بقلم : محمد حبوشة
إذا دخلت (المبالغة) من باب، خرج العقل والإبداع من باب آخر، فالمبالغة في الشيء تقضي عليه تماما، وتؤدي حتما إلى نتائج عكسية وسلبية، و(الفشل) هو المحصلة النهائية للمبالغة .. هذا باختصار ينطبق على عديد من الأعمال الدراميا في مارثون رمضان الحالي، وعلى رأس تلك الأعمال مسلسل (نسل الأغراب) تأليف وإخراج (محمد سامي) وبطولة (أحمد السقا، أمير كرارة، مي عمر، إدوارد، دياب، سلوى عثمان، محمد جمعة، حمدي هيكل، أحمد مالك، أحمد داش) وغيرهم، وقد جاء أداء قليل منهم هادئا متوازنا يعبر عن الحالة بعيد عن أجواء الغضب والمشاحانات والصراع الذي بدا لنا كمشاهدين بلا أدني مبرر خاصة بعد أن ساد أداء غالبية النجوم مبالغ فيه بهدف استعراض الصوت والقوة البدنية والتأكيد على نجومية كانت زائفة في غالبية مشاهد وحلقات المسلسل العشر الماضية.
ربما يبدو مبكرا الحكم على جودة المسلسل من عدمه، ولكني بعد مشاهدة ثلث المسلسل أستطيع التأكيد على (البدايات تنبئ عن النهايات) في ظل وضوح الخطوط الدرامية التي سارت عليها أحداث الحلقات العشر، وقد اتسمت في مجملها بالمبالغة الشديدة على مستوى الأداء الانفعالي الذي يخرج عن السيطرة في بعض المواقف والديكور الذي يشير إلى الثراء الفاحش (قصر غفران) الذي يشبه أجواء قصور رجال المافيا في السينما الأمريكية، ولا يعبر أبدا عن أجواء الصعيد الذي تظهر بيوته في غالبية الأعمال على شاكلة مغايرة مهما كانت درجة الثراء المادي الفاحش لقاطنيها، فضلا عن كميات الذهب التي قدمها (غفران) إلى (جليلة) في عيد ميلاده، والتي لاتنم عن غني بل تنم عن سفه أراده المخرج في إطار المبالغة لإظهار بريق ورونق زوجته بطلة المسلسل على المستوى النسائي.
لا أنكر أنه الحلقات الثلاثة الأولى شدت انتباهي وانتباه كثير من الجمهور رغم الإثارة المبالغ فيها والتشويق مصطنع بفعل إدارة المخرج وكاتب العمل محمد سامي، لكنه نجح في أن يقدم أحمد السقا وأمير كراراة نموذجا مغاير للغاية، وقصة تبدو في شكلها الظاهر متميزة هذا الموسم في عمل صعيدي يحمل حبكة اجتماعية مشوقة، فظهر العمل منذ الثلاثة حلقات الماضية بقوة وفرض نفسه على المشاهد بشكل كبير ووجدت حلقاته المقدمة رواجا كبيراً، فأحمد السقا ظهر بنيولوك جديد لأول مرة رأيناه فيه في السينما من قبل في فيلم الجزيرة، لكنه هذه المرة يعطي المشاهد شكل جديد للفنان الشامل مع الأخذ في الاعتبار هذا الشكل الجديد الذي ظهر به وهو نيولوك شبيه بذلك الذي ظهر به الفنان صلاح عبد الله في مسلسل هوجان مع محمد أمام في موسم رمضان المنصرم.
وربما ظهر أثر الإثارة والتشويق على صفحات التواصل الاجتماعي، وخاصة ردود الأفعال القوية على تتر المسلسل، حيث تصدر (تريندات) مواقع التواصل الاجتماعي، ووصل عدد مشاهديه على قناة الفنان تامر حسني على (يوتيوب) أكثر من 3.5 مليون مشاهدة في أقل من 48 ساعة، ولكن سرعان ما انقلب الحال رأسا على عقب بعد الحلقة الثالثة وانفجرت موجة كبيرة من سخرية رواد السوشيال ميديا الذين يلعبون دور النقاد حاليا في ظل غياب حركة نقدية واعية، ورغم كم الإثارة والتشويق التى غذى بها مؤلف ومخرج العمل محمد سامى، إلا أن هذا الكم من التشويق جاء بالمقابل له موجة من الانتقاد اللاذع، سواء على المستوى الفنى للمتخصصين فى النقد الفنى والأدبى، أو حتى على المستوى الشعبى بين المشاهدين، الذين وجدوا فى الديكورات والأداء الحركى والبصرى للممثلين وكذلك المكياج مبالغة كبيرة أفقدت العمل جاذبيته، والذى من المفترض أنه دراما صعيدية.
شخصية (عساف وغفران الغريب) هما قلب وروح العمل الذي حاول أن يقدمه محمد سامي بشكل غير مكرر ومختلف ليفاجي به المشاهد العادي الذي يتوقع أعمالا مختلفة ويمكنه التمييز بين العمل الجيد والعمل الردي، فالمشاهد أصبح ناقدا لماحا للأعمال الدرامية المختلفة وهو ما جعل الناس يفضلون مشاهدة الأعمال الدرامية القديمة على الأعمال الجديدة التي يصفها البعض بأنها مستنسخة من أعمال درامية سابقة، وللحقيقة قدمت مي عمر مع النجم إدوارد عملا يحسب لهما ويقودهما مباشرة لدائرة الضوء فإدورد لم نتعوده في أعمال مشابهة وربما لم يظن المشاهد أنه يمكنه أن يؤدي شخصية صعيدية في دراما تحمل مثل قصة (نسل الأغراب)، حيث حصره بعض المخرجين إطار محدد بينما نرى في السنوات السابقة تألق واضح للنجمة سلوى عثمان مع شكل مختلف لفردوس عبد الحميد.
ظني أن خروج مسلسل (نسل الأغراب) بهذا الشكل المبالغ فيه، لم يكن بالمفاجأة على الأقل بالنسبة لي ولغيرىي من رواد الحركة النقدية، نظرا لأنه من تأليف وإخراج محمد سامى، والذى رغم موهبته الفنية والإبداعية فى الإخراج، إلا أنه يضع التسلية والترفيه والتشويق فى العمل الفنى صوب عينيه في الأساس، وهذا قطعا ما يؤثر سلبا على العمل، فقد أعطى محمد سامي لنفسه الحرية فى العمل، فلم يقل إنها دراما صعيدية فى المقام الأول ولا أنه تجسيد لأحداث واقعية فى الصعيد، واختزل القضية فى الثأر والانتقام، وخروج أحد الأطراف من السجن لينتقم ممن كان سببًا فى سجنه، وهذا ليس شرطًا أن يكون فى الصعيد؛ لأن الانتقام والشر موجود فى الطبيعة البشرية، وليس شرطًا أن يكون الشخص المنتقم صعيديا.
وهذا للأسف يجسد الخطأ الشائع الذى يقع فيه الكثير من الأعمال الفنية خاصة الدرامية التى تدور أحداثها فى الصعيد، فنرى العمل مبذولا فيه جهد مالى وعضلى كبير، ولكنه يفتقد للاجتهاد فى إخراج الصورة البصرية ملائمة للبيئة التى تدور فيها الأحداث، فالأعمال الفنية الدرامية التى تدور أحداثها فى الصعيد، غالبا ما نجدها مقتصرة على قضية الثأر والسلاح والانتقام، وما حدث فى مسلسل (نسل الأغراب)، أن المخرج جنح بخياله فى تقديم الفكرة، وهو ما جاء على حساب القيمة البصرية سواء فى البيوت التى يسكنها الأهالي، أو حتى المكياج للأبطال.
وهنا أستنكر تماما المبالغة فى تقديم صورة الشر فى أحمد السقا بشكل ظاهرى فج إلى هذه الدرجة، خاصة أنه يبدو من خلال الأسنان الفضية وكأن الشخص المنتقم لا بد وأن يكون ذا عاهة، ونسى المخرج أن الشر والانتقام طبيعة بشرية داخلية وليست شكلية، كذلك كم الذهب المبالغ فيه الذى أهداه أمير كرارة مجسدًا شخصية (غفران الغريب)، لزوجته جليلة (مى عمر)، لم يكن لشيء إلا من باب زيادة جرعة التسلية والتشويق والمبالغة الممقوتة، التى تضر بالعمل الفنى أكثر من نفعه، وأرى أن (محمد سامي) أهمل الجانب الأهم فى العمل من تقديم صورة واقعية للبيئة التى تدور فيها الأحداث، مقابل المبالغة فى تقديم الإثارة والتشويق، متجسدة فى أحداث العنف والخشونة والانتقام وجرعة الغرام والصراع على قلب المرأة أو الزوجة.
إجمالا يمكننا القول أن (نسل الأغراب) يستحق جائزة (أفضل مسلسل كوميدى فى رمضان 2021)، فأنت أثاء المشاهدة لا تستطيع أن تمنع صوت الفنان الكبير الراحل (نجيب الريحاني) وهو يرن في أذنك بجملته الشهيرة: (إيه ده كله .. إيه ده كله)، وذلك من خلال وقائع فانتازيا تجنح نحو الخيال الساذج الطامح نحو التسلية والترفيه، فالمسلسل يتحدث عن صعيد لانعرفه، صعيد من نسخ خيال المؤلف، فالبيوت عبارة عن قصور منيفة وأثاث مبهرج ونساء شعرهن مصبوغ و مفرود وراء ظهورهن، وملابس غالية جدا، وسيارات مصفحة آخر موديل، واستخدام للسلاح بشكل مبالغ فيه، وهو ما جعل العمل يفتقر إلى الواقعية فى تقديم الصورة الصحيحة لمكان الأحداث وهو الصعيد، حتى فى مشاهد الأكشن والدراما كان بها مبالغة فجة أفقدتها التأثير الجيد، وتحولت بوصلتها لتصل إلى المشاهد وكأنه يشاهد عمل كوميديا وليس دراميا أو تراجيديا.
استخدم المخرج المبالغة في كل شيئ، في الديكور والإكسسوارات المستخدمة، وإمعانا في المبالغة والبهرجة استخدم أثناء التصوير عدسة مقعرة تقرب الأشياء أكثر وتضخم منها وتزيد حجمها، وكان يستخدمها على وجوه الممثلين فيزيد حجم الوجه وتظهر الانفعالات أكبر وأكثر من حجمها الطبيعي الأوفر أصلا، كما أني لاحظت أن الممثلين لا يحافظون على لهجة ثابتة، فنصف الجملة باللهجة الصعيدية التي هى ليست لهجة الصعيد بالأساس وفجأة تتغير باقي الجملة إلى لهجة أهل القاهرة، على الرغم من وجود مصحح موجود اسمه على التتر، وفضلا عن كل ذلك فقد استخدم المخرج كم كبير جدا من المجاميع وبصورة مبالغ فيها ويتم تحريكهم بصورة تبدو آليه وكأنهم روبوتات حركتهم ليس فيها طبيعية.
جدير بالذكر أن مسلسل (نسل الأغراب) قدم الفنان أحمد السقا شخصية عساف الغريب، بينما يجسد أمير كرارة شخصية غفران الغريب، وتتناقض حياة كل من عساف وغفران، والاثنان يعيشان على ضفاف نهر، عساف يعيش على ضفة فى منزل قديم وأرض جرداء، بينما يعيش غفران على الضفة المقابلة فى منزل كبير وأرض عامرة بالحياة، وهناك صراع قائم بين غفران وعساف على قلب جليلة التى تجسد شخصيتها الفنانة مى عمر، ويخرج أحمد السقا من السجن فى بداية الأحداث، ويتخلى أحمد السقا عن شعره ويظهر (أصلع) وبشارب كثيف ولديه عدد من الأسنان الفضية، فى حين يظهر أمير كرارة كحيل العينين، مواظبا على ارتداء الملابس السوداء لإضفاء مسحة من الشر والعنف على شخصيته.
كما تقع بين عساف وغفران العديد من المشكلات بسبب النساء والغيرة الشديدة ويتصارعان سويًا ويحاول كل منهما الانتصار لنفسه ولو على حساب الآخر، فضلًا عن أن كل منهما من أم مختلفة، والمسلسل من تأليف محمد سامى إخراج محمد سامى، وبطولة أحمد السقا، أمير كرارة، مى عمر، فردوس عبد الحميد، دياب، نجلاء بدر، إدوارد، أحمد مالك، أحمد داش، منة فضالى، محمد علاء، محمد مهران، محمد جمعة، ريم سامى، ملك أحمد زاهر، هدير عبد الناصر، سلوى عثمان، أحمد فهيم، عماد زيادة، إنعام الجريتلى، حمدى هيكل، أحمد ماجد، ليال عبد الخالق.