مصر التي في الدراما والاعلانات !
بقلم : علي عبد الرحمن
رحم الله أيام مضت فيها الأسر المصريه مجتمعة تنتظر مسلسل الثامنة، أيام كانت الدراما تعلم وتنشئ وتنصح، أيام (بابا عبده، أبو العلا البشري، ليالي الحلميه، بوابة الحلواني، جمهورية زفتي، العائلة) وأعمال اجتماعيه كثيرة ومفيدة أثرت في أجيال وثقافتهم، هذا من حيث المسلسلات الاجتماعيه وطبعا رحم الله الأعمال الدينية والتاريخية التي كنا نجتمع من أجلها، مثل (محمد رسول الله، الكعبة المشرفة، القضاء في الإسلام، حياة الأئمة والسابقين، فتح الأندلس، قرطبة) وغيرها من الأعمال التي أنعشت الهوية وأضافت المعلومات وقومت السلوك.
كانت هذه مصرنا وكانت بحق لمتنا وكانت هذه عادتنا التي تربي عليها الكثير من حاملي هموم الوطن وثقافته وهويته حاليا، ولم نكن نسمع أن بهذه الأعمال ألفاظا نابيه ولا تصرفات خارجه ولا أفكار شاذة وكنا نري مجتمعنا وأهلنا وأنفسنا وموضوعاتنا تتجسد علي الشاشة الصغيرة أمامنا، وكنا ندعو أبنائنا بل ونحثهم علي متابعة حلقات هذه الأعمال ونزيدهم شرحا وتوضيحا حبا في تنمية معارفهم من هذا المصدر الوقور والمسئول والموثوق فيه.
والآن: نري في دراما اليوم مصرا غير مصرنا ومجتمعا ليس كمجتمعنا،وأحداثا لا وجود لها في حياتنا وأشخاصا لا يشبهون أشخاصنا وكلاما لايمكن لنا أن نستسيغه، فاصبح مجتمع الدراما شئ مغاير لنا وأصبحت مصر التي في الدراما ليست مصرنا، وأصبح أبناؤنا يستترون وهم يتابعونها على وسائطهم بعيدا عن أعيننا، وأصبحنا لانجرؤ على أن ندعوهم على متابعة هذه الأعمال معنا بل أصبحنا نستحي من أسئلتهم عندما يخوضون في تفاصيل هذه الأعمال، وأحيانا نشوش عليهم حتي لايلتقطوا لفظا أو لبسا أو سلوكا أومظهرا معيبا من هذه الأعمال.
ويبدوا أن دراما الهوية والدين،غابت مع كثير مما غاب من ملامح مجتمعنا ومع غياب دور الدولة وقطاعات إنتاجها وغياب لجان القراءة والنصوص التي كانت تضم خيرة مبدعي الوطن، وكانوا يفلترون ماينتج ويختارون المتنوع منها ويوازنون بين الدين والتاريخ والهوية والمجتمع والترفيه لنصنع خرائط للبث متنوعة ومواد مفيده وتنشئة إعلامية تعاون الأسرة والمدرسى كما ينص كتاب الاعلام في أمور التنشئة والتوعية والأرشفة والتوثيق، ولأن المسافة بين ماكان وما هو معروض شاسعة فتخلي الدولة عن دورها الإنتاجي وغياب لجان القراءة والنصوص وغياب المنتج الفني الواعي وغياب أئمة التمثيل ذوي الرؤي وأصحاب الرسالة ودخول المنتج الذي لا يقرأ ماينتجه ولا يشغله سوي أرقام الميزانيه وأجور النجوم وكم قناة ستشتري العمل .. كل ذلك أفرز لنا دراما ليست من أهل مصر ولا تعبر عنهم بل ولايصح أن تعرض عليهم.
فنجد دعاوي إثارة الشهوات والغرائز في مسلسل (ملوك الجدعنة)، والجدعنة بلغة أهل مصر منهم براءة، ويطل علينا (لحم غزال) بشذوذه وإيماءاته الجنسية وتنتشر مشاهد العري والسيقان والصدور في أعمال عديده، ونري التحرش في (نسل الاغراب) ويمتلئ (موسي) بالألفاظ الخادشة والعبارات السوقية والإيحاءات الجنسية، وينتشر في دراما رمضان كل مكروه من زنا ودعاره واغتصاب، وخمر وقتل وتحرش وكأننا مجتمع للبلطجة أو وكر للملذات، وتتعالي أصوات مجروحة(دي مش بلدنا) و( إحنا مش كده) و( بيكلموا عن مين دول) و( فين مجتمع الدراما ده) دي مش مصر.
وبعد مارثون رمضان الدرامي سيشتري النجوم بأجورهم قصورا وفيلات وسيارات فارهة من إعلاناتهم المستفزة وتسويقهم المحبط حيث تبدأ أية وحده سكنيه ب٨٤٠ ألف جنيه بس ودي البدايه فمابالك بما فوقها، وسيفوز النجوم بما تمنوا ويبقي للمجتمع البلطجة والإسفاف والأفكار المشاركة الشاذه، وتبدأ معاناة الأسر المصرية والمدارس في إصلاح ما أفسدته الدراما، ونعاني كلنا من سوء التصرف وخروج الألفاظ وغرابة الفكر، والغريب أن معظم جهات التنشئة في مصر لديها وحدات للرصد الدرامي، ولقد غضب الكثيرون من مجتمع الدراما الغريب.
البرلمان مستاء من صورة نوابه وانتخاباتهم، والمجلس القومي للمرأة أكثر استياءا من الإساءة إلي المرأة والفتاه كسلعة شهوانيه، وأهل التربية والتعليم يضعون أيديهم فوق رؤسهم من هول ما سيعود به الأطفال إلي مدارسهم من عبارات سوقية ومظاهر غير مستساغة وأفكار شاذة وطبعا أهل الدين يضعون أيديهم على أفواههم الفاغره بما يشاهدونه من حرب ضد رسالتهم السامية وشرائح مجتمعيه تلعن مجتمع الدراما من تنمرها بهم وإهانتهم، فهل ننتظر بيانا من الأزهر والكنيسة ليوضح أن قيم دراما رمضان ليست من الدين أم ننتظر تحذيرا من وزارة التربيه والتعليم من مشاهده الدراما غير المصرية والاأخلاقية التي يتم عرضها، أم ننتظر إعلانا معلقا علي أبواب الأندية يعاقب من يردد لفظا أو تعبيرادراميا أم نشاهد الأسر المصريه تخرج حاملة الشاشات والموبايلات لتلتقي بهذا الفسق في خرابات الشوارع درءأ للفتنة أم ترانا تقتحم المنازل فنري أسرنا الوقوره تبحث عن أعمال جاده في قنوات شعوب أهل الأرض؟.
يامبدعي الدراما هذه ليست مصرنا بل هى مصركم أنتم فقط، ولتعلموا أن الوطن وأهله أمانة والكلمة شرف والابداع مسئولية، ويانجوم الدراما هذا الشعب الذي صنع نجوميتكم ليس شعب دراماكم وهذه الاخلاق الطافحة من مجتمع الدراما ليست أخلاق مصرنا، فلتعد الدوله راعية لإنتاج دراما الهوية والعقيدة والمحتمع، ولتكن لدينا لجنة قومية عليا لقراءة نصوص الدراما، وليتواجد فيها أهل الدين والتربية والتثقيف، ولتكن لدينا الخطة القومية لإنتاج الدراما تضمن جودة وتنوعا يساهم في التنشئة والتعليم والتثقيف.
وليقم المجلس الأعلي لتنظيم الإعلام بدوره الوطني من خلال لجانه المعنية بالدراما نصا وتنوعا وجودة وليكن له تواجد في مواقع التصوير لضمان الالتزام بقواعده وقيم الوطن، ولتقم النقابات الفنية والإعلامية بدورها لضمان مجتمع مصر التي في الدراما، وليقم المجتمع المدني بخبرائ وجمعيات حقوق المشاهدين وجمعيات حماية المستهلك باعتباره متلقي الخدمة بدورها حفاظا علي مصرنا التي في الدراما، ولنري اللجنه القوميه العليا للدراما ممثلة من كل هؤلاء ولتعرض الخطه القوميه المتنوعه للدراما لحوار مجتمعي من خبرائها
وأخيرا لنحمي أهلنا من الإحباط الإعلاني المستفز لمشاعرنا، المدمر لآمالنا، الطاغي فوق قدراتنا وألا فلتكن محكمة الدراما، وهذا ليس ردة على حقوق الإبداع، ولكن من حقك أن تبدع ومن حقي أن أري نفسي ووطني وأحداثي، وألا تفسد على حياتي، وحتي لايصبح شعار مشاهدي الدراما (ألا لا يجهلنا أحد علينا/ فنجهل فوق جهل الجاهلينا)، وكل عام ومصرنا التي ليست في الدراما وأهلها بخير،كما كانت دراماها دوما بخير.