(مليارات الدراما والاعلانات في شهر التكافل)
بقلم : علي عبد الرحمن
تعلمنا جميعا أن الدراما هى محاكاه للواقع كما قال أرسطو فهي تنقل واقعا وتقدم تصورا لما هو أفضل من حلول واقتراحات للمبدعين من مؤلفيها، وممثليها، ومخرجيها، ولكن عندنا الوضع خارج هذا التوصيف فدراما رمضان تقدم مجتمعنا غيرنا وتجسد شعبا غيرنا وتقدم موضوعات غير التي تشغلنا فما نراه في مسلسلات رمضان هو شعب الدراما ومجتمع المسلسلات وقضايا أهل الدراما وليست قضايا أهلنا البسطاء، الكادحون عيشا، والساعون كفاحا، والعائشون أملا، فهل مؤلفي هذه الأعمال يقيمون في بلدان أخرى كما تم التصوير في بلدان أخري أم ينقلون عنا بالحكي من طرف آخر؟، أم هم معزولون عن همومنا؟، أم أن هذه الموضوعات تمت صياغتها استجابة للمعلنين، أم هي شروط محتكري الإنتاج والبث والتوزيع؟.
أخشي أن يتملص كل طرف من صنيعته بحجة واهية، فهل يعقل أن تنشغل عقول مبدعي مصر طوال العام للحاق بمارثون رمضان، ذلك الشهر الفضيل شهر التقوي والمغفرة والتكافل بين الناس ليقدموا لنا هذه الأعمال وماتحويه وماتروج له؟ ، ألم يدرك هؤلاء المبدعين أن هذه الأعمال ستعرض في ليالي رمضان بعد صيام وصلاة وقيام وتلاوة وابتهال وسعي نحو رحمة الرحمن الرحيم؟ أم تراهم لايعلمون متي ستعرض، أم أنهم لايعرفون مناسك الشهر الفضيل؟.
إن هذه الأعمال لو كانت مستوردة لكان هناك عذر، أما وأنها بنات أفكار مبدعينا فحسبنا الله.. فهل يرضي الله أن تنفق مليارا من الجنيهات علي أعمال مضمونها (تعنيف وابتزاز وتحرش وتنمر ودعاره ومخدرات واغتصاب وخمر وقتل وتآمر وشذوذ وإيماءات جنسيه وإثارة للشهوات وألفاظ خادشة وعبارات سوقية وبيع الآثار) إن لم يكن هذا مخالف لضوابط شهر التقوي فهو لايستقيم مع قيم الأسرة المصريه، وهو أذي مبكر لأطفالنا في مراحل التنشئة الأولي.
أليس نحن أولي بهذا المليار لنعلم وترسخ ونربي وتخدم أجيالنا، أما إعلانات هذه الأعمال فقد بلغت ثلاثة مليارات من الجنيهات، أي أن إجمالي ما أنفق علي هذا العبث الأخلاقي ، وصل إلي 4 مليارات، وهذا الرقم كفيل بتغيير منظومة القيم والسلوك، وجدير بتطوير منظومة التعليم والتربية وأهل لتطوير منظومة الصحة وغيرها.
ألم يدرك المنفقون علي هذا العبث بحاجة أهلنا إلي هذا الرقم المنفق؟، ليت المعلنون قدما مشروعا خدميا يحمل اسمهم ومشروعهم ويقدم خيرا – لا أذي – للمشاهدين، وليت مؤلفي هذه الأعمال انخرطوا بين طبقات شعبنا ليقدموا عنه ومنه قصصا عن معاناة أسرة لكسب لقيمات عيشها أو حكاية لأسرة تحسن تنشئة أبنائها أملا في مستقبل واعد، وياليتهم نقلوا حكايات عن منظومة تكافلنا في رمضان، أو قدموا عملا عن تغير شكل الحياة في مصر، أو قدموا تصورا لأحلامنا في غد أفضل، أو ليتهم ربطوا أبنائنا بالخارج لأهلهم هنان وياليت،وياليت.. وإن كان المبدعون معزولون في مجتمعهم المرفه فهل الممثلون أيضا يجاورونهم في مجتمعهم هذا؟، وهل المخرجون والمنتجون ضيوف ونزلاء أيضا في ذلك المجتمع الغريب عنا.
إن ماتضمنته دراما رمضان من حروب الصدور والسيقان العارية، وهذا السجال من الألفاظ التي يستحي أي ملتزم من التلفظ بها لهي انفصال عن هموم مجتمعنا، وانفصام عما نحن فيه، ورغم أننا قدمنا 26 مسلسلا،لـ 14 نجما ونجمه، وأبناء النجوم، فقد اختفي المسلسل الديني ومعه التاريخي، وحل محله (لحم غزال، والطاووس، وكله بالحب، وملوك الجدعنه) بدلا من (محمد رسول الله، والقضاء في الاسلام،والفتوحات الاسلاميه،وحياة الصحابه والأئمه)، ولم يعد لنا هوية ولا تاريخ، فحتي الأسماء خادشة والمضامين تافهة والافكار شاذه.
ولنا مع أعمال رمضان كلام تالي إسما ونقدا ولكن هل خروج الدوله بجهات إنتاجها (قطاع الإنتاج، ومدينة الإنتاج، وصوت القاهره) وتخليها عن دورها في التنشئة والتثقيف، والأرشفة والتأريخ، ودعم الانتماء والهويه، هذا الخروج وذلك التخلي هو إعلان وفاة الأعمال الدينية والتاريخية، وهل ننتظر من القطاع الخاص أن يقوم بدور الأب وهو الدولة، ورغم أن محتكري معظم دراما رمضان ليسوا قطاعا خاصا بل قطاع شبه رسمي، عليه ما علي الدولة من أدوار، إلا أن انفلات الحبل علي الغارب امتد من مشهد الإعلام إلي مشهد الدراما.
هل نحن بحاجة إلى عودة الدولة لدورها كمنتج للأعمال الجادة ودراما الهوية والتاريخ؟، أم نحن بحاجة إلي خطة قوميه للاإتاج الدرامي يخلق توازن بين الديني والتاريخي، والوطني والاجتماعي، حتي لاتطغي أعمال مثل ما يقدم على أعمال واجبة الإنتاج والعرض إن نحن بحاجة إلي رقابة سابقة علي الإنتاج والبث لتحدد وتوازن وتقدم تنوعا دراميا مطلوبا للوطن وأهله، أم ترانا نحرض البرلمان والمجلس الأعلي للإعلام ومنظومة جهات التربية والتعليم والدين والأخلاق لتمد يدها فيما ينتج ويذاع.
وأين النقابات الفنية وأرباب الثقافة والتربية والاخلاق؟، يبدوا أن انفلات المشهد الإعلامي وصل إلي منظومة الإنتاج والبث وماذا ينتظر كل هولاء بعدما نشاهد، وبعد اعتراض المجتمع وبرلمانه، وبعد دعاوي وقضايا دراما رمضان.
تري هل تشعر النقابات الفنيه والإعلامية بحيائنا مما يقدم، ولما يصمتون، هل لأنهم شركاء في دراما رمضان أم تراهم يخطبون ود محتكريه؟ ، هل غض الجميع طرفهم عن قضايا مجتمعنا وأخلاقه وقيمه أم هل ترانا نبحث عن جيل آخر يشبهنا من مؤلفي وممثلي ومخرجي ومنتجي دراما أهل مصر وأخلاقهم، واحترامهم لمناسكه وعباداته، وللحديث عن مصر في دراما رمضان التي لاتشبهنا بقيه لشعب مصر، وليس شعب الدراما الغريب علينا، ورمضان كريم، وحسبنا الله.