صبري فواز .. فارس سباقات القدرة والتحمل في دراما رمضان
بقلم : محمد حبوشة
ينبغي على الممثل أن يتمتع بالجاذبية الطبيعية لاسيما التأثير الفطرى والحضور والقابلية التى هى الكاريزما حتى يصدقه الناس، كما يجب أن يستطيع تقمص الشخصيات على اختلافها والتمتع بالمرونة الجسدية (البلاستيكا) والإنسيابية والحيوية، ومن أهم مهارات التمثيل التواصل اللفظي والذي يعنى أنه: يجب أن يمتلك القدرة على النطق والتحدث بوضوح، ونقل المشاعر من خلال الكلام، والتحكم في درجة صوته، ونغمته، وارتفاعه، كما يجب أن يكون قادرا على التحدث بصوت عال أو الهمس، وذلك وفقا لما يناسب المشهد التمثيلي، فضلا عن توافر قدرا كافيا من قدرة الممثل على أداء الحركات بما يناسب المشهد التمثيلي.
وهذا ما كان يفعله تماما النجم المتألق (صبري فواز) الذي كان بمثابة فرس الرهان في سباقات القدرة والتحمل الدرامية في موسم رمضان 2021، حيث جاء أداءه احترافيا بارعا وقادرا على التركيز في المشهد الذي يقوم بتصويره، وعليه امتلك التحمل البدني والقوة الكافية لتلبية متطلبات العمل المرهقة أحياناً، والذي قد يستمر لساعات طويلة، ولهذا ووفقا وفقا لمنهج ستاسنلافسكى استطاع (فواز) أن يؤلف فى ضوء ما لديه من معطيات سيرة كاملة للشخصيات التى يؤديها في ثلاث مسلسلات (موسى، ولاد ناس، قصر النيل)، وأن يجعل فى ذهنه صورة حسية دقيقة لسائر ظروفه تلك الشخصيات المرتبطة بما يجرى من خلال الأحداث ولو ارتباطا غير مباشر، وهذه مهمة صعبة ولكنها ممكنة إذا اكتملت فى الممثل شروط الاعداد المهنى التي تكفل له القيام بأدواره على نحو سليم.
على ما يبدو لي من خلال مشاهداتي لصبري فواز أنه من نوع الممثلين الذين يؤمنون بأنك قد تؤدى دورك أداء جيدا، وقد تؤديه أداءا رديئا، ولكن المهم أن تؤديه أداء صادقا؛ ومعنى أن تؤديه أداء صادقا، ومنتظما، ومتماسكا، أن يكون تفكيرك وجهدك وشعورك وتمثيلك متقنا في الدور الذى تؤديه؛ وهو ما يسمى بالحياة فى الدور، وليس مهمة الفنان أن يعرض الحياة الخارجية للشخصية التى يؤديها بل لابد أن يلائم بين حياته الانسانية وحياة ذلك الشخص الآخر، وقد بدا لي ذلك واضحا جدا من خلال تجسيده لشخصية المحامي (عيسى الناجى) تحديدا في مسلسل ولاد ناس تحديدا، حيث تقمص بشكل جيد الشخصية وعكس تنقاضاتها الداخلية بصورة مذهلة.
كما برع (فواز) في لعب دور (شهاب) في مسلسل (موسى) على الرغم من فشل العمل في تحقيق أهدافه المرجوة جراء صلف وغرور بطله (محمد رمضان)، لكن (صبري) تجاوز كل الأخطاء الفنية وعزف منفردا بأداء عذب، ورغم أن تلك الشخصية تقترب إلى حد كبير مع شخصية (منصور السيوفي) في مسلسل (قصر النيل)، من حيث التركيبة النفسية وأبعادها الاجتماعية، إلا أنه أداءه لشخصية (شهاب باشا) كانت الأصدق، حيث أنه اتبع منهجا جديدا في خلط المشاعر الرومانسية بتعقيدات الشخصية التي بلغ بجنونها غير المنطقي اللجوء إلى تحنيط والدته ووضعها في قالب زجاجي على سبيل وجودها في الحياة إلى جواره.
بثقة تامة وعلى مهل صعد (صبري فواز) سلم الفن الطويل الشاق حتى بلغ أعلاه وصار واحدا من نجوم يشار إليهم بالبنان في مصر والعالم العربي، وهو بالأساس شاعر عامية متميز، عياراه الوحيدان في الشعر البساطة والصدق، وعبر الرحلة الطويلة جسد فواز، الذي يعتز باسمه اعتزازا خاصا ويحب أن يناديه أصدقاؤه بـ (الصابر الفواز) كما يحب أن يناديه الجميع بأسماء شخصياته الفنية التي يعتبرها ضميره وخلاصاته، بجانب أغانيه الخاصة لرفقة الإبداع ومشوار الشجن وقصائده المفردة المنشورة بالدوريات المتخصصة؛ صدر له ديوان شعري وحيد هو ديوان ، وغالبا يملك دواوين أخرى يعلم وحده مواعيد شروقها للمتلقين.
أخرج (صبري فواز) عدة أعمال مسرحية في بداية مشواره ومنها: (حنقول كمان، ايزيس، صدى الأصداء، ليالى الحسينية، اللى خايف يروح، مزرعة الأرانب، ياسين وبهية، عروس الجنوب، المدد، ليل يا عين)،وقام بتأليف وإخراج مسرحية (ميسد كول من هولاكو)، وكتب السيناريو والحوار لمسلسل (حكايات بهية) بالإضافة إلى عدد كبير من الكتابات المنوعة له في الصحف والمجلات وفي صفحته بالفيسبوك التي يؤرخ منها لأعماله وينشر أشعاره وأشعار الآخرين التي تروق ذائقته ويحكي قصصه الأثيرة وقصصا سواها تعجبه ويفسر الأحداث العامة تفسيرا مختصرا نافذا لا تنقصه الدراية والخبرة.
ولد صبري فواز في قرية (الحمراء) التابعة لمحافظة كفر الشيخ،و تلقّى تعليمه الابتدائي والإعدادي فيها، وبدأ التمثيل أن كان طفلًا بالمدرسة مع فريق المسرح ثم انتقل للتمثيل بفريق المسرح في قصر الثقافة بكفر الشيخ، وفي المرحلة الثانوية انتقل إلى مدينة كفر الشيخ، ومن ثم التحق بكلية الآداب في جامعة الإسكندرية ودرس من خلالها قسم المسرح، وبعد إنهائه لهذه الدراسة انتقل إلى مدينة القاهرة والتحق بمعهد الفنون المسرحية ليدرس المسرح للمرة الثانية.
كانت أول تجاربه التمثيلية عام 1990 من خلال المسلسل التلفزيوني (الوسية)، الذي كان تجسيدا لأحد القصص والروايات الحقيقية لفلاح مصري عانى من الظلم والقهر في عهد الباشاوات، وقد جسد صبري فواز من خلاله شخصية (زهران عبد الراضي أدهم)، وفي عام 1992 شارك في الجزء الرابع من المسلسل التلفزيوني (ليالي الحلمية) بدور شريف عبد الجواد السباعي، وفي عام 1994 شارك في المسلسل التلفزيوني (العائلة)، أما عام 1996 فقد شارك في مسلسل (خالتي صفية والدير) بشخصية بهلول التي أظهرته كممثل يمكن أن يعول عليه آنذاك.
عام 1998 كانت أول مشاركاته السينمائية من خلال فيلم (مبروك وبلبل)، كما تواجد في المسلسل التلفزيوني (إمرأة في زمن الحب)، والجزء الأول من مسلسل (أوراق مصرية)، والسهرة التلفزيونية (البراءة / الحلم وأشياء أخرى)، وفي عام 1999 شارك في الفيلم القصير (البراءة) و(تهديد)، كما كان في المسلسل التلفزيوني (الشهاب) والجزء الأول من (نسر الشرق)، ومسلسل (أم كلثوم)، حيث جسد من خلاله شخصية الملحن والمغني المصري (بليغ حمدي)، وعندها نال شهرة وجماهيرية كبيرة بسبب اتقانه للشخصية.
مع بداية الألفية الجديد وتحديدا عام 2000 بدأ (صبري فواز) نشاطه المكثف في التمثيل حيث شارك في الجزء الثاني من المسلسل التلفزيوني (نسر الشرق)، ومسلسل (وجع البعاد)، وفي عام 2001 شارك في المسلسل التلفزيوني (نجوم في سماء الحضارة الإسلامية)، ومسلسل (البر الغربي) والفيلم السينمائي (أيام السادات)، وفي عام 2002 شارك في الجزء الثاني من مسلسل (أورق مصرية)، ومسلسلي (الأصدقاء، أحلام وسنابل)، وفي عام 2003 حل ضيفاً على مسلسل (مسألة مبدأ) وفي عام 2004 شارك في الفيلم القصير (قطار إلى المرج) والمسلسل التلفزيوني (إمرأة من نار).
عام 2005 شارك في المسلسل التلفزيوني (المنادي)، والفيلم السينمائي (دم الغزال)، وفي عام 2006 أعاد تجسيد الشخصية الموسيقية (بليغ حمدي) من خلال الفيلم السينمائي (حليم) الذي تناول السيرة الذاتية للمطرب عبد الحليم حافظ، كما شارك في المسلسل التلفزيوني (حدائق الشيطان)، وكان نشاطه أكثر حيوية وغزارة عام 2007، حيث شارك في خمسة مسلسلات تلفزيونية هي (المصراوية / الفجر في بشنين، بدور بشير السخاوي، لحظات حرجة، الفريسة والصياد، من أطلق الرصاص على هند علام، حمد الله على السلامة، كما تواجد في الفيلم الكوميدي الرومانسي (عصابة الدكتور عمر).
في عام 2008 شارك (فواز) في مسلسل (ثورة وحكاية) والفيلم الكوميدي السينمائي (الداده دودي)، وفي عام 2009 شارك في (المصراوية / في الريف والبنادر) وثلاثة أفلام سينمائية هى (إبراهيم الأبيض، صياد اليمام، دكان شحاتة)، وفي عام 2010 شارك في المسلسل التلفزيوني (أبو خليل القباني) والفيلم السينمائي (كلمني شكراً)، وفي عام 2011 شارك في المسلسل التلفزيوني (سمارة) والفيلم السينمائي (كف القمر)، أما عام تألقه الحقيقي فكان في 2012 حيث شارك في المسلسل الإذاعي (العهد)، والفيلم السينمائي (ركلام)، كما تواجد في خمسة أعمال تلفزيونية هى (سر علني، بنات x بنات، ابن ليل، الهروب، أشجار النار).
شارك عام 2013 في المسلسل التلفزيوني (فرعون) بدور مجدي، ومسلسل (نيران صديقة) بدور سليم عثمان، والفيلم السينمائي (قلب الأسد)، وبدأ نجما يعلو أكثر في عام 2014 حين شارك في ثلاثة مسلسلات تلفزيونية هى (السبع وصايا، صديق العمر، كيكا على العالي)، وفي عام 2015 شارك في مسلسلين تلفزيونيين هما (العهد / الكلام المباح، بين السرايات) وفيلمين سينمائيين هما (الليلة الكبيرة، من ضهر راجل)، أما عام 2016 فكان موعده مع الفيلم السينمائي (علي معزة وإبراهيم) بدور الدجال، والمسلسل التلفزيوني (الميزان) بدور جمال الشربيني و(أفراح القبة) بدور كرم يونس.
بداية تألقه الدرامي في رمضان كانت في عام 2017، حيث شارك في مسلسلي (الحصان الأسود، ورمضان كريم) بدور خميس، وثلاثة أفلام سينمائية هى (فوتوكوبي، مولانا، جواب اعتقال)، وفي عام 2018 شارك في المسلسل الكوميدي (سك على اخواتك) بدور شريف، ومسلسل (رحيم) بدور عماد، ومسلسل (أبو عمر المصراوي) بدور الشيخ الذي كتب له شهرة وجماهيرية واسعة، كما تواجد في الفيلمين السينمائيين (علي بابا، سوق الجمعة)، وفي عام 2019 شارك بمسلسل (قيد عائلي) بدور سعيد، والفيلم السينمائي (استدعاء ولي عمرو).
في نهاية يناير عام 2020 ظهر صبري فواز من خلال عدة مسلسلات أبرزها (مملكة إبليس، خيانة عهد، أسود فاتح)، ثم تألق في رمضان 2021 بمسلسلات (موسى، ولاد ناس، قصر النيل) ليبدو لنا في قمة النضج الفني على جناح تجسيد درامي فائق الجودة ويعكس مواهبه المتعددة، وعلى رأسها التمثيل الذي أخلص له فمنحه النجومية التي ربما تأخرت لكنها جاءت في الموعد المناسب هذا العام.
صبري فواز .. أصبح الآن نجم من العيار الثقيل استطاع أن يثبت موهبته ويحجز مكانًا بين نجوم الصف الأول، يقوم بأدواره بشكل سلس وبسيط لكنه متمكن .. حتى يمكننا القول أن معظم أدواره تترك بصمة لدى الجمهور وسريعًا نجد جمله حاضرة في المواقف الحياتية، فهو المعلم عرابي الديب صاحب الجملة الشهيرة (أنا يا بنتي)، هو خميس الذي كنا ننتظر منه أن يتغزل في رضا حتى نسمع كلمة جملة (إيه يا حبي) بصوته، و(مولانا الضو، وسليم عثمان، محمود نفيسة)، وكلها شخصيات أحبّها الجمهور وبرع فواز في تجسيدها، ما جعله يتربع على عرش منطقة خاصة في الأداء التمثيلي المتقن.
يرفض الممثل المخضرم (صبري فواز) مقولة إنه يميل إلى الأدوار المركبة وأنه يسعى إلى أن يجري تصنيفه كممثل للأدوار الصعبة، وفي هذا الصدد يقول: (أحب التنوع والإشباع والاستمتاع بالفن وتقديم أدوار تقدم شيئا جديدا، ويزعجني تصنيفي في أي منطقة فنية، حتى إن كان ذلك من باب الإشادة، لأنني قضيت عمري كله باحثا عن الاختلاف، وحتى لا أصنف كممثل صعب أو سهل أو كوميدي أو مركب أو تراجيدي، وفي مسيرتي الفنية رفضت الكثير من الأدوار الجيدة لأنها تشابهت مع أدوار قدمتها من قبل، وكان من الممكن أن أشارك في أعمال كبيرة بأدوار متعددة طوال الوقت لكن لا تشكل اختلافاً وهذا ما أرفضه تماماً).
وحول نوعية الأدوار التي يفضلها ولماذا أبدع في أدوار الشرير خفيف الظل، قال فواز: (لا أخاف من أدوار الشر، ولا أسعى إلى أدوار الخير، بل أتعامل مع الدور كدور وليس من باب تقييمه، وأحب أن أقدم كل الأدوار سواء الشرير أو الطيب أو المجنون أو العاقل، المهم أن يكون هناك تشخيص وأبعاد ومعنى للشخصية، ويكون هناك اختلاف بينها وبين أدواري الأخرى، وبالفعل هناك لمسة كوميدية في كل أدواري الشريرة أبحث عنها وأقدمها، لأنني مقتنع أن الشرير إنسان وعنده مبرراته وأنا كممثل لا بد أن أبرر لشخصيتي التي أجسدها ما تقوم به حتى أستطيع أن أقتنع بها وأجسدها بشكل طبيعي).
وفي النهاية لابد من تحية تقدير واحترام لـ (صبري فواز) الذي يرى أن الهدف الأساسى الذى يهدف إليه فننا هو خلق الحياة الداخلية للروح الانسانية والتعبير عنها بصورة فنية، وهو الذي تواجد وسط جيله من الممثلين هو جيل الفرص الضيقة – بحسب تعبيره – لذا نتمنى له النجاح الذي يستحقه وأن يحقق حلمه بتقديم فيلم غنائي موسيقي، حيث يقول في هذا الصدد: (هو حلم بالنسبة لي، ولكن مع الأسف هناك صعوبة في تحقيقه على أرض الواقع بسبب تكلفته الإنتاجية المرتفعة وصعوبة إيجاد من يتحمس لإنتاجه) .. مزيد من النجاح والتألق له نجما برع في كل أدواره وأخص منها سباقات القدرة والتحمل الدرامية في رمضان 2021.