العبقري (علي إسماعيل) يؤلف أول أعماله لفرقة رضا في المستشفي
كتب : أحمد السماحي
نحيي هذه الأيام الذكرى الـ 47 لرحيل رائد التنوير الموسيقي وبيتوفهن الشرق (علي إسماعيل) الذي رحل عن عالمنا فجأة فى السادس عشر من يونيو عام 1974 وهو يعمل في مسرح الفنانيين المتحدين بشارع الشيخ ريحان بالقاهرة، حيث كان يضع اللمسات الأخيرة على موسيقي وأغنيات مسرحية (كباريه) إخراج جلال الشرقاوي.
ومن المجالات الفنية التى برع فيها (علي إسماعيل) وضعه موسيقى ورقصات وأغنيات فرقة (رضا)، حيث أن نجاح الفرقة قام على عنصريين أساسيين وهما مهارة أفراد الفرقة في الرقص الجماعي والفردي المعبر عن البيئة الشعبية المصرية، سواء الشعبي القاهري، أو البحري والقبلي، والعنصر الثاني كانت الموسيقى الرائعة التي ألفها (بيتهوفن مصر) ليرقص على أنغامها أفراد الفرقة.
وبمناسبة ذكرى الرحيل نتوقف مع شهادة نادرة للفنان ورائد الاستعراض في مصرالفنان المبدع (محمود رضا) يحكي فى هذه الشهادة التى جاءت في كتاب (محمود رضا.. والرقص الشعبي في مصر) للدكتورة (سمر سعيد) عن بداية معرفته بالموسيقار (علي إسماعيل) وكيف بدأ هذا الموسيقار المبدع عمله في فرقة (رضا) فقال : وراء اختيار (علي إسماعيل) للعمل بفرقة رضا قصة طريفة، حيث لجأت فى أول الأمر لمهمة تأليف الموسيقى إلى موسيقار آخر معروف جدا، وطلب مني مبلغا كبيرا من المال مقابل تأليف موسيقى أول برنامج للفرقة.
ولم يكن فى استطاعتنا تلبية هذا الطلب، ولكنه وعد بكتابة الموسيقى ويكون الدفع فيما بعد، فوافقت، وشرحت له البرنامج بالتفصيل ونوع الموسيقى والإيقاعات المطلوبة لكل فقرة راقصة، وغير ذلك من التفاصيل اللازمة لكتابة الموسيقى، وسجل الموسيقار الشهير كل هذه البيانات، ووعد بأن يبدأ التأليف فورا، وطلب أن أمر عليه لمراجعة ما يكون قد كتبه من الموسيقى.
لكن في اليوم المحدد لم يكن قد كتب شيئا، وكانت له بعض الأعذار، وحدد موعدا آخر، وتكررت الأعذار، ومضى على ذلك شهور عديدة دون أن يكتب نوتة موسيقية واحدة، ومن جهة أخرى كان شقيقي (علي رضا) قد عرض هذه المهمة على موسيقار آخر صديق له يمتاز أيضا بالموهبة في التأليف، وكان يعمل ضمن فرقة موسيقية في أحد الملاهي الليلية، وله فيها أجر ثابت يعتمد عليه في معيشته، وعلى الرغم من تحمسه الشديد لهذا العمل فإنه خشى أن يجازف بترك عمله هذا مقابل مغامرة غير مضمون نجاحها.
وهكذا مرت الأيام واقترب يوم الافتتاح الذي حددناه، وكنت قد صممت معظم رقصات الفرقة مستعينا بالإيقاعات المناسبة لكل رقصة، وبدون الموسيقى التى لم أستطع انتظارها، وهذه طريقة صعبة وغير عادية في تصميم الرقصات.
وفى أحد الأيام أخبرني أخي (علي رضا) بأنه اتفق مع موسيقي آخر صديق له أيضا اسمه (علي إسماعيل) لتأليف الموسيقى وقيادة الأوركسترا، ولما كنت لم أسمع من قبل بهذا الإسم فقد أبديت ترددا وتخوفا، ولكن شقيقي (علي رضا) طمأنني وأكد لي حسن اختياره.
وجاء (علي إسماعيل) حسب الموعد الذي حددناه، وشاهد تدريبات الفرقة، وكتب ملاحظاته وعدد الموازير الموسيقية لكل رقصة، وغير ذلك من التفاصيل، ثم اختفى أيضا! ولم يحضر في الموعد المحدد، وشعرت بخوف شديد، حيث أن موعد الافتتاح قد اقترب جدا، ولم نكن نود أن نبدأ عمل الفرقة الجديدة بالتأجيل.
وأثناء تلك الحيرة علمنا من صديق لنا أن (علي إسماعيل) فى المستشفي!، حيث وقع لأبنه الصغير حادث ونقل إلى المستشفى على أثره، واضطر هو إلى ملازمته فى المستشفى ليل ونهار، ولكنه لم ينس الفرقة التى اقتنع بها وأعجب بفنها، فأخذ معه النوت الموسيقية وبعض الموسيقيين وألف كل موسيقى البرنامج فى المستشفى.
وحين سألناه عن الأتعاب أو المبلغ الذي يطلبه مقابل هذا التأليف والتلحين والتوزيع الموسيقى رفض رفضا باتا أن يتقاضي أي أجر، وفى السادس من أغسطس عام 1959 بدأت فرقة رضا ومعنا الموسيقار العبقري علي إسماعيل) موزعا ومؤلفا للموسيقى وقائدا للفرقة الموسيقية.
قدم (علي إسماعيل) لفرقة رضا أعمال استعراضية غنائية كثيرة منها (شوي العصاري، الحجالة، الدبكة، العتبة جزاز، طعمه، سيوة، الدحية، السد العالي، قطر الثورة، مولد الحسين، بياع العرقسوس)، فضلا عن أعمال كبيرة وهامة مثل (وفاء النيل، رنة الخلخال، الناي السحري، علي بابا والأربعين حرامي).
وطوال عمله بفرقة رضا قامت الفرقة برحلات شملت أوربا والصين، ويوغسلافيا، وروسيا، لتقديم الفنون الشعبية المصرية، ونجحت تلك الرحلات نجاحاً باهراً، فقبل أن تكون رسالة للعالم الغربي يعرف من خلالها المجتمع المصري، كانت أيضاً للتواصل مع المغتربين العرب في كل دول الغرب، وتقديم الفنون المصرية التي حرموا منها في بلاد المهجر، ونالوا جوائز عديدة والتقوا في رحلاتهم برؤساء الدول الذين حرصوا على مشاهدة عروضهم الفنية.
رحم الله بيتهوفن مصر ورائد التنويري الموسيقي في مصر المحروسة.