(سلامة في خير) مادام متمسكا بأصله
بقلم : سامي فريد
هل إلى هذا الحد يصنع المظهر هذا الفارق الهائل في حياة الإنسان فيتحول فراش محلات هنداوي لتجارة الأقمشة إلى سلطان عظيم لإحدى الدول الإسلامية المجاورة لمصر وليكن اسمها مثلا بلودستان؟!
هكذا بنى الأستاذان بديع خيري ونجيب الريحاني سيناريو وحوار قصة هذا الفيلم (سلامة في خير) عن قصته من مكتبة ستوديو مصر!!
وتبدأ فصول هذه الرواية الأربعينية الممتعة في محلات خليل بك هنداوي (فؤاد شفيق) الذي لا يستطيع الاستغناء عن خدمات فراش مكتبه سلامة أفندي (نجيب الريحاني) الإنسان البسيط لكنه الإنسان المخلص الذي يعرف كل تفاصيل العمل في محلات هنداوي بعد خدمة 25 عاما بلغ فيها مرتبة ثمانية جنيهات عاش بها راضيا ومكتفيا مع زوجته ستوتة (فردوس محمد) وحماته العجوز التي تحبه.
لكن الحياة لا تخلو من بعض المنغصات مثل ذلك الجار المشاكس الحقود الأستاذ بيومي مرجان (محمد كمال) المصري ومشاغباتهما وتشاجرهما الذي لا يتوقف يوميا حتى تكون تلك الحادثة التي تقع لاتوبيس المدرسة التي يعمل بها بيومي مرجان والذي يسميه سلامة بعد أن صار سلطانا إلى بيومي أفندي بيتجان الذي أطلق عليه سخرية التلاميذ وإن بدأ بيومي مرجان يشك في أن السلطان الذي يزور المدرسة هو نفسه سلامة أفندي الغائب من عدة أيام عن الحي وعن بيته ولا يعرف إلى أين كان مصيره!!
ولأن لكل شيء سببا فقد كانت حادثة أتوبيس المدرسة وذهاب سلامة مع بيومي مرجان إلى قسم الشرطة ليدلي بشهادته بغية الإيقاع بغريمة اللدود بيومي مرجان وكان من جراء هذا تأخر سلامة عن البنك لإيداع مبلغ أربعة آلاف ومائة وثمانية عشر جنيها هي كل ايرادات محلات هنداوي في ذلك اليوم الذي اضطر فيه هنداوي إلى السفر إلى الإسكندرية للحاق بزوجته العاقر والتي أخيرا وبعد 50 سنة تنجب لزوجها مولودا ذكرا ويجب له عقل الرجل الذي اختلف مع زوجته على اسم المولود باسم جوزيف وهو اختار له اسم منقرع!!
ويجد سلامة نفسه وقد وقع في ورطة كبيرة مع هذا المبلغ الكبير.. فيعود إلى الشركة ليجد أن هنداوي بك قد اعطي الموظفين جميعا اجازة نصف يوم بمناسبة المولود الجديد.. ويتصل به سلامة على تليفون منزله فيجد أنه قد سافر إلى الإسكندرية فيضطر للعودة إلى بيته، ولكنه يحتار أين يخفي مثل هذا المبلغ الكبير حتى صباح الغد.. وتفاجئ ستوتة بأنها قد عادتت من الخارج فوجدت اللصوص قد كسروا باب شقتها وسرقوا النحاس!!
لا أمان إذا عندما يرى سلامة بعينه راسه أحد اللصوص وقد ركب دراجة ليسرق حقيبة يد في الشارع فيجري سلامة متضمنا حقيبته إلى أحد معارفه وهو البواب وكان الذي ينصحه بأن يودع هذا المبلغ في الأمانات بأحد الفنادق الكبيرة.. وفي الفندق تبدأ أحداث الفيلم الحقيقة عندما يصل موكب السلطان كندهار (حسين رياض) مع سكرتيره جودته بك (منسي فهمي)، ويعتقد الجميع لتشابه عباءة سلامة السوداء مع عباءة السلطان بأن سلامة هو السلطان لأنها كانت زيارته الأولى للقاهرة بعد غياب عنها طال 20 عاما.
وتعجب الفكرة سلطان كندهار الذي يريد أن ينبته لنفسه أن المظاهر هى التي تصنع اقدار الإنسان وليس شخصيته أو كينونته الحقيقية فيقنع سكرتيره بالفكرة وبشكل مؤقت ويتم تقديم سلامة بعد أن ارتدى ملابس السلطان ليتقدم بها لاستقبال زواره والمرحبين به وعمل كل الزيارات الرسمية للمدارس وأقسام المطافئ وغيرها، ورغم فداحة أخطاء سلامة الفراش فإن الجميع يتقاضون عنها لأن السلاطين لا يخطئون.. ويتجاوز الجميع عن كل ما هو أمامهم من أخطاء ساذجة وفادحة!!
وكان السلطان قد التقى في قدومه من الاسكندرية إلى القاهرة بسيارة الوصيفة ناهد التي تعمل لدي كريمة القنصل (ستيفان روستي) فتبدأ كريمة القنصل (راقية إبراهيم) في محاولات إغراء السلطان المزيف لتنال هدايا ورضاه لكن السلطان نفسه يكون قد اقتنع بأخلاق ناهد رغم بساطة اصلها.
ولعدم وجود قدر من النقد المصري مع السلطان الذي يضطر للجوء إلى مبلغ الأمانة التي يحملها سلامة الذي يكاد يجن وهو يجد السلطان يتصرف في وديعة محلات هنداوي حتى يحدث اختلاط حقيبة الخواجة الذي يحمل حقيبة مشابهة بها عينات من الأقشمة لعرضها على هنداوي بك .. وعرضها أيضا على السلطان فربما يتعاقد مع السمسار (إدمون نوعا) لشراء أقشمة الجيش البلودستاني.
لكن بلاغ محلات هنداوي عن سلامة الذي يحمل مبلغ الوديعة التي اختفت يدفع بالشرطة إلى سؤال السلطان المزيف الذي يبحث عن السلطان الحقيقي فلا يجده بعد ان خرج خلف ناهد ليصلح خطأ وقعت فيه كريمة القنصل التي فصلتها من العمل.
ويبدأ التحقيق مع سلامة المتهم بتبديد المبلغ حتى يصل السلطان ويقرر تصحيح الوضع ثم يفاجئنا سمسار الأقمشة في عرض عينات الأقمشة الجديدة التي يحملها لكنه يفاجأ بمبلغ الوديعة كاملا فيها. ويصاب بيومي مرجان بالإحباط بعد أن كان قد تأكد من دخول سلامة السجن لتبديد الوديعة.
لكن ظهور المبلغ فجأة يدفع هنداوي بك إلى مسامحة سلامة بل ويقدم له مبلغا على سبيل المكافأة، كما يقدم السلطان مبلغا آخر كمكافأة لسلامة وتقدم له ناهد خطيبة السلطان الآن مبلغا ثالثا فيحاول بيومي مرجان منافقة سلامة جارة بأبيات من الشعر يرد عليها سلامة بالمثل الذي يقول : (إذا لم تكن لي والزمان شرم برم.. فلا خير فيك والزمان ترملي).
لكن أهم ما في الفيلم هو الذي قدمه الفيلم بشكل عادي وعارض هو مشاركة الجارة الجريجية مع أسرة سلامة في بحثهم عن سلامة ودعائها مثلهم وللست أم هاشم ولسيدنا الحسين أن يعيده إليها.
وينتهي الفيلم الذي أخرجه نيازي مصطفي (عام 1937)، لنجد أن سلامة مازال في خير وأن الخير مازال في سلامة.