كتب : أحمد السماحي
استغرب وأندهش كثير من جمهورالمنازل، ومواقع التواصل الاجتماعي الذين يشاهدون المسلسل الممتع الراقي (الطاووس) الذي يناقش العديد من المشاكل الاجتماعية الهامة أبرزها قضية التفكك الأسري والاجتماعي فى بعض الطبقات الغنية وتأثير ذلك على الأولاد، من قرار المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام بالتحقيق فورا مع المسئولين عن إنتاج المسلسل، ومسئولي القنوات التي تقوم بعرضه، بعد أن تلقى شكاوى عديدة، حول استخدام لغة لا تتفق مع (الأكواد)! التي أصدرها المجلس، وهى – حسب ظنهم – تؤكد ضرورة إعلاء القيم وعدم المساس بالأسر المصرية أو الحط من شأنها، أو إظهارها في صورة تسيء إليها.
دهشة الجمهور المتابع للمسلسل من قرار الأعلى للإعلام ترجع أولا إلى أنهم لم يسمعوا طوال الحلقات التسعة التى عرضت حتى الآن لفظا واحدا يخدش الحياء، ولم يشاهدوا مشهدا يسئ إلى تقاليد الأسرة المصرية، حتى مشهد الاغتصاب قدمه مدير التصوير والمخرج المتميز (رؤوف عبدالعزيز) بشكل أكثر من راقي، فلم نشاهد أي شيئ مؤذي للعين، وبعد أن استيقظت (أمنية / سهر الصايغ) علمنا أنه تم اغتصابها من جانب أربعة شباب، ولم نسمعها تسب أو تصرخ بعلو صوتها كما حدث فى عشرات الأفلام والأعمال الدرامية التى تناولت وقائع الاغتصاب، وتم فيها سب وقذف وصراخ وعويل وحوارات جنسية!، ولكن (أمنية) وبحكم تربيتها وتعليمها في أسرة شعبية محافظة، لم تصدق ما حدث لها، وطبقت الحكمة المأثورة التى تقول (إذا بليتم فاستتروا) وقدمت الفنانة (سهر الصايغ) المشهد بشكل رائع ودون أي تدني أو إسفاف.
الأمر الثاني الذي جعل الجمهور يضرب كفا بكف ويستغرب القرار المثير للشك والريبة أن فريق عمل المسلسل من الأبطال سواء سيدة المسرح العربي (سميحة أيوب) أو النجم العربي الكبير (جمال سليمان) أو المبدع المتميز (أحمد فؤاد سليم) أو حتى شباب النجوم مثل (سهر الصايغ) و(رانيا محمود ياسين)، كلهم عناوين بارزة للرقي والجمال والأخلاق والالتزام، ولا يمكن أن يقبلوا أن يتلفظوا بلفظ ناب أو خادش للحياء.
والمحير فى الأمر أن قضية الاغتصاب تم تناولها فى العديد من الأعمال السينمائية والتليفزيونية وبشكل أكثر جرأة مما قدم عشرات المرات من حيث تقديم مشهد الاغتصاب، أو الكلام المصاحب للمشهد، أو الحوارات التى تجرى بعد ذلك فى النيابة وساحة القضاء، ولم نسمع عن أحد رفع قضية لوقف الفيلم أو المسلسل، خاصة وأن المجلس أكد في بيانه أنه ينحاز إلى حرية الفن، وإطلاق طاقات الإبداع والتفرد والقيم الجمالية، ولا يضع قيودًا من أي نوع على تلك المعاني النبيلة، ولكنه يعمل في نفس الوقت على تنقية الأجواء ومنع الصور التي تسيء للفن المصري الأصيل.
والغريب أنه فى الوقت الذي يحاول المجلس منع مسلسل ممتع وراقي مثل (الطاووس)، نجد أن هنالك مسلسلات أخرى تعرض على القنوات الفضائية فى الشهر الكريم، مليئة بالسب والقذف والعنف والدماء، والشعوذة، والبلطجة، وتغيب العقل، وتعمل على تكسير الكثير من القيم والمبادئ الهامة في المجتمع المصري، ومثل هذه الأعمال تترك أثرا سيئا وسلبيا كبيرا على الجيل الجديد في المستقبل، ولم يقترب منها المجلس!، وخاصة أن المجلس أشار إلى أن احترام المشاهدين من أولويات الأعمال الفنية الهادفة، حفاظًا على الهوية وتماسك الأسر والابتعاد عن أي صورة تشوهها، أو تحض على العنف اللفظي والجسدي، وأن تتبنى الأعمال الدرامية محتوى إيجابيا يحترم القيم المتعارف عليها، ونحن مع هذا الكلام قلبا وقالبا وكنا ومازلنا نطالب به، وهذا متوفر في مسلسل (الطاووس) فالمسلسل يقدم رسائل اجتماعية وأخلاقية هامة للجمهور بشكل بسيط ودون شعارات أو فذلكة.
المجلس من جانبه قال أن لجنة رصد الأعمال الدرامية تقوم أولاً بأول بمتابعة ما يتم عرضه من مسلسلات، ومراقبة مدى الالتزام بالأكواد الإعلامية، وتتلقى شكاوى المواطنين، وكذلك انتقادات النقاد والكتاب والمهتمين بذلك، ونحن مع ما يقوم به المجلس بقوة لكن لابد أن يوضح لنا ما هى تلك (الأكواد الإعلامية)!، لأن كثيرين لا يعلموها!، وحتى لاتبدو في الوقت ذاته قرارات المجلس مبهمة وتنم عن جهل بأسس ومفاهيم صناعة الدراما في إطار من الحرية التي أشار إليها القرار الذي أراه من وجهة نظري نوعا من الاستئساد بلا مبرر، ومن ثم يعد قرارا ظالما شكلا وموضوعا وفي غير محله، حيث أن الأكواد غير المعلومة لم تشر لمشهد بعينه أو لفظا رصدته لجنة المتابعة، بل اعتمدت على شكاوى الجمهور، وهو بالمناسبة ليس الحكم الأول والأخير في لعبة الدراما.
وأحب أن أشير إلى نقطة مهمة وهى: نصحني بعض الزملاء والأصدقاء بعدم الكتابة أو التعرض لقرار المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام الخاص بمسلسل (الطاووس) حتى لا أتعرض أنا وموقعي لغضبهم لكنني قلت لزملائي إن المسئولين فى المجلس كلهم أساتذتي الذين تعلمت منهم الحرية وعدم السكوت عن الخطأ وقول كلمة الحق، والخلاف في الرأي لايفسد للود قضية، وأظن أن اعتراضي سوف يروق لهم، وذلك بحكم مشاهدتي لمسلسل (الطاووس) حيث وجدته من الأعمال الاجتماعية الهامة المليئة بالرسائل، وإذا كان المجلس تلقى شكاوي، فهذه أكيد شكاوي كيدية من أعداء النجاح الذين أصابهم نجاح المسلسل ومتابعته بشكل واسع من الجمهور المصري والعربي هلوسة سمعية وبصرية!.
وفى النهاية يحضرني منولوج الكلمة لمبدعنا الراحل (عبدالرحمن الشرقاوي) الذي يقول فى بدايته:
الحسين: أتعرف ما معنى الكلمة..؟
مفتاح الجنة فى كلمة، دخول النار على كلمة
وقضاء الله هو الكلمة، الكلمة لو تعرف حرمة
زاد مذخور، الكلمة نور، وبعض الكلمات قبور
بعض الكلمات قلاع شامخة، يعتصم بها النُّبل البشرى
الكلمة فُرقان ما بين نبى وبغي، بالكلمة تنكشف الغمة
الكلمة نور، ودليل تتبعه الأمة، عيسى ما كان سوى كلمة
أضاء الدنيا بالكلمات وعلمها للصيادين
فساروا يهدون العالم!، الكلمة زلزلت الظالم
الكلمة حصن الحرية، إن الكلمة مسئولية
إن الرجل هو الكلمة، شرف الرجل هو الكلمة
شرف الله هو الكلمة.
جدير بالذكر أن مسلسل (الطاووس) تأليف كريم الدليل، وأشرف على الكتابة (محمد ناير)، إخراج (رؤوف عبدالعزيز)، بطولة (جمال سليمان، سميحة أيوب، أحمد فؤاد سليم، سهر الصايغ، رانيا محمود ياسين، خالد عليش) وغيرهم.