رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

حمادة هلال يلامس الروح بينما تترات باقي المسلسلات غارقة في السوداوية

كتب : أحمد السماحي

(من جاور السعيد يسعد .. ومن جاور الحداد انكوى بناره)، هكذا يقول المثل الشعبي المصري، مؤكدا حقيقة ثبتت صحتها علميا، وهى أنه في عالمنا الواقعي يمكن للمشاعر أن تنتقل كالعدوى، وهو ما لم تدركه دراما رمضان هذا العام التي مالت في غالبيتها نحو الكآبة والسوداوية، حيث ركزت على جوانب مظلمة في حياتنا على جناح العنف تارة، وتارات أخرى على جناح القتل والتعذيب، وتأكيدا لانتقال عدوى هذا المزاج الحزين جاءت لوحة التترات بموسيقاها وكلمات أغانيها بمزيد من الأسى واجترار الجراح التي راحت تتبارى فيها أصوات المطربين في سباق محموم نحو بث روح الحزن والرعب والفزع في قلوب مشاهدين يعانون من وقائع مؤلمة في حياتهم المرة بالأساس.

 خبراء علم النفس يؤكدون أن الحالة المزاجية يمكن أن تنتقل بين الأفراد من الجنس نفسه، وأنها أشبه بالفقاعات الصغيرة التي تظهر على سطح الماء عند إلقاء حجر؛ إذ ينتقل المزاج السيئ عبر عملية من ثلاث مراحل، وفق ما انتهت إليه: أولاها مرحلة التقليد اللاواعي، وفيها يقوم الشخص بمحاكاة الآخر دون أن يدرك ذلك، كأن يجد نفسه يتثاءب أو يحك رأسه أو يتنهد، فعندما تشاهد شخصا يقطب حاجبيه، قد يحدث لك رد فعل تفاجأ خلاله بأنك تؤدي حركة الوجه نفسها دون تفكير، أما المرحلة الثانية فتشعر فيها أنك لست على ما يرام لأن وجهك عبوس، وفي المرحلة الثالثة تشارك الآخر تجاربه ومشاعره وسلوكياته.

كارول سماحه
يارا

والمتابع لـ (تترات) رمضان هذا العام فإنه حتما قد مر بإحدى مراحل تلك العدوى والشعور بانقباض قلبه وروحه، حيث يجد (كارول سماحه) تغني فى مقدمة مسلسل (ضد الكسر) من كلمات مدحت العدل، وألحان أحمد العدل، وتوزيع الهامي دهيمة، وأحمد حسام (يخربيت اللي خان، واللي ملهوش أمان، واللي شوفناه ملاك أتارية طلع شيطان)، وترد عليها (يارا) فى تتر مسلسل (كله بالحب) من كلمات (أيمن بهجت قمر) وألحان (عزيز الشافعي) وتوزيع أحمد عادل، (أندال والله أندال، أغلبنا محدش صاين عهد، أندال أندال وبناكل بعض، ما دمنا بناكل الشهد).

تامر حسني

ويشارك (تامر حسني) زميلاته وبلهجة صعيدي يندب كالسكالى فى مسلسل (نسل الأغراب) من كلمات (سارة سعيد)، وألحان هيثم نبيل (دبحوا الأصول لأجل الوصول، دول كدابين ذفة، كتر السواد، وعمى العباد خلى القلوب جفة، عجبى على اللى عماه غروره عايش سنين خراب، أغراب ومن نبت التراب فى ميزان ملوش كفة).

أصالة

وتنزل إلى ساحة الندب عفية بصوتها الحاد (أصالة) من خلال تتر مسلسل (بنت السلطان)، فتقول بصوت كله شجن من كلمات عمرو حسن، وألحان وتوزيع محمد رحيم (دبحوها ولا حد سمى عليها، عكس التيار بتعوم، وكسرها الموج، وهى فاردة إيديها، حتى شوفوا عينيها، شايلة وجع مكتوم).

ويشارك الموهوب الواعد (مسلم) فى معركة الندب كأنه في شادر للعزاء،  وبشجن أكثر يغني بصوت متميز للغاية مقدمة مسلسل (موسى) من كلمات صاحب المفردات المختلفة محمد أبونعمة، وألحان مصطفى شكري، (بينام بعين ماخابرش مين الزين، ومين الدون، حواليه دياب كيف الذياب أنيابها مقصوصة، ولكل وقت وله جبابرة وعبرة كيف فرعون، وعشان يعود الحق لازم يتوجد موسي)!.

شيرين

أما شيرين عبدالوهاب فتستنسخ أغنية (أنا مش عارفني) للمطرب الشعبي (عبدالباسط حموده) من خلال تتر مسلسل (لحم غزال)، حيث تغني من كلمات بدوي جمعه، وألحان محمد رحيم، وتوزيع أمير سمير (من كتر ما بقلع وشوش والبس وشوش، ماعرفش انا بالظبط انا ابقي مين، وشي الحقيقي بتاع زمان، بالصدفة شوفته انا من يومين معرفتهوش، من كتر حالة الانكسار ما بقتش انا باخد قرار).

هذه بعض نماذج قليلة جدا من تترات مسلسلات رمضان الغنائية هذا العام التى عزفت على وتر الخيانة والسوداوية والكآبة والتباكي على الزمن الماضي، ولم نسمع تتر من التترات العديدة التى تتغنى بنشر البهجة والتفاؤل، وبث الأمل في نفوسنا، والطموح، ويتطلع إلى حياة أفضل، وأعتقد أن هذه الوصلة الغنائية من الندب والعويل واللطم على الخدود، وتقطيع الثياب!، ترجع لموضوع المسلسلات المليئة بالغيرة والخيانة والعنف والضرب، والنصب، حيث خلت أعمالنا هذا العام من المسلسل الرومانسي، والمسلسل الكوميدي الراقي، وبالتالي غاب التتر المبهج.

وحتى لا نظلم كل التترات وجدنا فى وسط هذا الندب من البكاء الحار، (تترين) بعيدين تماما عن وصلات الردح الشعبي الذي ينحدر نحومزاج حزين، ويبثان فينا القوة والشجاعة والأمل والصمود والصوفية، مليئين بالمفردات المتميزة التى تشحذ الهمم وتضيئ الطريق، وتنير البصيرة، وتهذب الروح، وتعلي من قيمة الوطن.

أحمد سعد

أولهما تتر مسلسل (الاختيار 2) للشاعر المتميز (نصر الدين ناجي)، وألحان (أحمد فرحات)، حيث قدم هذا الثنائي المبدع تترا بسيطا مباشرا ليس فيه لف ولا دوران، ولا تركيبات لغوية، ولا صور شعرية من التى تعود على كتابتها (نصر الدين ناجي)، ولكن فيه رسالة واضحة ومباشرة لكل أعداء الوطن مفاداها إياكم أن تقتربوا من هذا الوطن ستجدون أسود فى مواجهتكم، ووضع (أحمد فرحات) لحنا أقرب إلى النشيد، ومن مقام موسيقى واحد وبجمل تشبه الهتاف، يقول مطلع التتر الذي تغنيه المجموعة بالإشتراك مع المطرب (أحمد سعد) :

بص في عنينا نقدر على الدنيا ولا تقدر علينا

روحنا في إدينا ناسنا وترابنا، وأرضنا بتتحامى فينا

على قلب واحد، بركان تقرب ينفجر، والجمر قايد

الحق واحد، ماتجيبش نار جنب البارود، وتصحى مارد

كما برع أحمد سعد أيضاء، في غناء تتر مسلسل (ضل راجل)، و الذي جاء مواكبا عبر الكلمات والموسيقى لأجواء المسلسل الذي يطرح ملامح الحارة الشعيبة بشكل مختلف وأكثر واقعية من الملسلسلات الأخرى من هذا النوع.

حمادة هلال

والتتر الثاني الذي يعلو بالإنسان ويهذب الأرواح قام بإنشاده المطرب (حماده هلال) بطريقة صوفية روحية عذبة تخترق القلب وتستقر فيه وتعلن احتلاله، من خلال تتر أكثر من رائع مكتوب بحرفية عالية تؤكد موهبة الشاعر (محمد أبونعمة)، وتؤكد أنه ينتظره مستقبل باهر، خاصة أنه استقى كلماته من موضوع المسلسل الذي يغلب على أحداثه أجواء صوفية، فجاءت الكلمات تلامس الروح قبل أن تخترق الأذن، ووضع الملحن (مصطفى شكري) لحن عذب مليئ بالشجن من مقام الصبا، يحتوي على فكرتين الأول بداية من (مدد يارب)، والثانية من (عبدك شيطان)، وأجاد (شكري) اختيار قفلة كل فكرة ببساطة، وجاء توزيع (ميدو مزيكا) سلس وبسيط دون فذلكة موسيقية، أو وجود لموسيقي إلكترونية صاخبة، وقد استخدم بذكاء إيقاع صعيدي، مع باص جيتار قوي جدا، مع الناي والربابة، يقول مطلع تتر البداية :

مدد يارب يارب، ومن غيرك مدد

يسند ضهر اليتيم ويقوم عود الولد

طيب والكل حبه، بيداوي بأمر ربه

مطرح رجليه ما طبت، يطرح من الخير زيادة

يامن سلم وصلي، علي المبعوث من الله

احميه من خلق ضاله، واكفيه شر اللي عادة

وجاء تتر النهاية (إني الفقير) سيفونية عذبة رائعة يؤكد شطارة (أبونعمة) وتميزه الشديد، وموهبة (مصطفى شكري)، أما (حماده هلال) فقد غنى تتر البداية والنهاية فى تبتل حقيقي وضراعة وجدانية إلى الله، وذاب فى معاني الكلمات ونغمات الميلودي، فيما بدا وكأنه حوار ذاتي، فجاء أدائه مختلف تماما عن ما سمعناه له من قبل، ويعتبر تتر البداية والنهاية من أجمل ما سمعنا فى السنوات الأخيرة من غناء ديني، وهو ما يتسق ويتفق تماما مع أدائه التمثيلي الرائع لشخصية (صابر المداح) في ذهابه نحو مناطق دافئة، في قدرة هائلة من الشعور بالشخصية على المستوى الداخلي والخارجي، وخلق أجواء صوفية تخاطب الروح والوجدان، فضلا عن معايشة الدور باحترافية نابعة من موهبة حقيقية ظلت حبيسة طوال السنوات السابقة.

مما لا شك فيه أن غناء (التترات) شيئ مهم جدا لكل صاحب موهبة موسيقية كبيرة، لأن أغنية (التتر) عالم رحب حيث المواقف المعقدة والمتداخلة التى تفتح أمام الخيال الموسيقى كل الآفاق، عكس الأغنية العاطفية ضيقة الأفق بطبيعتها، لكن يبدو ملحوظا من خلال مشاهدتي أن تترات هذا العام كانت متميزة ومختلفة يعيبها فقط الكلمات المليئة بالكآبة، لكن بصورة عامة يمكن أن نقول أنها أفضل من الأعوام السابقة، وبدأت تستعيد حيويتها بعد أن ترملت بعد وفاة العبقري (عمار الشريعي) ورفاقه من الشعراء المبدعين مثل (سيد حجاب، وعبدالرحمن الأبنودي).

وهنالك عامل مهم جدا هو ابتعاد رائد غناء التترات (على الحجار) و(عمر خيرت) و(ياسر عبدالرحمن) الذي عاد هذا العام على استحياء من خلال تتر موسيقي متميز جدا ورائع زين به مسلسل (ملوك الجدعنة)، لكن (يا جماعة الخير، وحدة وحدة علينا، الناس مش ناقصة سوداوية وبؤس وعذاب وتذكيرهم بالماضي الأليم)، يكفي عليهم فيروس كورونا، وشبح الإرهاب الأسود، ومعركة المصريين العصيبة مع الحياة التى أصبحت صعبة للغاية، لذا نتمنى في الأعوام القادمة أن تتنوع كلمات تترات المسلسلات وتمنح الناس نوعا من البهجة والسعادة لتكون حافز أكثر على الحياة، وهذا من شأنه يدفع باعتدال الحالة المزاجية السيئة التي تنتقل بالعدوى من الدراما إلى الواقع دون أن ندري واستبدلها بطاقة إيجابية تقوى على شفاء جراح النفوس العليلة لتناسب أجواء الشهر الفضيل.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.