إفلاس الإذاعة المصرية فى رمضان!
كتب : أحمد السماحي
قامت الإذاعة المصرية منذ نشأتها فى الحادي والثلاثين من مايو عام 1934 وحتى الآن بدور حضاري فى حياة شعب مصر والأمة العربية كمنبر إعلامي متميز، وقلعة من قلاع الحرية احتمى بها، وعمل خلف ميكروفونها كل دعاة الحرية وطلابها فى العالم الثالث، وأطل من نافذتها العريضة كل عمالقة الفن والفكر والأدب والعلم بعطائهم السخي ليثروا به حياة شعبنا العظيم ومن خلفه كل الشعوب المتطلعة للمعرفة، كما يقول الإذاعي الكبير (فهمي عمر) فى مقدمته لكتاب (تاريخ الإذاعة المصرية).
من منا ينسى روائع الإذاعة الراسخة في الوجدان من مسلسلات وبرامج، ومنوعات وسهرات غنائية، وحفلات، أثرت فينا جميعا، خاصة التى كانت تذاع في شهر رمضان، وأعتبر نفسي واحدا من الذين أثرت فيهم الإذاعة، ومازلت أحد مستمعيها الأوفياء، رغم كل الإغراءات الفضائية والتكنولوجية الكثيرة التى تحيط بنا، وأعتقد أن مثلي ملايين من الشعب المصري من مختلف المهن والمجالات، لأن الإذاعة المصرية وحتى الآن مازالت تذيع كل ما هو جميل وراقي، وبعيدة تماما عن الإسفاف الحادث فى الفن.
لكن الإذاعة بحكم سنها الحالي الذى سيصل بعد أيام قليلة إلى 87 عاما أصيبت بالشيخوخة، والعجز، والفقر، وقلة الحيلة، والإفلاس، وظهر هذا بقوة في شهر رمضان الجاري! حيث فوجئ المستمعين فى أول يوم في الشهر الكريم أن الإذاعة المصرية تقوم ببث مسلسل إذاعي كوميدي قديم يعود تاريخه إلى الستينات بعنوان (إنت اللي قتلت بابايا)، تأليف مبدعنا الراحل بهجت قمر، وإخراج الرائد الإذاعي علي عيسى، وبطولة الثنائي الشهير (فؤاد المهندس وشويكار).
وأصيب الجميع بالغيظ الشديد وأنا واحد من هؤلاء ففي الوقت الذي تذيع فيه إذاعات (راديو مصر، نجوم إف إم، الراديو 9090) برامج جديدة متنوعة، فضلا عن مسلسلات إذاعية جديدة يقوم ببطولتها كبار نجوم الفن المصري والعربي مثل (أحمد عز، أحمد حلمي، محمد هنيدي، أحمد آدم، روبي، أكرم حسني، أيتن عامر، صلاح عبدالله، سوسن بدر، منى عبدالغني، نسرين طافش، انتصار، مصطفى خاطر، مي كساب، أحمد فهمي، وفريق واما) وغيرهم من نجوم الفن من مختلف الأجيال، نجد الإذاعة المصرية بكل تاريخها الكبير الثري تذيع مسلسل قديم يحفظه عن ظهر قلب كل عشاق الإذاعة! ، والغريب إنه تم إذاعته على جميع المحطات الإذاعية، وضم إرسالها عليه وقت الإفطار! وكأنه دواء لابد من شربه وقت الإفطار!
وكأن رئيس الإذاعة يقول للجمهور عليكم بترك الإذاعة المصرية، وتسليم أذانكم للإذاعات الخاصة لتسمعوا فيها كل ما هو جديد وشيق وممتع بعيدا عن الملل الذي تبثه الإذاعة المصرية، ولم يقتصر الفقر والإفلاس الفكري والفني على هذا، فالمتابع الجيد يجد برامج قصيرة فقيرة للغاية من حيث الفكرة والمضمون والضيوف، ومعظم ضيوف هذه البرامج على كافة المحطات نجوم الصف الثاني والثالث فى مختلف المجالات!.
ما يحدث الآن جعلنا نترحم ونتذكر بعض نجوم الإذاعة الكبار في عصرها الذهبي مثل (عمر بطيشة، آمال العمدة، نادية صالح، إيناس جوهر، سناء منصور، إمام عمر، عمرو عبدالحميد، أمينة صبري، سامية عبدالمجيد، نوجي أباظة، آمال علام، حسن زين العابدين) وغيرهم، والذين كنا ننتظر طلتهم السمعية في شهر رمضان لنستمتع بثقافتهم وخبرتهم ودهائهم وذكائهم وهم يحاورون كبار نجوم مصر في كافة المجالات ويستخرجون منهم أجرأ التصريحات التى كانت تداولها الصحف بعدها.
وفى النهاية لابد أن أردد جزء من أبيات شاعرنا الكبير (بديع خيري) عن الإذاعة يقول فيه:
وإذا قال فلان زيدوا التمثيل، علان يقول روايات بايخين
غلب المحطة غلب تقيل، وتراضي مين وتزعل مين
على كل حال فيه برضه فريق، راضي ولو موش عالاطلاق
ويستحيل جمع المخاليق، يقدر عليه الا الخلاق
يا محطة موش عيب الإنتقادات دي تفيد فى توجيه خط السير
جياتك أكتر م الرايحات، وكل عام وأنا وأنتي بخير