بقلم الدكتور : ثروت الخرباوي
ذات مرة شاهدت امرأة شبه عارية على شاشة التلفزيون وهي تغنى أغنية تعبر فيها عن رغبتها في الصعود مع حبيبها إلى السطوح وحدهما!! وتعجبت، تُرى لماذا ترغب هذه المرأة في الصعود إلى السطوح مع حبيبها؟!! وتعجبت من هذا الزمن الغريب لأنني أيقنت أن حبيبها لم يصعد معها إلى السطوح، وترحمت على الرائع عبد الحليم حافظ الذي قال لحبيبته (علشانك يا قمر أطلعلك القمر). هنا عبد الحليم لم يصعد للسطوح ولكنه صعد للقمر ذات نفسه، ولكن الدنيا حظوظ، فكان أن قلت في نفسي: يا للعجب، وحدث أن قمت بالانتقال إلى قناة تلفزيونية أخرى فسمعت امرأة ذات معالم بارزة تُدعى (هيفاء وهبي) تغني أغنية عجيبة تطالب فيها صديقها ويُدعى رجب أن (يحوش عنها صاحبه)، ويبدو أن صاحبه هذا كان يتحرش بها ـ وحق له أن يفعل ـ لدرجة أنها صرخت فيه (صاحبك جنني)، ولكن رجب لم يهتم بالأمر! فقلت في نفسي عش رجبا ترى عجبا، فالفارق كبير بين رجب وبين السيد المحترم المبجل صاحب الصوت الشعبي القوي الجميل المطرب محمد رشدي الذي كانت لديه نخوة وغيرة على حبيبته لدرجة أنه حلف يمينا مغلظة أنه لن يركب المركب إلا ومعه حبيبته عدوية، أين عدوية من هيفاء؟، وأين محمد رشدي من رجب حبيب هيفاء الذي تركها نهبا لصاحبه يشبع بها؟!.
وعندما أوشكت على غلق التلفزيون إذا بي أجد رجلا يخور كما تخور البقرة، صوته شديد الشبه بصوت البقرة وهى تُعبِّر عن سعادتها بعد أن مضغت بفمها كما معتبرا من البرسيم، ولكن المؤسف أنه كان يغني أغنية لكوكب الشرق السيدة أم كلثوم!! فقلت لمن كان يجلس معي وقد انتابني الفزع: من هذا؟! فقال لي: إنه المغني السوري الشهير (جورج وسوف)، فترحمت على عظماء المطربين الذين أنجبتهم سوريا، وذكرت بالخير المطرب المبدع صباح فخري، والصوت الجميل القوي فهد بلان، وفايزة أحمد صاحبة الصوت الذهبي الذي لا يتكرر، وأركان فؤاد وغيرهم وغيرهم، فسوريا بوابة واسعة من أبواب الطرب العربي الأصيل، فكيف لسوريا أن تنجب مثل هذا المغني الغريب، والأعجب من هذا وذاك أن لهذا المغني جمهور كبير، ولم ألق بالا لهذا العدد الكبير من الجمهور الذي يحب هذا المغني، ذلك أن أحد أطباء النفس أخبرني أن مائدة الطعام العامرة بأطايب الطعام لابد وأن يكون فيها القليل من أطباق الطرشي والمخلل، والأصوات القبيحة النشاذ هى بمثابة طبق الطرشي الذي تتناول حبة منه بعد أن تلتهم نصف الديك الرومي.
دعونا الآن من تلك الأصوات النشاذ، أو الأصوات الأنثوية من اللائي يمارسنَّ الإغراء عن طريق الغناء، ولا يظن أحدكم أنني أدعو بوليس الآداب للتدخل في مواجهتهن، أبدا والله ولكنني قد أدعو الدولة إلى إنشاء شرطة متخصصة في الغناء تقوم بالقبض على مدعي الطرب لتنجينا من التلوث الصوتي الذي يحاصرنا في كل مكان، والآن فلندخل إلى موضوع المقال والأمر لله وحده، فقد وجدت في السنوات الأخيرة أن صوت المغنيين المصريين بالذات اقترب من أصوات النساء من حيث النعومة، فأصوات معظم المغنيين عندنا تشبه أصوات النساء إلى حد كبير، وأقسم لكم بالله العلي العظيم أنني عندما سمعت منذ سنوات صوت المغني تامر حسني ظننته مطربة جديدة، وقد أعجبني هذا الصوت جدا فهو جميل ومؤثر وله شخصيته، فسألت الذي كان يسمع صوته معي وأنا غافل عن طبيعة الذي يغني: صوتها جميل جدا المطربة دي، ما شاء الله ، وأظن أنه سيكون لها مستقبل كبير.
ففوجئت بصاحبي يقول لي بعد أن ازدرد ريقه ونظر لي نظرة المتعجب: مطربة!! مطربة إيه يا أستاذ؟! هذا مغني شاب جديد له شهرته، اسمه تامر حسني، وكل البنات بتحبه!!. نعم !! مغني؟! رجل يعني؟! ربنا ينتقم من الهرمونات، والذين جعلونا نأكل طوال عهد مبارك الفراخ والخضار والفاكهة التي امتلأت عن آخرها بالهرمونات، لقد أصابت شبابنا بالعقم، ثم جعلت أصوات الرجال ناعمة كأصوات النساء، ومن قبل كنت أسمع مغني هذا العصر، أستاذ الأصوات الناعمة، وصاحب الجماهيرية العريضة عمرو دياب، وكنت أرى أن البنات وقعن في حبه لأنه قريب جدا منهن، فيكفي أن صوته أنثوي من الدرجة الأولى، وقريب منه أصوات مصطفى قمر وهشام عباس، كلها أصوات قريبة من بعض جدا، بحيث أننا لو أردنا أن نستغني عنها كلها فيكفي أن نستمع لصوت واحد منهن، أقصد منهم فلا تؤاخذوني.
ولكن للحق أقول إن الهرمونات لم تؤثر على عدد معتبر من المغنيين، فعندنا أصوات جميلة ولها شخصيتها مثل علاء عبد الخالق الذي انقطع عن الغناء منذ فترة ولا أعرف السبب رغم أن صوته له شخصية مميزة ومختلفة عن باقي جيله، وأيضا المغني الجميل الرائع الذي يمتلك صوتا منيرا وجميلا وعذبا له بحة مبهرة محمد فؤاد صاحب الأغاني المعبرة ذات الكلمات الجميلة، وقد كان من المفترض أن يكون محمد فؤاد هو الأعلى في جيله ولكن الحظ له ناسه، وأيضا المطرب المثقف صاحب الشخصية علي الحجار، ومعه المغني الذي يقطر فنا محمد الحلو، ولا ننسى أبدا المطرب الأصيل محمد منير، هذه أصوات قوية وعريضة وفيها شجن وجمال ، كما أن بعض الأصوات الشعبية كانت ذات حضور مؤثر وشخصية مثل عدوية وعبد الباسط وشعبان عبد الرحيم، وأحمد شيبة، وبهاء سلطان، وفي الوطن العربي نجد أصوات رائعة مثل عاصي الحلاني، ورامي عياش، وكاظم الساهر، وحسين الجسمي، وائل جسار، ووائل كفوري، وصابر الرباعي.
وكذلك سنجد أصواتا نسائية ذات حضور وتمكن من الأجيال المعاصرة، طبعا سوزان عطية في المقدمة، ومعها شيرين لولا قلة ثقافتها، وأنغام، وآمال ماهر، والمطربة الشعبية الجميلة أمينة، ومن الأصوات العربية نجد أصالة، ونانسي عجرم، وأليسا، وماجدة الرومي، وكارول سماحة، كلها أصوات جميلة وممتعة وكأنها تمثل النوتة الموسيقية بتنوعها، والأجمل أنها تجيد اختيار الكلمات التي تغنيها، فضلا عن نجاح الملحنين الذين لحنوا لهن أغانيهن في التوفيق بين الصوت واللحن واستطاع الملحنون استخراج أعظم ما في أصواتهن.
والآن نفكر معا في اختيار أسوأ المغنيين وأسوأ المغنيات لينالوا جائزة الأسوأ، وجائزة الأسوأ ستكون القبقاب الحديدي، إذ يجب أن نضرب هؤلاء الأسوأ بالقبقاب على رؤوسهم لعل الله ينجينا من استمرارهم في الغناء، فقد يصابوا عقب الضرب بسكتة صوتية، أنا أقترح عليكم أن تكون الأنثى هيفاء وهبي هى صاحبة جائزة الأسوأ فهي تستحقها عن جدارة، فيكفيها ويكفينا أنها قدمت لنا أغاني مثل الأغنية التافهة (رجب حوش صاحبك عني) وأغنية بشعة تشع بشاعة من فرط سخافتها اسمها (بوس الواوا)، أما الأغنية الأسوأ والأكثر تفاهة وميوعة لها هى (أنا تافهة)، عفوا عفوا هذا ليس اسم الأغنية ولكن اسمها (أنا هايفة).
أما بالنسبة للمغنيين الرجال فقد وقعت في حيرة كبيرة، إذ أن الأسوأ من كثرته لا يعد ولا يحصى، وقد فاجأني أحد الأصدقاء من العالمين ببواطن الغناء أن هناك مغني شعبي اسمه (محمود الحسيني) قدم أغنية للمخدرات اسمها (شارب سيجارة بني) ويشتكي فيها أنه جالس في الحارة والغسيل ينقط الماء على رأسه وهو لا يشعر بشيء من فرط حالة التوهان التي سببتها له السيجارة البني، وأنه عندما شرب السيجارة التانية وجد أنها تسببت في نسيان اسمه في ثانية، لدرجة أنه لم يعرف أين باب بيته، ففوجىء أنه في حي آخر غير الحي الذي يسكن فيه!!.
وأغنية أخرى يحكي فيها عن صاحب له دماغه لايصة وهايصة وزوجته طلبت الطلاق منه، إلا أنه أخبرنا أنه شخصيا وبجدارة الرجال شارب 3 ستلا، يقصد بيرة ستلا، ويتباهى أنه مش راجل قِلة، وإنه عامل دماغ، وأنه اضطر لشرب البيرة لأنه لا يوجد في هذه الأيام السوداء حشيش، ومع ذلك رغم جمال صوت هذا المغني إلا أنه يقدم أسوأ ما يمكن أن يُطلق عليه غناء، ومع أن (أوكا وأورتيجا وشاكوش) يشتركون مع هذا الحمدي في السوء ولكنه يتفوق على الجميع، لذلك رأيت أن أقدم بكل الود والمحبة القبقاب الحديدي الأسود لمحمود الحسيني صاحب السيجارة البني، مع اضطراري لأن أطلب من بوليس الآداب أن يقدم له هذا القبقاب وينهال به على رأسه، مع أمنياتي بأن يتوقف هذا القبح الذي انتشر في بلادنا في غفلة من الجمال وإنا لله وإنا إليه راجعون.