محمد الصاوي .. كوميديان يسكن قلوب الجماهير
بقلم : محمد حبوشة
لا تختلف الشخصية المضحكة (الكوميدية) عن الشخصيات الدرامية الأخرى من حيث أبعادها وصفاتها إلا بشكل نسبي إذ أن لها بعدا عضويا وجسمانيا معينا، وقد يكون فيه تشويه يثير الضحك، هذا بحسب (غروتسك)، ولها بعدا اجتماعيا ينتمي إلى طبقة اجتماعية معينه، ولا يختلف ممثل الأدوار المضحكة (الكوميدية) عن ممثل الأدوار الأخرى سواء في المسرح أم في السينما أم في التلفزيون سوى ما تتطلبه الشخصية الكوميدية من متغيرات في التعبير الجسماني والصوتي، وهنا تؤدي المبالغة والاصطناع والتشويهات دورها أحيانا في أداء الممثل الكوميدي بقصد أثارة الضحك، تماما كما يفعل الفنان الكوميدي القدير (محمد الصاوي) في كل حالاته التمثيلية.
وربما نجح في ذلك كونه يمتلك أدوات الممثل الكوميدي من مرونة جسمانية وصوتية كافيه لتنفيذ المتغيرات، وهو في ذات الوقت يمتلك مثل هذه المرونة أيضاً كممثل تراجيدي أو درامي أن يمتلك، وقد يتطلب من الممثل الكوميدي أن يكون أكثر مرونة لأن المتغيرات التي عليه أن يمر بها خلال مواقف متغيرة كثيرة وسريعة، لذا فهو كممثل الكوميدي يقدم جهدا استثنائيا في أداءه إلى الأدوار الكوميدية حسب يرى فرويد: ( أن الممثل الذي يقدم لنا عرضا مسرحيا هزليا مقارنة مع أنفسنا أنه يقدم جهدا كبيرا من خلال وظائف الجسم، وأن هذا الجهد يجعلنا متمتعين ومسرورين وهذا هو التفوق الذي يشعر به الممثل الكوميدي).
وقسم (فيليه) الممثلين الكوميديين إلى مجموعتين: المجموعة الأولى، يمتلك أصحابها ملامح مضحكة وتشوها في الشكل واستعدادا للنزق وهى صفات تخدم نوعا من التمثيل يقوم على التحقير، أما المجموعة الثانية فلأصحابها مظهر جسمي مقبول ولديهم مؤهلات السحر والجاذبية، ويتميز المظهر الخارجي لأصحاب المجموعة الأولى بخصائص شاذة غير مألوفة أو قبحا في الجسم أو الوجه وهذه الخصائص تقلل في ذاتها من قيمة مهارتها في الأداء القيمة والقدر إذ إن أساليبهم التي تستغل المظهر الخارجي تمضي في اتجاه انتقاص القيمة وفي اتجاه التحقير، لكن محمد الصاوي ليس من هذا النوع أو ذاك بشكل تفصيلي، حيث يحمل ملامح بسيطة ووجه فيه قدر من البراءة والاندهاش الذي يساعده على تقمص الشخصيات ولعب الأدوار الكوميديا والتراجيديا بسلاسة أكثر كما يبدو في أعماله الكثيرة
ومن الوسائل التي يستخدمها (محمد الصاوي) كممثل كوميدي في أداءه لإثارة الضحك هو عنصر المفاجأة، فضلا عن اعتماده أسباب الضحك المبالغة، وهى من التقنيات الهامة التي استخدمها معظم الممثلين: وهى أن تتحدث عن أشياء صغيرة كما لو كانت كبيرة، ولكن لابد أن تكون المبالغة عنده ممنهجة، وهذا الأسلوب نجده حينما يمتدح الممثل الكوميدي الشخصية التي يمثلها بإلقاء الشعر البطولي الذي يصف فيه بطولاته المزيفة، بالإضافة إلى التكرار والذي يأخذ عدد من الأوجه منها التكرار في الكلمة والحركة والموقف، فضلا عن النكتة التي يلجأ إليها مثل بعض الممثلين الكوميديين إلى استخدام النكتة لإضحاك الجمهور، و لا يخلو عرض من العروض الكوميدية إلا وكانت هناك نكتة، والنكتة كلام يثير الضحك حينما يقال بطريقة معينة، ويشمل على تناقضات في الإحداث وكسر للتوقعات.
كما يستخدم (الصاوي) التورية، تلك التي يقصد بها القول الذي يخفى قائلة مقصداً آخر غير المقصد الظاهر، لقد اتفق منظري الكوميديا أن الضحك المنبعث من اللفظ هو عنصر هام لتوليد الضحك لدى المتلقي وقد قسم خبراء التمثيل اللفظ إلى سبعة أقسام: هى التشابه أي بوساطة الألفاظ المتشابهة و الترادف أي بوساطة لفظين مختلفين لهما مدلول واحد، والثرثرة الحمقاء أي بوساطة التكرار الممل لعدد من الكلمات أو الجمل، والتلاعب بالألفاظ عن طريق الزيادة والنقصان ومن التصغير وقلب الألفاظ سواء بالصوت أو بالايماءة ومن شكل الكلمة أي باستخدام أساليب لغوية مضحكة سِواء في النحو أو تركيب الكلام، وكلها مهارات تمكن منها محمد الصاوي في أدائه الكوميدي والتراجيدي على حد سواء.
محمد الصاوي، فنان في وجوده تحل البهجة والسرور، يضحك الجميع بلا استثناء، أدخل البهجة في قلوب كثير من الناس، ومع ذلك لم يأخذ حقه مثل أبناء جيله الذين وصلوا للنجومية سريعاً، لكنه ترك بصمة في القلوب لا تنسي، فأخذ النجومية والشهرة التي تسكن القلوب، فكان بطل الكوميديا في قلوب المشاهدين لا تنسى، وتألق أيضاً في الدراما فأبدع بها ووضع بصمته التي لا تمحى، وتميز بأدائه السلس الذي يجعلك تشعر براحة شديدة عند مشاهدتك له، كما أنه يسعى دائما لتقديم الشخصيات المختلفة والجديدة، فلا يشغله طول الدور أو قصره، ما يهمه فقط هو تقديم كل ما لم يقدمه من قبل، حتى ترك لنفسه مكانة مميزة في قلوب محبيه.
ولد محمد الصاوي عام 1956 بالقاهرة، شارك في العديد من الأعمال الفنية، بدأ التمثيل منذ عام 1977 من خلال أدوار متنوعة اشتهرت جميعها باللون الكوميدي، إلا أنه كان يقدم أيضاً بعض الأدوار الدرامية في التلفزيون، والمسرح والسينما، وشارك الكثير من كبار الفنانين مما كان السبب في شهرته في الوسط الفني، فقد شارك الفنان عبد المنعم مدبولي في مجموعة من الفوازير التي كانت لها شهرة واسعة في هذا الوقت وحققت نجاحات هائلة، ثم توالت إليه الأعمال بعد أن لفت إليه الأنظار من كبار النقاد والمخرجين بعد مشاركته للفنان عبد المنعم مدبولي على الرغم من صغر سنه، وقد تم ترشيحه إلى الكثير من الأدوار المتنوعة التي أثبت فيها نجاح باهر.
شارك (محمد الصاوي) كبار الفنانين في أدوار رائعة وكانت البداية الحقيقية له على مسرح الدولة الذي أعطاه الكثير من الفرص للشهرة، فقد التحق به عام 1983 وقدم مسرحية (السلام)، وكانت أول عمل مسرحي قدمه إلى الجمهور، ثم مسرحية (المهر) وهذه كانت أشهر المسرحيات التي قدمها في تاريخه الفني، ثم تليها مسرحية (للسيدات فقط) مع الفنان الراحل عماد عبد الحليم ،وكانت له بمثابة الانتقال إلى النجومية، فقد شارك الفنان عزت العلايلي في مسرحية (لا أرى لا أسمع لا أتكلم)، وكانت هذه التجربة شيقة بالنسبة إليه فقد استفاد منه كثيرا في مشواره الفني.
انتقل من اللون الكوميدي في المسرح إلى فرقة الفنون الشعبية بعد الخلاف الشديد مع السيد راضي رئيس هيئة المسرح، وكان ذلك بعد مرور سبع سنوات للعمل معهم، بعد ذلك حاز على فرصة في تقديم الفوازير مع الفنان عبد المنعم مدبولي أشهرهم فوازير (جدو عبده) ويليها (العمدة الآلي)، ثم اشترك مع الفنان الراحل فؤاد المهندس في بعض الأعمال منها فوازير (عمو فؤاد)، وذلك كان عام 1990 فقد حصل على الكثير من الخبرة من الفنان فؤاد المهندس فكان يتعلم منه كثيراً أثناء تقديم هذا العمل، وكان يعتبر جميع الفنانين من الوجوه الشابة أبناؤه ويساعدهم كثيراً للوصول إلى النجومية.
في أحد اللقاءات التلفزيونية ظهر الفنان محمد الصاوي، وتحدث عن بداية دخوله عالم الفن، وقال أن البداية كانت من داخل مسرح الجامعة في كلية التجارة، فقد كان هذا الأمر عن طريق الصدفة عندما ذهب مع أحد زملائه من الجامعة إلى مسرح الكلية، وذلك من باب الفضول حتى يرى الأجواء التي تحدث هناك، وفي ذلك الوقت كان يوجد بروفة لعمل مسرحي للمخرج (شاكر خضير) مع مجموعة من الفنانين الشباب من الطلبة، وعندما رآه المخرج يرى هذه البروفة بكل اهتمام طلب منه الصعود إلى المسرح وقراءة بعض الأدوار.
بالفعل صعد الفنان محمد الصاوي مع زملائه إلى خشبة المسرح وقرأ دور في مسرحية (أولادنا في لندن)، وانتهى هذا اليوم دون التفكير في الفن أو المسرح وبعد مرور أسبوع كان يجلس في الجامعة وفوجئ بالراحل المخرج شاكر خضير يسأل عنه ويأخذ رأيه في موضوع الفن والتمثيل ولماذا لا يتجه إليه، فقد كان يقرأ الدور بكل روعة، وهنا أخبره (الصاوي) أنها كانت من باب الفضول فقط، إلا أنه قام بإقناعه أن يقدم هذا الدور في المسرحية، وفي ذلك الوقت عند عرض هذا العمل كان الفنان سعيد صالح يجلس بين الجمهور ليبحث عن الوجوه الشابة في هذا العرض المسرحي حتى أعجب بموهبته وقدمه في بعض الأعمال.
شارك الفنان محمد الصاوي في الكثير من الأعمال الفنية التي تتنوع بين السينما، والمسرح والتليفزيون ومن أشهر هذه الأعمال: فيلم (طباخ الريس) مع الفنان طلعت زكريا، كما شارك في فيلم (رمضان مبروك أبو العلمين حمودة) مع الفنان محمد هنيدي، وشارك الفنان عادل إمام في فيلم (بوبوس)، و شارك الفنان عادل إمام للمرة الثانية في فيلم (زهايمر)، وشارك في عدة أعمال سينمائية بعد ذلك مثل (ليلة سقوط بغداد، ساعة ونص) ، ومن بعده في الدراما التليفزيونية كانت له عدة مشاركات ومنها: مسلسل (بعد البداية، يونس ولد فضه، وشارك الفنانة عبلة كامل في مسلسل (سلسال الدم)، وقام بدور استثنائي في مسلسل (يا أنا يا جدو)، ومسلسل (اثنين في الصندوق) وكانت هذه الأعمال في شهر رمضان الماضي لعام 2020.
كان متوقعا له أن يصبح نجما من نجوم الكوميديا الجدد في مصر، بداياته في المسرح والسينما كانت تبشر بذلك خاصة، وأنه كان سابقا لجيله، ولكن للأسف استيقظ الفنان محمد الصاوي فجأة ليجد أن (قطار الحظ) تركه وانطلق بزملائه الى محطات النجومية والثراء مثل: (هنيدي وأحمد آدم وهاني رمزي وأشرف عبدالباقي والراحل علاء ولي الدين)، لكنه لم ييأس وظلت علاقته بهم مستمرة كأصدقاء فقط دون أن يكون هناك أي تعاون فني، ومازال الصاوي حتى الآن مؤمنا بأن الحظ لم يطرق بابه بعد وأن الفرصة ما زالت قائمة لكي يأخذ فرصته في الصعود الى الصفوف الأولى، وأن المسألة مجرد وقت.. تحية تقدير واحترام لفنان اعتد بنفسه فسكن في قلوب الجماهير بأعماله الجميلة التي تنوعت بين الكوميدي والتراجيدي في المسرح والسينما والتليفزيون.