خالد سرحان .. تراجوكوميديان بدون أعراض جانبية
بقلم : محمد حبوشة
لا تختلف الشخصية المضحكة (الكوميدية) عن الشخصيات (الدرامية) الأخرى من حيث أبعادها وصفاتها إلا بشكل نسبي إذ أن لها بعدا عضويا وجسمانيا معينا، كما أن لها بعدا اجتماعيا ينتمي إلى طبقة اجتماعية معينة، وكذلك ولا يختلف ممثل الأدوار المضحكة (الكوميدية) عن ممثل الأدوار الأخرى سواء في المسرح أم في السينما أم في التلفزيون سوى ما تتطلبه الشخصية الكوميدية من متغيرات في التعبير الجسماني والصوتي، وهنا تؤدي المبالغة والاصطناع والتشويهات دورها أحيانا في أداء الممثل الكوميدي بقصد أثارة الضحك، ومثلما يمتلك الممثل الكوميدي مرونة جسمانية وصوتية كافيه لتنفيذ المتغيرات المذكورة أعلاه، فلابد للممثل التراجيدي أو الدرامي أن يمتلك مثل هذه المرونة أيضا، وقد يتطلب من الممثل الكوميدي أن يكون أكثر مرونة لأن المتغيرات التي عليه أن يمر بها خلال مواقف متغيرة كثيرة وسريعة.
وضيفنا في باب (في دائرة الضوء) الفنان الكوميدي (خالد سرحان) الذي تحول إلى التراجيديا مرخرا ولكن على طريقته الخاصة في الأداء بأسلوب (التراجكوميدي)، وذلك إنطلاقا من فهمه الواضح بأن الفنان الكوميدي لايختلف عن التراجيدي سوى فيما تتطلبه الشخصية، لذا فهو يحرص دائما على الأحساس والشعور بالشخصية التي يجسدها ويترجم ذلك بمرونة جسمانية وصوتية تناسب أجواء الأحداث داخل السياق العام للمسلسل الذي يشارك فيه، تماما كما جاء ذلك من خلاله لتجسيد شخصيتين مختلفتين تماما في موسم رمضان 2021، وذلك في مسلسلي (المداح، واللي مالوش كبير)، وهنا ظهرت قدرات (خالد) كممثل وصل إلى مرحلة النضج الكامل ما يستحق اهتمام المنتجين والمخرجين لوضعه في المكان المناسب الذي يليق بموهبته التلقائية، التي تجمع بين التراجيديا والكوميديا في ثوب مغاير لما اعتدناه من جانب كثير من الممثلين الحاليين.
لقد ظهر لي (خالد سرحان) في قمة التألق على مستوى تقمص الشخصية وتقديمها في إطار يبرز الجوانب النفسية الداخلية والخارجية لها بإيقاع يغلب عليه الميل إلى الحزن تارة والفرح تارات أخرى من شأنها أن تنعش أجواء المسلسل الذي يشارك فيه من فرط تلقائيته المحببة والتي تعكس فطرته السليمة دون تصنع أو مبالغة تفسد أداءه التمثيلي الذي أصبح محببا إلى قلب الجمهور المصري والعربي، وهو ما اتضح من متابعته طوال حلقات المسلسلين والتعليق بإيجابية على أدائه الجميل دون صخب أو ضجيج، وكأن يثبت دون شك بأن النضج الذي وصل إليه نتيجة جهد كبير وتقلب بين الشخصيات التي لعبها على مدار رحلته التي تقترب من العشرين عاما.
خالد سرحان كممثل كوميدي قدم جهدا استثنائيا في أداءه لدور (حسن) في مسلسل المداح على جناج تراجيدي بمس كوميدي خفيف أكسب الشخصية قدرا من الإبهار حتى أنه ينطبق عليه قول فرويد: (أن الممثل الذي يقدم لنا عرضا مسرحيا هزليا مقارنة مع أنفسنا أنه يقدم جهداً كبيراً من خلال وظائف الجسم، وأن هذا الجهد يجعلنا متمتعين ومسرورين وهذا هو التفوق الذي يشعر به الممثل الكوميدي)، وقد بدا (سرحان) يمتلك ملامح مضحكة على مستوى الشكل واستعداده للنزق وهى صفات تخدم نوعا من التمثيل يقوم على التحقير، فضلا عن المبالغة، والتي تعد من التقنيات الهامة التي يستخدمها معظم الممثلين: وهي أن تتحدث عن أشياء صغيرة كما لو كانت كبيرة، ولابد أن تكون المبالغة ممنهجة كما هى عند خالد سرحان خاصة حينما يصف بطولاته المزيفة.
ولأنه ممثل كوميدي لديه خبرة كبيرة فقد برع في كثير من جوانب حياة شخصية (حسن) العامة وما مر به من مصاعب ومكابدات انعكست في أداءه مثل: الحرمان وشظف العيش وحالات الاضطهاد والتمييز، ومع ذلك حاول أن يكون مسليا أو مضحكا بأي ثمن، بل انحصر هدفه في انتزاع ضحكة من الآخرين أكثر مما يتمثل في الحديث بذوق أو لياقة، ومن هنا فقد ظلت فكاهاته وتسليته ضمن حدود الذوق الطيب إلى حد أننا يمكن أن نطلق عليه أنه من الظرفاء.
وبحسب وصف (أرسطو) فإن هؤلاء الظرفاء، يمكن أن نضعهم في منزلة تليق بهم كونهم يستخدمون كلمات لا تمس الحياء ويرى ( إن هذا الإنسان اللبق الذي يقول أو يستمع إلى كل ما هو لائق، جدير بان يوصف بأنه إنسان نبه حر)، وفي حالة مثل حالة (خالد سرحان) أحيانا يكون الضحك نافذة لتمرير أشياء لا علاقة لها بالمرح والدعابات: الألم والصدمة والحرج والدهشة والانبهار والسخرية السوداء والحقائق التي تأتي متأخرة على الدوام، خاصة عندما كان أحيانا يفلسف خيباته المتكررة في هيئة نكتة، إنطلاقا من أن الضحك هو المسكن الوحيد بدون أعراض جانبية، بل إنه العلاج المثالى لكل أوجاع القلب، وحين لم يكن الضحك ممكناً فإننا لا نضحك لأننا سعداء.
في كتابه (الضحك والنسيان) يقول ميلان كونديرا: (أن تضحك يعني أن تعيش الحياة بعمق)، وسواء حلل الإنسان ظاهرة الضحك أم لا، فكلنا في نهاية الأمر نضحك على أشياء كثيرة، سواء للمتعة الحسية التي يولدها الضحك فينا، أو لنحارب به الحزن والاكتئاب، أو لنظهر سعادتنا في مواجهة الحياة والناس، لكن الضحك عند (خالد سرحان) من فرط التراجيديا هو اللغة الأكثر وضوحاً وتطوراً والتي يعبر بها الجسد ليس فقط عن الفرح، ولكن يمكننا أن نلاحظه يضحك في حالات متباينة: كالتوتر، الخوف، التهكم، الحزن، الغضب، الخجل، الصدمة، السخرية، فهو يضحك في كل هذه الأحوال ليواجه المواقف المتناقضة بذات اللغة: الضحك!، ناهيك عن تلك (الضحكة الاجتماعية) التي لا تعبر بالضرورة عن أي إحساس لا بالمتعة ولا بالفكاهة!، وهو ما لاحظته كثيرا في تجسيده لشخصية (رفعت الدهبي) في مسلسل اللي (مالوش كبير).
كان خالد سرحان في كلا الشخصيتين (حسن)، و(رفعت الدهبي)، يضحك أحياناً ليتجاوز مآسيه الشخصية أو العامة، وليس بالضرورة لأنه سعيد أو مستمتع، ولأن الشخصيتين مختلفتان تماماً، ولا توجد علاقة بينهما بشكل أو بآخر، فقد كان التحدي له أنه سيقدمهما في وقت واحد، لكنه أدرك منذ البداية أن الاختلاف يكمن بينهما في لغة الجسد والصوت ونبرته ونظرة العين، والأمور الداخلية في كل منهما، حتى في طريقة سير الأحداث، فحسن في (المداح) شخصية طيبة جداً، وقريبة من المصريين الفلاحين البسطاء، وربما شاه مثلها قبل ذلك كثيراً وتعامل معهم واستلهم تفاصيلها من الفلاح البسيط، كما أن هذا العمل الدرامي يحوي سيناريو جديداً من نوعه، لم يقدم من قبل، سواء في الدراما المصرية أو العربية، وتدور فكرته حول السحر والأعمال والصوفية في العبادات ومدح النبي والمدد لله سبحانه وتعالى.
أما رفعت الدهبي في (اللي مالوش كبير)، فعلى الرغم من كونه يفوز بالنصيب الأكبر من ناحية الصعوبة، لأن به مشاهد ضرب وأكشن جمعته بالفنان أحمد العوضي، وهذه كانت الأصعب، ونظرا لأن الأحداث تدور فى إطار من الإثارة والتشويق، فعلى ما يبدو لي أنه جهز للشخصية من خلال الاحتكاك بمثيلاتها في الأحياء الشعبية حتى يستطيع أن يجسدها على نحو احترافي، كما جاء ذلك من خلال التقمص الكامل لشخصية (رفعت الدهبي) الذي كان بارزا للغاية من خلال أداء يتسم بالجدية على المستوى الداخلي والخارجي، ولعل حركاته وإيماءته كانت بالغة الدقة في التعبير عن السخط والغضب الذي ظهر أكثر من خلال الشرر الذي كان يتطاير من عينين معبرتين عن حجم القهر والظلم الذي تعرض له خلال الحلقات الأولى.
ولد خالد سرحان بالقاهرة، وهو ابن الكاتب الشهير الدكتور سمير سرحان الذي قدم العديد من المؤلفات الشهيرة التي مازالت بين الجمهور حتى الآن، وبدأ خالد حياته الفنية منذ عام 1998 و قدم مجموعة من الأدوار المختلفة أمام كبار الفنانين، مما أهله لدخول عالم الفن بجدارة، وقد امتلك من البداية موهبة كبيرة انتقل بها إلى عالم المسرح والتلفزيون، وقد أسعده الحظ بالتمثيل أمام الفنان عادل إمام في أدوار مميزة أشهرها فيلم (طيور الظلام) وغيره من الأدوار المختلفة، وقد ساعده ظهوره أمام الفنان عادل إمام على الشهرة السريعة، والانتقال إلى الأدوار المتنوعة، كما تميز بأداء اللون الكوميدي في معظم أعماله، مما جعله يحصل على أدوار البطولة في بعض الأعمال التلفزيونية التي قدمها مؤخراً، ومازال يقدم العديد إلى الجمهور حتى الآن.
بدأ (خالد سرحان) مشواره الفني عام 1998 كما قلنا سابقا من خلال فيلم (طيور الظلام) الذي شارك فيه مع الزعيم عادل إمام فقد كان ذلك أول أعماله السينمائية، وجسد فيه الشخصية بإحكام مما جعله ينال أكثر من دور أمام الفنان عادل إمام، كذلك حاز على إعجاب الجمهور لأنه يمتلك شخصية كوميدية تنعكس في أعماله الفنية، وهذا اللون من الفن له جمهور واسع، مما جعل الفنان خالد سرحان يشتهر سريعاً في بداية مشواره الفني.
ثم انتقل من السينما إلى المسرح والتلفزيون، فقد وجد نفسه في بعض الأعمال الدرامية، ولكنه كان يفضل الأدوار الكوميدية، وظل يقدم الكثير حتى حاز على دور البطولة في بعض المسلسلات أشهرها مسلسل (يوميات زوجة مفروسة أوي) مع الفنانة داليا البحيري الذي تم عرضه عام 2016، وشارك خالد (داليا البحيري) في العديد من الأعمال التلفزيونية والسينمائية، كما أكد سرحان خلال أحد اللقاءات التلفزيونية أنه يسعد دائما في العمل مع الفنانة داليا البحيري فهما صديقان خارج الفن، كما أضاف أن الفنانة داليا البحيري تشارك معه الكثير من النجاحات من خلال أعمالهما التلفزيونية معاً.
قدم (خالد سرحان) مجموعة من الأفلام الشهيرة والمميزة مع كبار الفنانين، التي ما زالت تعرض حتى الآن، وتظل هى من أشهر التجارب التي قدمها، ومنها أفلام: ( طيور الظلام ، رسالة إلى الوالي – 1998، فلاح في الكونجرس – 2002، التجربة الدنماركية – 2003، كان يوم حبك – 2005، عصابة الدكتور عمر – 2007، الديكتاتور – 2009، إكس لارج – 2011، الجيل الرابع – 2015، عنتر ابن ابن ابن شداد – 2017 مع الفنان محمد هنيدي.
وانتقل خالد سرحان إلى عالم التلفزيون بعد بدايته الفنية من خلال السينما، حيث قدم عدد لا بأس به من المسلسلات الشهيرة، وهى التالي: (العائلة والناس – 2001، أمس لا يموت – 2003، سكة الهلالي – 2006 مع الفنان يحيى الفخراني، العيادة – 2008، قصة حب – 2010، ابن ليل – 2012، صاحب السعادة، مع الفنان عادل إمام – 2014، الصندوق الأسود – 2015، يوميات زوجة مفروسة أوي، وحاز فيه على دور البطولة – 2016، مأمون وشركاه، مع الفنان عادل إمام – 2016، قيد عائلي – 2019، مع النجم الراحل عزت العلايلي.
وأطل علينا الفنان خالد سرحان في الموسم الرمضاني 2020 بشكل جديد ومختلف تماماً عما قدمه من قبل، واستطاع أن يلفت نظر المشاهدين ليس فقط كوميديان كبير، بل هو يستطيع أداء أي شخصية مهما كانت، حيث برع خالد سرحان وأثبت براعته فى تجسيد دور الشر فى مسلسل (خيانة عهد) مع النجمة يسرا فى رمضان الماضى، الأمر الذي رشحه للقيام بدورين في موسم رمضان 2021 (المداح، واللي مالوش كبير).
ويبقى خالد سرحان ممثلا كوميديا من الطراز الأول واشتهر بإفيهاته الكوميدية، في العديد من الأعمال الفنية المهمة، ولكنه رفض حصر المخرجين له في هذا اللون، ويريد أن يثبت موهبته الفنية بعيداً عن الكوميديا، كما أثبت ذلك من خلال مسلسلي (المداح) و(اللي مالوش كبير) ما جعل الأضواء تسلط عليه كاشفة عن موهبة فطرية حقيقية تبرع في المزج بين الكوميدي والتراجيدي في ثوب واحد يجعله مختلفا بين أقرانه من نفس الجيل .. تحية تقدير ومحبة للفنان المبدع خالد سرحان الذي أمتعنا في رمضان 2021، ونتمنى أن يمد الله في عمره كي يمتعنا أكثر وأكثر.