كتب : محمد حبوشة
معروف أن كاتب السيناريو المبدع عبد الحيم كمال يهتم جيدا بالتفاصيل الدقيقة في أعماله الدرامية، فضلا عن توثيقه المحكم للوقائع والأحداث، وفي سياق مسلسله الرمضاني الذي يمثل الحصان الرابح في مارثون الموسم الحالي باعتباره الأكثر مشاهدة (القاهرة كابول)، رصد (كمال) جذور التطرف من خلال قصة بطل العمل (رمزي) الذي جسده ببراعة منقطعة النظير (طارق لطفي)، وذلك كما جاء في الحلقة الثانية من المسلسل من خلال حوار اتسم بالندية بين (رمزي) الذي كشف مبكرا من خلال مشهد البطانية التي جمعت الأربعة (رمزي، طارق، عادل، خالد) بأنه يحلم بأن يكون خليفة المسلمين منذ فترة طفولته وصباه في السيدة زينب التي قضاها شاعرا رومانسيا عذبا مع رفاقه الثلاثة.
وقد برع المخرج حسام على في رصد ملامح وجهي (رمزي) بصلفه المعهود في حديثة، ووجه الضابط (عادل) الصارم في ردوده، وذلك عبر حوار كتبه بعناية عبد الرحيم كمال يعكس كره كلاهما للآخر ليكشف لنا عن بذرة التطرف التي زرعت في قلب وعقل (رمزي) من خلال جاره الشيخ المتطرف (غريب)، حيث ذكره به (عادل) قائلا الله يرحمه بينما يرد (رمزي) في تحد نحتسبه عند الله شهيدا يا أخ عادل، فرد عليه عادل على الفور كيف يحسب شهيدا وهو ميت على سريره، لكن أطراف الحوار تمتد إلى اجترار الماضي بينما طرفي الصراع الدرامي.
بعدما ينظر طارق إلى وجهيهما ويلمح أن حديثا مكتوما بينهما يقول : نسيبكوا شوية لأنني ملاحظ إن فيه كلام في العينين بين (عادل بيه) و(رمزي بيه)، فيرد عادل قائلا : لوعندي حاجة أقولها قدامكم على طول مفيش حد غريب، و(غريب) الله يرحمه في إسقاط واضح على أنه شيخ رمزي الذي زرع فيه بذور الفكر المتطرف، عندئذا بدأ الشرر يتطايرمن وجه رمزي قائلا (نحتسبه عند الله شهيدا يا عادل بيه)، فيرد عليه : شهيد إيه يا مولانا .. الراجل مات وهو نايم)، يرجع رمزي للوراء معددا مناقب الرجل قائلا : (جزاه الله عني كل خير فقد كان صاحب الفضل الأول عليه).
هنا يستفر (عادل) كاشفا عن شخصية غريب من خلال المعلومات المتوفرة لديهم كجهار أمن دولة مع المعلومات عن التفجير الأخير تكشف تورطه في أعمال إرهابية باعتباره شخصا مهما وخطيرا في ذات الوقت، بضحكة مزيفة يرد رمزي: كلنا بنكبر ياعادا بيه .. كنا أطفال ودلوقتي مشاء الله بقيت عميد، فيقول عادل : على قدي، انته بقيت ايه بقى مش أقل من أمير، فيفاجئه رمزي كاشفا عن وجهه القبيح بقوله : مش مهم بقيت ايه .. كل اللي أقدر أقولهولك ان العبد لله بقى أكبر من توقعاتك!!.
ثم يوجه رمزي إلى صديقه الرابع في الجلسة المخرج (خالد) الذي لعب دوره أحمد رزق حيث يقول له بلغة تهديدة أن فيلمه الأخير عن الإسلام السياسي فيلم سيئ، وفي حوار جدلي يتنقد الفيلم مؤكدا أنه لن يجمل الصورة فكل ماجاء في سياقه حرام، فيرد عليه خالد : ما انتوا بتستخدموا الصورة، وبتستخدموا المونتاج والكاميرات، لكن في تهكم يقول رمزى احنا بنتسخدم الحاجات دي لإرسال رسائل، لكن احنا
بنعملش أفلام، ومن جانبه يرد خالد في غرابة : احنا مين ياعم .. إحنا كلنا سوا مع بعض ، وفي تحد الواثق من معتقداته المتطرفة يقول رمزي كنا يوما ما في نفس البيت والمدرسة بس مش نفس الرب : ولا إيه ياعادل بيه .. اللي ربه الفلوس واللي ربه الفن واللي ربه الطاغوت واللي ربه ربنا.
في دهشة من كلام رمزب يرد عادل: ياه انته طبعا اللي ربه ربنا .. يتدخل طارق قائلا : غرور .. غرور شديد ده يارمزي .. غرور .. غرور، ويشارك خالد في الحوار قائلا : رمزي فك .. فك شويه وطلع الشاعر اللي جواك زمان ، يسخر طارق من رمزي قائلا بعضا من أشعاره: كوني خيلا فيستكمل خالد : كوني خيلا يعدو بي في عمر اللحظة، ويضيف عليه طارق: كوني كوني خيلا يعدو بي في عمر اللحظة صحراء كبرى، ويضيف عادل : تفصل بين الله وبيني .. فاكرها يالا .. يستغفر رمزي قائلا : دي كانت أيام الضياع، ويعلق الأصدقاء الثلاثة قائلين كانت أيام الحب حين كتبتها لمنال حسن الملهة.
حاول خالد أن يقترب من رمزي مذكرا أياها بأيام زمان حين أهداه أول ديوان شعر قرأه في حياته في محاولة لاستعادة روحه البريئة في أيام الصبا، ويقول له بود: بتهبب ايه في دنيتك دلوقتي .. ارجع ياعم وعيش .. عيش للحياة .. والله يارمزي الحياة دي تستاهل تتعاش .. ربنا خلقنا علشان نعمرها مش عشان نعمر البندقية .. وفي محاولة لإثنائه عن طريقه على سكة التطرف يقول : ارجع في حضني وحتلاقي حضن ناس كتير، فيرد: أرجع ؟! .. ما تحضرنا ياعادل بيه بيقولي أرجع .. ارجعوا انتوا .. يرد طارق نرجع فين .. ماأنا بارجع عادي .. حد فاهمه.. يهم عادل قائلا : أنا فاهمه : قصده نرجع عن اللي احنا فيه .. نرتجع يعني.
تشجع رمزي بعد كلام عادل وراح يوجه نصائحه قائلا : عملتوا في دينكم للسبب الحقيقي اللي ربنا خلقكم علشانه .. لا عملنا كتير .. فيظهر على وجه رمزي الشرر موجها كلامه لخالد : عملت فيلم علشان الناس تصفق لك وعملته ازاي : عادل بيه كلفك بيه وعملته عن إيه عن حق لبستوا باطل وقلت إن الإسلام دين إرهاب .. يا أخي قول اللي جواك .. قول إن الإسلام مش عجبك وحطيط أبو قرش على أبو قرشين، حسن الصباح على حسن البنا على سيد قطب .. بأي حق بتسميه إرهاب .. انت عارف يا خالد انك بقيت عدو شرعي وتستحق إهدار دمك.
يعتدل عادل على كرسيه مفجرا مفاجأة قائلا لرمزى : أخبار الحشيش ايه في إشارة إلى أن التنظيمات الموجود في أفغانستان تزرع الحشيش وتتاجر فيه لحساب السلاح بينها وبين باكستان، ملمحا إلى أنه قد صدرت فتوى بأن تجارته حلال بعد الأمريكان ما عملوا اللي عملوه فيكم؟ ، فيرد رمزس بحدة قائلا : دي حاجى تانية ياجاهل : أولا نحن لا نتعاطاه ولكن من باب الضرورات تبيح المحظورات .. فقه الضرورة يا جاهل أباح لنا اننا نبيعه بشرط مقابل السلاح، فسأله عادل عن تمويل الأمريكان للمقاتلين في أفغانستان .. ليه قبلتوا تاخد سلاح من الأمريكان الكفرة وبتحرموا في نفس الوقت مرتبات الحكومة عندنا؟!.
حاول عادل إثناء رمزي عن طريقه قائلا : طالما لم تتورط في دم من أهله وناسه فالحبل بيني وبينك لسه ممدود ، فيرد عليه رمزي انت رجل معلومات : عاوز ايه من الغلبان رمزي ، يقول عادل : بص يارمزي أنا عاوزك تتعاون معانا، التقارير اللي وصلت لنا والتحركات خطيرة وبتأكد ان فيه مصايب جايه .. أصيل وباقي على عشرة السيدة قول اللي عندك وأي طلبات حنفذها .. حتعيش في أننا كفرة وطواغيت وخلافه براحتك بس حاعملك بالمثل .. رمزي فيه كوارث جاية تسلمنا المعلومات أنا أخوك وحبيبك حتكملها أوهام أنا عدوك.
فيرد رمزي في تحد : بعد السنين دي كلها ترضاها لي ياعادل بيه : غريب استشهد على إيديك ازاي، عادل يرد ماهو مات بقى ، فيشير رمزي إلى طريقة تعامل الشرطة قائلا : ماهي شغلتك بقى تتطلع المعلومة من مخه من كتبه زي ما خليت شوية عيال يحققوا مع أمي وأبي، فيقول له عادل لقد استجوابهم بطريقة عادية ومحترمة جدا، يوجه طارق الكلام لرمزي قائلا: بس انته عندك معلومات كتير قوي يارمزي ، فيرد ماهو مش عادل بيه لوحده اللي بيعرف يحيب المعلومة ولا انته ياعم الإعلامي.
في تحفز واستنفار يخلع عادل الجاكيت ويضع مسدسه على الطاولة قائلا : انت عارف يارمزي .. اتقي شري يارمزي انت كده دخلت في الغلط ، وكده بقى مش حايمنعني عنك أي حاجة ولا عشرة ولا الجن الأزرق، فيرد في استفزاز أكبر : ايه حتقتليني .. انت مش ربك القانون راح فين؟.. اللي باستغربله يا أخي ان ربنا هدى المدام وحفظت 17 جزء في المقرأة اللي بتروحها بنتظام سبحان الله يا أخي ثم يضيف بحديثه المسموم : يخلق من زوجة فرعون آسيا، ثم يرفع صوته قائلا : زي ما انتوا مؤسسة إحنا كمان مؤسسة زي ما بتعرف تجيب معلومة احنا كمان بنعرف .. الفرق بيني وبينك انك بتاخد أوامرك من بشر لكن احنا بنحتكم لأوامر شرعية وحتتنفذ وهانت.
بعد صمت طويل يتحدث عادل قائلا : الجمجمة دي فيها عقل زكي بس العقل ده فيه شر يدمر عالم بحاله .. سبحان مش حتتخيل بقي اللي أن أنا أقدر دلوقتي ويضع يده على مسدسة فيسمع ثلاثتهم إطلاق ناري فيذهب طارق وعادل إلى الشباك ليشاهدوا خالد ملقى على الأرض على رصيف الشارع إثر طلق ناري من موتوسيكل كان يقف بجواره.
ينتهي المشهد الطويل الذي يفند من خلال عبد الرحيم كمال بأسلوب ساحر وذكي كيف يسكن الإرهاب والعنف عقول هؤلاء من الفئة الضالة، ويوثق لأسلوب التصفية الجسدية في ضمائرهم الخربة من أمثال(رمزي وجماعته) التي خططت لقتل خالد بسب فيلمه الذي يعري أفكارهم الشريرة.