمونها على الشاشة الكبيرة والصغيرة على حد سواء.
عمل (راندا) في دنيا التجميل والمكياج ساعدها كثير في تولد نوع من الخيال إلى حد أنها امتلكت أدوات التمثيل واستحضار أي شخصية في رأسها بسهولة جدا، وكان العامل الأهم لها هو فهم خطوات الشخصية في السيناريو حتى تتمكن من الإمساك بها، وعلى الرغم من أنها ظلت لمدة 6 سنوات تحترف عمل مكياج العرائس إلا أن هاتفا بداخلها دفعها للحول إلى عالم التمثيل، بعد أن حققت بمجال التجميل شهرة كبيرة و أصبحت من أنجح و أشهر خبراء التجميل للفنانين و قد حصلت عام 2017 علي جائزة كأفضل خبيرة تجميل.
ومن هنا انخرطت (راندا) في عدة ورش لتعلم فن التمثيل، وبدأت في ممارسة المهنة على مهل من خلال مشهد أو اثنين، لكنها لم تستفيد كثيرا بتلك الأدوار الصغيرة التي كانت لاتلبي طموحها، وفضلت الجلوس في بيتها إلى أن التقت بمساعدة مخرج في عمل كان متوقفا علي دور ضروري لابد أن يتم تصويره في عمارة الفنان الكبير والقدير الراحل (نور الشريف)، ولابد ينتهي هذا الدور في أسرع وقت ممكن، ومن ثم تحدثت معها مساعدة المخرج بعد أن رأتها مناسبة لهذا الدور، وبعد المداولات دخلت البلاتوه وقامت بالتصوير بعد قبولها، وكان هذا دورها لتجسيد شخصية (نجوي ) في مسلسل (طاقة حب)، مع المخرج أحمد يسري.
وشاركت (راندا) في هذا المسلسل (يسرا اللوزي، أحمد حاتم، سامح الصريطي أنوشكا، أحمد حاتم) وغيرهم ، وأتقنت دروها الذي انطلقت منه إلى عالم التمثيل الرحب الأمر الذي رشحها لمسلسل (القمر آخر الدنيا) بتجسيد شخصية (نسرين)، ورشحت لأكثر من دور آخر على نفس نهج الزوجة الثانية، لكنها رفضت 3 أدوارحتى لا تنحصر في نوعية واحدة من الأدوار، حتى جاءها بعدها بتسعة شهور دور (فريدة) في مسلسل (فارس بلا جواز).
ربما تبدو (راندا عبد السلام) في بداية المشوار، ويصعب الحكم عليها حاليا لكنها تعمل على نفسها بجد واجتهاد واضعة نصب عينيها سيدة الشاشة العربية (فاتن حمامة) كنموذج مثالي لها في مهنة التمثيل، وربما هذه الروح المحبة لفنانة قديرة وأيقونة من أيقونات الفن المصري الحديث جعلها تبدو أحد الوجوه الجديدة والصاعدة في الفترة الأخيرة، واستطاعت من أول أعمالها الفنية أن تجذب الجمهور والمشاهد إليها نظرا لجمالها الطبيعي وتلقائيتها وموهبتها الظاهرة جدا في التمثيل فخطفت قلوب المشاهدين و أشاد بموهيتها النقاد جراء تفوقها.
ومن ناحية أخرى وفي إطار جديدها القادم، تستعد الفنانة (راندا عبد السلام) في الفترة القادمة للاشتراك في بطولة فيلم فرنسي تونسي، والفيلم يعتبر أول تجاربها السينمائية، وقالت (عبد السلام) إن المخرج العالمي حمزة بالحاج هو الذى رشحها لبطولة الفيلم بعد مشاهدته لها في مسلسل (القمر آحر الدنيا)، تجسد في الفيلم دور فتاة مصرية اسمها (نور) من أصول فرنسية وتلعب بالفيلم دور شخصية محورية ورئيسية بالأحداث التي تدور قصتها في إطار اجتماعى درامى و يناقش قضية هامة وهى قضية الهجرة غير الشرعية في المنطقة من جنوب البحر المتوسط لشمال البحر المتوسط و يتم تصوير الفيلم في عدد من البلدان المختلفة عربيا وأوروبيا، هذا ويعتبر دورها بالفيلم جديد و مختلف عليها لم تقدمه من قبل، بل إنه سوف يعتبر نقلة و محطة مهمة في مشوارها الفنى وحاليا تعقد جلسات مع مخرج العمل لوضع اللمسات النهائية و تفاصيل الشخصية التى سوف تلعبها بالفيلم .
وعلى جانب آخر أيضا ستشارك الفنانة (راندا عبد السلام) في أحداث الفيلم التسجيلي (فيونكة حمرا) و من المقرر تصويره خلال الأيام القادمة ليشارك في عدد من المهرجانات الفنية العربية و العالمية، و يشاركها في بطولة الفيلم (دينا و أحمد حلاوة و محمد رؤوف)، و الفيلم من إخراج و تأليف (حازم متولي) .
ولابد لنا من كلمة توجيهية أخيرة نلفت بها نظر الفنانة الصاعدة والواعدة (راندا عبد السلام) وتتلخص في ضرور أن تنخراط في تدريبات مكثفة لتعلم حرفة التمثيل بأصولها وقواعدها، فمن خلال الورشة والتدريب يقوم المعلم بإكساب الممثل المهارات الأساسية مثل خلق شخصية إحساس بالحدث أو بالفعل الدرامي، ودمج الإيقاع الداخلي، والتنبؤ فيما يتعلق بالحركة، والقدرة على التعرف، وعلى التصوير، والصراع، وفهم اللغة الدرامية فالتمثيل كما قيل هو فن الأساس الفعل، يتكون من مجموعة من الأفعال ولابد أن يوجه المعلم الممثل دائما إلى تمثيل الأفعال لا الانفعالات، فالصدق يمكن أن يتصف به الإقدام على الفعل أكثر مما يتصف به الاستغراق في الانفعال، سواء كان هذ الانفعال زائفاً أم حقيقياً.
وعلى المعلم أيضا أن يوجه الممثل إلى فهم سبب الابتسامة والدافع لها والغرض من ورائها ثم يخص بضرورتها للشخصية وله، ثم يفكر فيها والكيفية التي تعمل بها في حياته اليومية، وفي النهاية يقدم على فعل الابتسامة دون أن يحاول أن ينفعل بها، فالمهم دائما ما يقترن بالإحساس بل إنهما شيء واحد، فالكلمات تكون جزءا من لحظة متاحة على الشاشة، وترتبط بأفكار وتعبيرات جسدية وصور أن الممثلين يحتاجون إلى رؤية صور وتحويلها إلى تمثيل، وهذه الصور تحتاج إلى أن تنمو بالتفاصيل وتصبح أكثر ثراء، إذا كان الممثل مسيطرا على صوته وجسده مثل حالة (راندا) التي يتوفر لديها قدر كبير من الموهبة والحضور، ولهذا فإن التمرين والورشة مهمان لها في هذه المرحلة من حياتها، فالورشة أو العمل المختبري يقوم بتوجيه الممثل الى كثير من الحقائق التي تتعلق بعمله والتي ربما يفوته ملاحظتها على سبيل المثال أهمية تكامل الممثل جسدا، وعقلا، وروحا.
كما أن للتدريبات أهمية ثقافية لدى الممثل ووجوب امتلاك الممثل المقدرة والتمكين والتحريك والتأثير، والاعتراف بأن التمثل مسعى روحاني يتطلب سموا روحيا، بالإضافة إلى كونه مجموعة من المهارات، ولأن علم التمثيل هو رحلة التكوين أو التشكيل الشخصي، وهذه الأنواع من الرحلات التكوينية والتي تعيد تكوين وتشكيل المسافر (الممثل) لكن تجعله نوعا مختلفا من الأشخاص وقد يكون لهذه الرحلة مكانا مقصودا، لكن لا يكون لها مسار بسيط ومباشرة، فهي تتطلب في الأغلب الكثير من الاستكشاف والتجول الهادف والمتسم بالعزم، وتطلب المساهمة الكاملة من المسافر أو النزيل أو المتدرب – تلقائية وانضباط حذرا، وانغماسا لاحيطة، فطرة وتفكيرا وتخطيطا وارتجالا خصوصا في هذا الزمن، وزمن الإشباع العاجل، والراحة السريعة، والإثارة السهلة، ووصفات النجاح الفوري، كثيرا ما يكون هناك انتباه قليل وتحمل أقل، ولهذا، فإن التدريب عند (راندا) يعني قلة الاهتمام رغم ضروريتهما للحياة الانسانية والمجتمع الإنساني.. تحية للنجمة الواعدة (راندا عبد السلام) التي أتوقع لها مستقبلا مزدهرا في عالم الدراما المصرية.