بقلم : محمد حبوشة
يقول الممثل والمخرج الروسي المعروف ستانسلافسكي: (إن السيد الوحيد على خشبة المسرح إنما هو الممثل الموهوب – المبدع)، والمسرحية عندما تعرض أمام الجمهور، فهي تعرض بتوقيع الممثلين بعد أن يتوارى كل من الكاتب والمخرج الى الخلف، والعرض المسرحي الناجح مشروط بمدى مهارة الممثلين وقدرتهم على التعبير عن معاني النص ومضامينه، فلا عرض مسرحي مقنع بدون ممثلين موهوبين ومتمرسين، لهذا لا يمكن لأي كان أن يصبح ممثلا اللهم الأغبياء والمجانين المهووسين بخب الظهور، ففن التشخيص يتطلب الموهبة وجملة من المؤهلات والقدرات، بالإضافة الى التمارين والممارسة اليومية المنتظمة.
وضيفنا في (بروفايل) هذا الأسبوع هو النموذج المثالي للممثل المسرحى الموهوب والذي يملك القدرة على الإبداع فوق الخشبة على جناح صوته الجهوري المعبر ولغته العربية فائقة الجودة، ولعل الصوت هو الأداة الأولية والضرورية في فن التشخيص، إذ بواسطة الصوت يستطيع الممثل أن يشد انتباه الجمهور إلى ما يجري فوق الخشبة، لهذا يجب أن يكون صوت الممثل قويا غنيا خصبا واسعا يتوفرعلى جميع الإيقاعات والنبرات، صوت رنان وخفيظ ونائح ومهتز ومرتج، بحيث يستطيع التعبيرعن مختلف الانفعالات الإنسانية ، كالوقار أو الشكوى أو الحزن أو الإهانة أو الفرح، ولا يمكن للممثل أن يطور فنه أبدا، إذا كان لا يتسلح بمؤهلات صوتية كيفما بلغ ذكاءه ومهما اجتهد وعمل.
صاحب التجارب المميزة
ضيفنا هو الفنان المسرحي القدير الذي برع في السينما والتليفزيون (أحمد ماهر) صاحب التجارب المميزة بفضل توفر مؤهلات خاصة له كممثل، مثل النطق المبين، بمعنى أن يتلفظ الممثل الحروف والكلمات والجمل بشكل واضح وجيد ، فالفك الواسع بعض الشيء، يساعد على إخراج الكلمات بوضوح أكثر، والحنك العميق يعطي قوة وجهورية للصوت، والأسنان المشدودة الى بعضها البعض، تحول دون الصفير والهسيس، بينما الأسنان المنفرجة تساعد على ذلك، وبالطبع فإن (ماهر) يحارب ضد هذه النقائص بالتمارين اليومية التي تستهدف تحسين النطق ومخارج الحروف، انطلاقا من أن كي يجيد الممثل نطق دوره عليه أن يردده في كل لحظة بين أسنانه وأن يحس بالكلمات في فمه وأن يضغضغا ويمضغها ، بل وأن يكون سيد فكه وبالتالي التحكم المطلق في إيقاعاته ونبراته الصوتية.
أيضا إلى جانب الصوت يلعب الجسد عند (أحمد ماهر) دورا مركزيا في فن التشخيص، لهذا لا يقتصر الأداء على الصوت فقط ولكن يتدخل الجسد بحركاته الرشيقة ، الجميلة والدقيقة للتعبير عن الأحاسيس والإنفعالات الداخلية، فهو يدرك جيدا أن جسد الممثل هو الآخر يجب أن ينطق، بالعين والنظرة وباليد وبالرأس والإيماءة ووضعية الصدر وبالمشية، ولديه إيمان راسخ بأنه إذا كان الممثل يحفظ دوره عن ظهر قلب، وإذا كان يلقيه بكيفية أنيقة، جميلة، رائعة، ولا يوظف مؤهلاته الجسدية كأن تظل يداه ملتصقتين بجسمه، والرأس يميل في نفس الإتجاه، والعين باردة جامدة، حتما فإن الجمهور لا يحس بالممثل كوجود من لحم ودم وانفعالات، فلن ننفعل بأداءه أبدا، ولكن لا يجب أن تكون حركات الممثل عشوائية، وإنما حركات مدروسة دقيقة ومعبرة.
عبقرية الفنان وموهبته
الحركة والنطق عند (أحمد ماهر) أوما يعرف في المسرح بالإلقاء، يخضعا دائما للدراسة والتمارين والتعلم، ولكن هذا لا يعني أن الدراسة بإمكانها تعويض الطبيعة أوالاستعداد الطبيعي الذي يشكل عبقرية الفنان وموهبته، ومن المؤهلات الرئيسية لماهر كممثل أنه يعتمد على الذاكرة. فالذاكرة القوية تساعد الممثل أولا على معرفة دوره معرفة جيدة، وبالتالي التحكم فيه، كما تساعد الممثل على إبداع دوره باستحضار صور حياتية شاهدها أو عاشها بنفسه. ولا وجود لممثل حقيقي بدون ذاكرة.
وفضلا عن كل ماسبق من صفات لدي (أحمد ماهر) فإن الصفة الغالبة عنده هى الثقافة والتكوين، فلا يمكن للممثل أن يجسد شخصية القيصر الروماني أو إبن رشد أو أبي حيان التوحيدي أوعطيل إذا كا يجهل التاريخ، ولا فكرة له عن هاته الشخصيات التاريخية أو المتخيلة، ولا يعرف شيئا عن تاريخ الفنون، ولا يقرأ النصوص المسرحية ، وجاهل بأمهات الكتب الأدبية والعلمية والتاريخية، والأهم من ذلك هو أن تكون له رؤية واضحة عن تاريخ الحضارات وثقافات الشعوب من عادات وسلوكيات وقيم وانفعالات، ناهيك عن توفر الإرادة بداخله التي تؤهله للعمل اليومي المنتظم والذي يعد ضروريا في المسرح، فإن الطبائع الكسولة والخجولة والمترددة لا مكان لها في الممارسة المسرحية عند (ماهر)، فبالإرادة القوية يمكن للممثل أن يطور طريقة إلقاءه وأن يبلور حركاته التعبيرية، ومهما كانت ذاكرته الأصلية ممتازة، فعلى الممثل أن لا يكف عن تحفيزها وإنعاشها وتقويتها بالعمل الشاق المتواص.
أحمد ماهر واحد من عتاة التمثيل الكبار الذين يجسدون أدوارهم بشكل طبيعي، بحيث يكون أداءه طبيعيا في لعب دوره هو لذا يتفادى المغالاة والمبالغة في الحركات والأداء، ويتجنب تفخيم صوته والنطق بكيفية مصطنعة، بل يكون طبيعا متحررا من اللعب النمطي ومن الكليشيهات والعادات والتقليد المسرحي، فضلا عن الصدق الذي لا يعني الإنغماس الكلي في الدور أو الإنقياد الكلي لمشاعر الشخصية، وإنما يلزم نفسه الصدق والمراقبة الذاتية في نفس الآن.
قادرا على الإحساس بدوره
كما أن الطبيعية في أداء أحمد ماهر مشروطة دائما بالحساسية، فهو كممثل مطالب بأن ينسى ذاته الى حد ما، وأن ينزع ثيابه لإرتداء لباس الشخصية المسرحية، لذا فهو يترك جانبا متاعبه الشخصية واهتماماته الأسرية والإجتماعية لكي يكون مستعدا لتقمص دوره، وإلا لن يكون قادرا على الإحساس بدوره والإندماج في الشخصية، ليؤكد أنه يتعين على الممثل أن يعيش إنفعالات الشخصية وأحاسيسها بصدق وإيمان، وأن يتحول من الممثل الشخص إلى الشخصية المسرحية، فكيف للممثل أن يؤثر ويقنع المتلقي بانفعاله وشعوره وبصدق أحاسيسه إذا لم يكن هو مؤمنا ومقتنعا إلى الحد الذي يصبح فيه إلى حد ما الشخصية التي يؤديها؟، نقول إلى حد ما لكي لا يفهم من هذا الكلام أن لا دور لعمل الوعي والنقد الذاتي والمراقبة الذاتية في عمل الممثل، أو بتعبير آخر إن مفارقة الممثل الأساسية هي أن يعيش الشخصية بصدق وأن يكون في نفس الآن على وعي تام بأنه يمثل الشخصية ويقدمها للجمهور.
أحببت في (أحمد ماهر) عبر صوته الجهورى وفصاحته وبلاغته وبيانه، وثقافته، ومصطلحاته، وجرأته، كما شاهدت ذلك في مسرحيته من نوعية المونودراما بعنوان (التربيع والتدوير) وهو يلتهم الخشبة ويسيطر على انفعالاته بصورة غاية في الدقة إلى حد أنك تشعر بأنه هنالك أكثر من ممثل يؤدي دورا على خشبة المسرح، بينما هو وحده الذي يتجلى في أكثر من وجه وشخصية، وعلى قدر بساطة الديكور والسينوغرافيا آنذاك، إلا أن أداءه كان أسطوريا خلال ساعة تقريبا من العرض الذي لم يعتريه أي نوع من الملل، بل على العكس كان حيويا إلى أبعد الحدود، وكان متوهجا كعادته، يضحك بصوت مرتفع، ويوزع ابتساماته على جميع الجالسين في هذا المسرح الدائري الصغير.
موهبته أهلته لأن يقدم أدوارا لم يجسدها غيره، أو مجاراته فيها، فتارة تجده (قائداً للتتار) وأخرى (صعيديا) بالجلباب والنبوت، أو مؤدياً لدور الأسد (ملك الغابة) بمسلسلات الأطفال فى التسعينات، وبالرغم من قوته التي تظهر فى جميع أعماله، إلا أنك تجد عينيه تلمعان بالدموع بمنتهى السهولة، ولأنه يعشق الأدوار الصعبة وصل للقمة فقد أصبح فارسا للدراما المصرية وبطل من أبطالها العظماء عمل على بناء مشواره الفني بكل عناية ودقة كي يجعله مشوار عظيم ،عرف منذ طفولته بالرجل المسخوط في طفل بسبب صوته الذي كان يكبر سنه، وكان مميزا عن باقي الأطفال، فقد ورث جينات الفن من والدته وعشق اللغة العربية وأجاد الضرب بالسيف وركوب الخيل حتي أصبح خبيرا في الأعمال التاريخية.
تشبع بالروح الشعبية
ولد (أحمد ماهر) في حي بولاق أبو العلا الغرق في الشعبية، وتشبع بتلك الروح الشعبية المليئة بالشهامة والجدعنة المصرية، والده الممثل محمد أحمد ماهر، وكان والده المثل الأعلى له من خلاله حب الفن والتمثيل ، ولذلك مارس العمل الفني أثناء الدراسة، اشترك في فريق التمثيل بالمدرسة، وكان يتقن اللغة العربية وإلقاء الكلمات بصوته العذب، اختير لتمثيل شخصية (أبو طالب) عم الرسول في المدرسة، ولعل إعجاب المدرسين والحاضرين في حفلة المدرسة بث فيه تصميمه للاختيار مهنة الفن .
بعد إنهاء دراسته الثانوية تقدم للمعهد العالي للفنون المسرحية، وقدم أثناء دراسته بالمعهد عروض لفرقة الهواء لقصر الثقافة، وتدرج في مراكز الشباب الجماهيرية، حتى أكمل دراسته بالمعهد وعقب تخرجه عين بمسرح الطليعة، وأثناء تأديته للأوار المهمة اشترك في أعلانات الحملة القومية لتنظيم الأسرة في فترة التسعينات، وأشتهر عند الجمهور بكلمته الشهيرة (الراجل مش بس بكلمته الراجل برعايته لبيته وأسرته)، وكان له تأثير عظيم على الشارع المصري للحد من العادات والتقاليد السيئة الموجودة بمجتمعنا، وهو ملتزم ومنظم وفي نفس الوقت عنيف على الخط.
بدايته بعد التخرج بعد تعينه بمسرح الطليعة ، حيث اشترك من خلاله في معظم العروض اللي قدمها المسرح، ولم ينال الشهرة في مسرح الحكومة ، ولكن أتيحت له في المسرحيات القطاع الخاص، والسينما والتلفزيون، وشخصيته القوية وإتقانه للغة العربية أسند له الشخصيات التاريخية، بسبب صوته المعبر وقوته الجسمانية وحرفيته في ركوب الخيل، وكان أول عمل له هو (المفسدون) ، ومنه لـ (نادي الخالدين) ، ثم شارك في (هامش السيرة ، ومحمد رسول الله)، وكلها أعمال أثبت فيها جدارته لدخوله (الرحايا) ، والمرشدي عنتر، وعرض مسرحية (البيت الكبير)، التي تم عرضها على مسرح محمد عبد الوهاب بالإسكندرية ، مع المداح أحمد الحلاوي .
ظهر مع الفنان نور الشريف في مسلسل (خلف الله) ، كضيف شرف ضمن حلقات المسلسل وكانت الحلقة الأخيرة، وأصبح بعدها دخوله بالمسلسلات مؤثر حتى ولو كان ضيف شرف، فقد كان في (ريا وسكينة) البلطجي، المثير والحماية للأعمال الإجرامية التي قامت بها ريا وسكينة ، وكان يشارك معه عبلة كامل، وسمية الخشاب، وسامي العدل ، وشارك في رأفت الهجان بدور ضابط المخابرات الموجه والمعلم للعميل، وكان أداء رائع لضابط المخابرات المصري، وكثير من الأعمال التي لم تذكر ، فهو أعطى للفن أحلى ما عنده ولمشاركته أعظم الفنانين في (السيرة الهلالية، ألف ليلة وليلة، أداها كلها بشخصية قوية، كما يمكن مشاهدته في (حلاوة الروح ، وشمس الزناتي) أيضا.
أمي سبب وجودي في الفن
عن ارتباطه بالفن منذ الصغر، يقول الفنان القدير (أحمد ماهر) على لسانه: منذ طفولتي وأنا متواجد بالفن وسبب ذلك أن خالتي رحمة الله عليها هى التي قامت بتربيتي منذ فجر طفولتي، وكانت تعمل مديرة لأحد الدور التعليمية والكل كان يظن إني أبنها بسبب تواجدي معها طوال الوقت، كما أنهم كانوا يريدون مجاملة الست المديرة فكانوا يأخذوني في كافة أنشطة المدرسة (القسم الخاص، الأناشيد، الرحلات، جماعة الخطابة، فريق التمثيل)، ومن هذا المنطلق فأنا منذ نعومة الأظافر وجدت نفسي في هذه المجالات.
كما أن أمي رحمة الله عليها كانت تجيد التقليد، فكانت تقلد أم كلثوم فعندا تسمعها تشعر وكأنك تسمع أم كلثوم بالفعل وكذلك أسمهان وفايزة أحمد وهكذا، وكانت عندما يأتي إلينا ضيف أو ضيفة وعندما يذهب تقول قالت وتأتي بنفس نبرة الضيف أو الضيفة والتون الصوتي فكنا نطلق عليها لبلبة لأن الفنانة (لبلبة) كانت تقلد بعض الفنانين، لذا فالتمثيل كان قدرى، حيث ورثت وعشقت هذا الأسلوب التعبيرى وفن الأداء التمثيلى عن الأم رحمة الله عليها، فقد كانت من أصل صعيدى وتهوى الفن، لكن أهلها خوفا من أن تتمادى حرموها من المدرسة، وقمروا هذه الموهبة، وظلت حبيسة المنزل إلى أن تزوجت، واستقلت بنفسها وبدأت تعيش حياتها وتباشر إبداعاتها من خلال فن التقليد فى المنزل فقط.
هذه المحطة كانت حيوية لبناء الشخصية الفنية فى طفولتى – يقول أحمد ماهر- وإن كان الفن موجود فى موروث جينى من الأم، وعندما بدأت أفهم شرحت لى القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة فهى مدرستى الأولى، واتقنت العربية من أمى رحمة الله عليها، والاهتمام الذى أولته لى والدتى لم تباشره مع أحد من أخواتى، كنت يوسف بين إخوتى، تخصنى وحدى بكل شىء، لأنها كانت تلمس فىّ شيئا ما وتقول (الواد ده حنين) وأنا رضعت منها الحنية، فقد كانت الحنان يخطو على الأرض، واعترف أنه لا يوجد أحد رأى حنية من والدتى مثل التى رأيتها وهذه المسألة كانت تستفز والدى، وكان يغار، وعندما أدخل المنزل كان يقول لها زوجك أتى.
من هذا المنطلق كبرت وأنا عاشقا للغة العربية فأنا منذ بداية الإدراك والوعي وأنا بداخلي هذه الجينات التي ورثتها عن الأم وهى هواية وعشق للتقليد وللمحاكاة واللغة العربية، وفي الحقيقة إنني منذ طفولتي وهم يطلقون على (الراجل المسخوط) لأن صوتي لا يشبه صوت الأطفال فصوتي كان كبير جدا علي سني، لذلك عندما كانوا يسندوا إلي أدوار في روايات، وبعد دخولي للمرحلة الإعدادية وانتقالي من الدار التي كانت تعمل بها الخالة شاركت في فريق التمثيل وكنت أجسد أدواراً صغيرة جدا بسبب أن فريق التمثيل عتيق جدا، وعندما وصلت للمرحلة الثانوية كنت أنا رئيس فريق التمثيل وكان معي الكوميديان الأستاذ (منتصر بالله رياض) والمخرج (زغلول الصيفي) من قطاع المسرح بوزارة الثقافة وكنا نحرص دائما علي أخذ كأس الجمهورية كل عام.
عدلي كاسب وإبراهيم سعفان
كما كان مشرف التمثيل أو مشرف المسرح المدرسي في منطقة شمال القاهرة التعليمية النجم الراحل (عدلي كاسب) والكوميديان (إبراهيم سعفان)، وهذان النجمان كانا بمثابة حافزا لنا كي نصل ونصبح نجوما مثلهم، وكانا يحضران دائما البروفات وعندما يعجب الأستاذ (عدلي كاسب) بأدائي كان يقوم بتوزيع بيبسي على فريق العمل كله وفي يوم تملكه الانفعال الشديد فقال لي أنه يريد أن يدخلني أكاديمية الفنون، وأنا لم أكن أعلم ما هى هذه الأكاديمية وما هي فائدتها فبدأت أتساءل فأجابني قائلاً إنها التي تخرج لنا الفنانين وتوجد بالهرم وأخذت منه وعد بذلك .
وأنا من جراء التمثيل فشلت بالتعليم وكنت لا أستطيع اجتياز الثانوية العامة وجلست بها أربع سنوات وفي السنة الثانية فصلت من المدرسة الميري وألحقني أبي رحمة الله عليه بمدرسة خاصة حتي أحصل على الشهادة وبالفعل أخذتها بعد أربع سنوات وبدرجة النجاح فقط والسبب أنني كنت أجلس بالمسرح حتي اليوم الذي يكون قبل الامتحان، وللأمانة أن هذا النجاح لم يكن مجهودي، ولكنه كان من الغش والذي اضطرني لهذا الفعل تعب أبي الذي كان لا يعلم سبب سقوطي وأنني كنت أريد الدخول إلي أكاديمية الفنون.
وعندما نجحت فرحت جدا وبدأت أسأل عن الفنان (عدلي كاسب) حتي يفي بوعده لي ويلحقني بالأكاديمية فقالوا لي أنه بالإسكندرية يقوم بعمل مسرحية هناك فسافرت له فقالوا لي أنه يأتي بالليل بسبب ذهابه لبورسعيد كي يصور فيلما ويأتي علي السواريه فجلست علي البحر إلي أن فتح المسرح وجاء عدلي كاسب فدخلت له وأبلغته بنجاحي وطلبت منه أن يوفي بوعده لي فأبلغني بأنه مشغول جدا هذه الفترة، وقال لي توكل على الله وأنا واثق من نجاحك بإذن الله ورجعت من إسكندرية وأنا علي يقين بأنني سأرسب لأن جميع المتقدمين معهم واسطة .
آخر ميعاد للقبول بالأكاديمية
قدمت أوراقي بالأكاديمية وكانت غير مكتمل لأنهم كانوا يريدون موقفي من التجنيد بسبب كبر سني وذهبت لمنطقة التجنيد وكان هذا اليوم آخر ميعاد للقبول بالأكاديمية ولو لم أقدم موقفي من التجنيد ورقي لن يقبل لأنه غير كامل، وقمت بإنهاء كل الإجراءات علي الساعة الواحدة والنصف وعندما وصلت للأكاديمية وجدت شباك القبول مغلق فدخلت من الباب وكان عدد المتقدمين ألف وثمانمائة وخمسين متقدما شابا وشابة وقاموا بتصفيتهم في أول تصفية إلي خمسين متقدما فكنت أنا الخامس وتم بعد ثلاثة اختبارات كان منهم اختبار أول مرة يجري للمتقدمين وهو اختبار سيكولوجي فكان الأول الفنان (أحمد ذكي) والثاني الفنانة (شهيرة) والثالث (أحمد ماهر).
ودخلت الأكاديمية وكنت أقوم بعمل مسرحيات وأنا طالب فتعرفت على أكبر قطاع من مخرجين وعاملين بالمسرح من هيئة الوزارة وأصبحت نجم المجاميع وهى الأدوار الثانوية وهو مازلت طالبا، وعرفتني وزارة الثقافة قبل أن أتخرج وأستاذي رحمة الله عليه الأستاذ (أحمد ذكي) الذي تخرج من إحدى أكاديميات لندن في هذه الفترة مديرا لمسرح الطليعة، وكان يجب علي كل متخرج أن يتقدم لما يسمي بالقوة العاملة وهو لم ينتظر القوة العاملة وأعطاني جواب الترشيح لمسرحه فأصبح لدي جواب الترشيح والتعيين بالمسرح وأنا بالقوات المسلحة، وبعدما أنهيت الخدمة عملت بالتليفزيون، فكل هذه التجارب هى محصلة أحمد ماهر وهي التي جعلت له أداء متميز وفريد وليس المسرح فقط.
حصرني المخرجون في منذ البداية في اللون التاريخي لفترة طويلة وذلك لإجادتي للغة العربية والضرب بالسيف وركوب الخيل، هى التي جعلتني أجسد كل هذه الأدوار الكبيرة مثل: (عنترة، بيبرس، أوديب)، ومن هنا ذاع صيتي كممثل، كما أن ملك الفيديو (نور الدمرداش) – رحمة الله عليه – قابلته صدفة وقد سمع عني من إحدى الزميلات في الاستوديو فأسند لي بطولة مسلسل (علي باب زويلة) إلي جانب مجموعة من الأبطال وكانت هذه أول بطولة تليفزيونية لأحمد ماهر.
أحمد طنطاوي وجه السعد على
وقمت بعمل شخصية الأمير (نور الدين) هذا المملوك ومعي حشد كبير من النجوم منهم الفنانة (ثناء مظهر والنجم زين العشماوي وسمية الألفي وهالة صدقي وصفاء أبو السعود) وكان المسلسل الوحيد الذي يذاع علي الشاشة المصرية فبدأ الكل يتساءل عن هذا الشاب، وبعد ذلك تعرفت على المخرج أحمد طنطاوي رحمة الله عليه وعملت معه وتوالت بعدها البطولات فكان أحمد طنطاوي وجه السعد على حيث أخذني إلي بطولات مجنونة كلها في التراث العربي والتاريخ الإسلامي مما شجع بعض المنتجين خاصة القطاع الخاص أن يأخذونني لأعمال كان يتم تصويرها في الخليج.
كما قدم (أحمد ماهر) أعمالا كثيرة في المسرح والسينما الدراما التليفزيوني، ومنها : (طلقة حظ، عين الحياة، يوسف الصديق، حبيب الله، السلطان والشاه، القرندل، قضاة عظماء، أوراق التوت خليل الله إبراهيم، قناة السويس، ولاد السيدة، زمن أبو الدهب، بطل من الصعيد، خلف الله، خيبر، علماء المسلمين، كليم الله، أخت تريز، حارة خمس نجوم، نابليون والمحروسة ،البكوات في باريس، أنا القدس، سقوط الخلافة، ماما في القسم، البوابة الثانية، المصراوية، جنة ونار، حب في الهايد بارك، سكين وتفاحة ، سيرة الحبيب، أدهم الشرقاوي، ثورة وحكاية، جدار القلب، الخطيئة والحجر .
ومع كل ما مضى يظا متمسكا بقيم وتقاليد المسرح حيث يقول أحمد ماهر: أنا من جيل يؤمن أن المسرح كلمة وفى غياب الكلمة لا أحس بوجود الحالة المسرحية ولا أتخيل أن أتنازل عن هذا القناعة وهذا الإيمان فقد عشت المسرح هواية ودراسة واحترافا من خلال هذا المعنى، واعتقد أن كثيرا من تجارب الجيل الحالى تأثرت بموجة المسرح التجريبى الذى يحفل بلغة الجسد على حساب لغة اللسان وآلة النطق أعظم مافى بدن الانسان من آلات التعبير.. تحية تقدير واحترام لهذا الفنان القدير الذي أثري حياتنا بأعماله العظيمة فاستحق أن يكون نجم (برفايل) لهذا الأسبوع، ونتمنى له مزيدا من الصحة وطول العمر حتى يحقق كل أمانيه في التمثيل والحياة.