جائزة أسوأ ممثل مصري
بقلم الدكتور : ثروت الخرباوي
قفص الطماطم الفاسدة لمحمد رمضان، وسلة البيض الممشش لمحمد سعد .. من هو أسوأ ممثل مصري في آخر عشرين عاما؟! لا شك أن السينما المصرية أنجبت عمالقة وصلوا إلى مستويات عالمية، فلا يمكن أن ننسى زكي رستم وقدراته الفائقة، ولا محمود المليجي وتأثيره الطاغي، ولا عمر الشريف وبساطته المذهلة، ولا عزت العلايلي ومصريته الصميمة، ولا شكري سرحان صاحب الوجه الجاد الحزين، ولا محمود مرسي أفضل من يمثل الانفعال بهدوء غريب، ويوسف وهبي أعظم من تقمص الشخصيات التي أداها، ولا عزيز عيد ملك المسرح المصري، أو أحمد علام باشا السينما المصرية، أو سراج منير الباشا الأنيق، ولا وفردوس محمد أفضل أم ظهرت على شاشات السينما، أو عبد الوارث عسر العجوز الطيب ملك الإلقاء المتوج، وغيرهم وغيرهم وغيرهم، بحيث لو أردت أن أحدد من هو أفضل ممثل مصري عبر تاريخ السينما والمسرح في القرن العشرين إلى الآن فلن أستطيع، فكل واحد منهم قدَّم أعمالا ينحني لها تاريخ الفن الحديث.
فبراعة الممثل ليست في قدرته على الأداء والتأثير وتقمص الشخصية، ولكن قدراته لا يمكن أن تكون لها قيمة إلا إذا أدى عملا له قيمة، لذلك لا نزال نتذكر محمود مرسي وشادية في فيلم “شيء من الخوف” الذي يعتبر من أفضل عشرة أفلام في تاريخ السينما المصرية، ولانزال نتذكر العظيم صلاح منصور ومعه شكري سرحان والساحرة سعاد حسني في فيلم الزوجة الثانية، ولا عماد حمدي في فيلمه الرائع أم العروسة الذي أصبح علامة من علامات السينما في مصر، ولن ينسى أحد محمود المليجي في فيلم الأرض، ولا الفلاح المقهور عزت العلايلي في فيلم المواطن مصر.
هؤلاء العمالقة وغيرهم كانوا يرتقون سلالم المجد من خلال فريق عمل كامل، فهناك القصة والحوار والسيناريو والإخراج والتصوير وغير ذلك من لوازم العمل، وما تفوق هؤلاء إلا من خلال أعمال خالدة، كانت كلها لها قيمتها، بل إن قيمة العمل رفعت في كثير من الأحيان قيمة الممثل، وما ارتقى محمود عبد العزيز عليه رحمة الله إلا من خلال رائعة الشاشة الصغيرة مسلسل رأفت الهجان، ثم أفلام لها قيمتها مثل الكيت كات وغيرها من أعماله، وقبل تلك الأعمال كان عبد العزيز ممثلا عاديا، لم يدخل إلى بوابة السينما، إلا من خلال وسامته، وأظن أن أول أعماله كان مسلسل الدوامة، وكان في هذا المسلسل أقل من العادي،، وأيضا يحي الفخراني الذي كان ممثلا عاديا، ولكن من خلال أعمال توافرت لها شروط التميز أصبح هو الأول في العالم العربي حاليا بل انني أضعه في مصاف أكبر نجوم العالم، ولا يمكن أن ننسى أداءه العبقري في الخواجة عبد القادر، وقد كان هذا العمل قمة في الإجادة والعبقرية، بدءً من القصة التي أظن أن الله سبحانه ألهم المؤلف عبد الرحيم كمال ليكتب هذا العمل، وقد كان مُلهما من قبل في شيخ العرب همام، نعرف من هذا أن الممثل لا يؤدي عملا فرديا ، ولكن التمثيل هو في الأساس عمل جماعي، فيه كما قلنا قصة وسيناريو وحوار وإخراج وتصوير وفريق من الممثلين، فإذا وضع ممثلٌ موهوب نفسه وسط عمل فاشل أو فاسد سقط العمل وسقط الممثل، وإذا وضع نفسه وسط عمل مميز أصبح هو الآخر متميزا.
ويقينا فإن محمود عبد العزيز تميز في رأفت الهجان بسبب قصة صالح مرسي وإخراج يحي العلمي، وموسيقى عمار الشريعي، وفريق لا يتكرر من الممثلين مثل يوسف شعبان ونبيل الحلفاوي ومحمد وفيق وتهاني راشد وعفاف شعيب، فارتقى العمل بالممثل البطل محمود عبد العزيز وكتب تاريخا جديدا له، والعكس صحيح، فابلرغم من أن الراحل العملاق فريد شوقي أصبح من الشخصيات الخالدة في تاريخ السينما المصرية إلا أنه ومعه آخرين بعد نكسة 1967 مثل عادل أدهم وعزت العلايلي سافروا إلى تركيا ولبنان وأدوا أعمالا في منتهى السوء والقبح، مع مخرجين من أضعف المخرجين فنيا، وقصص هي الأكثر تفاهة منذ نشأة السينما، وعلى سبيل المثال فيلم سيدة الأقمار السوداء لحسين فهمي وعادل أدهم.
وفي السنوات الأخيرة شهدت السينما المصرية انحدارا في مستوى الأفلام، فلا توجد قصة ولا يوجد إخراج ولا يوجد أي اهتمام بتفاصيل العمل، وأصبحت السينما عبارة عن إنتاج رديء، لمنتج رديء ومخرج أكثر رداءة، وممثل لا يعرف غير ترقيص الحواجب والأرداف وهز البطن بشكل سوقي ليسرق من الجمهور ضحكات ليس لها معنى، رأينا ذلك للأسف من ممثلين لديهم موهبة، فرغم موهبة محمد هنيدي وخفة ظله إلا أن الخالة نوسا هبط به هبوطا اضطراريا، وكأنه كان يقفز من طائرة الفن بدون براشوت، ورأينا ممثلا عريبا اسمه محمد سعد لديه موهبة عبقرية بلا شك، وحضور وكاريزما، إلا أنه لم يقدم لنا إلا أكثر الأفلام بذاءة مع حشد هائل من السخافة وثقل الظل، لذلك طار فجأة ووصل إلى نسب مشاهدة عالية ثم سرعان ما سقط في قاع المدينة، كان في إمكان هذا الممثل أن يرتفع نجمه بحق، ولكنه فضَّل أن يظهر دائما بصورة الشخص الأبله المعتوه الذي لا يعرف إلا إحولال العينين وثقل اللسان وهز المؤخرة، والرقص وكأنه راقصة درجة عشرة، وفي كل فيلم له يكرر نفس النموذج بنفس الطريقة حتى ملَّ الناس منه ومن سخافاته، فأضاع موهبته على موائد المنتجين الذين قدموه من خلال أفلام كانت قصصها متخلفة ومكررة وكأنه يكفيهم أن يظهر سعد وهو يمارس احولال العينين وشقشقة اللسان ولعثمته ليكونوا قد أنتجوا فيلما، المهم أن يصبح سعد مجرد اراجوز ، وليته نجح في أن يكون أراجوزا!!. .
ولك أيضا في الممثل محمد رمضان أكبر مثل على الممثل الفاشل، ورغم أنه أيضا يمتلك موهبة كبيرة إلا أنه بلا تعليم ولا ثقافة ولا فكر، مجرد ممثل يجيد التقليد، ويعيش في جلباب أحمد ذكي، ومن نوائب الدهر أن الغرور أصابه فظن أنه شيئ، وهو في الحقيقة لا شيئ، ولم يسبق أن قدم عملا يستحق أن يُشاهد، لم يستطع إلا التأثير على المراهقين من جمهور المهرجانات من خلال بعض حركات الأكشن، ولكن لا يمكن أن يكون قد علق في ذهن أي مشاهد أي إسم لأي لفيلم قام ببطولته حتى ولو كان هذا المشاهد قد شاهد كل ما ممثله رمضان!!. وقد يكون لأفلام الأكشن الكثير من المتابعين والشغوفين بها، ولكن بسبب رداءة إنتاج وإخراج وقصص الأفلام التي أداها رمضان تجدها لا يمكن أن تقاس أبدا بأفلام الممثل الجميل المحترم الخلوق خفيف الظل كريم عبد العزيز، ولا الممثل صاحب الحضور والتاثير أحمد السقا، فالفارق بين رمضان وبينهما كالفارق بين السماء والأرض، بل إن ممثلا فاشلا للغاية اسمه يوسف منصور كان يلعب الكونغ فو ورأى أحد المنتجين أن يقدمه في بعض أفلام فكانت أفلامه تافهة وتمثيله أكثر تفاهة ومع ذلك فإنه ترك أثرا عند الشباب الذين يحبون أفلام الكونغ فو خاصة وأن بروسلي ترك اثرا كبيرا في أجيال كثيرة.
وأظن أن ظاهرة مثل ظاهرة محمد رمضان ومحمد سعد سببها الرئيسي هو أن هذين الممثلين لم يتم تأهيلهما ثقافيا أو فكريا أو تعليميا، كما أن رمضان لم يتم باليقين تأهيله نفسيا، هما ممن ينطبق عليهما قول طه حسين “هذا الرجل رضي بجهله ورضي جهله عنه”، فالجهل هو الذي قدم لنا الممثل الفاشل والمنتج الأكثر جهلا والمخرج الجهول، وفريق العمل الذي لا يبحث عن فن ولكن يبحث عن رصيد في البنك، وطالما أننا أيها السادة نعقد المهرجانات ونعطي الجوائز فلماذا لا نقدم جائزة للمثل الفاشل ، فقد رأينا في السينما العالمية كبار النقاد وهم يحددون شخصية أسوأ ممثل، فوجدناهم يرشحون في أحد الأعوام جون ترافولتا للقب أسوء ممثل بسبب اشتراكه بالتمثيل في أحد الأفلام السيئة، وكذلك سيلفستر ستالوني في عام آخر بسبب سوء الجزء الأخير من فيلم رامبو، ومن قبل حصلت الممثلة الكبيرة ساندرا بلوك على جائزة التوت الذهبية كأسوأ ممثلة بسبب فيلم سيئ قامت ببطولته، وهكذا كانت جائزة الأسوأ لكثير من مشاهير هوليود، فلماذا لا نقترح عندنا أن تكون هناك جائزة فاسدة نعطيها لأسوأ ممثل وأسوأ منتج وأسوأ مخرج وأسوأ قصة؟!.
أنا أقترح أن تكون الجائزة هي قفص الطماطم الفاسدة، وسلة البيض الممشش، وسأعطي صوتي فورا لمحمد رمضان كي يحصل على جائزة أسوأ ممثل في السنوات الأخيرة وأرشحه لينال قفص الطماطم الفاسدة، أما محمد سعد فهو بلا شك يستحق المركز الثاني وهنيئا له سلة البيض الممشش.