رحيل جمال سلامه .. الموسيقار صاحب الروائع الغنائية
كتب : أحمد السماحي
رحل عنا أمس الجمعة الموسيقار المبدع (جمال سلامه) عن عمر يناهز الـ 76 عاما متأثرا بإصابته بفيروس كورونا، رحل بعد أن سبقه منذ أيام المطرب (ماهر العطار)، وقبلهما الموسيقار (خالد الأمير)، رحل صاحب (أهلا بالعيد، مرحب بالعيد) هذه الأغنية الخفيفة، والتى ستتردد بعد أيام قليلة وبحلول عيد الفطر المبارك، والتى استقرت في الوجدان المصري والعربي بسبب اللحن الرائع السهل الممتنع، الذي تتميز به معظم ألحان (جمال سلامه).
عندما كان يعمل مستشارا فنيا لرئيس هيئة دار الأوبرا ويشرف على مشروع إعداد نجوم الأوبرا الذي يهدف إلى تقديم أصوات جيدة وجديدة للساحة الفنية منذ عشرين عاما توطدت بيني وبينه صداقة، فضلا عن وجود علاقة نسب بين عائلتي وعائلته، وفي هذه الفترة كنت أزوره بصفة منتظمة، وأحيانا بلا موعد، ولم أرى باب غرفته الفسيحة يوما مغلقا، وكان وجوده المشع يضفي على فراغها حضورا قويا موحيا، وكانت عيناه الذكية لا تكفان عن الحركة، وملامح وجهه المنطوية على ظل ابتسامة ساخرة تنير للجميع طريقهم خاصة من شباب المطربين، وكانت حيويته الذهنية الخارقة هى أحد مميزات شخصيته المتفائلة.
كبر وسط الآلات الموسيقية
كنت أجلس إليه ونستعيد رحلته مع الموسيقى والغناء والإبداع حيث نشأ في بيت فني فوالده هو (حافظ سلامه) أحد الملحنين فى الثلاثينات والأربعينات، وأحد رواد العزف على آلة (الترومبيت) فى أوركسترا القاهرة منذ إنشائه، كبر (جمال) وسط الآلات الموسيقية المختلفة التى وفرها لهم والدهم، ومنها البيانو والكمان والعود والأوكرديون، وتعلم هو وأشقائه العزف على هذه الآلات، وعشق كل واحد من أشقائه آلة، فأختار (فاروق) آلة (الأوكرديون)، و(شريف) الجيتار، وعشق (جمال) البيانو.
الالتحاق بالكونسرفتوار
عندما كان عمره سبع سنوات ألحقه والده بالفصول الموسيقية التابعة لوزارة التربية والتعليم في حلوان، واستمر في ذلك لمدة أربع سنوات فقطع شوطا كبيرا فى مجال العزف على البيانو مما أهله للالتحاق بالكونسرفتوار قسم (بيانو) عام 1962، وتابع مشوار الدراسة على البيانو إلى أن وصل إلى ثالثة عالي، وفي هذه الفترة كانت موهبة التأليف الموسيقي بدأت تظهر عنده، فطلبت منه الدكتورة (سمحه الخولي) والدكتور (جمال عبدالرحيم) دخول قسم التأليف وكان ضمن أول دفعة تخرجت من هذا القسم عام 1972.
عزف مع أم كلثوم والأطرش
طوال فترة دراستة كان يعمل كعازف بيانو وأوروج مع كثير من المطربيين والفرق الموسيقية فعزف عام 1962 مع كوكب الشرق أم كلثوم في أغنية (أقبل الليل)، ومع الموسيقار (فريد الأطرش) فى (أول همسة والربيع)، وعمل عام 1966 مع الفرقة القومية كعازف بيانو لسنوات، كما عمل مع الموسيقار (عبدالحليم نويره) في المسرح الغنائي، وكمستشارا فنيا له في فرقة الموسيقى العربية.
مرحلة التوزيع
بعد ذلك مارس التوزيع الموسيقي مع كبار الملحنيين فى ألحانهم مثل (محمد عبدالوهاب، كمال الطويل، محمد الموجي، بليغ حمدي، سيد مكاوي، سيد إسماعيل) ومن أشهر توزيعاته في هذه الفترة ألحان فيلم (عودة الإبن الضال) التى لحنها (كمال الطويل) وغنتها المطربة اللبنانية (ماجدة الرومي).
السفر إلى موسكو
بعد تخرج الموسيقار الراحل (جمال سلامه) من الكونسرفتوار تم ترشيحه فى بعثة إلى موسكو، وسافر عام 1973، وهناك قابل الموسيقار الروسي (خاتشا دوريان) الذي اختبره، وقرر أن يدخله الدراسات العليا مباشرة، وبعد أن كان مقررا أن يقضي تسع سنوات في كونسرفتوار (تشايكوفسكي) في موسكو، حصل على أعلى شهادة فى التأليف الموسيقي بعد ثلاث سنوات فقط، وعاد إلى القاهرة عام 1976 .
أريد حلا ورحلة النسيان
في هذه الفترة جمعته الظروف بسيدة الشاشة العربية (فاتن حمامه) فوضع لها الموسيقى التصويرية لفيلمها الشهير (أريد حلا)، وتوالت أفلامه التى وضع لها الموسيقى مثل (رحلة النسيان، الكرنك، العذاب إمرأة، أفواه وأرانب، حبيبي دائما، غاوي مشاكل، الإنسان يعيش مرة واحدة، اذكريني، حتى لا يطير الدخان، يارب ولد، حب لا يرى الشمس، ولكن شيئا ما يبقى، النمر الأسود، لا تبكي يا حبيب العمر، ليلة بكى فيها القمر، تزوير في أوراق رسمية، مهمة في تل أبيب) وغيرها من الأفلام، وفى مجال الدراما (عيون الحب، الباحثة، هى والمستحيل، أحلام الفتى الطائر، ألف ليلة وليلة، دعوة للحب، الحب وأشياء آخرى، وعاد النهار، ذئاب الجبل، جمهورية زفتى) وغيرها.
أوبرا عيون بهية
أثناء عمله فى أكاديمية الفنون عام 1976 طلب منه الدكتور (رشاد رشدي) رئيس الأكاديمية وقتها تلحين أوبر بالية (عيون بهية) ومن خلالها تعرف على النجمة الصاعدة وقتها (ياسمين الخيام) التى قامت بالبطولة الصوتية للأوبرا مع المطرب محمد رؤوف، وبالفعل لحنها على أكمل وجه، وأخرجها المبدع (جلال الشرقاوي)، وتم تقديمها في حضور الرئيس الراحل (محمد أنور السادات)، ومزج فى هذه الأوبرا بين البالية والموسيقى والغناء.
وبعد النجاح الفني لهذه الأوبرا توطدت علاقته بالفنانة (ياسمين الخيام) وقدم لها أغنيات مقدمات مسلسلي (على هامش السيرة) و(محمد يا رسول الله)، وحقق نجاحا كبيرا في التلحين الديني، حيث قدمه كعمل سيمفوني استخدم فيه الأوركسترا، ويومها شعر المستمع بأن ما يسمعه مختلف تماما عن الغناء الديني التقليدي الذي سمعه من قبل!
ساعات ساعات
الطريف أن الموسيقار (جمال سلامه) لم يكن وهو يدرس الموسيقى يفكر جديا في أن يكون ملحنا، وكان كل أمله أن يرتقي بموسيقانا السيمفونية، لذلك سافر إلى موسكو، وبعد عودته ألف سيمفونية (مصر الحديثة) ومقطوعة (ذكريات)، و(الحرية)، وقدم مؤلفات لموسيقى الحجرة للفنان رمزي يس، وللدكتور مصطفى ناجي، وللدكتور حسن شراره، وكان متجها كليا إلى التأليف الموسيقى، لكن بالمصادفة قابل صديقه له مطرب اسمه (أحمد حمدي) وكان معه كلمات أغنية رائعة بعنوان (صديق) للشاعر المبدع (عبدالوهاب محمد) وكان يريد (حمدي) أن يشترك بها في الدورة الأولى لمهرجان الأغنية في الإسكندرية، فنالت كلمات الأغنية اعجابه، فلحنها على سبيل (الهزار) وحققت الأغنية مركز متقدم فى المهرجان.
بعدها نسى مسألة تلحين الأغنيات واتجه بقوة إلى الموسيقى التصويرية، حتى جاء فيلم (ليلة بكى فيها القمر) للمطربة الكبيرة (صباح) وأثناء وضعه الموسيقى التصويرية للفيلم عرضت عليه (صباح) تلحين أغنيات الفيلم خاصة أنها من كلمات الشاعرين الكبيرين (محمد حمزه، وعبدالرحمن الأبنودي)، ورحب بذلك ولحن (ساعات ساعات، وخليك يا قلبي قد التحدي، ربما).
أل جاني بعد يومين
بعد النجاح الكبير الذي حققته أغنية (ساعات ساعات) أصبحت ألحان (جمال سلامه) مطلب لكل مطربين مصر والعالم العربي، فلحن للنجمة الكبيرة شادية أكثر من أغنية مثل (أمي، مصر اليوم في عيد)، ولفايزة أحمد (الله الله على المستقبل)، ولعماد عبدالحليم ألبومين (مهما خدتني المدن) و(مسيتك بالخير) ولمحمد ثروت (إن كان على القلب، ورق الشجر، صرخة جهادك)، ولحن لـ (سميرة سعيد) (إحكي يا شهر زاد)، فضلا عن ألبومات (آل جاني بعد يومين) و(مش هاتنازل عنك أبدا) و(سيبني لوحدي)، وبعض الأغنيات الأخرى، ولحن لـ (لطيفة) ألبوم كامل كان يتضمن (حبي ليك، حبيبي يا حبيبي، تعالالي، ياحياتي أنا) وغنت له المطربة اللبنانية الكبيرة (ماجدة الرومي) كثير من أغنياتها مثل (عيناك ليال صيفية، بيروت يا ست الدنيا، مع جريدة، القلب المفتوح، إنت الماضي، سيدي الرئيس، شو بحب إسهر، لون معي الأيام، بدي قلك، غنوا معي، لن أعود).
وغنى له (هاني شاكر) الكثير من الأغنيات الوطنية مثل (بلدي، باعشق ضحكتك، قدام الجميع، الذكريات، مصدقك يا هوى، ليلة، سهرة، حاعيش على هوايا).
اللهم لا أعتراض
كما برع الراحل في تلحين الأغنية الدينية فلا يمكن أن ينسى أحد ألحانه فى الليلة المحمدية السادسة، التى كتبها الشاعر الكبير عبدالرحمن الأبنودي وتغنى بها كبار مطربي مصر والعالم العربي مثل (وردة، محمد رشدي، محمد قنديل، محمد الحلو، محمد ثروت، عفاف راضي، زينب يونس، ياسمين الخيام) ومن أشهر أغنيات هذه الليلة (اللهم لا اعتراض) للمطرب الكويتي عبدالله الرويشيد، وأغنية (أمتك يا محمد تستحق الشفاعة) لياسمين الخيام التى لحن لها أيضا أنشودته الرائعة (استيقظي يا أمتي).
آخر كوبليه
رحل (جمال سلامه) بجسده لكن ابداعه باقي إلى أبد الأبدين، فقد كان موسيقارا مبدعا وفنانا أصيلا ملتزما بقضايا وطنه وأمته وضميرا حيا صادقا لعصره تعدى حدود وطنه إلى إنسانية القضايا العامة، فقد كتبت لأعماله البقاء والخلود كواحد من أبرز شوامخ الموسيقى في السنوات الأخيرة.