كتب : محمد حبوشة
أبدع النجم السوري (قصي خولي) كالعادة في تجسيده لدور (صافي) في مسلسل (2020) ،وربما جاء ذلك بفضل كتابة سيناريو محكم من جانب كل (بلال شحادات ونادين جابر) اللذين رسما وجهين للشخصية، وهما وجه الشرير وزعيم العصابة المروج المحترف للمخدرات الذي استعمل دكانه البسيط لبيع الخضار كغطاء لما يجري في الطابق السفلي من توضيب وإخفاء للمخدرات في الخضار من قبل بنات الهوى، ويسعي إلى بيعها فيما بعد، ووجه آخر هو الإنسان المؤمن البسيط الذي يردد دائما عبارته الأثيرية (يا عفو الله) وقد كتبها على سياراته، وعلى باب دكانه، في تأكيد على شحن العوطف الإيمانية التي أسبغها على شخصيته عبر تقديم مساعدات للمعوزين والمسنين من أهل الحي الشعبي الذي يسكنه.
ومن خلال مشاهدتي لكامل حلقات (2020) يمكنني القول بأن قصي تمكن من أن يكون ضابط إيقاع بامتياز، حيث قام بتوزيع تفاصيل أدائه بين الشخصيتين بخفة وبراعة وتناغم، فلا يستطيع المشاهد أن يلحظ الانتقال بين الشخصية والأخرى، إلى حد يصبح الكلام أحياناً غير ضروري، لما في أداء قصي من براعة واحتراف، فقد أدى دوره بإحساس عالٍ جدا، وطبع أحاسيسه على وجهه، بريق عينيه عندما يغضب، نظرات الإعجاب والحياء، عندما رأى حياة (أي الممثلة نادين نسيب نجيم بدور حبيبته)، من دون حجاب في المطبخ، عبر عنها بعينيه وبحنية نظراته بطريقة معبرة جدا، وكذلك المشهد الرائع عندما فارقت الحياة إحدى الفتيات التي تنقل الكوكايين في بطنها، وكيف تأثر بسبب وضعها، وتأسف على شبابها، وعلى فقرها الذي أرغمها على هكذا عمل، فكانت لغة جسده معبرة للغاية وباتكائه على الباب ترجم انسانيته تجاهها في شرود يعكس جوهر قلبه النقي في تلك اللحظة.
نعم بدا لي (قصي خولي) أكثر من مبدع في هذا الدور، ليبرهن من جديد على أن أداءه التمثيلي يفوق الشكل، والشخصية مهما كانت فقيرة أو غنية، طيبة أو شريرة، بسيطة أو ذكية، فإنه يعطي الدور حقه، ويجتهد في الإلمام بالشخصية على المستوى الداخلي والخارجي ويأخذنا محلقا في سماء من الخيال إلى الحقيقة، حتى أنه يجعلنا نحب الشخصية حتى لو كانت شريرة، أو خارجة عن القانون بشخصيته الحقيقية، فلم يقلد أحداً من الممثلين، بل اخترع مدرسة خاصة به، لذلك أقل ما نستطيع قوله، هو أن قصي خولي أستاذ في الأداء التمثيلي الحقيقي القائم على التقمص والذهاب بالشخصية إلى آفاق أرحب مما جاء في خيال المؤلف نفسه أو حتى تعليمات المخرج وتوجيهات التي ينفذها بأريحية تضمن لها التألق وإبهارنا بأدائه العذب.
وبعد تعاونهما سابقا في مسلسل (خمسة ونص) يلتقي الثنائي السوري قصي خولي واللبنانية نادين نسيب نجيم في مسلسل (2020) والذي جاء في قالب اجتماعي بوليسي عبر قصة تجمع بين الحب والثأر والعدالة، وتخرج الممثلة اللبنانية (نادين نسيب نجيم) في المسلسل من جلباب الأدوار الرومانسية لتجسّد شخصية شرطية تتميز بقوة شخصيتها وصرامتها وجديتها في العمل، وقد حاولت (نجيم) وهى تلعب شخصية (النقيب سما) أن تتقمص دور الشرطية باحترافية عالية وهى تفك لغز الجريمة التي أدت إلى مصرع شقيقها ، ولأن المسلسل يندرج في خانة أعمال الإثارة والتشويق والأكشن التي تمكنت من حصد النجاح في السنوات الأخيرة واقتناص نسب مشاهدة عالية في العالم العربي، فقد برعت (نادين) في إثبات نفسها وجدارتها بعيدا عن اللون الروماني الذي عرفت به طوال السنوات الماضية.
ورأي الشخصي بعيدا عن التشوهات التي ظهرت في وجهها بشكل مبالغ فيه أحيانا فإنها استطاعت أن تضع نفسها في ظروف عمل (النقيب سما) على نحو احترافي كما بدا في في صراعها الكبير بين مهنتها والهدف الذي تسعى إلى تحقيقه بعد مقتل شقيقها الضابط جبران من جهة، وبين مشاعرها وتعاطفها مع البيئة الشعبية التي جمعتها بصافي من جهة أخرى، وكذلك الحال مع ابنتها الوحيدة التي كانت نقطة ضعفها الوحيدة في إجمالي المواقف والاختبارات الصعبة التي لاحقتها طوال فترة وجودها داخل المهمة، ولقد أكدت (نادين) على جرأتها في التخلي عن جمالها بإكساب شخصية (حياة) صفة الحزن الذي يخيم عليها دائما، بحيث تغطي من حيث الشكل الخارجي على مهمتها في القيام بزرع أجهزة تنصت في كل أنحاء بيت صافي.
العمل الذي يعد خليطا بين الأجواء البوليسية والرومانسية في قالب اجتماعي، يحمل قصص حب وثأر وخيانة، وقد راهنت كاتبته على مفاجأة الجمهور بشخصية نجيم، إذ يمكنني القول إنها خرجت من عباءتها، لنراها من خلال شخصيتين في العمل، لا تشبهان بعضهما لا من الداخل ولا من الخارج، ويقد ساهم في الإثارة والتشويق تجسيد خولي دورا فيه عمق وإبداع في الأداء، حيث يعطي أبعادا مهمة لشخصيته، وهي بعيدة عمّا قدّمه سابقا من أعمال درامية، أما (كارمن لبس) فقد أبدعت أدائيا من خلال شخصية امرأة مكتومة القيد ومجهولة النسب والهوية، وقدمت (رندة كعدي) شخصية الحاجة ضحى، والدة صافي وديب ويزن، على نحو رائع للغاية في صورة امرأة بسيطة وطيبة، وهى الأم التي وإن لاحظت وقوع أحد أبنائها في المحظور، تحاول أن تجد له التبريرات لأنها تعتقد أنهم من طينتها.
حقق المسلسل الذي أنتجه (صادق الصباح) وأخرجه فليب أسمر، جماهيرية عالية جدا في لبنان وسورية ومصر أيضا، من خلال حلقات متماسكة وبحبكة دراميا متقنه أظهرت أكثر من (ماستر سين) في ثنايا حلقات تمتعت بالإثارة والتشويق، لكن يبقى مشهد لقاء التاكيد على الحب القاتل بين (قصي ونادين) بعد انتهاء عزاء أم صافي هو المشهد الأكثر براعة في الأداء بين كلا النجمين، فقد استطاعا خطف أنظار الجمهور العربي كله في موسم رمضان 2021 على الرغم من المنافسة حامية الوطيس بين مختلف الدرامات العربية، وقد جاء المشهد على النحو التالي:
تدخل حياة الغرفة لتجد عناقا – يبدو حارا من وجهة نظرها – بين صافي وبنت خاله وردة، بينما (صافي) ينظر لها في ذهول وتبدو عيانه تستنكر ماتراه عيني حياة، بينما وردة تردد في حالة من الشجن : أنا بحبك صافي .. بحبك بجنون.
وعلى الرغم من شعور جارف يبدو على وجه وردة إلا أن صافي ينظر في عيني حياة مستنكرا بإشارات عبر يديه المشهد الرومانسي الدافي فيما يفيد أنه تورط في هذا الأمر رغما عنه.
تفيق وردة من غفوتها سائلة صافي : شو صار؟
صافي : ماصار شيئ .. بس أنا لازم أنزل على الحي تحت فيه ناس من شان العزا.
ترصد الكاميرا صافي وهو يجري وراء حياة في الشارع في محاولة لإفهامها تورطه في الحضن الذي رأته مرددا : حياة .. حياة افهمي على !!.
حياة : شو بدك صافي عم تلحقني .. ما كنت تضوج لما يخلص العزا .. مستعجل؟ .. الناس قاعدة تحت عم تعزي في أمك وانت فوق مع حبيبة قلبك مسكرين على حالكم الباب عم تتنهنهوا ..هالقد مشتاقلها؟!
صافي يسير بجوار حياة في محاولة لتهدئتها : مو مشتقالها .. كل الموضوع فيه غلط.
حياة : انت كذبت على صافي.
صافي : أنا كذبت عليك؟
حياة : إيوه .. وردة خبرتني كل شيئ.
صافي : خبرتك كل شيئ .. ما خبرتك ان كنا بنحب بعض وتركنا؟
حياة : مش مهم انكم تركتوا .. المهم انكم بتحبوا بعض.
صافي : اسمعي حياة العالم عم تتطلع علينا وفيه عزا محلي.
حياة : مابدي تلحقني .. القصة صارت واضحة .. الحق على إني صدقتك
…………………………..
تغادر حياة في طريقها إلى خارج الحارة وتلمح (يزن) شقيق (صافي) الذي قاتل شقيقها وتتذكر المهمة السرية التي جاءت من أجلها للانتقام لأخيها.. بينما يزن يجلس في العزاء شارد الذهن مشتت الأفكار.
تنظر حياة في موبايلها لترى لتصال صافي فتغلق الخط في وجهه، بينما يبدو على الطرف الآخر صافي في محاولة يائسة للاتصال بها .. لكن دون جدوى.
…………………………..
أخيرا يتلقي صافي بحياة ويحاول إفهامها سوء التفاهم واللبس عندها قائلة : ليش عملتي هيك حياة؟
حياة : فيها حاجة غلط ريس صافي؟
صافي : ايه في حاجة غلط .. ليش عم تقولي ريس صافي .. عم تقصديها يعني؟.
حياة لأن انت عنجد ريس صافي وأنا قطعت حدودي معك .. سمحت لحالي أتطلع لفوق كتير .. كمان مافي مشكلة الرزق ع الله.
صافي يقول جمتله الشهيرة والملازمة له طوال الحلقات : (يا عفو الله) .. كل شيئ عم تحكيه غلط مافي شيئ صحيح .. انتي بتغيري كل شيئ لأنك شوفتيني حاضن بنت خالي وردة؟ .. هاه .. أنا ما باسمحلك تعملي أي شيئ أو تقرري أي شيئ قبل مت تسمعيني .. بعدين بدك تشيلي هاي الأفكار السودة اللي حاططتيها براسك .. ما بيحقلك تاخدي قرارات قبل ما تسمعيني وتعرفي التفاصيل.
حياة : تفاصيل شو صافي .. ليه أنا بيحقلي أفوت في تفاصيل بين اتنين بيحبو بعض وكانوا راح يتجوزو بس ما ظبطت لإنه فيه مشاكل بالعائلة، وهلا عم يرجعوا لبعض .. وبسخرية (مش بعيدة كمان نظلغطلهم) .. ولك عين تقولي مالك حق قبل ما تسمعيني .. شو هالحكي هادا.
صافي في تأثر شديد بموقف حياة : لك لأني بحبك حياة .. وبصوت أعلى : باحبك.
حياة : شو وطي صوتك راح تجرسنا احنا في الشارع.
صافي : ما بيهمني الصوت العالي .. آخر همي؟
حياة : وطي صوتك صافي.
صافي بصوت أعلى : ما بدي وطي صوتي .. حياة باحبك عم قلك.
حياة وهى مسرعة الخطا نحو السيارة : حاج .. كذاب ما تحبني ولا شيئ.
صافي : أنا عم كذب .. اسمعيني هاد الحكي ما بيصير .. حياة .. حياة .. واللي رفع السما وبسط الأرض .. ورحمة أمي اللي ماعندي أغلى منها بحياتي إني بحبك ومافي حدا غيرك بقلبي .. وردة طلعت من حياتي من زمان .. ماعدا شيئ بيناتنا .. بس انها بنت خالي .. اخدتها بالغرفة أحكي معها موضوع عائلي ما بدي حدا من الناس يسمع في.
بدأ قلب حياة يلين قائلة بسخرية : وبالقصص العائلية عادة فيه تعبيط ونهنهة؟.
صافي لا ما فيه بس وردة ما عم تقتنع .. صرت قايلها أكتر مرة ما عاد أحس تجاهها بأي شيئ بس هى ما عم ترضى.. اسمعي حياة أنا راح أخدك بإيدك وأوقفك قدامها وراح أقولها اني باحبك إليك لحتى تشيلني من راسها.. ساعتها تتأكدي ان مافي شيئ بينا : صح؟.
حياة تهز رأسها مؤكدة على حبها لصافي وتقول : خبرها اللي بدك اياه بس مش قدامي .. ولا تخبرها عني من غير شيئ هى مش طايقتني، ثم تبتسم قائلة: يلا نمشي في إشارة لعودة المياه لمجاريها بين حبيبين سوف تعصف الأيام بحبهما الموؤد في مهده من الأساس.