اهتمام الرئيس
بقلم المخرج المسرحي الكبير : عصام السيد
تدافعت الأحداث الأسبوع الماضى بشكل سريع على إثر إنطلاق شائعات من عدة مصادر تؤكد أن تغييرات هامة سَتُجرى فى المناصب القيادية للشركة المحتكرة للإنتاج الدرامى ، بل إن البعض قال أن القيادات الوسيطة فى طريقها للحساب العسير، و توالى نفى تلك التكهنات برغم إصرار أصحابها على أنها ليست تكهنات و إنما وقائع ، بل حددوا أسماء البدلاء و مهامهم الجديدة . و استمر التراشق على صفحات التواصل الاجتماعى بين تأكيد و تأييد و بين نفى و معارضة ، و بين تضامن و دعم و بين استنكار و استعداء . و سهر الوسط الفنى ليلة كاملة فى انتظار قرارات التغيير أو على الأقل اخبارا تنفى تلك الشائعات أو تؤكدها .
اللافت للنظر و بشدة هو هذا الكم الهائل من الشماتة الذى طفح على سطح وسائل التواصل الاجتماعى ، و برغم كراهيتى الشخصية للتشفى إلا أننى استطيع تفهم أسبابه – و ليس قبوله – ممن أساءت لهم تلك الشركة بتخفيض أجورهم ، فى حين فرضت بعض الشخوص بأجور مغالى فيها على أعمالها ، أو ممن تسببت فى قطع أرزاقهم ، و هم بالمناسبة نسبة لا يستهان بها من جميع الفئات العاملة فى الفن و الإعلام من الممثلين و المؤلفين و المخرجين و الإعلاميين و المصورين و عمال الاستوديوهات ممن كانوا يعملون بالمسلسلات أو فى قنوات فضائية استحوذت عليها تلك الشركة.
و لكنى لاحظت أن هناك كثيرين لا ناقة لهم و لا جمل احتفوا و احتفلوا بشائعات التغييرات داخل تلك الشركة ، و لا أعتقد أن السبب – كما يدعى البعض – أننا صرنا مجتمع يرحب و يسعد بسقوط الآخرين و خاصة إذا كانوا قد حازوا مكانة أو ثروة ، و لكن هذا الاحتفاء يحتاج لدراسة متأنية خاصة أن الشركة تعمل فى مجال الإعلام و العلاقات العامة ، فلماذا تحاط بهذا الكم من الكراهية ؟ . هل هذا رد فعل على الشائعات المتداولة عن ملايين مهدرة فى مجتمع يعانى اقتصاديا أم أن الشركة لم تستطع أن تقدم نفسها فى صورة جيدة للمتلقى ؟ ، أم أن مجمل أعمالها تسببت فى تلك الصورة ؟ أم أن المصريين باتوا يكرهون الاحتكار و المحتكرين بعد أن ذاقوا حلاوة التعدد بعد 2013 حتى ظهرت تلك الشركة ؟ أم أن شكاوى الكثيرين سواء من عدم العمل أو من تأخر الحقوق هو السبب ؟ . أعتقد أن من واجب مجلس الإدارة الجديد السعى لمعرفة أسباب تلك الكراهية لتلافيها و تحسين صورة الشركة.
و إذا كان الوسط الفنى قد نسى كل القضايا الهامة خلال الأسبوع الماضى و اقتصر حديثه على التكهنات و انتظار ماستسفر عنه الأيام ، فإن خبرا صغيرا عن فنان أجرى جراحة لبتر الساق حولت كل الأنظار إلى اتجاه آخر ، ليس فقط لمحبة الناس للفنان (شريف الدسوقى) صاحب الخبر و قسوة ما حدث له بما قد يؤثر على تواجده الفنى مستقبلا ، إنما أيضا للتدخل العاجل لرئيس الجمهورية . و بمجرد الإعلان عن اهتمام سيادته بحالة الفنان ، توجه الجميع بشكر مضاعف للسيد الرئيس ، فتصرفه هذا يعد تتويجا لعدة مواقف إنسانية قام بها خلال لقاءات جمعته بالصدفة مع مواطنين ، و إذا كان البعض قد طعن فى عفوية تلك اللقاءات و ادعى أنها مصنوعة ، فإن الموقف الأخير جاء ليثبت عكس ما يروج له هؤلاء ، و اننا بالفعل ( نور عينيه ).
يكفى ان رجلا يقود مركب الأمة فى وسط عواصف عاتية و تحديات تأتى من الجنوب حيث نخوض حربا دبلوماسية مع أثيوبيا ربما تطورت الى حرب عسكرية ، و مشاكل فى الغرب حيث نتطلع لتأمين حدودنا بانتقال السلطة فى ليبيا من الميليشيات الأجنبية المعادية لحكومة وطنية إلى جهود مكثفة فى الشرق تسعى لحماية إخواننا الفلسطينيين من القتل و التهجير القسرى للحفاظ على هوية القدس ، وسط مباحثات لو نجحت ستؤدى الى تغيرات فى سياسة أعداء الأمس ( تركيا و قطر ) و إعادة صياغة للعلاقة مع الإدارة الجديدة للحليف الأمريكى ، كل هذا بينما معركة البناء فى الداخل لا توقفها عثرات أو مشاكل أو إهمال يسبب كوارث و لا حتى أوبئة ، و فى وسط كل تلك الهموم يجد الرئيس وقتا ليهتم بحالة إنسانية فيأسر قلوب الجميع بما فعله وسط كل هذه الظروف.
و برغم عميق شكرى و امتنانى لهذه الاستجابة العاجلة التى تمت دون أن يطلب أحد ، و برغم تقديرى و فخرى بأننى مواطن فى جمهورية يتصرف رئيسها على هذا النحو و بهذا القدر من الاهتمام ، إلا أن هناك سؤال يلح على ذهنى : إن شريف الدسوقى الذى أفنى حياته فى الفن ليس موظفا و لا عضوا بنقابة و لا يملك تأمينا صحيا و ليس له مورد رزق سوى عمله ، فماذا لو كانت كثرة المسئوليات و المشاغل منعت السيد الرئيس من الاطلاع على حالته ؟
أعتقد أنه برغم إعلان الشركة المحتكرة عن إنشاء صندوق لأزمات الاعلاميين ، إلا أننا نحتاج لصندوق يحتمى به جميع المبدعين من كتاب و فنانين و مثقفين و ليس الإعلاميين فقط . لقد عاب السيد وكيل مجلس النواب على وزيرة الثقافة عدم وجود مثل هذا الصندوق ، و فاته أن هذا يستلزم تشريعا من المجلس ، و تمويلا من الدولة . و لكن مضى عتاب السيد الوكيل دون أى إجراء فعلى ، و سوف يتذكره هو أو غيره فى دورة قادمة ليعاتب نفس الوزيرة أو وزيرا آخر ، و أيضا لن يجد جديد ، إلا فى حالة واحدة : لو اهتم السيد الرئيس ، ساعتها ستسرع كل أجهزة الدولة لتنفذ رغبة سيادته ، و لهذا اتوجه إليه راجيا أن يأمر بإنشاء هذا الصندوق ، الذى لن يكلف الدولة الكثير لو ساهمت فيه وزارات المالية و الثقافة و التضامن الاجتماعى و الصحة و قطاع المستشفيات الجامعية بوزارة التعليم العالى و القطاع الطبى بالقوات المسلحة .
و كم يؤسفنى أن أتوجه بطلبى هذا للسيد الرئيس فى ظل مسئولياته الجسام ، و أن نضطر أن نلجأ للسيد الرئيس فى كل الأمور – كبيرها و صغيرها – فنحن بهذا نلقى عليه بحمل فوق طاقة البشر ، و لكن ما باليد حيلة وبعض السادة المسئولين لا يهتمون إلا لو اهتم السيد الرئيس ، و هى فئة لا تعرف كيف تبادر ، لأنها لا تدرك كيف تفكر و لا كيف تتصرف ، لذا تنتظر ( التوجيهات ) ، فلقد رأينا مسئولين – على سبيل المثال – خافوا أن يصدروا بيانات للتضامن مع الشعب الفلسطينى بينما مصر تبذل اقصى الجهد لوقف إطلاق النار ، و لم يتحرك هؤلاء إلا و القوافل الطبية و مواد الإغاثة المصرية تمر أمامهم متجهة إلى معبر رفح بأوامر من السيد الرئيس ، ساعتها أدركوا – بعد كل هذه السنوات – أن مصر ترى قضية فلسطين قضية محورية للأمن القومى المصرى .
أدعو الله أن يصل صوتى للسيد الرئيس ، كما أدعو الله أن يخلصنا من المرتعشة أيديهم و المنتظرين للتوجيهات فهم أثقال تعوق المسيرة و تخصم أفعالهم – أو عدم فعاليتهم – من رصيد الإنجازات.