عبد المنعم عمايري .. هذا المدهش المتفرد !
كتب: أحمد السماحي
على مدى ثمانية حلقات شاهدتهم فى مسلسل (قيد مجهول) تأليف وسيناريو وحوار محمد أبو لبن، ولواء يازجي، إخراج السدير مسعود، الذي يخوض تجربة الإخراج لأول مرة، حاولت أن أبحث عن بطل المسلسل (عبدالمنعم عمايري) الذي يزين اسمه (تتر) بداية الحلقات مع (باسل خياط، ونظلي الرواس، وإيهاب شعبان، وفايز قزق، وهيا مرعشلي، وميلاد يوسف) وغيرهم، لكنني لم أجده، شاهدت حلقة واثنين وثلاثة، حتى إنتهى المسلسل ولم أجد (عبدالمنعم عمايري) هذا الممثل الموهوب جدا، والعبقري جدا، والمذهل جدا، والمدهش جدا، الذي تابعت معظم أعماله من قبل وأعجبت بموهبته الماسية أيما أعجاب، لأن العمود الفقري فى موهبته الأساسية إنما يكمن فى قدرته المذهلة على الأداء الطبيعي، وهذه ميزة لا يتمتع بها إلا قلة تعد على أصابع اليدين على مستوى العالم العربي.
فركت عيني مرة، واثنين، وثلاثة، ولكني لم أجده فى هذه الدراما الاجتماعية النفسية السياسية البوليسية شديدة الإبهار، التى تعتمد على الإثارة والتشويق، والتى جذبتنا بقوة وحب على مدى أسابيع، فسألت أحد أصدقائي الذين شاهدوا معي المسلسل هل رأيت (عبدالمنعم عمايري) فى مسلسل (قيد مجهول)؟! فوجئت به مثلي يقول لأ لم أشاهده!، وسألت ثالث فأكد لي أنه أيضا لم يشاهد هذا الممثل المبدع!، ولكنه شاهد مثلي ومثل كثيرين غيرنا (سمير عبدالرحيم) نعم شاهدنا (سمير) بكل خلجة من خلجاته، وبكل دقات قلب ولهاثه، وكل جوارحه ومشاعره.
ولم نشاهد (عبدالمنعم عمايري) لهذا استغربت الحملة القاسية التى شنت على النجم السوري بسبب مشهد الحمام الذي يقضي فيه حاجته، لأن (عمايري) لم يكن فى الحمام، ولكن (سمير) بشحمه ولحمه هو من كان في الحمام يتصرف تصرف طبيعي جدا، شاهدنا مثله في عشرات الأفلام العالمية وصفقنا للنجم العالمي الذي قام به، أو ظهر عاريا، أو قدم مشهد جنس صريح، أوغيرها من المشاهد الطبيعية التى تتطلبها الدراما، والتى كانت موجودة بقوة فى أفلامنا العربية في حقبتي الستينات والسبعينات، قبل أن ينتشر الجهل والأفكار الداعشية فى الفن العربي في السنوات الأخيرة، فحجبت الفن وألبسته الحجاب وأحيانا الخمار!.
تماهى (عبدالمنعم عمايري) في شخصية (سميرعبدالرحيم) وقدم أدائا هوليوديا مذهلا لا يقل عن (آل باتشينو، وداستن هوفمان، وجاك نيكلسون، ومارلون براندوا، وروبرت دى نيروا) وغيرهم من النجوم العالميين الذين انبهرنا وما زالنا بأدائهم، فقد كان رائعا فى استخدام أداته الصوتية بدرجة تقترب كثيرا من الهمس، ولكنه الهمس المفعم بالتعبير والمشاعر التى تنبع من عقل مثقف بحق، وخرج من المربع التقليدي (للتقمص) إلى مربع (التوحد) مع الشخصية، فعاش (سمير) الذي يحترق في كل لحظة تحت وطأة إحساسه بالعجز والتدني والانسحاق، وعدم قدرته على التفكير في (عمايري) وعاش (عمايري) في (سمير).
انظر عزيزى القارئ إلى مشيته فى كل الحلقات وانحناء ظهره في بعض المشاهد، أحيانا كان يؤدي بنظرات عينيه العميقة الناطقة بأكثر مما يؤدي بجمل الحوار وكلماته، فبدت روحه وكأنها فراشة تحوم باستمرار حول فكرة الطبيعية والتوحد، واستقي طريقته فى الأداء من مصادر الوعي بشخصية الشعب الذي يعيش بينه.
فى هذا العمل كان الجانب الأكثر تألقا هو تلك الروح (الجوانية) القائمة على الاستبطان، لهذه الشخصية التى لم يتحمل بناؤها النفسي والمعرفي ضغوط ووحشية الفقر، ولأهميته كإنسان فإنهارت لتصبح حكم إدانة ربما على الزمن، وربما على النظام الإجتماعي والسياسي، ولكن الشيئ الأكيد أنها شخصية موجودة بقوة في كل عالمنا العربي وليس فقط في سوريا الحبيبة.
والحقيقة أنه شاركه هذا الأداء العبقري (باسل خياط) حيث قدم واحدا من أهم أعماله حتى الآن من خلال دور (يزن) الذي امتعنا بتجسيده الذكي والمبدع والمتمكن لهذه الشخصية الصعبة والتى قدمها بفهم ووعي يستحيل أن يأتي وليد الصدفة، مبتعدا بها عن أن تسقط فى هاوية (التنميط).
وأجادت (نظلي الرواس) في شخصية الزوجة (منال) المطحونة المحبة لأسرتها، لكنها بالغت فى بعض المشاهد من حيث التعبير بالصوت، ونفس الأمر ينطبق على (فايز قزق)، وبعد أدائه المتميز لدور المطران (كابوتشي) شابا يقدم الفنان المتميز(إيهاب شعبان) دور (النقيب خلدون) الباحث عن الحقيقة، المحترق بنارها، فقدم دورا متميزا بأداء سلس وبسيط ليس فيه إسراف أو مبالغة.
وقبل أن نختم قراءتنا لمسلسل (قيد مجهول) الذى تعمدت عدم حكي قصته أو سرد أحداثه، لأنه عمل لابد أن تشاهده عزيزي القارئ مرة واثنين وثلاثة حتى تستمتع به أكثر، وهنا لابد أن نشكر مايسترو العمل المخرج الشاب المبدع والذي ينتظره مستقبل باهر (السدير مسعود) صاحب العين الذكية والكاميرا الساحرة التى أدارها بمهارة يحسده عليها كبار مخرجي العالم العربي الكبار.
وفى النهاية لابد أن أشكر شركة (آي برودكشنز للإنتاج الفني) لصاحبها المنتج المبدع (محمد مشيش) التى تخوض تجربة الإنتاج السوري لأول مرة على إنتاج هذه التحفة الفنية التى لن تبرح ذاكرة الجمهور لسنوات طويلة قادمة، ومرحبا بـ (مشيش) فى الدراما السورية لأنه منتج صاحب فكر مختلف وأضاف من خلال الأعمال الدرامية الهامة التى قدمها فى الدراما المصرية، مثل (جراند اوتيل، هذا المساء، لا تطفئ الشمس، ونوس، السيدة الاولى، ليالي اوجيني، زي الشمس، حلاوة الدنيا، طريقي، اهو ده اللي صار)، وأضاف الكثير للفن العربي مثل الرقي والشياكة والجمال والإنسانية.
كلمة أخيرة أهمس بها إلى الزملاء الأعزاء فى الصحافة الفنية اتركوا (عمايري) فى حاله، وإبعدوه عن صحافة أين ترعرت سيدتي؟!، والتريندات التى لحست عقول نجوم الأزياء والموضات من نجوم الفن!، فـ (عمايري) ليس نجما، ولكنه فنان يتقن فنه ويبدع فيه ويذهلنا بأدائه، ولا تقتربوا منه إلا وفى أيديكم وردة حتى يبدع لنا أكثر وأكثر في صناعة الدهشة الإبداعية فائقة الجودة.