رحيل رائدة السينما (بهيجة حافظ) يكشف عن مأساتها (2/2)
* كان فيلم (زينب) الصامت سبب زواجها من محمود حمدي، والصلح مع عائلتها
* بسبب (أولاد الذوات) رفعت قضية على (يوسف وهبي) وأخذت منه 127 جنية!
* باعت من أجل إنشاء شركة (فنار فيلم) عزبتين ورثتهما عن والداها
* قدمت لأول مرة فى السينما (ليلى مراد ووديع الصافي)
* بسبب زواج الأميرة (فوزية) من (شاه إيران) منع فيلمها (ليلى بنت الصحراء)
* أول فنانة مصرية تقبل عضوا في جمعية المؤلفين فى باريس وتحصل على حق الأداء العلني لمؤلفاتها الموسيقية
كتب : أحمد السماحي
مازالنا نتابع مشوار واحدة من رائدات السينما المصرية الفنانة الكبيرة (بهيجة حافظ) التى أشاد بها وبموهبتها الناقد الإنجليزي (أنطوني هاريسون) الذي كتب مقالا لمجلة (الإثنين والدنيا) بعنوان (كواكب مصر) في عدد 24 مايو 1943 وأشاد فيه بفن (بهيجة حافظ)، قائلا: لم تتح لي الفرصة بعد لأتقن اللغة العربية، وكان اعتمادي على تقييم الممثلين هو مراقبة إمكاناتهم التمثيلية وقدرتهم على التعبير، ورأيت أفلامه مصرية كثيرة، وعلى الأساس السابق أرى أن أبرز نجمين هما يوسف وهبي وبهيجة حافظ.
وأكد (هاريسون) في مقاله أن بهيجة حافظ ممثلة بارعة، وغير أنها جميلة وجذابة تملك روح مصرية خفيفة، وهى تتشابه مع أرقى سيدة في المجتمع الأوربي، وقد سمعت صوتها فإذا هى مغنية ممتازة وعازفة بارعة، غير أنها تؤلف الأغاني، وقد ألفت أخيرا أغاني انجليزية خفيفة أرجو أن تتاح للقوات الإنجليزية فرصة سماعها في الراديو، وأسلوبها في التمثيل يشبه أسلوب (كاي فرانسيس)، بينما تشبه في طريقة غنائها (مارلين ديتريش)، وأعتقد أن هذه المواهب لو أحسن استخراجها في أفلام جديدة لاستحقت بهيجة لقب معشوقة الجماهير.
فى الحلقة الماضية توقفنا عند ولادتها في بيت فني، وعزفها على البيانو وهى في الرابعة من عمرها، وتأليفها أول قطعة موسيقية وهى في التاسعة من عمرها، وحصولها على لقب أجمل طفلة في مدرسة (الفرنسسيكان) الإيطالية الابتدائية، وكيفية دخولها إلى عالم السينما، وعملها في فيلم (زينب) الصامت، الذي حمل لها مفاجأة سارة على المستوى الأسري والعاطفي! والآن نبدأ الحلقة الثانية:
زينب يصلحها على أسرتها
لم تكتف (بهيجة حافظ) بالتمثيل في فيلم (زينب) وإنما وضعت الموسيقى التصويرية للفيلم، وسجلت تلك المقطوعات الموسيقية على اسطوانات خاصة، ومنحتها الجمعية الدولية الموسيقية للهواة دبلوم التفوق فى فن الموسيقى تقديرا لها ولميزاتها الفنية النادرة كأول مصرية حازت هذه الشهادة المحترمة.
تخبرنا (بهيجة) بنفسها فى قصة حياتها التى نشرتها مجلة الكواكب قائلة: من عجائب القدر أننى فوجئت بأسرتي يوم العرض الخاص للفيلم تحضر، وعندما فوجئوا بالنجاح والاستقبال الحافل لي، صفحوا عني وزالت القطيعة بيننا، ولم تكن هذه هى المفاجأة الوحيدة التى حدثت لي بعد عرض فيلم (زينب)، ففى أثناء تصوير الفيلم كان زميلي الفنان (سراج منير) يصطحب معه صديق له اسمه (محمود حمدي) وربطت بيننا صداقة وطيدة تحولت مع الأيام إلى زواج، حيث وافق على أن أعمل في السينما.
مشكلة مع يوسف وهبي بسبب ولاد الذوات
كان الفيلم الثاني الذي رشحت له فيلم (أولاد الذوات)، أول فيلم مصري ناطق من إنتاج (رمسيس فيلم) وإخراج (محمد كريم)، وسافرت (بهيجة) مع بعثة الفيلم إلى باريس لتصوير مناظره هناك، لكن حدث خلاف بينها وبين (محمد كريم) جعلها تتخلى عن تمثيل الدور، ورجعت إلى القاهرة ورفعت قضية أمام محكمة عابدين تطلب فيها الحكم بإلزام (يوسف وهبي) أن يدفع لها بحكم كونه منتج فيلم (أولاد الذوات) باقي أجرها المتفق عليه فى العقد، ومصاريف العودة، ورد (يوسف وهبي) على هذه الدعوى بدعوى أخرى أمام محكمة مصر الكلية يطلب فيها بإلزام (بهيجة حافظ) وزوجها (محمود حمدي) متضامنين بأن يدفعا له ما سبق أن دفعه لهما تحت حساب العقد، مضافا إليه قيمة التعويض المنصوص عليه فى العقد كشرط جزائي، وبعد شهور، حكمت المحكمة لصالح (بهيجة) وصدر هذا الحكم علنا – كما تذكر (منى غندور) فى كتابها (سلطانات الشاشة) – بجلسة يوم الأحد 12 مارس 1932 ، وألزمت (يوسف وهبي) بدفع المصاريف وقدرها 127 جنيها و300 قرش، وبعد أن دفع (يوسف وهبي) الفلوس، قامت (أمينة رزق) بتمثيل دور (بهيجة حافظ) بالمجان بحكم إنها ابنة مسرح (رمسيس) وتلميذة (يوسف وهبي) الوفية.
شركة فنار فيلم
تتذكر بهيجة حافظ كيفية إنشائها شركة (فنار فيلم) فتقول : ومضت الأيام وبدأت أفكر جدا فى أن أقتحم الإنتاج السينمائي، وكانت فكرتي الأولى أن أنتج أفلاما موسيقية، وأقوم أنا بتأليف موسيقاها، وأسجلها على أسطوانات، ولما لم أجد الوسائل اللازمة لتحقيق طموحاتي الموسيقية، تحولت إلى الإنتاج السينمائي، وجعلت للموسيقى دورا مهما فى أفلامي.
وأسست مع زوجي (محمود حمدي) شركة (فنار فيلم)، حيث تولى زوجي إدارة الشركة والإشراف عليها، وقد بعت من أجل إنشاء الشركة عزبتين ورثتهما عن والدي لشراء المعدات والآلات السينمائية برأس مال قدره خمسون ألف جنية.
الضحايا واكتشاف ليلى مراد
بدأت شركة (فنار فيلم) أول إنتاجها بفيلم صامت هو (الضحايا) عام 1932، إخراج إبراهيم لاما، وبطولة (زكي رستم، وعبدالسلام النابلسي، وعطالله ميخائيل، ونجلاء عبده)، واشتركت فيه بالغناء لأول مرة الفنانة (ليلى مراد) والمطرب (أحمد عبدالقادر)، ثم أعادت إخراجه بعد ذلك ناطقا وعرض في صورته الجديدة في يوم 3 يناير 1935.
والفيلم كان ميلودراما عاطفية عن مشكلة زواج الأخت الصغرى قبل الكبرى في جو من المغامرات والمطاردات بين بوليس السواحل وعصابة تهريب يتزعمها (برعي/ زكي رستم) الرجل الذي تزوجته البطلة (بهيجة حافظ) دون أن تعلم شيئا عن اشتغاله بالتهريب، بينما كانت تحب (جلال/ ميخائيل عطاالله) الضابط الذي تزوج شقيقتها الكبرى (نازك/ نجلاء عبده) حيث تنشأ المشكلة التى يدور حولها الفيلم، ويلقى الضابط القبض على زوجها بتهمة التهريب.
الإتهام
كان الفيلم التالي لها هو (الاتهام) سيناريو (صالح سعودي) وإخراج ماريو فولبي، وبطولة (عزيز فهمي، زكي رستم، زينب صدقي، حسن كمال، منير أبوسيف، عبدالقادر المسيري)، ووضع المرافعة في الفيلم (فكري بك أباظة) وعرض يوم 20 مارس 1934.
والقصة اجتماعية تقوم على جريمة غامضة تتهم فيها (بهيجة) بالقتل وتقدم للمحاكمة، حيث يقوم بالدفاع عنها ابن عمها (شوكت/ زكي رستم) الذي كان يريد الزواج بها، لكنها تزوجت (سامي بك/ عزيز فهمي)، وأنجبت طفلة ملأت حياتها بالسعادة إلى أن دعيت لحضور حفل زفاف صديقتها (زوزو/ زينب صدقي) فى القاهرة وتتوالى الأحداث.
منع ليلى بنت الصحراء
يعتبر فيلم (ليلى بنت الصحراء) واحدا من أهم أفلام السينما المصرية وقصته مستوحاة من ديوان الشاعرة العربية (ليلى العفيفة) التى عاشت في القرن الخامس الميلادي، وكانت مضرب الأمثال فى العفاف حتى لقبت بهذا الإسم، وقد رشح الفيلم للعرض في مهرجان (البندقية) عام 1938 وسافرت (بهيجة) وزوجها (محمود حمدي) إلى ايطاليا للاشتراك فى المهرجان، وإذا بهما يفاجأن بصدور قرار من وزارة الداخلية المصرية بطلب من وزارة الخارجية بمنع عرض الفيلم فى الداخل والخارج لأسباب سياسية، إذ احتجت الحكومة الإيرانية آنذاك، معتبرة أن الفيلم يسيء إلى تاريخ الفرس، في وقت كان فيه (شاه إيران رضا بهلوي) متزوجا من الأميرة (فوزية) أخت الملك (فاروق).
تكبدت شركة (فنار فيلم) خسائر فادحة بعد مصادرة الفيلم فقد بلغت نفقاته في ذلك الوقت 18 ألف جنية، وقد رفعت الشركة دعوى تعويض على الحكومة بمبلغ 20 ألف جنية على أساس أن قصة الفيلم سبق التصريح بها من الرقابة قبل التصوير، وظلت القضية معروضة أمام القضاء ست سنوات إلى أن صرح بإعادة عرضه بعد انتهاء الظروف السياسية التى أدت إلى منعه بعد إدخال بعض التعديلات عليه بالحذف والإضافة وتغيير اسمه بإسم آخر وهو (ليلى البدوية) وعرض بعد ذلك بدرا سينما الكورسال بتاريخ 12 مارس 1944.
زهرة السوق ووديع الصافي
بعد مضي عشر سنوات من التوقف عن الإنتاج عادت شركة (فنار فيلم) إلى إنتاج فيلم بعنوان (زهرة السوق) فى عام 1947 والفيلم قصة (بهيجة حافظ) وسيناريو وحوار إبراهيم حسين العقاد، من إخراج (حسين فوزي، وكمال أبوالعلا)، وبطولة (بهيجة حافظ، علوية جميل، كمال حسين، عبدالفتاح القصري، محمد توفيق، محمد التابعي، ثريا فخري) وشارك فيه بالغناء لأول مرة المطرب اللبناني (وديع الصافي).
وبالرغم من أن الفيلم ضم مجموعة كبيرة من النجوم والوجوه الجديدة فانه لم يقدر له النجاح، وكان سببا فى إشهار إفلاسها فى ذلك الوقت من أجل دين قدره 450 جنيها، بينما كان لديها رصيد لدى شركات توزيع الأفلام يقدر بمبلغ 19 ألف جنية.
أول نقابة عمالية
كانت هذه الصدمة نهاية أليمة لقصة كفاح رائدة من رائدات السينما المصرية جعلتها تتوقف عن الإنتاج السينمائي، وإذا كانت قد أوقفت نشاطها السينمائي فإنها لم تتوقف عن نشاطها الإجتماعي والثقافي، فقد أنشأت أول نقابة عمالية للموسيقيين منذ عام 1937 وظلت هذه النقابة قائمة إلى عام 1954، وأنشأت فى عام 1959 الصالون الثقافي لتقديم أصحاب المواهب ومناقشة التجارب الموسيقية الجديدة، وقد اشتهرت بتصميم أزيائها فى الأفلام بنفسها.
مسح أعمالها الموسيقية
بالرغم من أنها بدأت حياتها بالتأليف الموسيقي وكانت أول فنانة مصرية تقبل عضوا في جمعية المؤلفين فى باريس وتحصل على حق الأداء العلني لمؤلفاتها الموسيقية، فانك لا تجد لها الآن أي تسجيلات لهذه المؤلفات، وقد سجلت للاذاعة المصرية مقطوعات موسيقية كثيرة شرقية وغربية من بينها (ليالي الشرق، عطر الشرق، فجر التحرير، سيريناد) وغيرها الكثير والكثير لكن كل هذه الأعمال مسحت من الإذاعة!.
الرحيل
كان آخر عهد (بهيجة حافظ) بالسينما عندما اختارها المخرج (صلاح أبوسيف) في دور قصير لكنه متميز جدا، والمشهد الوحيد بالألوان، حيث جسدت دور إحدى أميرات الأسرة المالكة في فيلم (القاهرة 30) عام 1966، وتمضي الأيام وتعاني (بهيجة) العوز وتحاول أن تعرض خدماتها على مؤسسة السينما لكنها لا تجد استجابة، ويصاب جسدها بالوهن وعيناها بالمرض حتى تصبح عاجزة عن الرؤية، وفي 13 سبتمبر عام 1983 تموت (بهيجة حافظ) وحيدة في شقتها فى القاهرة بشارع قصر النيل، حيث اكتشف بواب العمارة وفاتها بعد مرور أكثر من يومين، فاستدعوا أهلها من الإسكندرية وجاءت الشرطة وعاينت الجثة وقرر الطب الشرعي انها توفت بالشيخوخة وهبوط القلب.
وهكذا انتهت حياة هذه الفنانة الكبيرة فوق مقعد في غرفة الاستقبال، وأمام طاولة صغيرة عليها بقايا طعام، وسط جو من الأتربة فلم يكن أحد يقوم على خدمتها فى أيامها الأخيرة بل قطع عنها التيار الكهربائي والتليفون لعدم سداد مستحقاتها.