فتحي عبد الوهاب .. جوكر دراما رمضان 2021
بقلم : محمد حبوشة
من أهم مزايا فن التمثيل، أن الأدوات التي يستخدمها الممثل في عمله (أي أدوات التعبير) ليست منفصلة عنه كما هى الحال لدى الرسام (ألوان)، الموسيقي (الآلة التي يعزف عليها)، إن الممثل ذاته يعتبر أداة تعبيره، وهو في ذات الوقت خالق ومخلوق، أي مبدع ولوحة إبداعية، ولكي نفهم هذه الازدواجية، يجب أن نحدد أو نعرف بماذا تتلخص لعبة الممثل، إن جوهر فن التمثيل هو في خلق الممثل للشخصية الدرامية من خلال خلقه لمختلف الأفعال والأحداث الإنسانية التي تميز الشخصية، لذا يجب على الممثلين أن يلمّوا بالعواطف والمواقف والدوافع الإنسانية حتى يتمكنوا من القيام بأدوارهم على نحو جيد، وأن يكونوا قادرين على التعبير عن هذه العناصر حتى يتم للمشاهدين فهمهم .
وفي كل الأحوال يجب على الممثل أن يبلغ نفس حالة الإلهام التي يعيشها المؤلف أوالرسام أو الموسيقي، تماما مثل النجم (فتحي عبد الوهاب)، ضيفنا في باب (في دائرة الضوء) هذا الأسبوع، الذي تألق في مسلسل (القاهرة كابول) فأصبح جوكر دراما رمضان 2021 بجدارة أدائه الجيد على مستوى سلامة الأفعال ومنطقها الفني، وعلى جناح السحرية التي مكنته من تقمص شخصية الإعلامي (طارق كساب) بشكل احترافي من خلال لغة جسد موحية ونبرة صوت معبرة استطاع من خلالها ترويض الشخصية في عملية الكلام، لذا بدا فعل التقمص عند (عبد الوهاب) من خلال عملية ذوبانه كممثل إنسان وانصهاره بذات الممثل الشخصية.
وهذا الذوبان احتاج من (فتحي عبد الوهاب) إلى توظيف علاماتي تحويلي تحولت فيه صفات وسلوك ومشاعر شخصية (طارق كساب) وما يتعلق بعناصر التعبير الداخلية والخارجية من علاماته كممثل إنسان إلى علامات الممثل الشخصية، وعند هذا الحد جاء فعل التقمص بأداء بعيد عن ميزات وخصائص شخصية الممثل الإنسان عن طريق عملية التحول إلى الصدق والإيمان، بحيث تطابق مع الحقيقة العامة وتحقيق فعل الإيهام الذي انعكس على المشاهد بحيث تحول من متلقي إلى مستقبل متعاطف مندمج مع مستوى الأداء التمثيلي المتقمص من جانب (فتحي) القادر على الذوبان في الشخصية النفاذ تحت جلدها كما تجسد ذلك من حركات وإيماءا وإشارات فسرها المشاهد لحساب شخصية إعلامي شهير.
التركيز على لغة الجسد عند (فتحي عبد الوهاب) في تجسيده لـ (طارق كساب) يشير إلى أنه تعامل معه لا بوصفه جسدا يتحرك، وإنما جسد يفكر وينتج ليصنع التوازن المنشود مع الروح والواقع، وهو بهذا يلبي بالضرورة كل معاني الجمال التي أشار إليها (جروتوفسكي) في نظريته الشهيرة التي شرحها تحت عنوان (في طبيعة فن التمثيل ومعناه وأدواته)، ما يعكس براعة (عبد الوهاب) في التقمص والولوج إلى الشخصيات وهذا مايشير إلى عمق الموهبة التي يمتلكها، لأنها تنقل العمل الفني إلى درجات أرقى من المستويات العادية، ومع ندرة الفنانين المبدعين باتت مهنة التمثيل أمام تحديات متعاقبة، ويرى الممثل فتحي عبدالوهاب – بحسب تعبيره – أن الممثل البارع هو القادر على تقمص كل شخصية والتلاحم معها بدراستها بعمق لتتوارى خلفها شخصيته الحقيقية، ومن هنا يعد (فتحي عبدالوهاب، أحد المتقمصين الذين يجيدون التكامل مع أدوارهم رغم سرديتها الصعبة وتنوعها الواسع وتكوينها المعقد، ويحظى بإشادة وصلت إلى أن اعتبره البعض رائد جيله في تقمص الشخصيات، بعد تسلمه جائزة أحسن ممثل تلفزيوني لعام 2018 عن دوره في مسلسل (أبوعمر المصري).
وقال فتحي عبدالوهاب – وقتها – هناك أدوات لكل ممثل للنجاح وتقديم عمل محترم، أهمها بناء شخصية لكل دور ليصبح طريقه لفهم التعامل معه وخدمته كي يخرج بأفضل صورة، موضحا أنه لا يشاهد أعماله عند عرضها، لكن يلمس ردود الأفعال حولها من الناس، وهذا ما يهمه، وهذا التفاعل هو معياره الوحيد كي يتأكد أنه يسير نحو الطريق الصحيح، فالمشاهد لا بد أن يستمتع وتؤثر فيه الشخصية التي يجسدها، وإذا تحفظ عليه في شيء، لا بد أن يراجع نفسه، ولا تكتمل عنده أي تجربة فنية دون المراجعة، وتقبل النقد والتعلم، ويطمح عندما تكتمل تجربته في أن تمثل إضافة للفن المصري والعربي.
ويبدولي أن الفن في حياة النجم (فتحي عبدالوهاب) مرادفا لحيوات يعيشها على الشاشة بكل صدق بعد أن يمنحها الكثير من روحه، ويجد في براعة تجسيدها ذروة لحظات متعته الفنية، ومع كل عمل جديد يكون على موعد مع خطوة مختلفة يدخل بها عتبات الفرح عن طريق الصدق والاتقان والتنويع، لذلك يبقى الجمهور في حالة شغف مستمر، كما بدت أدواره في أعماله التي حرص من خلالها على الهروب من فخ التكرار – من العوامل الرئيسية التي تمسك بها فتحي – وتنوعت أدواره بين الكوميدي في أفلام (صعيدي في الجامعة الأميركية، راند فو، فيلم ثقافي)، والأدوار الإنسانية مثل (شجيع السيما، فرحان ملازم آدم، البلياتشو، سهر الليالي،سا عة ونص، بالإضافة إلى الأدوار المركبة كما في فيلم (عصافير النيل، عزبة آدم، كباريه).
تمكن (عبدالوهاب) طوال رحلته من الجمع بين انتمائه إلى الفن كقيمة ورسالة دون التعالي على الجانب التجاري للسينما كصناعة، وقدم أدوارا مهمة في أعمال جماهيرية كبيرة في أفلام مثل (الديزل، هروب اضطراري، حرب كرموز)، وفي الدراما ظهر مؤخرا في أكثر من شخصية تختلف عن بعضها على المستوى النفسي والاجتماعي وآخرها شخصية الإعلامي (طارق كساب) في مساسل (القاهرة كابول)، وقد لاحظت أن سمة التنقل السلس بين الأدوار المتباينة أمرا طبيعيا بالنسبة له، وكما يقوله على لسانه نفسه: (عملي وواجبي أن أخلص له، وأقدم ما يرضيني ويمتع الناس، ويضمن حياة ممتدة للشخصيات التي أقدمها في أذهان الجمهور، وجميعنا سوف نموت كفنانين، لكن تبقى الشخصيات التي نقدمها يتذكرها الناس، وقد تظل عالقة في أذهانهم وقادرة على جذبهم).
ولأن (الجوكر) هو الورقة الرابحة دائما في اللعبة الشهيرة (الكوتشينة)، وهو توصيف للشخص الناجح في أي مهمة يتواجد فيها في الوسط الفني، لذا فقد حصد (فتحي عبد الوهاب) هذا اللقب في موسم رمضان 2021، وذلك دون سائر أقرانه من الجيل الحالي (الوسط) بعد أصبح فنانا واحدا يعتبره الجميع استثنائيا في الموهبة واحترافيا في الأداء السهل الممتنع، المركب والمعقد، البسيط والتلقائي، كل هذه الأوصاف تجتمع في اسمه وحده على جناح أدائه الإبداعي الذي أذهلنا بشخصية (طارق كساب) التي تجمع المتناقضات في شخص واحد نهم للسلطة والمال والجاه، وضعيف للغاية أمام رغباته التي توقعه دائما في شر أعماله.
ولد فتحي عبد الوهاب مرسي سليمان في حي المعادي، ودرس في كلية التجارة وهناك اكتشف موهبته وكانت بدايته مع التمثيل كموهبة، وحصل بعد ذلك على دبلوم في التذوق الفني من أكاديمية الفنون، وبدأ مسيرته الفنية في عام 1991 عندما قدم أحد أصدقائه طلب للكاتب المسرحي لينين الرملى والمخرج محمد صبحي للحصول على فرصة بالمسرح، وبالفعل حصل فتحي على دور في مسرحية (بالعربي الفصيح) التي استمر عرضها لثلاثة مواسم متتالية، وفي العام التالي شارك بمسرحية (حفلة المجانين)، ولعب دور الضابط في المسلسل الدرامي و(ما زال النيل يجري).
في عام 1995 قدم تجربته السينمائية الأولى حيث أدى دور الإرهابي في فيلم (طيور الظلام) للمخرج شريف عرفة، وتبعه في العام التالي بمشاركته في الفيلم الاجتماعي (إشارة مرور) مع المخرج خيري بشارة، وفي آواخر التسعينات تابع مسيرته في السينما وشارك بالفيلم الدرامي الرياضي (البطل) الذي كان من إخراج مجدي أحمد علي وتأليف مدحت العدل، والفيلم الكوميدي (صعيدي في الجامعة الأمريكية) للمخرج سعيد حامد، ومع بداية الألفية الجديدة ظهر فتحي عبد الوهاب في بطولة عدة أفلام منها الفيلم الكوميدي (فيلم ثقافي) مع أحمد عيد وأحمد رزق، وفيلم الأكشن المصري التركي (هروب مومياء) للمخرج التركي مراج أكداش، وفيلم (فرحان ملازم آدم)، الذي تقاسم بطولته مع الفنانة ياسمين عبد العزيز.
بالإضافة إلى ذلك شارك (عبد الوهاب) بمسرحيتي (أبناء الحب والغضب، وحبيبتي يا) في نفس الفترة، وتألق بأدوار مميزة في بعض المسلسلات التلفزيونية، فقد لعب دور البطولة في المسلسل التاريخي (وحلقت الطيور نحو الشرق) للمخرج هاني إسماعيل، والمسلسل الرومانسي (قلبي يناديك) مع المخرج تيسير عبود، والمسلسل الدرامي (قلب حبيبة) الذي مثّل فيه أمام الفنانة سهير البابلي وكان من إخراج خيري بشارة، وفي عام 2007 لعب دور البطولة مع رانيا فريد شوقي في المسلسل الكوميدي (عائلة مجنونة جدًا)، وفي نفس العام تألق في السينما وظهر بأدوار رئيسية في فيلم التشويق (البلياتشو) وفيلم الرعب (أحلام حقيقية) والفيلم الاجتماعي (قص ولصق)، وفي العام التالي شارك ببطولة فيلم (كباريه).
استمر فتحي عبد الوهاب في نشاطه السينمائي والتلفزيوني وظهر في عام 2009 مع نخبة من نجوم السينما المصرية في فيلم (عزبة آدم)، وفي العام التالي شارك في بطولة الفيلم الكوميدي (زهايمر) مع الفنان الكبير عادل إمام
والمسلسل التاريخي (كليوباترا) الذي أخرجه السوري وائل رمضان، وفي عام 2012 لعب دور رئيسي في المسلسل الاجتماعي (الإخوة الأعداء) الذي ناقش قضايا الفساد في مصر، ومسلسل (أشجار النار) أمام الممثلة داليا مصطفى، كما تألق في فيلم (ساعة ونصف) الذي كان من إخراج وائل إحسان وتأليف أحمد عبدالله، بعد ذلك حقق نجاحا كبيرا مع الممثل القدير يحيى الفخراني في مسلسل (دهشة) الذي أخرجه شادي الفخراني، وكتبه عبد الرحيم كمال في عام 2014.
كما لعب دور البطولة في فيلم (كلام جرايد)، وفي العام التالي كان له ظهور مميز في الفيلمين الاجتماعيين (ريجاتا وهز وسط البلد)، وشارك فتحي عبد الوهاب في عام 2016 بدور البطولة مع رانيا فريد شوقي في المسلسل الكوميدي الأستاذ (بلبل وحرمه)، وفي العام التالي ظهر بمسلسل (لا تطفئ الشمس) مع المخرج محمد شاكر خضير، وفي نفس الوقت تألق بمشاركته في عملين سينمائيين هما فيلم (مولانا) المقتبس عن رواية الكاتب إبراهيم عيسى، وفيلم التشويق والدراما (هروب اضطراري) للمخرج أحمد خالد موسى، أما في عام 2018 ظهر مرة أخرى مع النجم الكبير عادل إمام في بطولة مسلسل (عوالم خفية) الذي أخرجه رامي إمام، ولعب دور راغب في فيلم الجريمة (الديزل) للمخرج كريم السبكي.
في عام 2019 شارك في أربعة أعمال تلفزيونية كان أبرزها مسلسل (لآخر نفس) مع المخرج حسام علي، ومسلسل الحركة والدراما (لمس أكتاف) للمخرج حسين المنباوي، وآخر أعمال فتحي عبد الوهاب السينمائية كانت فيلم الأكشن الكوميدي (لص بغداد) الذي صدر في يناير من عام 2020، ووصل في 2021 إلى مرحلة النضج الكامل في الأداء التمثيلي بشخصية الإعلامي (طارق كساب)، ولأنه يمتلك ثقافة عالية، فهو قارئ ومطلع دائم ويضاف لذلك متابعته للعديد من النجوم العالمين الذين يشاهد طريقة أداؤهم وتحولاتهم في الأدوار فقد صنع لذاته مدرسة أداء خاصة محملة بخبرة المصري وتطور الأجنبي، وقد أنعكس ذلك في الفترة الأخيرة كما جاء بمسلسله (القاهرة كابول).
وفي النهاية: لا شك أن فتحي عبد الوهاب، من أهم الأسماء التي تمكنت من إيجاد مكانة مميزة لها في السينما والمسرح والدراما التليفزيونية المصرية، وهى التي جعلته النجم المتميز والاستثنائي الذي استطاع خطف الأنظار إليه منذ ظهوره الأول في صورة النجم الذى علقت شخصياته وأدواره في أذهان الجمهور، حيث تميز بدمجة ما بين أدوار الشر وأدوار الخير بلمسة كوميديا ليقدم لنا خليط من الشخصيات المؤثرة في السينما والشاشة الصغيرة .. تحية تقدير واحترام لهذا الفنان الذي يمتلك موهبة متدفقة يحسده عليها الكثيرون، ليست تمثيلية فقط، بل في قدرته على الاختيار لمساحة التميز التي يوفرها لنفسه مع كل عمل يقدمه.