وتمضي الدراما وتترك مخلفاتها !
بقلم : على عبد الرحمن
انتهي مارثون دراما رمضان بعشرات المسلسلات، منها الوطني الذي حاز إعجاب الكثير لكن ينقصه سير الرواد وحواديت الأماكن وعظمة أحداث الوطن وأيام مجده، ومنها الكوميدي التارك لمواهب أهل مصر وخفة دمهم في التعبير عن أرائهم وهمومهم، ومنها الاجتماعي الذي أغفل حواديت الوطن وأسره، تلك القصص بالغة الرقة والنعومة فائقة المعاناة والمجاهدة، بالغة التفاؤل وحب الحياة وتركت لنا مخلفات من الألفاظ السوقية والتعبيرات النابية والسلوكيات المرفوضة والأزياء الغريبة علينا، والحركات والتعبيرات والملامح التي سنعاني منها مستقبلا، أما أعمال الأكشن فحدث دون حياء، فلقد تركت إرثا من ثقافة العنف والبلطجة والتآمر، وتركت موروثا من قاموس لفظي وتعبيري أرجو الله أن يمحوه من ذاكرة النشئ.
ولقد خلفت دراما رمضان إرثا يحتاج لعمل تربوي دؤوب لدي أطفالنا لنمحوه أو نقلل تأثيره السلبي، وتركت ثقافة لدي فتياتنا وفتياتنا تستلزم نصح مستمر حتي لا يصبح واقعا يتم تقليده، وتركت حوارا داخل الأسرة يتطلب منطق لعدم الانسياق خلفه، وأثرت في منظومة القيم والأخلاق لدينا، وهزت ثقافات داخل عقولنا، وحركت مشاعر وغرائز تربت على صحيح المنطق والدين، ودشنت سلوكيات نحن في غني عنها، وتحدثت عن أقوام وقضايا ليسوا بيننا، ولست أدري هل ستتمكن من تنقية وفلترة هذه الأعمال قبل إعادة عرضها؟، طبقا لنظم بيع وتسويق الدراما، مابين حصري متزامن ومتوفر وديجتال، وهل سيتحرك أهل الميديا والدين والتربيه لتنفيذ ذلك؟.
وهذا ليس رأيا شخصيا بل رأي شاهد من قلب أهلها، فقد أعلنت جمعية كتاب ومؤلفي الدراما: أن شيئا ما أضر بقيم الوطن وأهله في رمضان ولم نسمع صوت المجلس الأعلي لتنظيم الإعلام ولجانه وخبرائه، ولا صوت الأزهر ولا الكنيسة، ولا أهل التربيه والتعليم والتثقيف، ولا مجالس المرأة ولا الطفل ولا المجتمع المدني، ولا خبراء الإعلام ومخططية.
إنها دعوه لهؤلاء لإيقاف تهور الدراما وحماية لمنظومة القيم والعادات، فهل نعتبر صرخة كتاب ومؤلفي الدراما،هى طلقة البدايه؟، وهل سيعقبها بيان من بقية الجهات المنوط بها حماية منظومة القيم والأخلاق؟، وهل نسمع قريبا عن اللجنه القوميه العليا لقراءة نصوص الدراما؟، وهل سنري الخطه القوميه العليا لإنتاج الدراما؟، وهل سنشاهد التوزيع القومي لبث الدراما؟، وهل سيتحرك المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام للقيام بدوره في قراءة النصوص ومتابعة عمليات التصوير ومراقبة أعمال البث، ومن سيحدد المنتج الواعي بقيم الوطن حتى نسند إليه تنفيذ الأعمال حسب مضمونها وتأثيرها؟ ، وهل لممثلي الشعب من برلمان ومجالس وهيئات وخبراء ومجتمع مدني الحق في الاطلاع على ملخص ماسينتج؟، وهل متاح لهم زيارة الاستديوهات ورؤية الأعمال وهى تنفذ، أم سيكون لمن صلاحية رفض النص أو إيقاف بث العمل؟
وحتي لايفهم أحد أننا نحد من حرية الإبداع فأقول له إطلاقا، ولكن ألم يكن تراثنا إبداعيا وغير مسف؟، أم هل يقترن الإبداع بالخروج عن المألوف؟، فليبدع كل مبدع، ولكن ليتذكر أنه داخل وطن وأهل وعقيدة وقيم متوارثة، وأري أن الكل قد نفضوا أياديهم من ملف الدراما مما خلف ما خلف، فليقم كل بدوره في تواصل الإبداع والتجديد وعلاج مشاكل الوطن وعرض هموم وتطلعات أهله وتقديم مواهبه وعودة قوته الناعمة، ولكن في إطار قيمي وأخلاقي وسلوكي وموضوعي نابع من بين جنبات وربوع الوطن.
فلنعقد مؤتمرا، أو ندوة، أو حتى لقاءا حول مستقبل دراما الوطن وأطر موضوعاته وعدم انفصاله عن المجتمع وقيمه فما تخلفه الدراما يتعب كثيرا أهل التربية والتعليم والعقيدة والسلوك، وكما تكلفنا الدراما الكثير من الأموال وحرقة الدم والحسرة تكلفنا مخلفاتها الكثير من الوقت والمحاولات والأموال والحسرة أيضا.
وحتي لايجانبنا الإنصاف فلقد أفرزت دراما العام كوادر جديده تأليفا وتمثيلا وإخراجا، وتذكرت الدراما معالم مصر الحديثة والنظيفة والراقية ما يعني أنها مصر الولادة وأن الدراما يمكن أن تسوق لمصر (فكرا وقيما وشعبا وأماكن وإستثمارا وجذبا)، فلنتعامل مع إنتاج الدراما بمفهوم التسويق لأمة وشعبها ولتصصح ما أفسدته من سمعة البشر الطيب بالخارج، ولترد لوجوه المصريين في الخارج فخرها وليس حيائها، ولتربي ولتعلم ولتحلم ولتطور ولتأخذ بيد الشعب إلى واقع درامي سباق بطريقة أفضل.
ياسادة : ليس إنتاج الدراما عقول تكتب ماتريد، ولا منتج ينفق كما يتمني،ولا فرد يربح من عمل، ولا معلن يوصل سلعته، إنها قاطرة أحلام الوطن وحارسة منظومة قيمه الأمينة على أهله ومستقبله، المجسدة لواقعه ومثابرته، المجملة لصورته وأهله، الداعية إليه والمعبرة عنه والسفيرة الممثلة له، فلنتعامل مع الدراما على أنها ملف وطن وقيم شعب وصورة أمة، وأن أهل الدراما هم رواد هذا الوطن ومبدعي هذه الأمة ونبت هذا الشعب.
حمي الله مصر .. أهلها وأرضها وعقولها وقيمها وصورتها، وألهم أهلها الصواب في مسيرة الدراما وكل مسيرة لصالح هذا الوطن المحروس دوما بفضل الله.