بقلم : محمد حبوشة
انتهى الموسم الدرامي الرمضاني الأنضج في العشر سنوات الأخيرة، والذي قال عنه الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال كلمته قبل أسبوع، فى افتتاح عدد من مشروعات التطوير فى هيئة قناة السويس، حول دراما رمضان، ومدى تأثيرها في الوجدان، إن (الدراما في شهر رمضان تناولت الكثير من القضايا التي مرت علينا.. وأتصور أن الدراما التي قُدمت والتي لا بد أن تُقدم بشكل أكبر، تناولت أحداثا كثيرة مرت علينا وتجاوزناها بشكل كبير وفكرتنا بأيام صعبة مرت علينا، بفضل الله سبحانه وتعالى أولا وبفضل تضحيات الشعب المصري).
كلام الرئيس جاء جراء تنوع المسلسلات التلفزيونية التي شاركت في الموسم الرمضاني هذا العام بين أعمال وطنية وكوميدية واجتماعية خفيفة، حيث شهدت دراما رمضان هذا العام أكثر من عمل تناول معركة الوعي وفضح مخططات الإرهاب في مصر والمنطقة، وفي مقدمة تلك الأعمال التي حظيت بنسب مشاهدة عالية وتفاعل كبير على مواقع التواصل الاجتماعي داخل وخارج مصر؛ مسلسل (الاختيار 2) للفنانين كريم عبدالعزيز وأحمد مكي، واللذين يجسدان من خلال هذا المسلسل بطولات رجال الشرطة المصرية في مواجهة الإرهاب، لا سيما في الفترة التي أعقبت سقوط حكم الإخوان بالبلاد، إضافة إلى كشف الخلايا النائمة.
كما استعرض مسلسل آخر هو (القاهرة كابول) بطولة الفنانين طارق لطفي وخالد الصاوي وفتحي عبدالوهاب، بشكل درامي، كيفية صناعة الإرهاب ومراحل التطرف الديني، علاوة على تأثير صناعة الإعلام ومعالجته للأحداث السياسية، ومن بين الأعمال الدرامية التي حظيت بنسب مشاهدة عالية أيضا، مسلسل (هجمة مرتدة) للنجم أحمد عز والفنانة هند صبري، والذي كشف بوضوح ما يحاك بمصر خارجيا من مؤامرات تمتد تأثيراتها إلى داخل الوطن، فضلا عن كشف أجهزة دول محيطة بنا (قطر وتركيا)، وأجهزة خارجية تواصلت مع خونة الداخل لتنفيذ مخططات إسقاط مصر.
ولا يحتاج الذهن إلى نظرية تآمر كي يثبت الربط بين ما أحدثته تلك المسلسلات الثلاثة من نغز شرس بنصل الفن في جنب الإخوان حتى سمع المشرق والمغرب صوت نزيفهم وهم يحتضرون أمام شاشة تفض (رابعتهم) للمرة الثانية وبين حادث قطار طوخ الذي أفقدنا في رمضان قتلى وجرحى، فضلا عن كشف الأعيبهم القذرة بالتعاون مع الغرب وأمريكا وقطر وتركيا وعملاء الموساد قبل وبعد أحداث 25 يناير بحسب وقائع مسلسل (هجمة مرتدة، أو تعرية أفكارهم الشيطانية والعبث بمقدرات أمة في خطر أمام الرأي العام من خلال أحداث مسلسل (القاهرة كابول).
الإخوان وإعلان دمويتهم إثر عرض (الاختيار 2) موثقة ومنتشرة إلكترونيا لمن أراد التثبت، وهو ما طرح سؤلا مهما: هل يمكن لمسلسل أيا كانت براعته الفنية أن يدك حصون الإخوان ويمحقهم؟، والإجابة نعم لقد أسقط الاختيار فعلا كهنوت رابعة فصارت دمويتهم تطول الحديد والبشر والحجر؟!، والثابت أن الدراما تفعل ذلك وأنها صارت أداة مؤثرة من أدوات الصراع الفاعلة وهكذا يكتب الآن الإعلام العربي،.
لذا فقد أثارت تلك الأعمال الثلاثة حفيظهم ما جعلهم يطلقون كلابهم الإلكترونية في محاولة تشويه تلك الأعمال واتهامها بتزيف التاريخ والوقائع، وتارة أخرى بتمجيد خبيث لأعمال العنف والبطجة مثل (نسل الأغراب، ملوك البلطجة، اللي مالوش كبير، موسى) وغيرها من أعمال دون المستوى على سبيل صرف الناس عن مشاهدة الأعمال الوطنية.
لكن وعي الشعب المصري كان أسبق من من كل الأذرع الإعلامية الإخوانية، سواء كان فضائيا أو إلكتروني فقد شهدت السوشيال ميديا نشاطا مكثفا من بداية إذاعة الحلقات عبر تعليقات تتناول بالنقد والتحليل مزايا تلك المسلسلات التي تركز على البطولات الحقيقية وتكشف الغطاء عن زيف الإخوان، ولعل كثيرون منهم صبوا جم غضبهم على (الإخوان الإرهابيين) فور مشاهدة الحلقات التي كانت تكشف زيفهم، سواء في (رابعة والنهضة)، أو تأمرهم مع أجهزة أجنبية بهدف إسقاط مصر، أو الرد على أفكارهم العدوانية بالعقل والحكمة والمنطق، ما أصابهم بالجنون عندما فشلت خططهم في محاولة تشويه الأعمال الوطنية.
وقد نال مسلسل (الاختيار2) النصيب الأكبر من الأذرع الإعلامية الإخوانية خصوصا كتائبهم الإلكترونية التي نشطت مع تطور يتناول حلقات المسلسل عندما تناول أسخن وأخطر فترة من هذا الصراع، منذ نجاح جماعة الإخوان في الحصول على الحكم، ومحاولتهم للإطاحة بكل القوى الأخرى والدفع بمصر في طريق مظلم، والمقاومة الباسلة التي أبداها الشعب المصري معززاً بمعظم رجال جيشه وأجهزته الأمنية، وذلك خلال الفترة التي تمتد لخمس سنوات منذ 2013 حتى 2018، وجاء مسلسل (هجمة مرتدة) في المرتبة الثانية من حيث اهتمام الإخوان نظرا لأن حلقاته الـ 20 الأولى لم تشر صراحة لتورطها في العمالة والخيانة ، لكنها أشارت في الحلقات الأخيرة إلى تنسيقهم مع الخائن (سعد الدين إبراهيم وقطر وتركيا)، ومن ثم نشطت كتائبهم في الهجوم تباعا، أما (القاهرة كابول) فقد ضغط على العصب العري لداعمي الإخوان ومنها على جه الخصوص (الجريزة القطرية) التي تورطت كثيرا في المستنقع الأفغاني.
لقد أدركت الآلة الإعلامية الإخوانية حقيقة مرة مؤداها إذا كان (الاختيار2) يوسع عدسة الزووم إلى مصر كلها، فإن (هجمة متردة) يوسع من مجال الزاوية أكثر فأكثر، لينتقل خارج مصر، إلى بعض الدول الأوروبية والأجنبية، ليرصد صراع الجواسيس والمعلومات وعمليات التجنيد التي تقوم بها بعض الجهات الأجنبية، ويكشف في الثلث الأخير منه دورهم الواضح في التورط بالخيانة عبر هذه الجهات الأجنية، ويذهب مسلسل (القاهرة كابول) لمسافة أبعد تاريخياً وجغرافياً، ليرصد أصل وموطن الإرهاب الذي بدأ في أفغانستان منذ حوالي 70 عاماً، وما آل إليه الآن بعد كل هذه العقود من الدمار، والذين كان الإخوان بالطبع جزءا أصيلا من تلك المعادلة.
وليس هناك دليل على مدى الجرح العميق الذي سببه مسلسل (الاختيار 2) تحديدا للجماعة الإرهابية وأذرعها الإعلامية، أكثر من تلك الحملات الهيستيرية التي انطلقت طوال الـ24 ساعة للهجوم عليه ومحاولة تشويهه، بل ومطالبة الناس بعدم مشاهدته أو مشاركة أي مقاطع منه، رغم أن أكثر اللقطات كانت حية ومن واقع الحالة التي كانوا يصدرون عكسها بادعاء زائف بأنه متظاهرين سلميين لا يحملون السلاح، حالة الجنون التي أصابت قنوات الجماعة الإرهابية، أوقعت مذيعيها في أخطاء فضحتهم أمام المشاهدين، وخاصة ظهور حملة شرسة من قبل القنوات المأجورة التي تبث سمومها من تركيا، والتي تمول من قبل قيادات الجماعة الإرهابية الهاربين في الخارج، واستهدفت الحملة الفنان أحمد مكي، حيث جاءت التعليمات لهم للهجوم عليه في توقيت واحد، وذلك بعدما انتشر فيديو لـ مكي، عبر يوتيوب زائف، حيث يؤدي في العمل شخصية خائن لبلده، يبيع نفسه للجماعات الإرهابية مقابل المال.
ولم يتوقف إعلام الخونة وبرامجهم عن الهجوم علي مكي الذي كما رددوا بأنه سيخسر شعبيته بعد هذا الدور، الذي يكشف حقيقة مذبحة رابعة والتي ارتكبها قيادات الإخوان بحق البسطاء الذين تواجدوا في الاعتصام، وجعلوهم دروعا بشرية في الصفوف الأمامية وهربوا هم للخارج وتركوهم بمفردهم في الميدان، ولعل الحلقة (الخامسة) التي شهدت فض رابعة هى التي سببت جرحا غائرا في نفوسهم المريضة، حيث لم يتخيلوا أن الدراما الحقيقية بوثائقيتها الاحرفية ستكشف حقيقتهم إلى هذا الحد.
وفي هذا الصدد قال الباحث المصري في شؤون الجماعات المتطرفة، عمرو فاروق، في حديث إلى موقع (سكاي نيوز عربية)، أن خشية تنظيم الإخوان الإرهابي من مسلسل (الاختيار 2) يرجع إلى قناعتها بأن مشاهد العمل هذا الدرامي ستدفع باتجاه تفكيك بنيتها الفكرية والتنظيمية التي أرستها منذ حسن البنا منذ ثلاثينيات القرن الماضي، وتابع: (وثقت مشاهد دراما “الاختيار” حالة التزييف والخداع التي يعيشها أبناء جماعة الإخوان وتنظيمات العنف المسلحة، واستغلالهم والسيطرة عليهم نفسيا وذهنيًا وعقليًا من قبل جهلاء تحت شعارات السمع والطاعة والولاء والبراء، و(بيعة الموت)، والانجراف بهم تجاه العمل المسلح، فضلا عن توظيفهم الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة لخدمة الأهداف السياسية التي تصب في نهاية الأمر لتحقيق مصالح جهات وعناصر خارجية تعمل ضد الدولة المصرية”.
وأشار فاروق إلى أن الجماعة الإرهابية بلجانها وقطاعاتها الداخلية تحركت على مدار 90 عاما لاستقطاب وتجنيد فئات المجتمع فكريا وتنظيميًا تجاه مشروعاتها في احتكار الخطاب الديني والوصاية على الشريعة والهيمنة على سدة الحكم انطلاقا وتحقيقا لنظرية (أستاذية العالم)، بالتالي فإن أعمالا درامية تفضح أكاذيبهم تشكل خطرا داهما على مشروعهم، بما يجعلهم يتحركون بتلك الطريقة”، وأضاف: (تعتمد جماعة الإخوان في بناء هيكلها التنظيمي ودوائرها، على الخطاب العاطفي داخل المجتمع لضمان اختراق مؤسسات الدولة والتغلغل في أركانها وأروقتها لتطويعها في خدمة “المشروع البناوي القطبي”).
وأكد الباحث المصري على أن هذا الخطاب يهدف في الأساس إلى (تدمير الولاء للدولة الوطنية مقابل الولاء للفكرة الدولية التي تمثلها الجماعة بفروعها المنتشرة عبر التنظيم الدولي في أكثر من 80 دولة عربية وأوروبية، ملتحفة بعباءة الدين زورًا وبهتانًا، ولهذا فإن أي عمل يواجه مخططهم يسبب لهم حالة احتقان شديد”، ومن ثم مثلت دراما (الاختيار) نوعًا جديدًا من معركة الوعي الفكري، وأعرب عن أمله في أن (تستكمل الدولة المصرية هذا المسار ضمن خطوط عريضة وواضحة تشكل مشروعا قوميا يسعى لتصحيح المفاهيم، ويحمي حاضرها ومستقبلها، ويوقف حالة الخداع والانتهازية الدينية من قبل جماعات التطرف بتنوعاتها).
وأتفق تماما مع رؤية وطرح الباحث الباحث عمرو فاروق في ضرورة استكمال الدولة المصرية المسار الصحيح من خلال تكاتف شركات الإنتاج الوطنية في صناعة دراما حقيقية تكشف عن تصحح المفاهيم والأفكار، وتعرض نماذج بطولية في معركة الوعي الحالية على مستوى الجيش والشرطة والعلماء والأدباء والمفكرين والفلاسفة والشخصيات التاريخية الوطنية والتي تحظى مصر بالكثير منها منذ فجر التاريخ (الأسر الفرعونية)، ومرورا بمصر القبطية والإسلامية وحتى العصر الحديث، والذي حصل فيه المصريون على جوائز دولية تشهد على كفاءتهم، الأمر الذي يتطلب تجسيد سيرهم الذاتية ، ومثل تلك الأعمال الدرامية حتما ولابد من شأنها أن تؤكد على الهوية الوطنية المصرية وتدفع بنماذج مثالية يمكن أن يحتذي بها الشباب الذي أثبت انتمائه الحقيقي لهذا الوطن عندما أقبل على مشاهدة مثل تلك الأعمال الوطنية، ووقف كحائط صد منيع ضد الحملات الإخوانية وأفشل خططها في تشويه تلك الأعمال.