رسائل ماجدة الرومي الباكية من مصر لست الدنيا بيروت
* ماجدة الرومي : لن تفرقنا الأيادي السود، لأننا أصحاب حق وفي قلوبنا إيمان
* صاحبة الحنجرة الذهبية : بيروت ستعود وتقوم، ليست المرة الأولى التي نقع فيها، ولن تكون الأخيرة
كتب : شهريار النجوم
بين المشاعر التى تعكس معاني الوفاء والانتماء والحب المطلق لمصر ولبنان أحييت (ماجدة الرومي) صاحبة الصوت الذي لم ولن يفارق قلوبنا، أول أمس الجمعة، حفل غنائي ساهر مميز في (قصر القبة) بقيادة المايسترو( نادر عباسى ) وأوركسترا (الاتحاد الفيلهارمونى)، حيث خطفت الأنظار إليها وسيطرت على منصات السوشيال ميديا تزامنا مع حفلها.
ماجدة التى تلمس قلوبنا دائما، بطلتها وشياكتها وثقافتها، وصوتها الواعي، كانت مختلفة هذه المرة، والاختلاف راجع لما تمر به بلدها لبنان من ظروف سياسية واقتصادية صعبة، لم تكن هذه المرة كما المرات السابقة، فالأغاني هى غير الأغاني، والموسيقى هى غير الموسيقى، والظروف غير الظروف، لكن الجمهور كان مضاعفاً، رغم الوباء والاحتياط الذي أخذته على عاتقها الشركة المنظمة، إلا أن التنظيم كان ممتازاً ومتقناً، بلا أي غلطة، كل شيء مدروس بدقة وعناية فائقة.
الشيئ الذي قلل من بهاء الليلة وجمالها شعور (الماجدة) بوجع بلدها لبنان، هذا الوجع الذي جعل صوتها يختنق أكثر من مرة، وهى تحكي لمحبيها، وذوّب على خديها دمعتين، وترك في حنجرتها غصّتين، وأطلقت بدل صرخة الرفض، صرختين.
وقفت السيدة الكبيرة كما ملكات ذاك الزمن البهيّ، بفستانها الأبيض المليء بعطر وطيب، وقالت قبل أن تغنّي للحاضرين من الجمهور الآتي إليها من كل أرجاء مصر العربية: (بيروت ستعود وتقوم، ليست المرة الأولى التي نقع فيها، ولن تكون الأخيرة، لكننا منذ الأزل نقع، وفي كل مرة نقوم).
ماجدة الرومي التي تحمل خليط من تاريخها الفني وأغانيها الخالدة وصوتها الرنان نثرتها على الجمهور ليعم سحر الموسيقي في أرجاء المسرح، فحيّت مصر العظيمة، بأغنية وثانية وثالثة ورابعة، أما الأولى فكانت (على باب مصر) التي فيها اختصر الشاعر (كامل الشناوي) بصوت (أم كلثوم) وألحان (محمد عبد الوهاب)، تاريخ مصر في مرحلة ذهبية، وعصر جمالها، وكانت الأغنية الثانية الإصرار على الخروج من الهزيمة بسلاح الأمل، فغنت (طول ما أملي معايا وبإيديا سلاح) التي كتبها (عاصي ومنصور الرحباني) بعد نكسة حرب حزيران عام 1967 ولحنها (محمد عبد الوهاب)، أما الأغنية الثالثة فكانت (سواعد من بلادي تحقق المستحيلا) وهي أيضاً من ألحان (محمد عبد الوهاب)، وشعر الأخوين (رحباني)، وكانت الأغنية الرابعة تحية منها ومن الفنان الشامل (مروان خوري) وجاءت بعنوان (يا مساء الخير يا مصر).
واختتمت الجزء الأول بقسم (عبد الحليم حافظ) الذي كان أقسم أن يفتتح كل حفلاته به وهو (أحلف بسماها وبترابها.. ما تغيب الشمس العربية طول مانا عايش فوق الدنيا) هذه الأنشودة التي كتبها (عبد الرحمن الأبنودي)، ولحنها (بليغ حمدي).
وهنا تظهر عروبة (ماجدة الرومي) التي تكررها باستمرار، وتقول: كلنا وطن واحد من المحيط الى الخليج، هكذا تعلّمت من أبي في طفولتي، وهكذا قرأنا في الكتب والتاريخ والجغرافية، ولن تفرقنا الأيادي السود، لأننا أصحاب حق وفي قلوبنا إيمان).
بعد الوصلة الوطنية تنقلت (ماجدة الرومي) من أغنية لأغنية كفراشةٍ على الياسمين الدمشقي تسحب الرحيق منها لتنشره على شكل عسل موسيقي طيب المذاق على آذان الجمهور لتغني ويتنقل صوتها بين ألحان (حليم الرومي، وجمال سلامه، وكمال الطويل، وإحسان المنذر، ونور الملاح، ومروان خوري) وغيرهم، مع أوركسترا القاهرة الفيلهارمونية الرائعة، بقيادة فنان كبير ومرهف هو المايسترو (نادر عباسي) الذي قاد ومعه مئة عازف من مصر ولبنان، موسيقاه بكل شطارة وحرفية ومستوى رفيع.
واستمتع الحاضرون بسهرة تمنوا لو طالت وطالت ليستمعوا إلى كل أغاني الماجدة، التي كان واضحاً أنهم حفظوها من زمان، لكن ظلّت لحظة الإفصاح عن الوجع، هي اللحظة التي وقفت فيها الماجدة، لتعبّر عن وجع كبير قائلة :
(تعوّدنا نفيق، نلملم دموع، نلملم شُهدا، نكنّس قزاز، ونكمّل الحياة، غريب قدَر هيدا الشعب اللبناني، بيندَبح بيندَبح، بيرجع بيوقَف، ولا يوم كسَر جناحه اليأس، ولا يوم، ولو بعد بدُّن يكمّلوا مليون سنة، إلنا حقّ بالسيادة، بالحُريّة، بالاستقلال، نحن مَنّا شعب برسم الموت، نحن خلقنا لنعيش حياة كريمة، ومنستحقّ كل أوسمة الحُريّة، بكرا أحلى، لأنّو بكرا نهارجديد، لأنّو الأمل نحن منصنعوا، نحن عملناه قبل، و نحن منعملوا بكرا، صحيح النّكبة أكبر من أي وقتٍ مضى، كبيرة كبيرة، صعبة كتير، بس بُكرا الله بيبعتلنا سلالم على هالخندق الغميق اللّي وقّعونا فيه صُنّاع الحروب، أشباح الظّلام، وطاويط اللّيل، سمّوهن متل ما بدكُن؛ بعرف إنوا هالسّلالم الله رح يبعتها، متل ما دايماً بيبعتها، حنطلع عليها، نطلع للشّمس، نطلع للنّور، خلقنا لنعيش، مش لنموت، و بعرف مش حيصير إلّا هيك، لأنّو الله مع كلّ حقّ، الله معنا، الله مع لبنان”.
وكادت أن تفقد السيطرة على مشاعرها، عندما استدركت الأمر، وانطلقت تغني (يا بيروت، يا ستّ الدنيا يا بيروت) وغناها المصريون معها بكل حب وشوق.
جدير بالذكر أنه قبل الحفل قامت جريدتنا الغراء (الأهرام) بتكريم ماجدة الرومي، وإعطائها مفتاح الأهرام.