كتب : محمد حبوشة
بعد أن حفر مسلسل (هجمة مرتدة) اسمه في سجل الدراما الوطنية المصرية بحروف من نور، وسيرسخ بالطبع في عقول المصريين وضمائرهم، ويبقى في الذاكرة المصرية الحية من خلال أحداثه الساخنة عبر حلقاته التي رصدت محاولات القوى العظمي بالتنسيق مع عملاء الداخل والتسلل داخل صفوف المتظاهرين في 25 يناير وتحفيزيهم على القيام بعمليات تخريبة من شأنها أن تسقط الدولة المصرية في (المستنقع)، وذلك بحسب تصورات حروب الجيل الرابع، ودحضت تلك الأحداث الساخنة بذكاء وحنكة رجال المخابرات المصرية كل نظريات (برنارد لويس)، لتفتيت العالم العربي والإسلامي من باكستان إلى المغرب، والذي وضع مخططا لتقسيم الشرق الأوسط إلى دويلات، فضلا تفكيك الوحدة الدستورية لجميع الدول العربية والإسلامية، وتفتت كل منها إلى مجموعة من الكانتونات والدويلات العرقية والدينية والمذهبية، كما أعد خريطة تشير إلى تقسيم مصر إلى أربع دول هى: مسيحية في الصحراء الغربية وعاصمتها الإسكندرية، ونوبية في الجنوب، وإسلامية في الدلتا، وسيناء والصحراء الشرقية التي سيتم ضمها إلى إسرائيل الكبرى.
سوف يبحر المسلسل الذي أعتبره أهم عمل درامي ليس في موسم رمضان فحسب بل في تاريخ الدراما المصرية الحديثة، في جزئه الثاني، نحو دفة أخرى من الكشف عن المتآمرين من الداخل على الدولة المصرية وخونة المال والتمويل الأجنبي على جناح التغيير السلمي الذي يهدف إلى تفتت الدولة ووقوعها في براثن الحرب الأهلية ما يؤدي بالضرورة إلى سقوطها على صخرة المؤامرات الكبرى من جانب قوى الشر في المنطقة على رأسها (الكيان الصيوني، تركيا، قطر)، وفي القلب من كل ذلك جماعة الإخوان الإرهابية، وصحيح أنها الحلقة الأخيرة ركزت في مشاهدها المشحونة بالإثارة والأكشن على ملاحقة الجواسيس والخونة على رأسهم (ريكاردو) الضابط في الموساد وزميله (مايكل) الذي قتل على يد (سيف العربي قبل أن يفجر قنبلة موقوته تنسف أعضاء مؤتمر ما سمى بالقوى السياسية بفندق (فيرمونت)، في حادثة تعد الأولى في الخطة (ب) من جانب الموساد.
أيضا عرجت الحلقة بالإشارة غير المباشرة للقائد المخطط للثورات العربية (برنار هنري ليفي) في محاولة لفهم ما يحدث في عالمنا العربي من ثورات متتالية أو ما تسميه الإدارة الامريكية بـ (ربيع البلاد العربية ) وهنا لابد من معرفة السبب الحقيقي والدافع لها، إن الحديث عن (ليفي) يقف بنا بعيدا للتأمل ،إلى أين وصل بنا حالنا ، ثورات دينوية قامت بهدف الحرية المزعومة، لا من أجل كلمة التوحيد (لا إله إلا الله محمد رسول الله )، كان عرابها ذلك الرجل الصهيوني، ولذا فإن من يتابع أخباره وتصريحاته وكتاباته يكتشف أنه ليس مفكرا و صحفيا عاديا يعيش بكسل وراء مكتبه المكيف، إنه رجل ميدان عرفته جبال أفغانستان، وسهول السودان، ومراعي دارفور، وجبال كردستان العراق، و المستوطنات الصهيونية بتل أبيب، و أخيرا مدن شرق ليبيا.. حيث أنزل العلم الأخضر الذي اعتمدته القيادة الليبية ، كردّة فعل على اتفاقيات كامب ديفيد سنة 1977م ورفع علم الملكية السنوسية البائدة.
وشاهدنا أيضا في الحلقة الأخيرة كيف اجتمع (برنارد ليفي) مع بعض القادة من الاخوان المسلمين في مصر واجتمع بشباب الثورة وبمثل ماكان نزوله في ميدان التحرير بالقاهرة ، كانت بنغازي ليست بعيدة عنه بل وصل به الأمر لإلقاء كلمة في بنغازي وسط تجاهل تام من القنوات العربية التي تدعم الثورة، فلم نشاهده على القنوات الفضائية وأخص منها (الجزيرة) التي غطت ثورة مصر على مدار الساعة، فما الهدف من تجاهل تلك القنوات؟، وكذلك لقائه مع عبدالجليل في ليبيا وهو وزير العدل السابق وقائد الحكومة الانتقالية، وهاهو هنا يطلع على التخطيط والخرائط في ليبيا مع القائد المنشق عن معمر وقائد الجيش في المجلس الانتقالي، والسؤال كيف سمح لهذا الشخص أن يصل إلى أن يطلع على سير العمليات وأي نفوذ لديه وما الدور المستقبلي الذي ينتظره في حال سقطت تلك الأنظمة؟.
بل نجده يذهب بعيدا ليكون في الخطوط الأمامية في قلب صحراء ليبيا فلم كل هذا العناء السؤال الذي يؤرق الجميع لماذا غيبت القنوات الفضائية التي تدعم الثورات حقيقة هذا الرجل على ونفوذه على الشعبين المصري والليبي، لقد اتضحت التفاصيل الغامضة في آخر حلقات (هجمة مرتدة) بأن الهدف الأسمى (لخارطة الشرق الأوسط) الكبير إقامة (دولة إسرائيل الكبرى) تسعى أمريكا من خلالها إلى جعل الدول العربية (المحيطة بإسرائيل) دويلات ضعيفة تعيش في فوضى ليسهل على دولة إسرائيل الكبرى إدارتها، وهو الوعد التلموذي (بزعمهم) السيطرة المطلقة (لدولة إسرائيل الكبرى) من الفرات إلى النيل، أسقطوا العراق (الحدود الشرقية لإسرائيل الكبرى) وحاولوا إسقاط مصر وليبيا (الحدود الغربية لإسرائيل الكبرى)، وبعدها إسقاط سوريا وهى الجزء الشمالي لدولة إسرائيل الكبري، والعجيب أن الحكومات العربية لم تفهم حتى الآن أن عملية السلام بقيادة أمريكا ماهي إلا أحد آليات تنفيذ المخطط الصهيوني لإزالتهم وإقامة (دولة إسرائيل الكبرى) من خلال تحقيق (خارطة الشرق الأوسط الكبير).
ولعلنا لاحظنا في سياق حلقات (هجمة مرتدة) كيف بدأ تدريب شباب مصريين وتونسيين على إسقاط الحكم في البلدين الواقعين في شمال أفريقيا، وقد أكدت تقارير صحفية في عام 2005 أن اللون الذي اختاره المحامي الليبرالي أيمن نور لحزبه الغد ورابطة العنق ما هما إلا رمز للثورة البرتقالية في أوكرانيا ودلالة على أن شيئا ما يدبر بالخفاء، وتساءلت صحيفة (الأهرام ويكلي) – الناطقة باللغة الإنجليزية – وقتها صراحة عن هذا الاتهام الذي كانت الإجابة عليه أكثر إثارة وهى أن اللون اختير قبل ثورة أوكرانيا التي ثبت أنها مدبرة هى الأخرى قبل سنوات، وهو ما اتضح في كلمة الدكتور محمد البرادعي في جامعة هارفارد في أبريل 2010 والتي قال فيها إنه (يبحث عن عمل)، وإنه يريد أن يعمل (للتغيير والديمقراطية) في مصر، وذلك اعتمادا على منهج (أستاذ الدمى) ومهندس ثورات صربيا وأوكرانيا وجورجيا (برنارد ليفي) باستخدام تكتيكات اللاعنف (non-violent action).
وقد لاحظنا من التفاصيل الدقيقة التي وردت في ثنايا حلقات المسلسل بطريقة غير مباشرة أن تدريبات الشباب المصري في صربيا ارتبطت وزارة الخارجية الأمريكية بشراكة مع مواقع تواصل اجتماعي أبرزها جوجل وفيسبوك لإنشاء منظمة movements.org، وكانت بداية هذه المنظمة قمة تحالف الشباب الأولى في ديسمبر 2008 في (نيويورك سيتي)، والتي ضمت عددا من الناشطين من شباب 6 أبريل الذين تحدثوا عن فشلهم في مظاهرات المحلة عام 2008 ، عندما تعقب الأمن المصري دعواته للاحتجاج ونجح في صد المظاهرة ومنعها من ارتكاب أعمال عنف تضر بمصالح البلاد، واعترفت القمة بأن الشباب يحتاج للتدرب على حشد الجماهير ضد العنف والقمع بواسطة مواقع التواصل الاجتماعي، وهو ما ظهر فيما بعد بتحالف على شبكة الإنترنت يضم صفحات كلنا خالد سعيد (الأدمن وائل غنيم) والبرادعي و 6 أبريل.
الحكايات والأسرارا المفزعة حول دور خونة الأوطان كشفت كيف استمرت علاقة الخارجية الأمريكية بالناشطين حيث التقت هيلاري كلينتون في 2010 عددا من النشطاء تحت غطاء تعزيز الديمقراطية، ودعت منظمة (أوتبور) التي ساهمت في قلب نظام سلوبودان ميلوسوفيتش في صربيا شباب 6 أبريل في صيف 2009 للتدرب على تكتيكات غير عنيفة لمقاومة ما سمي بالنظام القمعي في مصر والمستوحاة من كتاب (جين شارب) الملقب بالأب الروحي للفوضى الخلاقة، ومعروف أن (أوتبور) تتلقى تمويلا أمريكيا إلى حد وصف بعض التقارير لها إنها كلية وكالة الاستخبارات الأمريكية، وطبقا لما كتبه (روجر كوهين) في نيويورك تايمز في نوفمبر عام 2000 حول هذا التمويل كما صرح (بول مكارثي) المسؤول بالصندوق الوطني للديمقراطية في واشنطن أن المنظمة تلقت تمويلا بلغ 3 مليون دولار خلال الفترة من 1998 إلى 2000، كما تتلقى المنظمة تمويلا من مؤسسة (فريدوم هاوس) المشبوهة والتي تتلقى تمويلا من شخصيات هامة في اللوبي الصهيوني وسافر عدد من النشطاء أبرزهم محمد عادل 20 سنة – مدون وناشط في 6 أبريل – إلى بلجراد للتدريب في (أوتبور) على كيفية الحشد والتنظيم وقيادة الجماهير، وهذا شعار (أوتبور) يظهر في لافتة حركة 6 أبريل أثناء الثورة مدللا على سير الثورة وفق التكتيك المتفق عليه.
لعبت مؤسسة (فريدوم هاوس) التي يعد (جورج سوروس) أحد مموليها دورا خطيرا في التمهيد للثورة واستضافت ـ في الفترة من 27 فبراير إلى 13 مارس 2010 ـ 11 مدونا من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وحسب تقرير بصحيفة نيويورك تايمز بتاريخ 15 أبريل 2011 كتبه الصحفي الأمريكي (روي نيكسون) أن شبابا تلقوا تدريبات علي يد مدربين أمريكيين لاستعمال وسائل الاتصال الحديثة، وأن هؤلاء الأفراد مرتبطون بشكل مباشر بالثورات الإصلاحية التي تجتاح المنطقة، مثل حركة 6 أبريل في مصر، ومركز البحرين لحقوق الإنسان، كما ذكر التقرير اسم (انتصار القدحي) قيادية يمنية شابة، وفي 2010 أطلقت منظمة Open Society Institute التي يمولها (سوروس) أيضا منحة إعلامية بعنوان (Can It Tweet its way to Democracy) تركز على علاقة الإعلام الجديد في أفريقيا بالديمقراطية واستهدفت في الأصل مصر ثم دول أفريقيا أبرزها تونس.
وفي هذا الإطار أنهت الحلقة أحداثها بجملة غاية في الخطور في دلالاتها المرعبة في سلسلة محاولات الغرب في السيطرة على مصر بعد أن فشلت في تغيير المسار إلى الفوضى في أحداث 25 يناير، تلك الجملة جاءت على لسان رجل المخابرات المحنك (رفعت المسيرى/ هشام سليم) بمجرد التقاط أنفاسه بالقبض على ريكارود ومبادلته بمجموعة من المساجين لدى الاحتلال وعلى رأسهم (عمار المقدسي) ومجموعة أبو صهيب في سيناء، وإفشال عملية نسف (فيورمنت)، حيث قال في خبث متعمد متسائلا (أخبار القضية 73 إيه؟)، وهو هنا يقصد القضية (173)، وتعرف هذه القضية رقم بقضية (التمويل الأجنبي لمنظمات المجتمع المدني)، وقد تزامن ذلك مع كلمة الرئيس عبد الفتاح السيسي (منقذ مصر) في 30 يونية ك والتي كانت تحمل دلالة مهمة على أن مصر لن تصم أذانها عن نداء جماهير الشعب المصري ولن تتواني عن محاسبة المتورطين في الخيانة.
وجدير بالذكر أن كان مجلس الوزراء قد أمر وزير العدل في يوليو 2011 بتشكيل لجنة لتقصي الحقائق للنظر في التمويل الأجنبي الذي تحصل عليه منظمات المجتمع المدني وتحديد ما إذا كانت تلك المنظمات مسجلة بموجب القانون 84، وتم استكمال التقرير في سبتمبر 2011، وإدراجه كجزء من الأدلة المقدمة من النيابة بحق المنظمات في ملاحقة 2012-2013، وتضم الوثيقة تقريرا من قطاع الأمن الوطني، وآخر من جهاز المخابرات العامة، وكلاهما يذكر بالتقريب كل منظمة حقوقية مصرية مستقلة تعمل في مصر، علاوة على المنظمات الدولية التي لوحقت عقب ذلك وصدرت عليها أحكام.
وفي آواخر 2014 نهاية أحداث الجزء الأول من مسلسل (هجمة مرتدة) تبدو إشارة واضحة بأن أحداث الجزء الثاني من المسلسل سوف تكشف كافة التفاصيل التي ساقها قاضي التحقيق الذي قام بتعيين لجنة فنية من وزارة التضامن الاجتماعي، مكلفة بتحديد ما إذا كانت تلك المنظمات تعمل كجمعيات أهلية بدون التسجيل بهذه الصفة بموجب القانون 84/2002، وبفحص الوثائق المتعلقة بتمويلها، كما يكشف الغطاء أيضا عن أنه وقتها بدأت اللجنة بالمعهد المصري الديمقراطي، وفي في يناير 2015 أمر القاضي بمنع بعض أفراد المنظمة من السفر، واستدعائهم للاستجواب في مارس 2015، وفضلا كل ما مضى، سوف تكشف الحلقات بالتأكيد دور شخصيات وطنية لعبت دورا بارزا في قضايا التمويل الأجنبي، وعلى رأسهم أولا : السفيرة (فايزة أبو النجا) الملقبة بـ (سيدة الشال) حيث لابد أن يصاحبها (شال) يلف عنقها دوما وأينما ذهبت، ثانيا: الدكتور عصام النظامي مؤسس المركز المصري لمكافحة الإرهاب، والذئ كان له دور حيوي حيث تصدى مع (أبو النجا) في كشف هذا القضية الخطيرة، ثالثا: السيد (حسين شكرى) الحارس الشخصي لـ (طاهر حلمي) عراب التمويل الأجنبي في مصر، وقد لعب دورا مهما في كشف ألاعيب المكتب الأمريكي العالمي (بيكر أند ماكينزي)، حتى أنه يمكن القول بأنه الصندوق الأسود لهذا المكتب المشبوه.