(2020) .. يفتح الحدود العربية أمام الدراما اللبنانية
بقلم: محمود حسونة
خلال السنوات الماضية أطلت الدراما اللبنانية على استحياء عربياً، وخرجت عن حدود لبنان لتعلن عن وجودها وقدرتها على أن تجتذب اهتمام المشاهد في أي مكان على البقعة العربية، وذلك بعد أن طرق أبوابها نجوم سوريون تقاسموا بطولتها أمام نجمات ونجوم لبنانيون، وفي ذات الوقت سعى فنانون وفنانات لبنانيات لتوسيع مساحة شهرتهم بالخروج من لبنان والمشاركة في أعمال عربية سواء في مصر أو غيرها، وحقق البعض منهم المبتغى بعد فتح الحدود أمام الفنانين العرب للانتقال من قطر عربي إلى آخر سواء لتلبية نداء الذات والخروج عن المحلية الضيقة أو لتلبية نداء الآخر لأداء دور هنا أو هناك هو الأنسب، وكلاهما يوسعان مساحة شهرته ويساهمان في صناعة نجوميته.
ولأول مرة تتجاوز الدراما اللبنانية خلال الموسم الرمضاني المنتهي حلم الانتشار العربي لتنافس على الأفضل عربياً وذلك من خلال مسلسل “2020”، وهو إنتاج لبناني وإخراج اللبناني فيليب أسمر وبطولة اللبنانية نادين نسيب نجيم والسوري قصي خولي، وبطولة فنانين كثيرهم لبناني وتدور أحداثه من خلال قصة لبنانية بوليسية رومانسية كما تم تصويره بالكامل في لبنان.
هو إنجاز مهم للدراما اللبنانية كي تصل إلى المشاهد العربي أينما كان وأن تُعرض على أكثر من شاشة عربية وتتواجد على أكثر من منصة، ولتؤكد أن الفنان اللبناني لديه من الموهبة ما يؤهله لأن ينافس عربياً وأنه ليس أقل من المطرب اللبناني الذي نجح عربياً وساهم في نشر لهجة بلاده من المحيط إلى الخليج، وأنه ليس أقل من جده أو أبيه الذي انتقل إلى مصر منذ عشرات السنين ليشارك مع نجومها ومبدعيها في خلق نهضة مسرحية سينمائية مصرية عربية.
نجاح “2020” ليس نجاح لطاقمه وصناعه فقط ولكنه نجاح تسعى إليه منذ سنوات الدراما اللبنانية، والمسلسل من الأعمال التي تفرض عليك متابعتها ولا تستطيع الانصراف عنها بعد مشاهدة بضع حلقات منها، حيث تتوافر في العمل خلطة وبهارات الجذب الجماهيري ابتداء من القصة الرومانسية والإثارة والأكشن والمغامرة والغموض، مروراً بالتمثيل والإخراج والتصوير والديكور، ويكفينا الحي الذي يقع فيه منزل تاجر المخدرات صافي الديب (قصي خولي) والذي دارت فيه معظم أحداث المسلسل وهو يشبه أحياء الصفيح في بعض المدن، حي عشوائي التصميم والبناء ويضم خليطاً عشوائياً من البشر، والغريب أنه ليس ديكور مصنوع من أجل المسلسل بل حي حقيقي في مدينة بيروت يؤكد أن قطاعاً لا يستهان به من أهل الدولة التي كان يطلق عليها سويسرا الشرق يعيش على هامش الحياة، بفعل الخطايا السياسية التي يرتكبها سياسيوه والتي أوصلت لبنان إلى وضع مزرٍ لم يتخيله أكثر الكتاب تشاؤماً من قبل.
نادين نجيم تمثل شخصية النقيب سما في شعبة المعلومات بقوى الأمن الداخلي، والتي يتم قتل شقيقها الأوحد النقيب شرطة أيضاً في هذ الحي على يد (الديب) شقيق تاجر المخدرات صافي، ويقرر رئيس شعبة المعلومات زرع النقيب سما في الحي لكشف مافيا المخدرات هناك ومن يديرونها من خارج الحي، وتتقمص سما شخصية خادمة اسمها (حياة) يعتدي عليها شقيقها بالضرب المبرح أمام منزل صافي، مما يدفع بوالدة هذا الأخير للتعاطف معها وفتح بيتها وحياتها لها، رغم رفض والدها هذا الأمر في البداية.
تزرع (سما أو حياة) البيت بأجهزة التنصت الدقيقة، وهو الأمر الأكثر لا منطقية في المسلسل خاصة وأن صافي تاجر مخدرات يشك في كل من حوله ولا يعرف أحد ممن يعيشون معه وحوله شيئاً عن تجارته اللامشروعة باستثناء مساعديه بلبل (حسين مقدم) ورسمية (كارمن لبس)، ويظهر أمام أهل الحي في صورة الرجل التقي المسالم البار بأهل منطقته، ورغم شدة ذكائه وقدرته على تضليل البوليس يقع في غرام هذه الخادمة ويمنحها الثقة التي لم يمنحها لأحد من قبل، ولا يلفته أن الحي الذي يعرف كل أهله بعضهم البعض امتلأ فجأة برجال البوليس المتنكرين في شخصيات باعة جائلين وعمال نظافة وخلافه.
إذا تقبل المشاهد هذه الجزئية اللامنطقية، فإن من السهل عليه أن يتقبل باقي الأحداث، المنطقي منها واللا منطقي، بما في ذلك إصرار هذا المجرم العتيد على الاحتفاظ بمحبوبته بعد اكتشافه أمرها رغم نصائح كل المحيطين به بضرورة التخلص منها، ورغم أنه بلا قلب مع الآخرين يصبح مرهف المشاعر مع حياة حتى بعد أن يعرف أنها النقيب سما ويصر على الاحتفاظ بها محبوبة لعدم قدرته على التضحية بحبه لأجل أمانه وأمان أهله وناسه ومساعديه.
قال المسلسل في النهاية كلمته وهي أن حب الوطن أقوى من أي حب آخر، حيث تضحي سما بحب صافي تحقيقاً للعدالة وتنفيذاً لمتطلبات مهنتها وانتقاماً لمقتل شقيقها.
قصي خولي أبدع وتألق في هذا الدور وتفوق على نفسه، ومن شدة صدقه تعاطف جمهور المشاهدين مع صافي وهم يدركون أنه تاجر مخدرات وقاتل ومجرم عتيد، بل وتمنى بعض العاطفيين للعاشقين الزواج والحياة، كما برعت نادين نجيم في أداء شخصيتي سما وحياة، وكان يمكن أن تكون أكثر براعة لولا عمليات التجميل التي أجرتها لشفتيها ووجهها ما أفقدها بعض قدراتها على التعبير وبدا وجهها في بعض المشاهد الحيوية جامداً تتدحرج عليه الدموع بلا خطوط تتفاعل في مثل هذه المواقف وتساهم في إظهار المشاعر بشكل طبيعي وصادق. كما تألق حسين مقدم وكارمن لبس في شخصيتي بلبل ورسمية، ورندا كعدي في شخصية الأم، وفادي إبراهيم في شخصية الحوت، ولننتظر ما سيحمله الجزء الثاني الذي تم الإعلان عنه في الحلقة الأخيرة من صراع معقول أو لا معقول بين الأمن الداخلي وتجار المخدرات.
mahmoudhassouna2020@gmail.com