بقلم : محمد حبوشة
أيمن نور يطلب لقاء مستشار أردوغان، والثاني يرفض، وفرحة عارمة بمواقع التواصل الاجتماعي، حدث ذلك بين ليلة وضحاها حيث تبدلت الأحوال وانقلبت رأسا على عقب بين صفوف مجموعة الإعلاميين الهاربين إلى تركيا، وذلك فور بدء ما سموه بـ (المصالحة المصرية التركية)، على أثر سنوات من الخلاف والصراع السياسي بين مصر وتركيا، التي آوت الكثيرين من أعضاء جماعة الإخوان الإرهابية، ودعمتهم وساندتهم في محاولات تشويه الدولة المصرية، بل أنها قامت بفتح المجال الإعلامي لهم بهدف الهجوم الحاد على مصر، ومولت قنواتهم لسنوات.
معروف أنه بدأت مؤخرا العلاقات المصرية – التركية خطوات جديدة على الصعيد السياسي والدبلوماسي، خاصة بعد مغازلات أنقرة للقاهرة بتصريحات متوازنة عن العلاقة بين البلدين، لتبدأ مصر خطوة جديدة على الصعيدين السياسي والدبلوماسي من خلال حكومتها، وتكشف أن هناك تواصلا حدث بالفعل ومحاولات لتهدئة الأمور وخلق علاقة جديدة قائمة على مراعاة المصالح المشتركة للدولتين، وبضمانات واشتراطات لهذه العلاقة.
هذا وسادت حالة من التصدع مصحوبة بقدر من الرعب والارتباك في صفوف مجموعة الإعلاميين الهاربين إلى تركيا، والقنوات الإخوانية المحرضة التي تبث من هناك بدعم وتمويل إخواني، فقد لوحظ خلال الأسبوع الأخير أنهم يعيشون حالة من التشتت والارتباك التي تصل إلى حد (الرعب) خشية أن تتخلى عنهم تركيا من أجل المصالحة مع مصر وتحول العلاقات المصرية – التركية إلى وضع أفضل خلال الفترة المقبلة.
هذا ما كشفته المصادر بإحدى قنوات الإخوان في تركيا، مؤكدة أنه فور صدور تعليمات من الحكومة التركية لقنوات (الشرق، مكملين، وطن) بالتهدئة، وعدم الإساءة لمصر أو انتقاد أي سياسات داخلية بها لأنها شأن مصري داخلي لا دخل لتركيا فيه، حاول بعض العاملين في هذه القنوات ممن يظهرون على الشاشة أن يبدوا اعتراضهم على تلك التعليمات، إلا أن مندوبي الحكومة التركية أبلغوهم أن من لا يلتزم بالتعليمات سيتعرض للمحاسبة ويتحمل مسئولية نفسه.
وأضافت المصادر أن التعليمات تتمثل في توقف البرامج السياسية خلال فترة لا تزيد على أسبوع واحد، وتغيير السياسات التحريرية بالكامل داخل هذه القنوات، ووقف سياسة التحريض والإساءة للدولة المصرية، مشيرا إلى أن قناة (الشرق) قررت عدم بث برامج (ابن البلد) الذي يقدمه الهارب هشام عبدالحميد، وبرنامج (الشارع المصري) الذي سيتوقف بشكل نهائي أو يتغير اسمه تماما وسياساته التحريرية حتى لا يمس الشئون المصرية الداخلية.
على أثر ذلك كشفت مصادر خاصة أن الهارب أيمن نور مالك قناة (مكملين) عندما حاول بعض العاملين في القناة التواصل معه لمعرفة مصير القناة وتوجهاتها في الفترة المقبلة، أبلغهم بالالتزام بتعليمات الحكومة التركية، وحذرهم من مخالفة تلك التعليمات، وأكد لهم أن من يخالف ذلك سيتحمل عواقب الأمور، ثم تواصل أيمن نور مع بعض المسئوليين الأتراك بهدف معرفة مصير القنوات الإخوانية والعاملين بها، وهو ما دعا لعقد جلسة بين (ياسين أقطاي) مستشار الرئيس التركي أردوغان، وعدد من الإعلاميين العاملين في هذه القنوات بحضور أيمن نور الذي ظل طوال الجلسة يطلب الحصول على ضمانة بعدم رفع تركيا يدها عنه ومن معه من الهاربين.
ومما لاشك فيه أن المفاجأة في عودة العلاقات المصرية – التركية كانت صادمة لعدد كبير من هؤلاء الإعلاميين الهاربين، ويعد الهارب أيمن نور أحد أبرز المصدومين مما يجري، وهو ما ظهر خلال حديثة عبر تطبيق (كلوب هاوس) الذي اعترف خلاله بحدوث حالة من الارتباك داخل قنواتهم، وتأكيده أنه ما يحدث نقطة تحول في موقف الحكومة التركية تجاه إعلام الإخوان، مشيرا إلى أنه خلال 7 سنوات لم تتدخل الحكومة التركية في أي تفاصيل بالقنوات المحرضة، ولكن ما حدث خلال الأيام القليلة الماضية كان مفاجأة غريبة وصادمة له وللعاملين في تلك القنوات بعد قرارات الحكومة التركية، والغريب أن أيمن نور اعترف أن جزء كبير من محتوى القنوات التي سماها بالقنوات المعارضة كان غير مهني وتحريضي، موضحا أن القنوات لن تتوقف ولكنها ستعمل على تغيير سياساتها التحريرية.
الشاهد من مضى أن الفترة المقبلة ستشهد تعثرا كبيرا في قنوات الإخوان بتركيا، خاصة أن التمويلات التي كانت تصل لهم ستتوقف بشكل نهائي بعد أن تبدلت الأمور وتغيرت السياسات التحريرية، طبقا لتعليمات الحكومة التركية، حيث تفتقد قنوات (الشرق، مكملين، وطن) الهدف الذي أنشئت في الأساس من أجله، وهو الهجوم على الدولة المصرية والتحريض، وبعد زوال أسباب إطلاق هذه القنوات، ستتوقف التمويلات التي كان يحصل عليها أيمن نور ومن معه في تركيا.
وكان عدد من الإعلاميين الهاربين إلى تركيا قد أعلنوا رسميا عبر صفحاتهم الرسمية خلال الساعات الماضية عن تعليمات الحكومة التركية لقنوات الإخوان الإرهابية (الشرق، مكملين، وطن”، بإيقاف البرامج السياسية وتخفيف لهجة انتقاد النظام المصري والدولة، وهو ما أثار حالة من الفرحة العارمة عبر مواقع التواصل الإجتماعي للمصريين، الذين أبدوا سعادتهم بهذه الأخبار، وبدأ الجميع يتداول الأخبار ويسخر من جماعة الإخوان وإعلامها الذي فشل في تحقيق أي انتصار خلال 7 سنوات متواصلة من التحريض ضد الدولة المصرية.
وفي إطار سياسة المراوغة بعد الأنباء القوية التي ترددت حول توجيهات تركيا لقنوات الإخوان بعدم التدخل في الشأن الداخلي لمصر والتحريض على القيادة السياسية، وهو ما اعتبره البعض بداية فتح صفحة جديدة من العلاقات بين تركيا ومصر تستدعي تسليم تركيا المطلوبين على أراضيها لمصر، في هذا الصدد نفى ياسين أقطاي، مستشار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان صحة الأنباء عن دراسة تركيا ملف تسليم المعارضين المصريين المقيمين في أراضيها إلى مصر رغم ما وصفه بـ (الصفحة الجديدة للحوار)، وقال أقطاي، خلال مداخلة هاتفية مع قناة (الجزيرة مباشر): إن (من المستحيل أن تسلم تركيا أي شخص لا لمصر ولا لأي دولة أخرى توجد فيها عقوبة الإعدام)، وأشار إلى أن هذه المعايير يتبعها الاتحاد الأوروبي وبلاده تلتزم بها رغم أنها ليست عضوا في التكتل، وهى شهادة حق يراد بها باطلا، فلا تركيا دولة تحترم حقوق الإنسان ولم تلغي عقوبة الإعدام التي تتشدق بها، ولا هى دولة تتبع الاتحاد الأوربي ومن ثم تطبق معايره.
ولأن أقطاي هو واحد من المقربين لأردوغان فقد اتبع أسلوب اللف والدوران التي يتبعها رئيسه فقد ذهب إلى القول: (لكن هذا لا ينتظر من مصر أيضا، هى لا تخفي وكل الناس يعلمون أن هناك صفحة جديدة للحوار بين تركيا ومصر، أن هناك تقاربا في الكثير من المجالات ولكن هذا لا يحتوي على ملف تسليم المعارضين من تركيا إلى مصر، وهذا شيء أكثر من المستحيل)، كما نفى أقطاي أن تكون السلطات التركية قد طلبت إغلاق القنوات المعارضة للسلطات المصرية، واصفا هذا الأمر بالمستحيل.
وزير الخارجية التركية (جواد أوغلو) من جانبه راح يعزف على أوتار الدبلوماسية قائلا في تصريحات صحفية: (تطبيع العلاقات يتم، لكن ببطء من خلال المباحثات ورسم خريطة طريق والإقدام على خطوات في تلك المواضيع)، ومضى قائلاً (بطبيعة الحال يحدث هناك نقص في الثقة مع الأخذ بعين الاعتبار القطيعة لأعوام طويلة، وهذا أمر طبيعي يمكن أن يحدث لدى الطرفين؛ ولهذا تجري مباحثات في ضوء استراتيجية وخريطة طريق معينة وتتواصل (المحادثات)، خاصة أن الاتفاقيات الثنائية التي تربط اليونان ومصر وقبرص تقطع الطريق على أي وجود تركي بمياه البحر المتوسط، وهو الأمر الذي سعى إليه رجب طيب أردوغان من خلال اتفاق مشبوه أبرمه، في نوفمبر 2019، مع حكومة فايز السراج.
وحول فرص التواصل بين مصر وتركيا، قال وزير الخارجية سامح شكري في كلمته خلال اجتماع لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب المصري: لا تواصل خارج الإطار الدبلوماسي الطبيعي، وإذا ما وجدنا أفعالا حقيقية من تركيا وأهدافا تتسق مع الأهداف والسياسات المصرية التي تسعى للاستقرار في المنطقة وعدم التدخل في شؤون الدول والاحترام المتبادل، ستكون الأرضية مؤهلة للعلاقة الطبيعية مع تركيا، وأشار إلى أن (الأقوال وحدها لا تكفي)، وإنما ترتبط بالأفعال والسياسات، والأفعال هي التي تعيد أية علاقات إلى وضعها الطبيعي.
وعقب تسريب المعلومات عن بدء قرب عودة العلاقات بين مصر وتركيا بدأت حالة من التخبط لدى القيادات الإخوانية الموجودة في استطنبول وغيرها من المدن التركية ونما شعور بالهلع لدى الشباب الهارب إلى تركيا، مؤكدين أن أنقرة قد تسلمهم للقاهرة رغبة منها في المصالحة، ولعل ما يؤكد ذلك أن القيادي الإرهابي الهارب للخارج، عاصم عبدالماجد، قال على صفحته بفيسبوك: لا تلوموا تركيا ولوموا أنفسكم. لوموا من استضافهم أردوغان فأعلنوا ولاءهم لحزب السعادات رغم علمهم بأنه يتآمر علانية ضد أردوغان ليل نهار، وأضاف: (قيادة الإخوان والتنظيم الدولي كانت من المفترض أن تجبر حزب السعادات بدعم أردوغان سواء كان يؤوي المطاردين من الإخوان أم لا).
فيما صرح الهارب أيمن نور، رئيس قناة (الشرق) التي تتخذ من تركيا مقرا لها، في مداخلتين مع قناة (الجزيرة مباشر) وقناة (مكملين) المعارضة لمصر التي تتخذ من تركيا مقرا لها أيضا، إنه جرى لقاء تم بين مسؤولين أتراك وممثلين عن المعارضة المصرية في تركيا نوقشت فيه التطورات الأخيرة في العلاقات بين مصر وتركيا، بالإضافة إلى أداء القنوات المصرية التي تعمل في تركيا، وأضاف أيمن نور أن ممثلي المعارضة المصرية فهموا من المسؤولين الأتراك وجود رغبة في تعديل خطاب هذه القنوات بما يتسق مع مواثيق الشرف الإعلامية والصحفية و(تقليل التجاوزات التي قد تقع بين وقت وآخر).
ثم عاد نور يناقض نفسه نافيا أيضا أن تكون تركيا قد طلبت إغلاق قنوات معارضة للنظام المصري أو إلغاء برامج سياسية، مضيفا أن الحوار مع المسؤولين الأتراك بشأن (لغة) الخطاب وليس (طبيعة) القنوات، كما نفى نور أيضا ما تردد عن اتجاه السلطات التركية لترحيل معارضين أو إعلاميين مصريين، قائلا إنه لم يتم طرح ذلك على الإطلاق، وجاءت تلك التصريحات المترددة في وقت أبدت فيه قناة (الشرق) التي يرأسها نور اعتذراها عبر حساباتها على وسائل التواصل الاجتماعي، مساء الخميس الماضي، عن بث حلقة برنامجي (ابن البلد، الشارع المصري) السياسيين، دون أن توضح أسباب ذلك، فيما كتب أيمن نور في تغريدة عبر حسابه على تويتر تعكس حالة الارتباك التي يعانيها: (تضيق ثم تضيق ثم تضيق ثم تفرج وبشر الصابرين).
الثابت على أرض الواقع السياسي أن العزلة الدبلوماسية التي عانتها مؤخراً تركيا على المستويين الإقليمي والدولي فضلاً عن ضغوط المعارضة الداخلية المنتقدة توجهات الحكومة التركية الخارجية، هو ما يدفعها لإعادة بوصلتها الخارجية لا سيما في الدول الفاعلة في المنطقة العربية، ومن ثم باتت الحكومة التركية تدرك تداعيات سوء إداراتها السلبية ملفات الإخوان المسلمين وجماعات الإسلام السياسي، وعزلتها الإجبارية في منطقة شرق المتوسط، وأن مصالح بلادها الحيوية أصبح في خطر.
ولم يعد أمام تركيا سوى الاستدارة على تلك السياسات السابقة، وإعادة توجيه سياستها الخارجية بالأفعال وليس فحسب على مستوى الخطاب من أجل إزالة المخاوف كافة لدى الدول الفاعلة في المنطقة حال رغبتها تحسين علاقتها معها، وظني أن تتم (المصالحة المصرية التركية قريبا)، لكن ذلك مرتبط بحجم الخطوات وسرعة تنفيذها على الأرض لتجاوز مخاوف تلك الدول، وفي الوقت نفسه فإن (برجماتية النظام التركي وحجم التحديات التي باتت تهدد مصالح بلده تدفع إلى الإسراع في تنفيذ تلك الخطوات)، على حد قول بشير عبد الفتاح، الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية.
في الاتجاه ذاته، يتفق المحلل السياسي التركي، جواد جوك، مع ذلك الرأي، ويرجع التغيرات الواضحة في مواقف الحكومة التركية، إلى الشعور بالعزلة المتزايدة لأنقرة في المنطقة، والتداعيات السلبية التي أسفرت عنها السياسات التركية في الملفات الأقليمية في ليبيا أو سوريا أو شرق المتوسط، وذكر جوك: (تدرك أنقرة أن القاهرة بوابة رئيسية لعودة العلاقات التركية العربية إلى طبيعتها، بخاصة دول الخليج العربي)، معتبرا أن تدهور علاقات تركيا العربية، أثر في الاقتصاد التركي والمصالح الاستراتيجية لها في المنطقة، وتابع: (التقارب مع مصر ليس مجرد خطاب سياسي أو خطوة تكتيكية، لكنه حقيقة فرضها الأمر الواقع والمصالح التركية.
ترى هل تكون أنقرة صادقة في تجاه القاهرة في عودة علاقات دافئة تقوم على أساس حسن النوايا وتسجل موقفا واضحا من الآلة الإعلامية الإخوانية التي تقف حجرة عثرة في جدية أية مفاوضات؟، أم أن أردوغان وأعوانه يحاولون تضيع الوقت لأطول فترة ممكنة لحين تجاوز أزمة القنوات الإخوانية وإعلاميها الذين يعانون حالة من التصدع في جدرانها مصحوبة بحالة من الارتباك والرعب الحالية؟ .. الأيام القادمة سوف تكشف النوايا التركية تجاه مصر.