إطلالة مبهرة لـ (شريهان) تعوض غيابها الطويل
كتب : محمد حبوشة
مع كل موسم رمضاني، تعود شريهان إلى الواجهة، رغم أنها لا تقدم عملا جديدا، إلا أن الجمهور يستعيدها كـ (أيقونة) ملتصقة بذاكرته الرمضانية، يتناقلون فيديوهات ويشاركون مقاطع من فوازيرها القديمة، كأنهم يجدون فيها شيئا من زمن مفقود.
في رمضان 2020، أطلت شريهان مرة جديدة، ولكن هذه المرة عبر تطبيق (تيك توك)، اختار رواد الموقع فقرة صغيرة من فوازير (حاجات ومحتاجات – 1993)، وباتوا يتسابقون على تقليد شريهان وهى تغني المقطع الأول من تتر النهاية (سُك سُك عالموضوع) من (كلمات سيد حجاب وألحان مودي إمام).
أحدث الفيديو – وقتها – تفاعلاً كبيراً بين مدونات وفنانات معروفات مثل (سمية الخشاب ودرة وياسمين علي) وغيرهن، وكان للأطفال أيضا نصيب كبير في انتشار الفيديو، وقد شاركت النجمة شريهان عددا كبيرا من فيديوهات (تيك توك) على صفحتها في (إنستجرام)، لتعلن سعادتها بهذا الاحتفاء التكريمي على منصات شبكات التواصل.
المقطع المستخدم من (حاجات ومحتاجات) لا يتعدى 12 ثانية، وعندما تعيد مشاهدته بصيغته الأصلية تجد أن شريهان ظهرت فيه بـ 12 (لوك) مختلف، أي بمعدل فستان (أو شخصية) في كل ثانية، وهنا إشارة إلى أن الأزياء كانت تشكل عنصرا أساسيا من عناصر (الإبهار) في استعراضات صنعت (الدهشة) في حياة المتفرّج العربي، وقادته من الواقع إلى الخيال.
وها هى شريهان في وجود فعلي تطل على شاشة التليفزيون في أول أيام رمضان 2021 عبر استعراض جديد فائق الجودة على مستوى الحركة والموسيقى والغناء، وهى هنا قد فاجأت بها متابعيها بعودتها في إعلان لشركة (فودافون) وذلك بعد فترة غياب طويل.
وقدمت شيريهان خلال الإعلان أكثر من عرض راقص واستطاعت أن تخطف الأنظار من جديد، خاصة أنها رغم ابتعادها لسنوات إلا أنها عائدة بنفس قوتها التي اعتاد متابعيها عليها من الرشاقة والحضور الطاغي.
ورغم اختلاف ملامح شيريهان، بعض الشيء إلا أنها لم تفقد مقومات بل أبهرت الجماهير بجمالها والمرونة التي اعتاد عليها جمهورها منذ ظهورها، وخاصة أن الاستعراض وكأنه يحكي قصة آلالمها وعذابات المرض التي لازمتها خلال السنوات الماضية، لكنها قاومت المرض وعادت بقوة أكثر من ذي قبل.
جدير بالذكر أن شريهان التي قدمها استعراضيا المخرج الراحل فهمي عبد الحميد، أحدثت ثورة تلفزيونية لم يسبقها اليها سوى نيللي. لكنّ شريهان، بملامحها الشرقية وشعرها الأسود، كانت هي (شهرزاد) العربية التي منحت المشاهد جرعةً من البهجة والأمل بعد سنوات من النكبات والهزائم، ومن عاش تلك المرحلة يقول ضاحكا إن شريهان كانت الفنانة الوحيدة التي أوجدت حلاًّ لزحمة المواصلات في مصر، باعتبار أنّ الساحات كانت تخلو من أهلها وقت إذاعة فوازيرها.
وعلى الرغم من التطور التكنولوجي الهائل، مازلنا نشاهد استعراضات شريهان بمتعة، لكونها تقوم على (نجمة) محترفة، جميلة، وملمة بأنواع الفنون والرقصات الكلاسيكية والمعاصرة، والأهم أنها عرفت كيف توازن بين جسدها وحواسها وأحاسيسها في كل مشهد تؤديه، ولا ننسى أن شريهان ولدت في أسرة فنية، فهي الأخت الصغرى للفنان عمر خورشيد، ما سمح لها بمخالطة كبار الفنانين منذ طفولتها.
والمعروف أنها مثلت في طفولتها أمام فريد شوقي، ورقصت في أكثر من حفلة أمام عبد الحليم حافظ وفريد الأطرش، وجلست في حجر أم كلثوم أثناء إحدى بروفاتها مع (أمير الجيتار) شقيها عمر خورشيد، ولأن أمها وأخاها لمسا لديها موهبة فنية، دفعاها نحو استكمال دروسها في أهم مدارس الرقص، داخل وخارج مصر.
ومع ذلك، فإن الاستعراض لا يمكن أن ينجح بمجهود شخصي، لذا اشتغلت شريهان مع نخبة من الملحنين والشعراء، من أمثال سيد مكاوي ومحمد الموجي وعبد السلام أمين الى سيد حجاب ومودي إمام وحسن عفيفي وعاطف عوض، فكانت (فوازيرها) متقنة على كل المستويات.
في ظل غياب الاستعراض استعادة شريهان (الإفتراضية) منذ سنوات على الإنترنت رونقها في إطلالتها الإعلانية لتعكس توق المشاهدين الى فن لم يعد موجودا في عالمنا العربي، وكأنما شريهان خرجت من المشهد الإستعراضي من عشرات السنين وأغلقت الباب وراءها،
وعادت من جديد ، رغم أن كثيرات حاولن وفشلن، ممثلات، مغنيات، مذيعات، راقصات شرقي وباليه، لكن المجازفة كانت دائما خاسرة، من لوسي ودينا الى نيللي كريم وياسمين عبد العزيز ومن ثم حليمة بولند وميريام فارس.
إخفاقات بالجملة في غياب شريهان الجميلة المبدعة في فن الاستعراض، فمنهن كان ينقصها خفة الظل، وصاحبة اللياقة كانت تفتقد الموهبة، فالاستعراض هو دائماً الامتحان الأصعب، لكونه يقوم على ثنائية الروح والجسد، ويمزج بين كل الفنون في آن: التمثيل والغناء والرقص والتعبير، ولهذا مازالت الساحة تفتقر – منذ عقود – إلى فنانة استعراضية حقيقية، وإن تشدقت كثيرات خلف هذا (اللقب) حتى بات مستفزا، إن لم نقل مبتذلا.
تطبيق (تيك توك) في العام الماضي لاقى رواجا كبيرا، خاصة خلال فترة الحجر المنزلي، وخصوصا بين فئة المراهقين ممن وجدوا فيه فرصة للتعبيرعن مواهب فنية بأسلوب جديد وطريف، إنه (متنفس) جديد لهذا الجيل الذي لم يعد التلفزيون يغريه بشيء، ومع ذلك، فإنّ معظم فيديوهات (تيك توك) مستقاة من المرحلة الذهبية للتلفزيون، سواء أكانت فوازير شريهان أو (نهفات) سعيد صالح وسمير غانم، أو حتى مقتطفات (إم محمود) سامية الجزائري، في مسلسل (جميل وهناء).
ترى هل تمثل إطلالة شريهان الجديدة على شاشة رمضان تحديا جديا لها في استعادة عرشها الاستعراضي الذي يعتمد على الحرفية في الأداء من جديد، وهل هذا يشجع النجمة الكبيرة في تنفيذ مشروعها مع شركة (العدل جروب) الذي كانت قد تعاقدت منذ سنوات مع الفنانة الكبيرة لتعيدها إلى الجمهور من خلال مسرحيات تعرض على شاشة التليفزيون، وانتهت بالفعل من تصوير مسرحية واحدة منها، وهي (كوكو شانيل) التي لم تظهر حتى الآن إلى النور.. ربما تكشف الأيام القادمة عن مفاجآت شريهان المذهلة المصحوبة بالدهشة الإبداعية في ظل عودتها القوية.