أنغام تنشر الجمال على الأرض فى (أنا بعته كتير)
كتب : أحمد السماحي
الذين يفتشون عن جمال الطبيعة يجدونه فى الزهور، وفى مشهد غروب الطبيعة، وفى تغريد الطيور، وأنين خرير الماء، وطنين النحل، ومن يفتش عن جمال الغناء يجده عند (أنغام)، فالجمال يكتب اسمها فوق وجه الأرض عندما تغني، فـ (أنغام) ليست صوتا ولا إحساسا جميلا صادقا فحسب، بل أداء نورانيا، وفنا عظيما متجددا متنوعا، فن وسيلته إمتاع الجمهور وإسعاده، وغايته الانتصار لقيم الحق والخير والجمال وسط الصخب والضجيج الغنائي الحالي
عطاء هذه الفنانة المتميزة المتربعة على القمة مستمرا لأكثر من 30 عاما ويزداد جمالا وتوهجا عاما بعد عام، لأنها موهبة صادقة وتقدر مسئولية الفن، وتجيد اختيار ما تغنيه، وعلى مدى مشوارها اعتمدت (أنغام) فى غنائها على مدرسة موسيقارنا الكبير (محمد عبدالوهاب)، وهى المدرسة التى تشبعت بها أيضا مطربتنا الرائعة (أسمهان)، وجارة القمر (فيروز)، وهى مدرسة الميل الشديد إلى الاعتماد على الرقة والشفافية والهمس فى الأداء الغنائي، وكلها صفات كانت قواعدها الأساسية مطروحة فى الأسلوب (الوهابي والأسمهاني والفيروزي) وأخيرا (الأنغامي).
لأن (أنغام) بحكم نشأتها وثقافتها الموسيقية، ودراستها، تعلم جيدا أننا لسنا في زمان الاعتماد أو التباهي على قوة الصوت الغاشمة التى تجبر المستمعين على الخضوع والتسليم تحت وطأة إرهاب الذبذبات وتعدد الطبقات، لكننا في زمن تعبيري، أي يعتمد على الإحساس والبساطة، والتعبير فى الغناء عن الكلمة واللحن.
منذ يومين طرحت (أنغامنا) أغنية جديدة تفيض رقة وعذوبة وجمال بعنوان (أنا بعته كتير)، كلمات: (أمير طعيمة) الذي نضج فى السنوات الأخيرة نضوجا رائعا راجع إلى السنين والخبرة، ألحان: (إيهاب عبدالواحد) الذي توقعت له منذ سنين أن يكون أحد أهم نجوم التلحين وذكرت له هذا فى بداية مشواره وقال لي يومها: (يسمع من بؤك ربنا)!، وتريات المايسترو (هاني فرحات)، توزيع ميكس وماستر المبدع الكبير أحد عظماء التوزيع فى مصرنا (طارق مدكور)، باص جيتار للمتميز (أحمد رجب)، جيتار الموهوب جدا والمنتشر فى معظم الأغنيات (مصطفي أصلان).
الجديد فى الأغنية أن حالة الحب هنا مختلفة وجديدة على (أنغام) التى لديها نظرية خاصة في الحب، فالحب عندها يبدأ من عاطفة تملأ القلب، ولكنه لا ينتهي عند هذه الحدود، فالمحب معناه فى نظرية (أنغام) الإنسان الذي يتحمل مسئولية الحب وحنانه، ولابد أن يعرف الإخلاص والوفاء والألفة وحسن المعاشرة للناس، وإلا ستكتب تعهد! بعدم الارتباط بعد هذا الحبيب بأي حبيب آخر.!
المبدع أمير طعيمة
جاءت فكرة الأغنية التى أبدعها المبدع (أمير طعيمة) جريئة وجديدة علي المستمع المصري والعربي الحالي، وتتحدث عن حبيبة – بحكم أن الأغنية على لسان إمرأة – يبدو أنها تعاني من السادية، فكانت تُوجع حبيبها، لأنها كانت تظن أنه ملك يمينها، لهذا عندما تركها وفعل معها كما كانت تفعل فيه، بدأت تعاني من تأنيب الضمير، وتخاطب نفسها، وتعترف بالندم بعد فقدان هذا الحبيب، وعلى حب أضعته من يدها، لأنها لم تقدر هذا الحب، واستقوت على الحبيب!
أعلم جيدا أن (أنغام) أحبت أن تخاطب الجنسين (الذكور والإناث) فى هذه الأغنية، وتعمم الحالة حتى لا تكون حكرا على جنس بعينه، لهذا غنت بلغة المذكر، ولكن مشكلتي مع كلمات (أنا بعته كتير) أن فيها قوة ليست من شيم المرأة المصرية والعربية، وإن كانت موجودة فى قلة من النساء، فالأغنية كلماتها (رجولية) أكثر منها نسائية!، فالمرأة فى جملة (أنا بعته كتير ووجعته كتير) لا يمكن أن توجع الرجل إلا إذا كانت خائنة!، أما الرجل فيمكن أن يوجع المرأة بطرق كثيرة منها إهماله وضربه لها، وغيرها، كما أن الرجل مثلا هو الذي يبني فى جملة (مش أنا اللي بديت، هديت ما بنيت)، حتى لو كان هذا البناء قصة الحب، فلم نسمع فى العالم العربي عن إمرأة هى التى بدأت وأعلنت حبها وطلبت يد حبيبها، ووضح أن الكلام رجولي أكثر فى الكوبليه الذي يقول :
ياما قاللي بلاش، وماتستقواش
ياما قاللي مسير الجرح، يقسي وماهتمتش
لا عليه حنيت، ده انا بيه ضحيت
أعتقد أن الاستقواء من شيم الرجال وليس من طبائع النساء، خاصة أن حجم (أنغام) يدعو للعطف، وليس الاستقواء، إلا إذا كانت إمرأة عملية وتدير حياتها بعقلها وليس بعاطفتها.
إيهاب عبدالواحد وبس
ترجم الملحن الموهوب (إيهاب عبدالواحد) الكلمات بلحن مليئ بالبساطة والجمال والعذوبة من مقام (الكرد)، أو نقدر نقول أنه معجون كرد، لكن طريقة استخدامه لمقام (الكرد) مختلفة وشيك جدا، واستطاع بجملة اللحنية العذبة الشيك سواء فى جنس الفرع أو جنس الجذع أن يخطفنا، واللحن (تيمة) بسيطة وبلوك (قطعة واحدة) من الأول للآخر، لكن ما فعله (إيهاب عبدالواحد) يؤكد على موهبته الكبيرة.
طارق مدكور عبقري الكومبو
وجاء توزيع العبقري (طارق مدكور) شيك جدا كعادته دائما فى توزيعاته، ووضح هذا جدا في خط الوتريات الذي وزعه بتمكن شديد المايسترو (هاني فرحات)، وبالتأكيد ما فعله (فرحات) فكرة (طارق مدكور) الذي أعلم جيدا أنه يحب أن يكون مسيطرا في شغله ولا أحد يعدل عليه.
أنغام الرائعة
أما أداء الرائعة (أنغام) فشيئ يأخذ العقل، فالبساطة التى تغني بها، والإحساس المشغول بالصدق، والذوبان ومعايشة الحالة، جعلتني أستعيد سماع الأغنية مرات، ومرات لكي أستمتع بحروف الكلمات التى تشدو بها (أنغام) التى تضيف للكلمات شحنة عاطفية عالية تجعلها تغزو القلب بكل سهولة ويسر.
شكرا (أنغام) على هذه المتعة التى تجعلنا نقول أن الغناء العاطفي مازال يسعد الذي يقوله والذي يسمعه في آن واحد!، طالما يحمل أفكار جديدة، وألحان شيك راقية تسمو بوجداننا وسط حالة الزحمة الصاخبة في ساحة الغناء الحالي الذي يزعج آذاننا بقدر ما يطربها ويشجيها كما فعلت وتفعل أنغام دائما.