(إيمان أصلى وإيمان مزيف!)
بقلم : محمد شمروخ
لم أهتم مطلقا بما كتبه المطرب (إيمان البحر درويش) وأثار لغطا على مواقع التواصل الاجتماعي، فما كتبه على صفحته على موقع فيسبوك بشأن موقفه من أزمة سد النهضة وهو تحت أي وضع يعكس وجهة نظره، ومهما كان فيها من تحامل أو سوء تقدير أو تعبير عن حنق فهو يقع تحت بند القلق الذي يشعر به الكثير من المصريين حول قضية وجود وأخطر أزمة تواجهها مصر في تاريخها، فالنيل هو الذي جعله الله سبب وجود مصر وأساس بقائها منذ أقدم العصور وإلى أن يشاء الله.
فكل مشاعره وتقديراته أيا كانت أسبابها ومبرراتها فهو حر في إبدائها وما كتبه المطرب (إيمان) هناك من تجاوزوه بالصوت والصورة والمقال والبوست والتويتة وكل وراءه ما وراءه.
لكن ما سقط فيه حفيد سيد درويش فحق عليه به اللوم الشديد هو السخرية من طائفة من الناس سخر من مهنتهم وحقر منها عندما حشر مهنة (البوابين) كنوع من التحقير للأثيوبيين بسبب بشرتهم السوداء والتى يشبهها أبناء مهنة البوابين في معظمهم حيث ارتبطت هذه المهنة بأبناء الجنوب من ذوى البشرة السوداء
ربما لم تفهمنى حتى الآن، خاصة لو ظننت أنى أرمى إلى اتهامه بالعنصرية تجاه أصحاب اللون الأسود وهى تهمة أظن أنها لم تخطر بباله كما أنها عقدة أمريكية لا شأن لنا بها خاصة أننا كمصريين تحمل جيناتنا كل ألوان وأعراق وعناصر البشرية
فماذا إذن؟!
القضية أن الفنان الكبير إيمان البحر درويش عبر عن عقدة اجتماعية متغلغلة في نسيج مجتمعنا لاسيما فئاته العليا ممن يصفون أنفسهم بصفوة المجتمع وهم حقا صفوته بما ابتلاهم الله من رزق وفير جعلهم يحتقرون طوائف وأنواع من البشر ولا يشعرون بذلك لأنهم يمارسون هذا التحقير كأنه حق طبيعى لهم ألا يرون البواب يقف ذليلا على أبوابهم يستجدى الشهرية والبقشيش؟!
أليس هو الذي يسكن مع زوجته وأولاده غرفة خانقة تفوح بالروائح العطنة؟!
ألا يقوم بمسح السلم وليس له أن يتضجر من آثار أحذية السادة السكان؟!
ثم إنه هو الذي يحضر الحاجيات نظير بضعة جنيهات ويحمل حقائب السفر ويمسح زجاج السيارات ويتعامل مع الزبالين والصنايعية وا وا وا اوا.
فليس له ما يكافيء ذلك إلا بأن نحتقره لأنه يتقاضى ثمن كل ما سبق وزيادة وما عليه إلا أن يحمد ربنا على نعمة رضا السادة الأكابر عنه.
الحمد لله رب العالمين.
لعلك تبتسم الآن سخرية وتظن أنى مزودها ومتحامل على المطرب لموقف سياسي أنت تؤيده.
إذن فاسمح لى أو لا تسمح أن أصفك بأنك تافه وسطحى.
لانك حتى الآن لا تزال أسيرا لمنظومة ثقافية وأخلاقية كانت نتاجا لمجتمع يعانى جملة من الأمراض الاجتماعية والنفسية والتبلد في الحس ولست أنا هنا بالمتعاطف مع البواب فمعنى التعاطف هو أننى إنسان مزيف (مثلك) صدقت نفسيى بأننى بحصولى على شهادة ما وعملى بوظيفة ما وسكنى في شقة بحي ما ولدى سيارة ودخل مادي ولي علاقات مع شخصيات ومراكز اجتماعية ووظيفية، لو ظننت أن كل هذا يجعلنى أظن أنني أرتقى ولو درجة على مهنة البواب والزبال والسباك وباقي طوائف الصنايعية كافة ولو درجة واحدة، فأنا واهم ومخطيء في آدميتى وفي حق الإنسانية كلها.
فقيمة الإنسان أعلى من أي مركز اجتماعى ولن أذكرك بأنك لن تتفاخر بمركزك الاجتماعى بل لن تستمتع بحياتك بدون بواب يحرس عمارتك وبدون سباك يصلح دورتك وميكانيكى يصلح سيارتك وزبال يحمل زبالتك كما أنت بحاجة إلى طبيب ومهندس ومدرس.
لقد سبق لي أن انتقدت بقوة فيلمى (انتبهوا ايها السادة، والبيه البواب) لأنهما يدعمان هذا الاستعلاء ويرسخان لتلك المفاهيم الكاذبة الخاطئة التى جعلت الإنسان يسب أخيه الانسان بمهنته وعدم الشعور بأنك تصف إنسان وقاصدا الإساءة إليه بأنه بواب أو زبال يعنى أن هناك عطبا في ضميرك الإنسانى وبلادة في حسك الآدمي.
أنا لا أتعاطف كما قررت لك لأن التعاطف يدعم شعور الفوقية الكاذب بل أحاول تنبيهك من غفلتك فلا تصدق أنك بيه أو باشا لأن لقبي البيه والباشا ليسا فقط لقبين تم إلغاؤهما رسميا منذ حوالي سبعين عاما بل هما لقبان يعكسان مدى الزيف الاجتماعي الماضى والحاضر، ولكننا اعتدنا الزيف فاصبحنا نقيس عليه الحقيقة فصارت غريبة تماما كما تقرر أنت الآن وتتهمنى بالادعاء أو حتى الجنون أو على الأقل بالمبالغة او الاغتراب.
فإن أردت أن تكون غريبا مثل من يعتقدون اعتقادي هذا فتمسك بالجمرة التى بيدك فتلك فما تشعر به من ألم هو الدليل على أن الإحساس ما زال يسرى فيك فالألم مع الإحساس خير من الراحة مع البلادة.
فأكثر ما يحزننى هو أن حفيد سيد درويش الذي كان أول من غنى للبوابين والصنايعية والفلاحين لأنه كان فنانا حقيقيا وليس زائفا، وكان أولى بحفيده أن يسير على دربه، خاصة وأنه استمد منه قيمته عندما أعاد أغانيه عن تلك الطوائف، ولكن شتان بين إيمان حقيقي أصلي وإيمان كاذب مزيف!.
مقال رائع الموضوع، وأسلوب مناسب وعظيم، مازالت في مصر أقلام راسخة العلم والفكر تعلي القيم الإنسانية.