بقلم : محمد حبوشة
تعرف الثقة بالنفس بأنها الاعتداد بالنفس نتيجة عدة عوامل، أهمها: القدرة على تجاوز المواقف الصعبة، والنجاح المتكرر، وتوطين النفس بالتسامح، والحكمة في التعامل، بينما يعرف الغرور بأنه الشعور توهم كامل للعظمة، وبالتالي فإن الفرق بينهما أن الثقة بالنفس ناتجة عن تقدير الإمكانات المتوفرة، أما الغرور فهو إساءة التقدير لهذه الإمكانات المتوفرة، ولا بد من الإشارة إلى أنه قد تتحول الثقة بالنفس إلى غرور عندما يرى صاحبها أنه قادر على عمل كل شيء، لذلك يجب الموازنة بين جمال الروح وجمال الشكل، فكلما زادت الثقة بالنفس أصبح الإنسان أكثر قدرة على مواجهة مصاعب الحياة وهمومها، ولكن إذا تجاوزت الثقة بالنفس الحد المطلوب أصبحت خطرا على صاحبها؛ لأنها تتحول إلى غرور.
وربما لمسنا قدرا من هذا الغرور الذي أصاب الممثل الشاب (محمد رمضان) منذ ثلاث سنوات مضت، ونبهناه أكثر من مرة هنا بضرورة الحذر من هذه الآفة التي تمكنت منه إلى حد الإضرار بنفسه بشكل متعمد، والغريب أنه لا يقوم بالاعتذار عن أفعاله المشينة له ولزملائه من الوسط الفني وحتى الجمهور إلا نادرا جدا، وبعد أن يكون قد حقق رغبته المريضة في ركوب (الترند) المهوس به طوال الوقت، وكأنه ولد ليكون (ترندا) أو صنع الترند خصيصا له، والآن لم يعد يجدي النصح فيه، بل لابد من وقفة مع النفس ومعاقبته عقابا شديدا وبأثر رجعي عن كل ما ارتكبه من موبقات تصل إلى حد الجرائم، كي يكون عبرة لنفسه ولغيره ممن قد يصيبهم الشطط لمجرد امتلاك ملايين أنعم الله عليه بها للتصرف فيها في فعل الخير لا لاستفزاز البشر، حتى أنه كثيرين من رواد (السوشيال ميديا) يدعون الله عز وجل أن يزيل تلك النعمة عنه جراء تصرفاته التي تتصف بالرعونة وعدم إدراك قيمة التواضع لخلق الله.
لقد فات الوقت عن إدراك (رمضان) أن الأخلاق الإنسانية كريمة كانت أو ذميمة، هى انعكاسات النفس على صاحبها، وفيض نبعها، فهي تشرق وتظلم، تبعا لطيبة النفس أو خبثها، استقامتها أو انحرافها، وما من خلق ذميم إلا وله سبب من أسباب لؤم النفس أو انحرافها، لأن أسوأ الصفات الإنسانية هى الغرور والكبر وهما صفتان تمكنتا منه تماما وتؤثران سلبا عليه نفسه وعلاقاته بالآخرين، فسلوكه الفردي وانعكاسه على تصرفاته ومعاملاته مع المحيطين به، لا يأتي من فراغ، وإنما هو نتيجة ما تراكم عنده على مر مراحل حياته، منذ ولادته إلى حين مماته، أفعال تظهر سلوكيات قد تتغير أو تزيد حدتها حسب البيئة التي ينشأ فيها الشخص، وحسب المؤثرات التي يخضع لها، ولاستئصال هذه السلوكيات السلبية وتحفيز الإيجابي منها كان ينبغي أن يخضع لعدد من الدورات والتدريبات لتخليص النفس من شوائبها، وأظن أن الوقت قد فات في حالة المدعو (محمد رمضان) الذي ينطبق عليه قول طه حسين (هذا الرجل رضي بجهله ورضي جهله عنه) – بحسب وصف كاتبنا الكبير الدكتور ثروت الخرباوي – له في مقال كتبته هنا في بوابة (شهريار النجوم) قبل ثلاثة أسابيع بعنوان (جائزة أسوأ ممثل مصري).
يقول البروفيسور (كريم سهر) استشاري الصحة النفسية والباراسيكولوجي رئيس المعهد الكندي للعلوم الصحية في كندا، عن آفة الغرور والكبر وما تسببه من متاعب للمتصف بها وللمحيطين به، ويصفها بأنها من أعظم المفاسد الأخلاقية التي يتعرض لها الأفراد والمجتمعات، ويضيف سهر، إن الغرور داء يدل على نقص الفطنة وطمس نور العقل والبصيرة، فينخدع العبد بما آتاه الله تعالى على الناس ويتكبر، ويسير وراء شهواته ونزواته بالأخطاء بسبب الجهل، (يَا أَيُّهَا الإنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ)، (الانفطار:6-7)، وهكذا ينخدع الكثيرون بالغرور، فمنهم المغتر بزخارف الدنيا ومباهجها الفاتنة، ومنهم المغتر بالزعامة أو المال أو القوة.
أسباب ومسببات وراء حالة الغرور التي أصابت (محمد رمضان) والتي يؤكد من خلالها البروفيسور (سهر) بأنها نقيض التواضع وكلمة ينفر الناس منها، وهو مرض من أمراض القلب المعنوية التي لا تؤلم المريض فحسب، ولكنها تزعج من حوله أيضا، ويضيف: (الغرور لا يعني الثقة بالنفس، بل الشعور بالنقص بداخل الشخص المغرور الذي يريد أن يخفيه عن الناس في ثوب التكبر والغرور، متناسيا أن الدنيا متاع الغرور، (يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ)، (غافر- 39)، وقال الله تعالى: (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلادِ) (الحديد- 20)، فقد يغتر الإنسان بكثرة ماله أو جماله أو سلطته، ولكن ما لا يعلمه المغتر أنه ما رفع الله شيئاً إلا وضعه، وأن دوام الحال من المحال، ويبقى غنى النفس والجمال الروحي.
وكأنه يصف حال (رمضان) تماما يقول سهر: (التكبر من الأمراض الأخلاقية الخطيرة والشائعة في الأوساط الاجتماعية، التي سرت عدواها، وطغت مضاعفاتها على المجتمع، والمتكبر أشد الناس عتوا وامتناعا عن الحق والعدل، فمن مساوئ التكبر وآثاره السيئة في حياة الفرد أنه متى استبد بالإنسان، أحاط نفسه بهالة من الزهو والخيلاء، وجن بحب الأنانية والظهور، فلا يسعده إلا الملق المزيف، والثناء الكاذب، فيتعامى آنذاك عن نقائصه وعيوبه، ولا يهتم بتهذيب نفسه، وتلافي نقائصه، ما يجعله هدفا لسهام النقد، وعرضة للمقت والازدراء، وأوضح سهر: (أن من مساوئ التكبر الاجتماعي أنه يشيع البغضاء بين الناس) ويبقى الغرور هو شعور بالعظمة وتوهّم الكمال، وهو شعور رسخ داخل أعماق نفس (محمد رمضان) منذ فترة حتى سولت له نفسه الإساءة لزملائه من النجوم الكبار وآخرهم (ايقونة الكوميديا المصرية) إسماعيل يس، عندما تناوله في مشهد يحط من شأن النجم الراحل الكبير في مسلسله الحالي (موسى).
إذ اظهره المشهد – بحسب البلاغ التي تقدمت به أسرة الراحل العظيم وعلى رأسهم الشاعر أيمن بهجت قمر – في صورة متدنية لشخص يتهرب من سداد قيمة ما قام بشرائه، كما جري تعمد التأكيد علي الحركات الجسدية التي اشتهر الفنان الراحل بأدائها في أدواره والتي اتخذ منها صانعو العمل أداة للسخرية علي لسان بطل العمل (محمد رمضان) في هذا المشهد، بما يعكس امتهانا واضحا للفنان الراحل في شخصه وسلوكياته وأخلاقياته بحسبان أن المشهد قد أظهره باعتباره يمارس حياته الطبيعية من خلال الشراء لمستلزماته الشخصية التي يحجم عن سداد قيمتها وثمنها استنادا الي شهرته، وهو مما يمثل إساءة بالغة للفنان الراحل الذي غادر دنيانا منذ نحو 50 عاما.
لقد أوضح البلاغ أن ماجرى هو تشويه متعمد لسيرته بل ويشكل نيلا من الفن المصري بإظهار الفنانين في مظهر سيئ لاشخاص يعيشون عالة على غيرهم يأخذون ما لا يستحقونه بسيف الحياء لشهرتهم، وقد أحدث المشهد ردود فعل غاضبة لدي المتابعين، خاصة وأنه لا مبرر له في السياق الدرامي فضلا عن الضرر البالغ الذي أصاب أسرة الفنان الراحل اسماعيل يس، والتي تواصلت بالفعل مع مكتب الدكتور محمد أبوشقة للمحاماة لاتخاذ الاجراءات القانونية حيال ما حدث وفي مواجهة المسئول عنه، وقدم الورثة أيضا شكوى لنقابة المهن التمثيلية وكعادته رد نقيب الممثلين الدكتور أشرف زكي ببيان أكد فيه: (أن المساس برموز مصر الفنية هو أمر مرفوض شكلا وموضوعا لأنه بمثابة تشويه للريادة المصرية في تاريخ الفنون، كما يعد تشويها للشخصية المصرية التي شكل الابداع الفني جانبا هاما من سماتها وخصوصيتها منذ فجر التاريخ.
وأضاف البيان: إن نقابة المهن التمثيلية تلقت شكوى مقدمة من أسرة الفنان الراحل إسماعيل ياسين، أسطورة الكوميديا المصرية، بشأن تضررها من تقديم شخصية اسماعيل ياسين بشكل غير لائق، في الحلقة الثانية عشر من مسلسل موسي، وتابع البيان: وفي ضوء ذلك قام مجلس نقابة المهن التمثيلية علي الفور بتشكيل لجنة رفيعة المستوي لفحص هذه الشكوى المقدمة من أسرة الفنان الكبير اسماعيل ياسين، لرفع تقرير عاجل لمجلس إدارة النقابة ليتثنى له اتخاذ قراره بشأنها، وظني أن هذا البيان هو نوع من امتصاص الغضب لتفويت الفرصة حتى يعتذر (رمضان) بسيف الحياء، ومن ثم سيتمخض قرار النقابة بمبادرة صلح بين الطرفين بأن أثبت رمضان حسن نيته واعتذر، وهو نفس ديدن (زكي) في رفع السيف عن رقبة (محمد رمضان) كما فعل من قبل في قضايا شبيهة.
بالمناسبة هذه ليست الإساءة الأولى من جانب المدعو (محمد رمضان) لإسماعيل يسن، بل إنه قال في أحد حوارته لصحفية المصري اليوم عام 2017: (أنا ضد أفلام إسماعيل يس، الله يرحمه، الذى قدمها عن الجيش كلها، لأننى لا أحب أن نصدر أن العسكرى المصرى بهذا الشكل أو يمشى وتقع منه أشياء ويسخر عليه الناس)، وعندما رد عليه المحرر الذي أجرى معه الحوار قائلا: (لكن أفلام إسماعيل يس وقتها كان لها هدف قومى وهو جذب الشباب للتجنيد)، فرد (رمضان) عليه بلغة تنظيرية فيها قدر من التعالي، وكأنه قيم على الفن المصري، حيث قال: (الراحل إسماعيل يس أكثر نجم يضحكنى فى العالم، لكنى لا أحب أن نصدر صورة أن الجندى المصرى وهو يقع منه (القايش) ويركب فوق مروحة الطائرة بالعكس، فهذا منظر غير لائق)، وتعرض محمد رمضان لانتقادات وقتها بسبب تلك التصريحات التي أدلى بها للمصري اليوم، لكن ومع ظهور إسماعيل ياسين في مسلسل (موسى) بشكل الفنان الذي يرفض دفع ثمن الأشياء بسبب شهرته، اتهمه العديدين بتعمد الإساءة للفنان الراحل من جديد.
وبعد الضجة الكبيرة والإساءة البالغة من جانب (محمد رمضان) تجاه أحد رموز الفن المصري وهذه ليست الواقعة الأولى ولن تكون الأخيرة، فإن هذا يدعوني أتساءل في دهشة: من وراء (محمد رمضان) بالضبط؟، من الذي يسنده، ويدفع بمشاعر معارضيه عرض الحائط في كل مرة؟، وكأنه مشروع قومي لاينبغي المساس بها، خاصة أنه بعد (كارثة التطبيع) التي أغضبت الشعب المصري كان ينبغي حتى إيقاف مسلسله (موسى) على الأقل امتصاصا لمشاعر الناس، بل جاء الأمر على عكس التوقع، حيث أصرت (الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية) التي تحتكر الانتاج الدرامي تقريبا في مصرعلى أن تنتج المسلسل ويعرض في موعده رغم أنف الجماهير الغاضبة.
وإذا كانت (المتحدة) هى من تقف في ظهره بعد كل جريمة يركتبها (قضية التطبيع – أزمة الطيار أبو اليسر – إساءة بالغة لإعلاميين ونجوم كبار وأيضا من جيله – التفاخر بنثر الدولارت في حمام السباحة بشكل سفيه)، وغيرها من فضائح معلنة، حتى الجمهور لم يسلم من تهكماته وسخريته)، وهذا أيضا يدعني أتساءل بنفس الدهشة: كيف لهذه الشركة التكبيرة المعنية بتشكيل الوعى الفني أن تكيل بميكيالين في آن واحد، ففي الوقت الذي تنتج فيه مسلسلات رفيعة المستوى (الاختيار 2 ، القاهرة – كابول، هجمة مرتدة)، والتي تؤكد على الهوية الوطنية، وتلفت انتباه الشباب إلى بطولات أبناء مصر في الجيش والشرطة والمخابرات في الدفاع عن شرف وطن تنتهكه من ناحية أخرى بمسلسلات تدعو للفوضى والبلطجة وأخذ (الحق بالدراع) وتغييب القانون مثل (موسى، نسر الصعيد، البرنس، زلزال) وغيرها من دراما لا تحمل أية رسائل إيجابية على المسوى الاجتماعي، غير أنها ترسخ للفوضى والعشوائية واستعراض عضلات لنموذج ممثل سطحي جاهل وتافه ليضيف إلى رصيده ملايين أخرى تجعله يتكبر أكثر على الناس، وهو مايسئ لنفسه وللدولة المصرية صاحبة اليد الطولى في الإنتاج الدرامي فائق الجودة.
كفى أيها السادة تبني شخص جاهل ومغرور وموتور بهذا الشكل الفج من جانب من يشكلون ضمير هذا الوطن ويقدمون المثل العليا في شكل فن يليق بمصر ودورها المحورى في المنطقة والعالم، كفانا إساءة إلى شكل القوى الناعمة المصرية التي تؤثر في الشرق والغرب بفن وثقافة لا تشوبها سوى تلك النوعية الرديئة من فن (رمضان وأمثاله).. إرفعوا أيديكم عن احتواء هذا الثعبان الذي اعتاد أن يلدغ بسادية وغرور لأنه يطمئن أن وراءه ظهر يحميه، وهذا مربط الفرس في كوارث (رمضان) التي يقدم عليها (بقلب جامد)، دون مراعاة السياق العام للمجتمع أو التزاما بالكود الذي يتشدق به (المجلس الأعلى للإعلام)، ويلوح بالتهديد به لمسلسلات ترقي في قيمتها ورسائلها آلاف المرات ممن يقدمه (رمضان) من هراء وخزعبلات من خلال كوكتيل من أعمال سابقة أطلق عليها (ملحمة).
أيها المسئول الراعي لمحمد رمضان، أحب أن أقول لك صادقا قبل أن تقع الكارثة: إنك ياسيدي تعمل عكس مصلحة هذا البلد الذي يسعي للرقي بأبنائه، وسيحاسبك التاريخ على تلك الجرائم التي ترتكب في حق بلدك وشعبك الذي وثق فيك، فليس (محمد رمضان): (أسطورة ولا برنس ولازلزال ولانسر الصعيد، ولا حتى موسى)، كما أنه ليس (نمر وان) في المشاهدة هذا العام ولا الأعوم الثلاثة السابقة، كما يزعم ويدعي ويشير دائما بعلامة النصر، بل هو ممثل ردئ المستوى ونمطي في أدائه، لايغير جلده من عمل إلى آخر كى يبين لنا موهبته المزعومة، فقط هو يتوهم أنه يعكس صورة البطل الأسطوري والمخلص (على طريقة أدهم الشرقاوي أو روبن هود) .. كفانا عبثا بأمة في خطر تواجه الإرهاب الأعمى ولا تدعوا الفن المصري يتحيز لنماذج سلبية في وقت تهتم فيه الدرما المصرية بتجسيد البطولات الإسطورية في حب الوطن والمواطن، والذي فاض كيله من (محمد رمضان) وأمثاله من تلك النماذج التي تسئ لنفسها وفنها ووطنها .. اللهم بلغت اللهم فأشهد.