شطحات (الأغراب) شوهت الفن والصعيد
بقلم: محمود حسونة
حطم الموسم الدرامي الرمضاني القواعد الكلاسيكية للنجاح، فبعد أن كانت أسماء الأبطال هي الإغراء الأكبر للجذب الجماهيري أصبح النص المتميز هو الذي يدفع الجمهور للالتفاف حول عمل والتخلي عن آخر، ولمديح هذا والسخرية من ذاك، وبعد أن كان الأكشن اللامعقول سبباً أساسياً لتحقيق النجاح أصبحت الحكاية الاجتماعية الواقعية أو الحكاية الوطنية الحقيقية هي الضمان الأهم لالتفاف الجمهور حول عمل دون غيره، ولذا تصدرت أعمال مثل الاختيار، هجمة مرتدة، خلي بالك من زيزي، لعبة نيوتن، نجيب زاهي زركش، ولاد ناس، وتقهقرت أعمال مثل ملوك الجدعنة، موسى، نسل الأغراب، وهو ما يؤكد مقولة “لا يصح إلا الصحيح” ويهدم كليشيه “الجمهور عايز كدة”، فالجمهور لا يريد فناً كاذباً دموياً، ولكنه يريد فناً صادقاً يعبر عن همومه ويطلعه على الحقائق ويفند له الأكاذيب والادعاءات ويقاوم معه الإرهاب والتطرف ولا يجمل الشر في عينيه.
نسل الأغراب، هو أكثر مسلسل توافرت له أسباب النجاح، ابتداءً من الحملة الدعائية الضخمة التي استبقت عرضه بما لا يقل عن شهرين، وجمعه بين نجمين “سوبر ستارز” اعتدنا في الماضي أن اسم كل منهما على أي عمل فني هو الضمان لنجاحه، وميزانية إنتاجية قد تكون الأكبر هذا العام، وديكورات فاحشة وقصور خيالية ومجاميع كومبارس مئوية وحيوانات مفترسة، وضجيج ينبئ بأنه سيكون فتحاً جديداً في عالم الدراما، ورغم ذلك فشل فشلاً ذريعاً ونال صناعه ومنتجيه من الشتائم والسخرية على مواقع التواصل ما يكفي لإفاقتهم من غيبوبة العظمة ومن وهم التفرد. أما السبب وراء ذلك فهو النص المهترئ والمشاهد المفبركة والدموية اللامنطقية وتجنيد كل المسلسل لبروزة البطلة ومنحها مالا تستحق من مشاهد على الشاشة، وجعل الشخصية التي تجسدها هي الشمس التي تدور حولها الكواكب وتستمد من دفئها الكائنات وجودها.
أحمد السقا وأمير كرارة، نجمان لهما قيمتهما في عالم التمثيل، ولكن وضعهما ومكانتهما بعد “نسل الأغراب” سيكون مختلفاً عما كان قبله. أحمد السقا بدأ رحلة الهبوط على يد محمد سامي قبل عامين عندما قبل أن يلعب بطولة “ولد الغلابة” وقدم شخصية المدرس المثالي الذي تحمل الكثير من الظلم ثم تحول بشكل غير منطقي على يد سيدة التقاها مصادفة إلى مجرم عتيد يتاجر في المخدرات ويقتل ويرتكب كل الموبقات، وبدلاً من أن يستفيد من زلة “ولد الغلابة” عاد ليكرر التجربة وبشكل أسوأ في “نسل الأغراب” ليكون ضمن النسل الدموي الذي لا يريد سوى الخراب والدمار والموت والفناء لكل ما ومن حوله وخصوصاً باقي النسل الذي ينتمي إليه.
أما أمير كرارة فهو الخاسر الأكبر من وراء تجسيده لشخصية غفران الغريب الوهمية، فبعد أن جلس طيلة الأعوام الماضية على عرش الدراما الرمضانية من خلال أدائه لبطولة “كلبش” بأجزائه المختلفة، وتبوأ مكانة حسده عليها الكثير من أهل الفن العام الماضي ببطولته لمسلسل “الاختيار” وتجسيده شخصية البطل الشهيد أحمد المنسي، جاء هذ العام ليسقط في المستنقع بتجسيده شخصية مجرم يرتكب جرائمه ويهرب كالفئران من الحكومة وقت الحساب، ويزرع المخدرات ويتعامل مع الناس كعبيد له ويخطف ابن وزوجة غريمه بعد أن يودعه السجن، ويقتل بلا أي ندم.
لعل أمير كرارة يفيق بعد عرض المسلسل ويدرك أن المخرج الذي يختار الفنان العمل معه يمكن أن يعلو به إلى القمة أو يسقط به إلى الهاوية، وهذا هو الفرق بين بيتر ميمي الذي أخرج روائعه ومحمد سامي “صاحب النسل”، فالأول فنان يريد أن يصنع مجداً يليق بالفن وبالوطن وأن يصوب المغلوط ويصحح الأكاذيب ويرد على ادعاءات الأعداء ويخلد الشهداء الذين قدموا حياتهم فداءً للوطن، ويرتقي بممثليه ويضعهم بما يقدمه من فن هادف داخل قلوب مشاهديهم.. أما محمد سامي فيريد أن يصنع مجداً لزوجته ويفرضها نجمة ولو على حساب نجوم ونجمات كبار، ويجعلها محور أحداث أعماله ومحور صراع أبطاله، ويجعل الشخصية التي تجسدها هي من يتنافس عليها الكبار ويتساقط تحت قدميها الصغار وترتوي الأرض بدماء الأهل والأقارب صراعاً عليها، وهي التي تضرب بكفها الرجال والنساء حتى لو كانوا كباراً ليتأدبوا في حضرتها وهي التي تحرض وتقود القطيع وتحدث التغيير، وفي هذا المسلسل هي العقدة والحل في آن واحد!
هي جليلة غير الجليلة التي تتواجد في معظم المشاهد وهي محور الكلام بين باقي شخصيات المسلسل في غيابها قبل حضورها، ولعل الاسم الأنسب لهذا المسلسل هو “الصراع على جليلة” لا “نسل الأغراب”!
حيرة محمد سامي بحثاً عن مكان ومكانة مي عمر جاوزت المدى، فبعد أن أقنعها بأنها وريثة سعاد حسني، وبعد أن روجت لنفسها على أنها خليفة فاتن حمامة، خرج علينا المخرج الهمام بنهاية هذا المسلسل منقولة بالمسطرة عن نهاية فيلم “شيء من الخوف” للمخرج العظيم حسين كمال، وقدم زوجته بصورة وملامح وملابس وأداء شادية وهى تخطب في الناس لتحفزهم على الثورة ضد غفران وعساف، ليحمل الناس نفس مشاعل الفيلم ويذهبون للانتقام من الغريمين، ولعل التغيير الذي أجراه لحفظ ماء الوجه هو قدوم الشرطة تزامناً مع ثورة الناس للقبض على عساف وغفران أما الفيلم فقد كان مصير عتريس أن يحترق وبيته على يد الناس، وقد سبق القبض على العدوين اللدودين قضائهما على كل أبطال المسلسل من رجال عائلتهما قتلاً وإجراماً بما في ذلك حمزة ابن عساف وسليم ابن غفران.
لم يكتف المخرج-المؤلف فلتة زمانه بأن تكون زوجته محور الأحداث، بل جعل من شقيقته ريم سامي معادلاً موضوعياً، فرغم أنها تجسد شخصية خادمة يتيمة الأبوين، إلا أنها أم لسانين التي لا يجاريها أحد كلاماً وتحشر نفسها في حوارات أسيادها ودائماً كلامها هو الصحيح، وعليها يتنافس الأخوين حمزة وسليم ويطاردانها بحثاً عن نظرة رضا!!
مما لاشك فيه أن في المسلسل عدداً من العناصر التي تميزت تمثيلاً ولكن ظلال القتامة والدموية والبلطجة والعنف شوهت أي فعل جميل وجعلت من معقول الأداء لا معقولاً.
الغريب أن توافق الشركة المنتجة على شطحات المؤلف المخرج الذي يرد اسمه في التتر خمس مرات، وتشويهه الصعيد المصري بهذه الطريقة لتقدم للمشاهدين نموذجاً درامياً دموياً غير مسبوق وفي ظل ديكورات يستغربها المشاهدون ولَم يروا أهل الصعيد مثيلاً لها، وتفيق بعد انتهاء رمضان وتقرر منع التعامل مع محمد سامي، وهو قرار محمود ولكنه يأتي متأخراً، بعد هدر الأموال على عمل لا يليق بصورة الصعيد ولا بالفن المصري.
mahmoudhassouna2020@gmail.com