(لست ملاكا) .. آخر أفلام محمد عبدالوهاب الذى اختفى 50 عاما
* عثر على الفيلم ناقصا بكرة كاملة في نهايته، ولم ينتبه أحد إلى السبب الخفى أو المفترض وراء اختفاء هذا الفيلم تحديدا!
* هذه هى الأسباب التى جعلت (محمد كريم) يستبدل كلمة مخرج بالمدير الفني!
* نور الهدى طلبت رفع أجرها بعد النجاح الكبير الذي حققه فيلمها الأول (جوهرة)
* حسني نجيب مدير الإنتاج يستبدل راقية إبراهيم بليلي فوزي بعد أن طلبت أجرا كبيرا جدا
* شهد الفيلم ظهور أول أغنية بالألوان وهى (عمري ما حنسي يوم الاتنين)
كتب : أحمد السماحي
يعتبر فيلم (لست ملاكا) هو الفيلم السابع والأخير فى مسيرة الموسيقار الكبير (محمد عبدالوهاب) السينمائية، وهذا الفيلم كان مجهولا لعشاق السينما لمدة 50 عاما، حيث ضاع أصله، ولم يعثر عليه إلا فى السنوات الأخيرة، وعثر عليه ناقصا بكرة كاملة في نهاية الفيلم، ولم ينتبه أحد إلى السبب الخفى أو المفترض وراء اختفاء هذا الفيلم تحديدا رغم وجود أفلام (عبدالوهاب) الستة السابقة لهذا الفيلم بحالة جيدة وتعرض من حين لآخر على استحياء على بعض الفضائيات.
قصة الفيلم
تدور أحداث الفيلم حول المحامي الشاب (محمد رءوف) الذي يسكن مع ابن خالته المهندس (مصطفى) الذى لم يكمل دراسته فى كلية، الهندسة، ويبحث (محمد) مثل غيره من شباب الأربعينات عن وظيفة حكومية، وفى أحدى الحفلات التنكرية التى أقامها رجل الصناعة (حسن بك أبوالدهب) لتشجيع صغار المزارعين يقابل الفتاة الجميلة (يسرية) ابنة (حسن بك أبو الدهب) صاحب المصنع، الذى يكره مهنة المحاماة، مما يجعل (محمد) يكذب عليه ويفهمه أنه (مهندس) فيعمل عنده فى مصنعه، وتتوطد علاقته (بيسرية)، وعلى جانب الآخر نجد (سعاد) ابنة خال (محمد) تحبه من طرف واحد، وتدور باقي أحداث الفيلم الذى لا تعرف تسرد أحداثه بسبب فقدان بكره كاملة من نهايته، وغياب القصيدة الغنائية التى غناها عبدالوهاب في الفيلم وهى (الخطايا) التى كتبها الشاعر الكبير كامل الشناوي.
محمد كريم وكواليس لست ملاكا
محمد كريم مخرج الفيلم حكى كواليس الفيلم في مذكراته التى نشرت فى بداية السبعينات على جزئين فقال: في 16 أغسطس عام 1945 تقابلت مع (محمد عبدالوهاب) فى فندق (الكونتنتال) حيث يقيم بصفة دائمة، وفوجئت به يقول لي أنا عاوز اتعاقد معك الآن على فيلم تخرجه لي بمجرد انتهائك من الفيلمين للذين تقوم بإخراجهما، فوافقت، لأننى شعرت بالحنين للعمل معه، فقد كان دائما في غاية اللطف، وكانت الثقة المتبادلة شعار العلاقة بيننا، وسألني عن الأجر الذي يرضيني فقلت له خمسة آلاف جنية، فوافق ولم يعلق!، وبعد أسابيع من عرضه قلت له بعد عرض فيلمي (دنيا، وأصحاب السعادة) أنا فاضي دلوقتي عندك رواية، فأجاب عبدالوهاب : أبدا دور أنت كالعادة!.
وكنت فى أوقات الفراغ أحاول البحث عن أفكار جديدة لأدونها، واخترت منها موضوعا سردته عليه فسر منه سرورا كبيرا، واجتمع (سليمان نجيب) و(عبدالوارث عسر) معي لكتابة سيناريو أطلقوا عليه اسم (لست ملاكا)، وظهر أن هذا الفيلم تنتجه شركة جديدة باسم (بيضا قطان – مصر)، وتم الاتفاق على تعيين (حسني نجيب) مديرا للإنتاج، وحلمي حليم مساعدا، وكان (عبدالوهاب) متعاقدا مع (نور الهدى) على فيلم ينتجه لحسابه قبل نجاحها الساحق في فيلم (جوهرة)، ولما طالبها (عبدالوهاب) بتنفيذ العقد رفضت بعد أن لمع اسمها إلا إذا رفع أجرها بما يوازي نجاحها، ونفذ (عبدالوهاب) ما طلبته.
وقام (عبدالحليم نصر) بالتصوير، وعلاقته معي قديمة ترجع إلى أيام أن كان صغيرا يعمل فى الأسكندرية بالإشراف على الصوت، لأن (عبدالوهاب) لا يثق فى أحد مثل ثقته فيه، و(حلمي رفلة) فى المكياج، وقد احتاج هذا الفيلم إلى مجاميع كبيرة من الكومبارس تعد بالمئات قدمها (قاسم وجدي) بكفاءة تامة، ولا سيما المجموعة التى أدت أغنية (القمح).
وكان مفروضا أن تقوم (راقية إبراهيم) بدور (يسرية بنت حسن بك أبو الدهب) هذا الدور الذي جسده (سليمان نجيب)، ولكنها طلبت مبلغا ضخما، رفض (حسني نجيب) دفعه واسند الدور لـ (ليلي فوزي)، وقام (المليجي) بدور هام، وأنا أقدر هذا الفنان كل تقدير لأخلاقه ولطفه وأخلاصه التام لفنه، والمحافظة على مواعيده، وحفظه للدور الذي يقوم به فضلا عن قوة صوته ونبراته، وقدرته على التعبير بوجهه، والقائه السليم المتزن بحيث يسمع ويفهم كل انسان ما ينطق به، أنه مثال الفنان الأصيل.
بدء تصوير الفيلم يوم 20 مايو سنة 1946 ووقفت (نور الهدى) أمام الكاميرا يوم 22 من هذا الشهر، وسار العمل بدقة واتقان تام، كان بالفيلم ثماني أغان غنى (عبدالوهاب) أربع أغان، ونور الهدى (اثنتين)، واشتركا في اثنتين، وكان قد خطر لي تصوير أغنية (عمري ما حانسى يوم الأثنين) بالألوان، والتصوير الملون كان لا يزال وقتها اختراعا أمريكيا يسمى (تكني كالار) واقترح رجل انجليزي يعمل في جريدة الحرب الإنجليزية اسمه (مارتن) باستوديو مصر أن نصور منظرنا بطريقة انجليزية اسمها (دوفي كالار) قليلة التكاليف، وأحضر لنا الفيلم الخام واخترنا للتجربة منطقة العجمي للتصوير بمعدات ستديو مصر المتواضعة، ولم تكن أشعة الشمس كافية لإعطاء الضوء المطلوب فكان (عبدالحليم نصر) مدير التصوير يستعين بمصابيح كهربائية قوية جدا.
وعادت نسخة الأغنية الملونة من لندن فكانت محاولة في مصر لاظهار مناظر هذا النوع وإن كان التلوين باهتا بعض الشيئ للفرق بين الأسلوب الإنجليزي والأمريكي فى ذلك الوقت، وانتهت عملية المونتاج بالاشتراك مع (إحسان فرغل) وأعد الفيلم للعرض فى 28 أكتوبر 1946 ، وقد استمر عرضه أسابيع كثيرة، وكان من أحسن ما أبهج الجمهور، ظهور الألوان للمرة الأولى وهى تعرض زرقة سمائنا الصافية ولون البحر، وصفرة الرمال، والشمسية الحمراء فوق عبدالوهاب وليلى فوزي.
وعرض الفيلم في البلاد العربية بنجاح عظيم، وأذاعته لندن في 22 نوفمبر 1946، وتعقيبا على هذا الفيلم دار حوار بيني وبين الصحفي الصديق (عبدالشافي القشاشي) حول كلمة (مخرج) فكتب: عندما عرض فيلم (لست ملاكا) لاحظنا أن الأستاذ (كريم) وضع إلى جانب اسمه كلمة (المدير الفني) ولم يضع كلمة المخرج المعتادة فقال ردا على سؤال بهذا المعنى: أن مهمتي في كل الأفلام التى أتولاها ليست مقصورة على الإخراج فقط، بل تشمل كل فنيات العمل من إخراج وتعاقد مع الفنانين وشئون الإنتاج والدعاية والإشراف على المونتاج، وعلى دور السينما نفسها للاطمئنان على العرض وغير ذلك، وهذا كله يمكن أن يوضع تحت لقب (المدير الفني)، وأضاف (كريم) أنه لاحظ أن لقب مخرج (اتمرمط) هذه الأيام!
الأفلام التى عرضت عام 1946
عرض عام 1946 مجموعة من الأفلام الهامة المتنوعة من حيث الموضوعات والأفكار، وصل عددها إلى 52 فيلم هى (حرم الباشا، ما أقدرش، دنيا، يدالله، عودة طاقية الإخفاء، أنا وابن عمي، لعبة الست، المغني المجهول، مجد ودموع، ضحايا المدينة، عروسة للإيجار، شمعة تحترق، أصحاب السعادة، شهر زاد، الماضي المجهول، النفخة الكداة، الدنيا بخير، ملكة جمال، غرام الشيوخ، نجف، سر أبي، اليتيمة، الخير والشر، عودة القافلة، الخمسة جنية، عواصف، الموسيقار، أحمر شفايف، بنت الشرق، النائب العام، أرض النيل، راوية، غرام بدوية، هدمت بيتي، لست ملاكا، عادت إلى قواعدها، أول نظرة، ليلى بنت الأغنياء، أم السعد، يوم في العالي، الخطيئة، الطائشة، الأحدب، ملاك الرحمة، اكسبريس الحب، سلوى، دايما في قلبي، عدو المرأة، صاحب بالين، رجل المستقبل، الملاك الأبيض، الغيرة).
أحداث سينمائية عام 1946
شهد عام 1946 العديد من الأحداث السينمائية التى وردها الناقد السينمائي الراحل (علي أبوشادي) في كتابه (وقائع السينما المصرية فى مائة عام).
** قفز رقم الأفلام المعروضة قفزة أخرى فبلغ 52 فيلما بسبب تحول عدد كبير من المصورين والمونتيرين، ومساعدي الإخراج إلى مخرجين، وزيادة عدد شركات الإنتاج ودخول كثير من المغامرين إلى ميدان الإنتاج السينمائي، وحقق بعض المخرجين عددا كبيرا من الأفلام فى عام واحد مثل عبدالفتاح حسن (5 أفلام)، وأحمد بدرحان (4 أفلام)، ومحمد عبدالجواد (4 أفلام)، ومحمد كريم (3 أفلام)، ونيازي مصطفى (3 أفلام)، وفؤاد الجزايرلي (3 أفلام)، وإبراهيم عمارة (3 أفلام).
** شهد العام ميلاد 8 مخرجين جدد هم (حسن حلمي) الذي قدم فيلم (حرم الباشا)، ومهندس الديكور الكبير ولي الدين سامح (لعبة الست)، والمصور مصطفى حسن (المغني المجهول)، وأحمد كامل حفناوي صاحب مجلة السينما (نجف)، والسيد زيادة (الموسيقار)، وعباس كامل (صاحب بالين)، وعبدالعليم خطاب (سلوى)، وقدم صلاح أبوسيف أول أفلامه الروائية الطويلة (دايما في قلي) المقتبس عن (جسر ووترلو)، وأتاح فيه الفرصة مرة أخرى لماد حمدي، رغم فشل فيلمه (السوق السوداء).
** تم عرض فيلم (أرض النيل) إخراج عبدالفتاح حسن، وهو ثاني فيلم مصري يتم تصويره من نسختين، أحدهما بالعربية، والثانية بالفرنسية، واشترك فى التمثيل ممثلون من فرنسا مع الممثلين المصريين (أنور وجدي وعقيلة راتب وجورج أبيض)، وكان الفيلم الأول هو (خدامتي) لألفيزي أورفانيللي عام 1938 .
** عرض فيلم (النائب العام) للمخرج أحمد كامل مرسي، الذي بدأ ستوديو مصر إنتاجه عام 1943، وقام بتصويره ثلاثة مصورين (أحمد خورشيد، وفاركاش، ومصطفى حسن)، وشارك فيه ثلاثة من مهندسي الديكور (أحمد صدقي، وولي الدين سامح، وانطون بوليزويس)، وقد عرض الفيلم دون إعلانات، وأيضا دون أن يحصل على تصريح بالعرض من الرقابة التى رفضت عرض الفيلم لأنه يدين ابن النائب العام والذى يعمل أيضا كوكيل نيابة في جريمة قتل، وتم العرض بموافقة تليفونية من وزير الشئون الاجتماعية الذي كانت تتبعه الرقابة، حتى يصل من الإسكندرية ويشاهده.
** اشترك فيلم (دنيا) إخراج (محمد كريم) في مسابقة مهرجان كان للأفلام الروائية الطويلة، وشارك (يوسف وهبي) فى عضوية لجنة التحكيم ، وعرض فيلمه (سيف الجلاد) فى المهرجان.
** أنشأ ستوديو مصر أول قسم للأفلام القصيرة وأسسه سعد نديم.
…………………………………
بطاقة فيلم لست ملاكا:
إنتاج وتوزيع : شركة بيضا قطان
مدير الإنتاج : حسني بك نجيب
المدير الفني : محمد كريم
قصة :عباس علام
سيناريو : محمد كريم، سليمان نجيب
حوار :عبد الوارث عسر
ريجسير : قاسم وجدي
مساعد مدير الانتاج : حلمي حليم
ماكيير : حلمي رفله
مونتاج : إحسان فرغل
تصوير : عبدالحليم نصر
مهندس الصوت : مصطفى والي
رئيس الفرقة الموسيقية عزيز صادق
جميع أغاني الفيلم من تأليف حسين السيد، باستثناء قصيدة (الخطايا)، فهي من تأليف كامل الشناوي، بعض الأغاني غناها عبد الوهاب منفرداً، مثل: (أنا اللي طول عمري، وشبكوني ونسيوني قوام، وعمري ما حنسى يوم الاثنين، الخطايا)، ومنها ما غناه مع نور الهدى، مثل: (كنت فين تايه وغايب، واضحكي وغني) كما غنى أغنية (القمح) مع المطربة (أحلام).
بطولة ( محمد عبدالوهاب، نور الهدى، ليلى فوزي، سليمان نجيب، بشارة واكيم، عبدالوارث عسر).