الصمت المريب في اعتزال آمال ماهر!
بقلم : محمد حبوشة
لأنها من القليلات اللاتى أثبتن فى الفترة الأخيرة قدرتهن على أن تكون (ست) غنائية معاصرة، بصوت نسائى قوى ومميز، ربما من أقوى الأصوات عربيًا، بالإضافة إلى (كاريزما) خاصة، ونشأة موسيقية زادتها خبرة ورؤية، لترسم بمفردها خططها وتغيراتها ومساراتها، وهو ما زاد متابعيها طمأنينة وثقة فى مستقبلها وأعمالها المقبلة، بفضل رؤيتها الواضحة فى الغناء، ومن ثم كان حري بي أن أطرح تساؤلات ملحة حول اعتزال المطربة الشابة (آمال ماهر)، التي ما أن كادت تتفتح كزهرة برية في ساحة الغناء الغناء العربي حتى حصدت إعجاب ملايين العرب، بعد أن تخلصت من لقب (مغنية أم كلثوم) بعد ثانى ألبوماتها (أعرف منين) .. ورغم أن خبرتها الموسيقية أهم أسلحتها في تحقيق ما تصبو إليه، إلا أنها للأسف أصبحت مستهدفة بالمؤامرات والفتن التي تهدد بالتوقف عن جريان نهر إبداعها الغنائي الفاتن الذي يسلب القلوب.
قرار اعتزال (آمال ماهر) – والذي لا أراه نهائيا – فجر عدة أسئلة حول طريقة ووقت اعتزالها لظروف خاصة – كما تقول على لسانها – رغم أن كل الدلائل تشير إلى قوة شخصيتها وثقتها فى قراراتها وإمكاناتها، والدليل على ذلك تحولها المفاجئ من مجرد مؤدية فى دار الأوبرا لأغانى أم كلثوم، والتى التصقت بها لفترة طويلة منذ صعودها، إلى أن فاجأت الجمهور بتغيير (صورتها الذهنية) باقتحام موسيقي (البوب) بألبومى (إسألنى أنا – 2006) ومن بعده (أعرف منين – 2011)، ولعل تحدى آمال ماهر فى تغيير خطتها فجأة بعد تشبعها من أم كلثوم والمرحلة الكلاسيكية، جاء موفقا واستطاعت فرض نفسها كمطربة منافسة ضمن الأصوات الغنائية، مع اعتزازها بما قدمته لأم كلثوم فى بدايتها الفنية، والتى تظل معها إلى الآن فى حفلاتها، وربما يعتبر كل ذلك فى صالح نموذج آمال ماهر الجديد، الجامع خلفية أم كلثوم، والمطربة الشابة المعاصرة، والذى يثبت قدرتها فى المنافسة بكافة أشكال الغناء، وكذلك تكوين قاعدة جماهيرية متنوعة، من محبى اللونين.
إذن آمال ماهر بشخصيتها القوية تلك لابد أن يكون وراء قرارها المفاجئ سبب قهري، وبحسب رواد السوشيال ميديا فقد انتشر لغط كبير حول تورط (تركي آل شيخ) في هكذا قرار، وقد شهدت مواقع التواصل الاجتماعي جدلا واسعا بين جمهور الفنانة وذلك عقب ما أعلنت اعتزالها فجاءة دون ذكر أي أسباب، رغم أنها و قبل أيام قليلة كانت قد أعلنت عن تعاقدها على عمل جديد، ومن هنا فإن الإشارة إلى اسم شخصية خليجية (تركي آل شيخ) ودخولها على خط الأزمة قام بتسخين الأجواء وتسبب في استفزاز أكثر، و في هذا قال رواد السوشيال ميديا – في تأكيد على أن المتسبب في دخولها في حالة نفسية ضاغطة هو تركي – أن الأزمات ظلت تلاحق النجمة آمال ماهر في الفترة السابقة واحدة تلو الأخرى رغم أنها كانت تلتزم الصمت، إلا أن الجمهور قد لاحظ كل ذلك، و بدأت العديد من التدوينات و التغريدات في تناول الأزمات التي تعرضت لها، بعد إشارات واضحة لأصابع الاتهام التي تشير إلى أن الشخصية الخليجية وراء اعتزال آمال ماهر ، وذلك بفضل امتلاك النفوذ و السلطة بين الوسطين الرياضي والفني.
تعرضت آمال ماهر للعديد من الأزمات لأسباب لا زالت مجهولة المصدر حتى الآن، ووسط صمت مريب من جانب تركي آل شيخ تارة، ونقيب الموسيقيين الفنان الكبير هاني شاكر تارة أخرى، خاصة أنه تم حذف قناة اليوتيوب الخاصة بها في شهر مايو الماضي، كما تعرض فريق العمل و مدير أعمالها لتهديدات عديدة، و لم يقتصر الأمر على حسابات آمال ماهر فقط، بل وصل الأمر الى حذف حسابات المعجبين من موقع وهمي، وتلك أمور مدبرة بيد خفية تجبن على أن تكشف نفسها أو لحساب من تعمل بالضبط، وتلك الوقائع الثابتة – كما هو واضح على مواقع التواصل – لابد وأن تتطلب قرارا من جانب نقابة الموسيقيين باعتبارها الجهة المعنية بحماية أعضائها وحل مشكلاتهم الطارئة أيا كان نوعها أو من المتورط فيها.
وهنا أسأل نقيب الموسيقيين أين قرارك تجاه المواطنة المصرية (آمال ماهر) قبل المطربة؟، هذا الصوت الذي تألق كثيرا على خشبات المسرح وعلى اليوتيوب وغيره من مواقع التواصل الاجتماعي كممثلة للقوى الناعمة المصرية في كافة المحافل العربية والدولية، والتي أبدعت فيها كمصرية صميمة.
ظني أن هناك رائحة كريهة في الأمر ياسيادة النقيب، فكيف بالله عليك بعد أيام من إعلانها عن عمل فني جديد لها، يتم اغلاق شركة الانتاج الخاصة بها؟، ولماذا لم تحقق لجنة نقابية في هذا اللغط الدائر حاليا حول تلقى الشعراء المتعاونين معها العديد من التهديدات، وسبق كل ذلك منع أي ملحن أو مؤلف أو شاعر من التعاون معها في أعمال جديدة ، كما تم فسخ تعاقدها مع شركة علاقات عامة كان من المفروض أن تنظم لها حفلات ودعاية لألبومها الجديد .
ألا تشير تلك الدلائل وغيرها إلى شيئ من الصمت المريب ياأستاذ هاني؟، خاصة أن تركي آل شيخ اشترى حقوق ملكية أغانيها جميعها كي يتحكم فيها، كما تم الاستعانة بـ شركة روتانا و synergy ليتم حذف جميع أعمالها – على حد ذكر رواد السوشيال ميديا – ولقد أثار اختفاء (آمال ماهر) في الفترة الماضية – ياسيادة النقيب المبجل – لغطاً كبيراً وسيلاً من الشائعات في الوسط الفني والسياسي، بعد تداول أخبار متضاربة حول أسباب هذا الاختفاء بخاصة مع علاقة هذه الأحداث بعلاقة مزعومة بين المطربة وتركي آل الشيخ، المستشار في الديوان الملكي السعودي، ما دفع كثيرين إلى التخوّف من تكرار ما حدث للمغنية اللبنانية سوزان تميم، التي تم اغتيالها في دبي عام 2008 في ظروف مشابهة، لذا ينبغي عليك أن تصدر بيانا توضيحيا فوريا من نقابتك المعنية بهذا الأمر، حتى يتم كشف ملابسات وظروف دفع المطربة إلى ذلك الاعتزال القهري كما يبدو من رسالتها لجمهورها.
ياسيادة النقيب: مصادر مقربة من آمال أوضحت لبعض وسائل الإعلام أنها بالفعل تحت الإقامة الجبرية في منزل أحد أقاربها، وأن الوزير السعودي قد مارس كل نفوذه داخل بعض أجهزة الأمن المصرية لوضعها تحت تلك الظروف بعد انفصالها عنه، وأن حسابات التواصل الخاصة بها لم تعد تستطيع الوصول إليها ويتم التحكم فيها عبر أشخاص تابعين لآل الشيخ، الذي أوضحت المصادر أيضا أنه يتمتع بأكبر قدر ممكن من النفوذ داخل بعض الأجهزة الأمنية، كما يتمتع الوزير السعودي بقرب ومنزلة خاصة عند ولي العهد والحاكم الفعلي للمملكة العربية السعودية، محمد بن سلمان، وما يزيد من تلك الشكوك أكثر هو غياب (آمال ماهر) الكلي عن الظهور العام وعدم استضافتها من قبل وسائل الإعلام للرد على كل هذا.
ويبدو لي أن التراشق المكتوم بين (آل شيخ وماهر) هو من تسبب في تطور الأحداث وخروج الخلافات بينهما إلى العلن بعد تغريدات متبادلة بينهما كانت تتسم بالغموض، بدأها تركي بتغريدتين متتاليتين قال في الأولى: (عيد الميلاد الذي لم يتم … هديته غدا)، والثانية: (أحياناً عدم الخروج لا يكفي)، لترد عليه آمال بتغريدتين تم محوهما لاحقاً قائلة (أحياناً عدم الخروج لا يكفي… مش بس كده الباب اتقفل للأبد)، ثم أضافت بعدها قائلة: (وإذا عزمت فتوكل فالهدية مردودة)، ليُفاجئ المتابعين بعد تلك المناوشات بتدوينة لآمال عبر حسابها على (فيسبوك) تفيد بتعرضها لمضايقات هى وأسرتها، قالت فيها: (الضغوط والحرب اللي بتعرض لها أنا وأخواتي وعائلتي من فترة طويلة بتتزايد، امبارح الاستوديو بتاعي اتشمع والنهاردة صيدلية أخويا اتشمعت، ده غير التهديدات والشتايم اللي على موبايلاتنا يا ترى حنفضل ساكتين لحد امتى، الله أعلم).
والآن يبدو لي أن الصمت المريب تجاه صرخات (آمال ماهر) المتتالية – دون صدى – يتسم بصفة عمدية مع سبق الإصرار والترصد، وخاصة في أعقاب إعلان اعتزال تطال أسبابه جهات كثيرة، وهو ما ينذر بأخطار لا تحمد عقباها حيث يهدد القوى الناعمة المصرية وضربها في مقتل بعد إفاقتها وعودتها بقوة في موسم رمضان (2021)، وهذا يؤكد بشكل واضح زيادة حجم استهداف قوى مصر الناعمة من الداخل والخارج على حد سواء .. ووالله إن الأمر لجد خطير ويحتاج إلى وقفة من جانب نقابة الموسيقيين تحديدا، وكذلك الجهات التي وردت الإشارة إليها في التغريدات والبوستات التي راحت تطل برائحتها الكريهة في قلب هذا المشهد الذي يتم فيه اغتيال موهبة مصرية مبشرة ونابضة بالحيوية والموهبة الحقيقية في زمن التردي الغنائي، وهو ما يأتي في إطار تحد آخر تواجهه صاحبة الصوت الذهبى، التي طالما كانت ذاكرتها الموسيقية وذكاء موهبتها سلاحا ودافعا لنجاحها واستمرارها وتفوقها، وكذلك صوتها ووعيها به وبتوظيفه جيدا وسط عناصر الموسيقى الأخرى، وفوق كل ذلك التنوع ما بين الرومانسية والخليجية والطرب والإلكترونى.
وأخيرا: إلى نقيب الموسيقيين وغيره ممن تواطئوا على إجبارها على الاعتزال أقول لهم: أعيدوا إلينا (آمال ماهر) ذلك الصوت الأصيل الذي يضاهى الأصوات الأصيلة المتفردة التى تنبت وتزدهر كل حين من الزمان كنبت من تراب هذه الأرض الطيبة، وكأنها تحمل جينات خاصة متوارثة من الماضى من عصر الغناء العظيم فى مصر؛ ولهذا كان صوتها يتألق ويكشف عن أسراره عندما تشدو بأغانى العصر الذى انقضي؛ لأن الغناء فى هذا العصر لم يكن نتاجا لأصوات عظيمة فحسب، وإنما كان أيضا – وفى المقام الأول – نتاجا لروح عصر ما .. أعنى لسياق تاريخى ما تألق فيه فن الأدب، ومنه الشعر الذى تنسلخ منه الأغنية؛ مثلما تألق فن الموسيقى والألحان، وظني أن آمال ماهر بصوتها قادرة على استعادة روح هذا العصر لوتجاوزت تلك الأزمة.