ليلى بنت الفقراء .. فيلم يعلي من شأن الجيش المصري
* رحل كمال سليم قبل بداية إخراج الفيلم، فوقع أنور وجدي في ورطة
* ليلى مراد كادت تنسحب من الفيلم لكن توسلات النجم الشاب، منعتها من الإنسحاب
* بعد انتهاء تصوير مشهد الزفاف فاجئ (أنور وجدي) مندوبي الصحف والمجتمعين بأن المشهد الذي رأوه الآن هو مشهد حقيقي وليس تمثيلي فقط !
* عرض الفيلم عرض تحت الرعاية الملكية، وخصص إيراد الحفل للترفيه عن جنود الجيش المصري
كتب : أحمد السماحي
شهد فيلم (ليلى بنت الفقراء) العديد من الأحداث والكواليس المثيرة القادرة على صنع فيلم مثير جدا بعيدا عن قصة الفيلم الأصلية، حيث ذهب النجم الشاب (أنور وجدي) الذي ظهر فى أدوار ثانية وثالثة في أفلام ليلى مراد – (شهداء الغرام، ليلى بنت الريف، ليلى فى الظلام) – وعرض على سندريلا السينما الغنائية فى هذا الوقت بطولة فيلم جديد من إنتاجه يشاركها بطولته، وعندما لاحظ تردد النجمة الكبيرة، ولكي يقضي على ترددها أخبرها أن المخرج الشهير (كمال سليم) هو مخرج الفيلم، ونظرا لمعرفة (ليلى) لقدر وقيمة المخرج الموهوب – كما يذكر الناقد الراحل محمد عبدالفتاح – فلم يكن أمامها من طريق للاعتذار بلباقة سوى الإشارة إلى أجرها المرتفع!.
دموع وابتسامات
فوجئت النجمة الشهيرة بأن (أنور) قبل كل شروطها، فلم يكن أمامها سوى توقيع العقد، وبموافقة (ليلى مراد) على الوقوف أمام (أنور وجدي) بكل ما تمثله من ثقل فني بدأت الحياة تبتسم فى وجه الشاب الطموح، وكان هذا اللقاء المنتظر هو الباب الملكي الذي عبر منه (وجدي) إلى قمة السينما.
لكن جاءت وفاة المخرج الشاب (كمال سليم) المرشح لإخراج الفيلم فى شهر أبريل عام 1945 ضربة قاصمة لأحلام وطموحات (أنور وجدي) التى طالما حلم بها، فقد بدا أن الأمور ستتوقف وتضيع (تحويشة العمر) التى ساهم بها (أنور) فى الشركة المنتجة، فلجأ النجم الطموح إلى عرض الفيلم على أكثر من مخرج ولكنهم جميعا رفضوا بحجة أو أكثر، وقرر (أنور) بروح المغامرة التى يملكها أن يتولى هو إخراج الفيلم دون أن يكون له سابق تجربة!.
تردد وتوسل
ترددت (ليلى مراد) وكادت أن تنسحب من بطولة الفيلم، فدعا (أنور) أمام (ليلى) بأن شركته الوليدة سيحل بها الخراب إذا لم يبدأ تصوير الفيلم فى الموعد المحدد، وأن كل حياته المادية والأدبية تتوقف على هذا الفيلم لكى يرى النور في أقرب وقت، لذلك لم تر ليلى بأسا فى أن يكون هو أو غيره مخرجا للفيلم حتى تنقذ الموقف.
بداية عاطفية
بدأ تصوير الفيلم وكانت علاقة (أنور) بـ (ليلى) أثناء التصوير علاقة الممتن الشاكر، وكانت كل طلباتها تلبى وتنفذ فى الحال، وكانت علاقته بها فى الاستديو قد بدأت تحدث بينهما نوعا من التقارب، وخلال التمثيل فى الفيلم جمع بينهما أكثر من مشهد فى مواقف عاطفية، وأحس أنور وليلى ببوادر التقارب والحب بينهما.
الهمسات والشائعات
انتشرت الهمسات فى الوسط الفني عن بداية العلاقة بين أنور وليلى، وأن ليلى أعجبت بلباقة وحسن تصرف أنور معها، وانتشرت شائعة قوية عن زواج (ليلى بأنور)، ونفت المطربة الرقيقة الشائعة فى مجلة (الصباح) وأرسلت رسالة جاء فيها : أكذب ما نشرته الصحف والمجلات عن زواجي بالأستاذ (أنور وجدي) وأرجو من مندوبي الصحف أن يتحروا الحقيقة فى مثل هذه المسائل الشخصية الدقيقة قبل نشرها.
فكرة بمليون جنية
بطريقة مسرحية – كما يقول الناقد (محمد عبدالفتاح) – دعا (أنور وجدي) جميع مندوبي الصحف والمجلات ليحضروا تصوير المشهد الأخير من فيلمه (ليلى بنت الفقراء)، وفى هذا المشهد يتم زواج (أنور وليلى) طبقا لأحداث الفيلم، وبعد انتهاء التصوير يفاجئ (أنور وجدي) مندوبي الصحف والمجتمعين بأن المشهد الذي رأوه الآن هو مشهد حقيقي وليس تمثيلي فقط! فقد تم بالفعل عقد قرانه على ليلى مراد.
عبقرية أنور وجدي
ظهرت عبقرية أنور وجدي الإعلانية فى الإعلان على أول إخراج وإنتاج وبطولة له، مما جعل مندوب مجلة (الصباح) يكتب: ظهر أن تكذيب (ليلى مراد وأنور وجدي) لزواجهما كان لقصد الدعاية لفيلمهما لأنهما تزوجا فعلا واختارا سكنا لحياتهما الزوجية بعمارة الإيموبيليا، وأخذا يقابلان المهنئين بالزواج.
أول زواج تحت الأضواء
كان زواج (ليلى وأنور) هو أول زواج يقدم تحت كاميرات السينما وتسجل لقطاته، وهكذا لم ينس (أنور وجدي) ملك الدعاية والإعلان أن يستغل كل مواهبه وقدراته فى هذا المجال.
رعاية ملكية
عرض الفيلم عرض جماهيريا يوم 8 /11 /1945 تحت الرعاية الملكية، وخصص إيراد الحفل للترفيه عن جنود الجيش المصري، وقد شاهده فى الأسبوع الأول بعد الدعاية التى صنعها أنور وجدي 76 ألف مشاهد، وهو رقم كبير جدا لم تشاهده أفلام هذه الفترة.
تحية للجيش
لم يفوت العبقري انور وجدي أن يقدم فى الفيلم تحية للجيش المصري فى بداية الفيلم عبارة عن نشيد لحنه الملحن عبدالحميد عبدالرحمن، بعدها انتقل إلى حي السيدة زينب وشاهدنا الشيخ (زكريا أحمد) وهو يغني فى مولد السيدة زينب التواشيح الصوفية مع (بطانته)، وكان هذا الفيلم هو الوحيد الذى ظهر فيه الشيخ (زكريا) بالزى الأزهرى وهو يقدم هذا اللون الغنائى الدينى المرتبط بموالد آل البيت ومولد النبى الأعظم صلى الله عليه وسلم .
نقد للفيلم
يقول الكاتب الصحفي الكبير (خالد إسماعيل) فى مقال له في مجلة (الإذاعة والتليفزيون): قصة الفيلم قائمة على حوار جذاب صادق شعبى حقيقى كتبه (بديع خيرى) شريك (نجيب الريحانى) فى نجاحه المسرحى، وموضوع القصة موضوع تقدمى بمقاييس زمانه، فهو يدعو إلى عزل الحب والزواج عن نظرية (الصفقة)، ويطالب بأن تكون المشاعر حرة متحررة من سطوة المال، وهذه الفكرة ليست جديدة، لكن هذا الفيلم كان من أوائل الافلام التى دعت إليها وطالبت بها.
والجميل فيه أنه يوضح دور الجيش المصرى بعد معاهدة 1936 التى أعطت الحكومة المصرية فرصة لزيادة أعداد الملتحقين به والاهتمام بتسليحه ليكون درعا للشعب وسيفا للوطن، وهذا ظهر فى مسار حياة بطل الفيلم (وحيد)، فهو (ملازم) فى الجيش المصرى ووالده أيضا ضابط كبير يحمل رتبة (لواء)، وفى مشهد دال على تلاحم الشعب والجيش، قامت فرقة موسيقى الجيش بالاحتفال بزفاف (وحيد الضابط الغنى على (ليلى) ابنة (درويش أفندى) فى نهاية الفيلم، وجرى الاحتفال فى حى (السيدة زينب)، وكأن مؤلف الفيلم ومخرجه قصد القول إن الشعب هو الأب الروحى للجيش وإن الجيش هو الابن المخلص للوطن.
أفلام 1945
عرض عام 1945 مجموعة من الأفلام المتنوعة وصل عددها إلى 42 فيلما سينمائيا كما جاء فى موسوعة الناقد السينمائي الكبير (محمود قاسم)، وهي : القلب له واحد، الفلوس، قبلة في لبنان، المظاهر، أحب البلدي، ليلة الحظ، سفير جهنم، مدينة الغجر، البيه المزيف، رجاء، ليلة الجمعة، الحب الول، الجنس اللطيف، سلامه، بين نارين، الآنسة بوسة، الجيل الجديد، الحياة كفاح، قتلت ولدي، أول الشهر، تاكسي حنطور، أحلاهم، أحلام الحب، شهر العسل، الحظ السعيد، كازينو اللطافة، البني آدم، الفنان العظيم، أميرة الأحلام، ليلى بنت الفقراء، جمال ودلال، السوق السوداء، الأم، عنتر وعبله، هذا جناه أبي، قصة غرام، القرش الأبيض، قلوب دامية، الزلة الكبرى، بنات الريف، الصبر طيب، تحيا الرجالة.
أحداث عام 1945
شهد عام 1945 أحداثا سينمائية كثيرة كما رصدها الناقد السينمائي الراحل علي أبوشادي في كتابه (وقائع السينما المصرية في مائة عام)..
** قفز عدد شركات الإنتاج وتجاوز المائة شركة بعضها لم تكن السينما من اهتماماته وقد يفسر ذلك زيادة الإنتاج السينمائي لدخول فئة جديدة من المنتجين التجار أثناء الحرب إلى سوق الإنتاج السينمائي، بالإضافة إلى اتجار بعضهم فى الفيلم الخام دون المشاركة الحقيقية في الإنتاج.
** رغم وفرة الإنتاج لم يظهر سوى أربعة مخرجين جدد فقط هم محمد عبدالجواد بفيلمه (مدينة الغجر)، وأنور وجدي بفيلم (ليلى بنت الفقراء)، ثم حسن عبدالوهاب (قلوب دامية)، والفنان والمخرج كامل التلمساني برائعته الكلاسيكية (السوق السوداء) التى تعد الصياغة الأكمل والأمثل للفيلم الواقعي ووالبداية الحقيقية للسينما الواقعية، فقط التقط (التلمساني) بحسه السياسي والإجتماعي موضوع فيلمه من الواقع وطرح مشكلة السوق السوداء التى أفرزتها ظروف الحرب ونقص الغذاء والمواد التموينية الأخرى واستغلها التجار الجشعون فقاموا بتخزين وإخفاء تلك المواد الضرورية وإعادة بيعها بأضعاف ثمنها.
** تم إنشاء ستوديو الأهرام في شارع الأهرام بالجيزة على مساحة سبعة أفدنة الذي صور فيه فيلم (حياة فنان) الذي لم يعرض حتى الآن إخراج علي فهمي الذي توفي هو وبطلة الفيلم أمينة البارودي.
** توفي المخرج (كمال سليم) وهو شاب عن عمر 32 عاما فقط، والراحل قدم للسينما مجموعة متميزة أشهرها العزيمة.
** انتقلت تبعية الرقابة إلى وزارة الشئون الاجتماعية بعد أن كانت تابعة لوزارة الداخلية.
** تم تصنيع أول رافعة للكاميرا (كرين) بأيدي مصرية في ستوديو مصر، واعتبر ذلك حدثا مهما في تاريخ صناعة السينما في مصر.
بطاقة الفيلم :
الإنتاج والتوزيع : شركة الفيلم المصري (أنور وجدي وشركاه)
التحميض والطبع : معامل ستوديو مصر
قصة وسيناريو وإخراج : أنور وجدي
حوار: بديع خيري
مهندس الديكور: ولي الدين سامح
مهندس التصوير : محمد عبدالعظيم
الموسيقى التصويرية : محمد حسن الشجاعي
الأغاني: تأليف : أحمد رامي، بيرم التونسي، حسين السيد، مأمون الشناوي، عبدالعزيز سلام، تلحين : زكريا أحمد، رياض السنباطي، محمد القصبجي، عبدالحميد عبدالرحمن.
الأغاني هى (الله أحمد، نشيد الجيش، مدد يا ست نظرة، اللي فى قلبه حاجة يسألني، ليلة جميلة، طمني إيه الخبر، زغرودة وسمعتها، يا جميلة يا زينة حتتنا، يا حارمني حنانك، مش ممكن أقدر أصالحك، احنا الاتنين والعين فى العين).
الريجسير : قاسم وجدي
المكياج : مصطفى إبراهيم
المونتاج : كمال الشيخ
البطولة : ليلى مراد، أنور وجدي، سليمان نجيب، بشارة واكيم، ماري منيب، زوزو حمدي الحكيم، حسن كامل، محمد البكار، ثريا فخري، مختار عثمان، عبدالعليم خطاب.