رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

حمادة هلال .. تجليات روحانية حلقت بنا في سماء (المداح)

كتب : محمد حبوشة

شغل عدد غير قليل من المفكرين ومن كبار مخرجي المسرح العالميين (منظرّي فن التمثيل ) بدءا من الفيلسوف الفرنسي ( دينيس ديدرو) بجسد الممثل بوصفه الموضوع الرئيسي في العرض المسرحي؛ فمنهم من رأي الجسد أن ذاته هو الموضوع الرئيسي في العرض المسرحي، ومنهم من رأي أن الجسد ذاته هو الموضوع الذي تبدو فيه أعمال الشفرات الأيديولوجية الخادعة والصعبة على التحليل، ومنهم من رأي الجسد وسيلة أداء للعرض، ومنهم من رأي دور الجسد في العرض مقصورا علي تصوير الجسد نفسه، في حين يري ( ستانسلافسكى) الذي يعد أول من نظم الخضوع الجسدي للعقل في فن الممثل (أن جسد الممثل هو جسد الشخصية التي يمثلها، وأن وظيفة العقل هي قدرته علي إقناع طبيعة الممثل الحسية بحقيقة ما يؤديه ذلك الممثل علي المسرح.

الحقيقة المرة عندما صدمته رحاب بأنه أخوها

ولعلي قد لاحظت طيفا من (ديدور، وستانسلافسكي) متحققا على شاشة رمضان هذا العام من خلال شخصية (صابر المداح) في مسلسل (المداح) التي جسدها النجم (حمادة هلال)، والتي تمتعت بقدر من الخشوع الجسدي بالقدر الذي جلب المتعة البصرية في فتنة لاتضاهى عكست ما يجول بخاطره من أفكار متضاربة وتوتر ناجم عن صراع دائم بين الخير والشر الذي يتعرض له من المحيطين به، ولعله في الحلقات العشرين الأولى كان يجد ملاذا آمنا في حبيبته (رحاب/ نسرين طافس)، عبر لقاءات عابرة تتسم بالصفاء الروحي، ما كان ينعكس على لغة الجسد عند (حمادة) كما بدا في انحناءة رأسه وإيماءاته وتمتماته التي تحمل إشارات خاصة على شفتيه، ونظرات عينية الحائرتين وعقله المتقلب بين الحلال والحرام، ومحاولة الوصول إلى حد اليقين الذي يريحه وينقذ الناس من شرور أنفسهم ومن سيئات أعمالهم.

ولأن رأي (جاك كوبو) أن الممثل مطالب بالوصول إلي حالة حياد يتخلى فيها عن شخصيته الحقيقية؛ لكي يتيح للجسد أن يتحدث بلغته الأصلية كان (حمادة هلال) تعبيره التمثيلي مناظرا لتعبيره في الحياة الطبيعية المعيشة استنساخا استعاريا من الأصل؛ ومن المعلوم أن منهج (ستانسلافسكي) قائم على المصداقية بالتركيز على توحد الصفة الداخلية مع الصفة الخارجية للشخصية في أداء الممثل للدور ؛ ومن هنا حاول (هلال) إحلال صوت الشخصية محل صوته وإحلال حركتها الجسدية محل حركته منتفعا من تحليله لعلاقاتها ودوافعها في الحدث الدرامي مستعينا بالتغذية المعرفية والتخيلية والانفعالية، كما ظهر في مشاهده مع (سمير أبو المجد/ محسن منصور) منذ أول لقاء بينهما وحتى أن عرفه على تاجر السلاح (هاني / محمد أبو داوود)، وغيره من الأمراء والشيوخ والمشاهير، مرور بعلاقته التي لم تبقى على وتيرة واحدة مع والده بالتبني (الشيخ سلام/ أحمد بدير).

امتلك القدرة على تصدير البراءة والعفوية

وليس هذا بمستغرب على (حمادة هلال) في ظل قيادة مخرج ذكي وموهوب مثل أحمد سمير فرج، الذي استطاع أن يغير جلده تماما استنادا إلى (جروتوفسكى) في ( جعل الجسد يحترق ويختفي في لمحة بارقة من الإدراك المادي الخالص والقدرة في الوقت ذاته علي تجريد الجسد من الأقنعة الاجتماعية تارة وتنقله بين أقنعة فكرية متعددة، لذا صنع من جسد (هلال) عجينة طيعة ذات حضور مطلق، ناف للتباين ؛ اعتمادا علي الرموز والأصوات غير اللفظية؛ بهدف التمثيل من أجل الذات وربما وصل (فرج) إلى ذلك كما يبدو لي اعتمادا على مبدأ (بريخت) في أن يلزم الممثل بحجب حضوره – جزئيا – عن الشخصية التي يؤديها ؛ حتى يكشف للجمهور عن حكمه النقدي علي الشخصية التي يمثلها، بموجب تعبير العقل عن الجسد حيث يكون أحيانا بالكلام المحدد (والمقصود هو الحوار المحدد والمعبر عن جوهر ما تريده الشخصية وجوهر ما تشعربه محمولا علي صوت واحد ( مونولوج – مناجاة – جانبية – ديالوج – تريالوج ) إلى آخر كل ذلك من أساليب إخراجية ابتدعها (فرج) في مسلسل (المداح) ليخرج بكل هذه الطاقة النورانية التي لامست شغاف القلوب طوال الحلقات.

وظني أن نجاح الفنان حمادة هلال في أداء دور بشكل احترافي في مسلسل المداح هو ناجم بالضرورة عن انصاته الكامل لتعليمات المخرج الذي جعل منه ممثلا يقوى على جذب شريحة كبيرة من الجمهور لمتابعته، مما جعله يتربع على عرش (التريند)، وأن يصبح حديث الجمهور عبر وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة وسط عشرات المسلسلات المتنافسة في الماراثون الرمضاني لهذا العام، وخطف المسلسل الأنظار في موسم رمضان الحالي بفضل أداء (هلال) الذي اختلف هذه المرة عن كل أدوارة السابقة على شاشة الدراما المصرية، حيث بدا متمكنا من أدواته، بداية من تتر المسلسل الذي حلق معنا وبنا في عوالم أخرى عبر أجواء روحانية تتسم بالرحمة والشفافية، وحقق مع النجمة العربية نسرين طافش والقدير أحمد بدير ومحمد عز وخالد سرحان وحنان سليمان ومحسن منصورة تفاعلاً لافتاً ما جعل جمهور (السوشيال ميديا) والنقاد يشيدون بأدائه العذب النقي إلى جوارهم جميعا.

امتلك القدرة على تصدير البراءة والعفوية

وعلى الرغم من ازدحام الماراثون الرمضاني بأسماء كبيرة في عالم الدراما، إلا أن المسلسل خالف التوقعات وجذب شريحة واسعة من الجمهور لمتابعته، بفضل أداء (حمادة هلال) لشخصية (صابر المداح)، ولاقى العمل إشادة عبر مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، ومحركات البحث من قبل رواد السوشيال ميديا والنقاد، ومن ضمن أسباب نجاح هذا العمل، وفق آراء عدد من النقاد، هى قصة العمل التي تضمنت العديد من الأحداث والقضايا بشكل مثير ومشوق، موضحين أن الجمهور كان بحاجة للروحانيات التي تضمنها العمل، والتي جاءت بمثابة روشتة علاج لإنقاذنا من براثن فيروس (كورونا) الذي كان ضيفا ثقيلة على مائدة رمضان، فضلا عن كونه كان جرعة من المضادات الحيوية الروحانية التي استطاعت أن تهزم أعمال العنف والبطجة والتخاريف والخزعبلات التي سادت كثير من أعمال رمضان هذا العام.

فقد قدم (المداح) فكرة مختلفة عن باقي المسلسلات التي عرضت في رمضان، من خلال شخصية (صابر) التي يجسدها حمادة هلال، وهو منشد ديني يرث من والده موهبة الإنشاد، ويتمتع ببصيرة تجاه بعض الأمور، وهذه البصيرة تبنى عليها أحداث المسلسل، في إطار من الروحانيات، وبخلاف القصة المشوقة للمسلسل، لعب فريق العمل التمثيلي دورا كبيرا في جذب الجمهور للعمل، وعلى رأسهم الفنان حمادة هلال الذي استطاع التربع على عرش (التريند) خلال حلقات العمل الأولى وأصبح حديث الجمهور عبر وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، بعدما ظهر هذا العام في تقديم شكل وأداء مختلفين تماماً عما قدمه من قبل.

المال قلب حياته رأسا على عقب

و من خلال شخصية (صابر) نجح (هلال) في خلق حالة وجدانية يومية بين الشخصية والجمهور، وكانت سببا قويا لترشح العمل لإقبال جماهيري لافت ضمن المسلسلات المشاركة في السباق الرمضاني هذا العام، ورغم أنه لم يخل من اتهامات بنشر ثقافة السحر والشعوذة عبر أحداثه، خصوصا بعد انتشار خبر قيام الرقابة بحذف مشاهد خروج الجن من جسد عروس يوم زفافها، ضمن أحداث العمل، وهو ما نفته أسرة المسلسل، مؤكدة أن صابر طوال أحداث العمل لا يقوم بأعمال سحر، ولكنه يبحث عن الحقيقة من خلال ما يتمتع به من بصيرة تجاه بعض الأمور، إلا أن النجاح كان حليفه من أول حلقة خاصة أن التتر بصوت حمادة لامس قلوب الجمهور وجذبه نحو المشاهدة.

وأخيرا : ربما شبه البعض أحداث المسلسل مع فيلم (البيضة والحجر) الذي قام ببطولته الفنان الراحل أحمد زكي، لكنه كلام غير صحيح، فالبيضة والحجر كان شخصا يمارس الدجل، لكن صابر من بدايته وهو عنده بصيرة تجاه بعض الأمور، ولم يتعمد التكسب من وراء أعماله الخيرية في بداية الأمر حتى أغراه بريق المال والجاه والسلطان الذي حوله إلى تاجر للسعادة، ما جعل المسلسل ينتمي إلى فصيلة الدراما الاجتماعية الهادفة إلى نفض الغبار عن السحر والشعوذة وغيرها من مفاهيم تسكن نفوس البشر على مر التاريخ، ويؤكد في رسالة واحدة أن الشافي هو الله وحده مالك السموات والأرض، لكن تلك الرسالة لم تكن لتتحقق إلا لكون وراءه أداء صادق من جانب البطل وباقي فريق العمل من خلال بث طاقة إيجابية وقدرة على المعايشة الروحانية لجعل الأحداث أكثر إثارة وشفافية.

يستنكر أعمال السحر والشعوذة التي يعرضها عليها سمير

تحية تقدير واحترام للنجم (حمادة هلال) في تجلياته الروحانية تلك التي أمتعتنا ونجحت في انتشالنا من خطر الدرامات الأخرى الملوثة بنار الحقد والضغينة، و ظلت تصدر طاقات سلبية تبعث على الرعب والخوف في شهر يتسم بالروحانيات العالية على جناح الإثارة المفزعة والأكشن البغيض وأجواء الصعيد التي تخاصم الروح المحبة للسلام التواقة للتجلى في ملكوت الله ، بل كانت تجنح في مجملها إلى روح البغض والكراهية وهو يتناقض تماما مع هدف الدراما الاجتماعية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.