لماذا أطلق أستاذ التمثيل لقب المريض على أحمد زكي؟!
كتب : أحمد السماحي
عام 1992 أجرى النجم الراحل أحمد زكي حوارا مطولا مع الكاتب الراحل (محمد الدسوقي) فى مجلة (فن) وفى هذا الحوار الممتع كشف لماذا أطلق عليه أستاذه (علي فهمي) أستاذ التمثيل في معهد الفنون المسرحية لقب (المريض)؟ فتعالوا بنا نتوقف عند هذه الشهادة ونقرأ جزء بسيط مما قاله نجمنا الأسطورة:
أذكر جيدا أنني حين انتهيت من دراستي الثانوية بالشرقية، وحصلت على دبلوم (الميكانيكا) الذي أهلني لأكون حدادا وخراطا بجدارة وبمجموع ضخم أهلني لأن التحق بكلية الهندسة أو البحرية التجارية، ولكن حبي للفن جعلني أحمل أوراقي واتجه إلى أكاديمية الفنون، ضاربا عرض الحائط بالمجموع الضخم وبكلية الهندسة، والبحرية التجارية، لإحساسي أن مستقبلي بالفن أكثر مما هو فى هذه الأماكن.
وقدمت أوراقي بالمعهد العالي للفنون المسرحية، واذكر جيدا أن الفنان الكبير (نبيل الألفي) قرأ أوراقي الدراسية، ثم توقف طويلا أمام مجموعي الضخم، واستغرب تقدمي إلى معهد الفنون المسرحية بدلا من ذهابي إلى الكليات التى سبق وذكرتها، وبعد نظرة الدهشة، نظر إلى بإعجاب كبير، ولم يقل شيئا فقد أدرك أنني محب للفن وهذا يكفي.
وأضاف زكي: على فكرة أنا لم أدخل معهد التمثيل كي أتعلم الفن، لأن الفن لا يعلم، ولكني دخلته لأنه خطوة ضرورية لابد منها في مشوار حياتي الفنية الطويل، الفن موهبة تصقلها الثقافة والدراسة، ومن المعهد أخذت ثقافتي في علم النفس، والديكور والألقاء، كل هذه أشياء أضيفت إلى الموهبة عبر الدراسة.
وإذا كان الأستاذ (نبيل الألفي) قد اندهش حين قرأ أوراقي ودرجاتي فإن الأستاذ (علي فهمي) رحمه الله لم يندهش بل أعجب بي، وذلك حين سألني كأستاذ للتمثيل بمعهد الفنون المسرحية بعد الاختبار الأول لي، وبعد أدائي للمشاهد المسرحية التى طلبت مني سألني استاذي (علي فهمي): أنت بتحب الفن ليه؟ وعاوز تمثل ليه؟ سؤال غير متوقع، وبعد أن أجبت عن كل التساؤلات التى وجهت الي بفضل ثقافتي المحدودة التى كنت قد اكتسبتها من قراءاتي الكثيرة في قصر ثقافة الشرقية، وجدت نفسي غير قادر على الإجابة!
أصاب الثقل لساني وسيطر على الاضطراب وضاعت مني الكلمات والمعاني والحروف، وكان لابد من إجابة لأن هذه لجنة اختبار وهي التى ستعطيني إجازة دخول المعهد أو ترفضني، ولأنه كان لابد من إجابة فقد لمعت الدموع في عيوني وقلت له بصوت مخنوق وكلمات مبللة بالدموع : موش عارف لا أعرف، أنني أحب الفن نعم، ولكن ليه معرفش! فقال لي بسرعة وحدة : أوك.
بعد ذلك دخلت المعهد وتوطدت علاقتي بإستاذي الكبير واقتربت منه كثيرا وفوجئت به يطلق علي لقب (المريض)، وكان يقول لأصدقائه وزملائه لدي اثنان من المرضى في الدفعة الأولى، وعندي 3 مرضى في السنة الرابعة، وبالمصادفة البحتة حضرت مرة وهو يقول هذا الكلام، فتصورت لفرط سذاجتي انهم مرضى بالبلهارسيا، ولكني وجدته يشير إلي ويقول: وهذا مريض مهم جدا!، فقلت له بغضب: ولكن يا دكتور أنا لست مريضا، وصحتي جيدة والحمد الله.
فقال بهدوء وثقة وتعقل : يا ابني أنت مريض بالفن، موهوب، تكوينك يشع فنا وتقمصا، وعرفت أنه كان يطلق على كل موهوب لقب مريض، فكانت لقطة رائعة وتعبيرا جديدا ما زال بعقلي حتى اللحظة، وقد ظللت طوال عمري مريضا بالفن، لم تشفني منه النجومية أو أي شيئ آخر.