لو في الجد.. جورج سيدهم !
بقلم : محمد شمروخ
كثير من نجوم الكوميديا قاموا بأدوار جادة في مشوارهم في التمثيل، بل قد يكون المقياس الأكثر دقة للقدرات التمثيلية الحقيقية لدى الكوميديان هو قدرته على أداء أدوار عادية، ليس بالضرورة أن تكون موغلة في الجدية أو الشر، بل إن دور الشخص العادى هو الترمومتر الدقيق لإمكانيات المممثل، لذلك عندما انتبهت إلى أحد مشاهد الفنان العظيم الراحل جورج سيدهم في أدائه لدور “نوبار باشا” في مسلسل بوابة الحلوانى، في أثناء عرضه على قناة فضائية منذ فترة قصيرة، اكتشفت أن هذا الممثل القدير، كانت لديه قدرات هائلة لم ينتبه إليها المخرجون – أو ربما انتبهوا ولكنهم تغافلوها عمدا – بسبب النجاح المبهر الذي حققه جورج ككوميديان لا يشق له غبار سواء ضمن ثلاثى كما في فرقة “ثلاثي أضواء المسرح” مع رفيقيه الضيف أحمد وسمير غانم، أو في ثنائي يتفجر بالكوميديا مع سمير غانم حتى صار اسما “سمير وجورج” كأنهما اسم واحد طوال السبعينات وما بعدها عقب وفاة ثالثهم الضيف أحمد.
كذلك حقق جورج منفردا مكانة كوميدية ممتازة بعيدا عن رفيقي رحلته، مع ذلك لم يتح له المخرجون تمثيل أدوار جادة إلا قليلا، كدوره في فيلم “امرأة سيئة السمعة” أو في مسلسل “رأفت الهجان” بالإضافة إلى الدور الذي ذكرته في بوابة الحلوانى.
ورغم أن وجه جورج يبدو باكتنازه المميز، طفوليا محبوبا مرحا مع شكل جسمه وطبيعة صوته، إلا أن اختباره كفنان شامل في أداء أدوار بعيدا عن الكوميديا حقق له درجة مذهلة من النجاح حتى ينسينا جورج الضاحك، لكنه للأسف لم تتح له الفرص كثيرا لضيق الأدوار الجادة التى يكلف بلعبها مع قلتها.
لقد قام نجوم كوميديا كبار بأداء أدوار جادة لا أثر للكوميديا فيها “كمثال فيلم “الإرهابى” للفنان الكبير عادل إمام” أو في تجارب باهتة قام بها آخرون لم يكتب لها الذيوع، لكن مع ذلك بقيت لهم سندا تلك الخلفية الكوميدية التى لا يكاد يكون لها أثر في بعض أدوار الجادة، حتى ولو لم تأت في حدث أو في جملة حوارية، لكن نجم الكوميديا الذي أثبت جدراة بعيدا عن ملعبه الأساسي كان هو جورج سيدهم، غير أن الفرص كما أسبقت لم تعط له لإخراج تلك القدرات لعدة أسباب أهمها “القولبة” التى يضع فيها المنتجون الفنانين لاشتهارهم بها، كذلك أوقع في الخية نفسها الفنان الراحل سعيد صالح.
حقا لقد كسبت الكوميديا جورج سيدهم ومازالت أدواره على شاشة السينما أو على خشبة المسرح أو في التليفزيون قادرة على الإضحاك مهما تعددت مرات تكرارها، فقد كانت له عبقرية في انتزاع الضحك من الجملة العادية في الموقف العابر ينطقها بطريقة لا أثر فيها للافتعال كما حدث في جملة “تشرب شاي” في مسرحية “المتزوجون” التى تفجر الضحك مع تكراراها مرارا مع كل عرض للمسرحية.
لكن مع ذلك رأيت نوبار باشا متجسدا أمامى في بوابة الحلوانى وانمحى تماما أي أثر لخلفية جورج الكوميدية التى لا تفارق ملامحه التى نجح بها ككوميديان كبير، وهو ما لم يحققه نجوم الكوميديا الكبار في أدوارهم الجادة، حيث لا يستطيعون خلع ردائهم المضحك في أداء أدوار بعيدة عن الكوميديا!.
ولكن فيما يبدو كانت طيبة قلب جورج كإنسان وبساطته في حياته العادية، تقف حائلا دون أن يفرض نفسه أو يلح على صناع الدراما من مخرجين ومنتجين لاستثمار تلك القدرات التى اختزنها في نفسه كممثل شامل يجسد الشخصية بعيدا عما اشتهر به في تاريخه الفنى الكبير!.