رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

مشاهير مثلوا فيلما واحدا

بقلم الدكتور : ثروت الخرباوي

لا أعرف لماذا جف الحبر في قلمي فأصبح لا يطاوعني، فيظل الكلام مكتوما في صدري، حبيسا في عقلي، ولكنني اليوم شجعت نفسي على الكتابة، ولكن عن أي شيء أكتب؟ هل أكتب عن كُتاب الحوار والسيناريو الذين لا يعرفون الألف من كوز الذرة كما يقول المثل، فمنذ قليل كنت أشاهد فيلم (قبضة الهلالي) لبطل الكاراتيه يوسف منصور والفنانة الكبيرة ليلى علوي، ورغم سطحية الإخراج بدرجة مذهلة، وسذاجة الحوار لدرجة تثير الغثيان، إلا أن من مثلوا في الفيلم لا علاقة لهم بكوارثه، إنما يضع السيناريست الحوار على ألسنتهم، ويحركهم المخرج كما يشاء وهما يتصوران أن لهما علاقة بالفن، لم يهتم السيناريست أفندي بالتدقيق القانوني في أحداث الفيلم أو في ألفاظه وعباراته، فإذا به يجعل وكيل النيابة يقول لسكرتير التحقيق: أكتب، تُحبس المتهمة حبسا مطلقا لحين تقديمها للمحكمة بتهمة قتل كذا كذا، وكذا كذا هذه من عندي، ولكن لا يوجد في القانون شيئا اسمه يُحبس حبسا مطلقا لحين تقديمه للمحاكمة، ناهيك عن باقي كوارث الفيلم سواء في الإخراج أو سطحية الحوار، وعدم منطقية الكثير من أحداثه، ولكن لفت نظري في هذا الفيلم أن أحد أبطاله لاعب كرة القدم الأهلاوي شريف عبد المنعم، وقد استدعى هذا الأمر في ذهني عددا من اللاعبين الذين مثلوا للسينما، مثل حارس المرمى عادل هيكل الذي شارك في فيلم (إشاعة حب) وأفلام أخرى قليلة، وكذا صالح سليم في فيلم الشموع السوداء، وحسام البدري مدرب المنتخب القومي الحالي، وغيرهم من الرياضيين.

شريف عبد المنعم .. نجومية حائرة بين الملاعب والسينما
عادل هيكل يحمل المسدس مهددا يوسف وهبي وعمر الشريف
نجاة وصالح سليم في كواليس الشموع السوداء
محمد أنور السادات وحلم التمثيل الذي منعته منه أمينة محمد

أعادني هذا الأمر إلى بحث قديم كنت قد بدأت في إعداده  ـ لنفسي لا للنشر ـ  ثم انقطعت عنه، وكان يدور حول ممثل الفيلم الواحد، وكان السبب لدخولي في هذا البحث كتاب خريف الغضب لصاحبه محمد حسنين هيكل الذي رصد فيه رغبة الرئيس الراحل أنور السادات في التمثيل لدرجة أنه تقدم للعمل في السينما من خلال إعلان كانت صاحبته المنتجة عزيزة أمير ولكنه فشل في الاختبار، ولكن حسني مبارك في شبابه قام بدور صامت في فيلم (وداع في الفجر) وأيضا في فيلم (ليلة الحنة) وكان مشهده لمدة ثوان قليلة.

أفيش فيلم مصطفي كامل
الفنان أنور أحمد الذي جسد شخصية مصطفى كامل

وسنمر مر الكرام على الفيلم الذي مثله إبراهيم عيسى (خيانة مشروعة) للمخرج خالد يوسف، وكذلك لن نتوقف عند فيلم (الآخر) الذي مثل فيه السياسي الكبير حمدين صباحي للمخرج يوسف شاهين، ولا الأفلام القليلة التي مثلها الصحفي الإعلامي محمود سعد ومنها فيلم (أمير البحار)، ولكن الذي يعنيني هنا ذلك الفنان الذي قام بدور واحد فقط رغم إمكانياته الفنية الكبيرة،  بالقطع سنتوقف أمام فيلم (مصطفى كامل) تأليف الأديب الكبير يوسف جوهر، وإخراج المخرج الكبير أحمد بدرخان، وهو فيلم وطني يصور فترة من تاريخ كفاح مصر ضد الاحتلال الانجليزي من خلال شخصية المجاهد الوطني الكبير مصطفى كامل الذي مات في شرخ الشباب، بحث بدرخان عن الممثل الذي يقوم بدور مصطفى كامل، كان يبحث عن وجه يتميز بالجدية، وفي ذات الوقت يكون جديدا على الشاشة، فلم يجد أفضل من الكاتب والمفكر (أنور أحمد) الذي كان ذائع الصيت في مجال الكتابة قبل ثورة 1952 وكان دائم الكتابة فيما بعد بمجلة حواء، ثم شارك في كتابة مسلسل الأيام المأخوذ من رواية الأيام لطه حسين، وقد أدى أنور أحمد دور مصطفى كامل كأنه هو، الجدية والوطنية كانت تبدو على قسمات وجهه وهو يتكلم أو يخطب، وكم أثر فينا هذا الفيلم في طفولتنا، وساهم في تشكيل وعينا الوطني، خاصة عندما وقف مصطفى كامل، الذي اختلطت صورته في أذهاننا بأنور أحمد ، وهو يدافع في خطبه ومحافله الوطنية عن الفلاحين في حادث دنشواي، لم يمثل أنور أحمد غير هذا الفيلم إلى أن مات عام 1984.

نرى أيضا الموسيقار الكبير رياض السنباطي وهو يقوم بدور البطولة في الفيلم الوحيد له (حبيب قلبي) تأليف الأديب يوسف جوهر وإخراج حلمي رفلة، وقد كان اسم رياض السنباطي هو الأسم الأول في أفيشات الفيلم، وقد جاء بعده هدى سلطان ثم محسن سرحان، وهو من الأفلام الغنائية وكان رياض السنباطي هو ملحن أغاني الفيلم ولكنه ايضا قيام بالغناء فيه، وسنكتشف في هذه الأغاني حلاوة صوت السنباطي ومقدرته الفنية في التمثيل، ولكنه توقف عند هذا الفيلم فلم يمثل مرة أخرى حتى توفاه الله، وليس الموسيقار رياض السنباطي وحده من الموسيقيين المشاهير الذي ولج أبواب السينما، إذ كان الشيخ زكريا أحمد هو أول الموسيقيين الذين مثلوا في السينما، وكان ذلك من خلال أول فيلم مصري ناطق، أو على الأقل كما يقول المؤرخون أول الأفلام الناطقة وهو الفيلم الغنائي (أنشودة الفؤاد) الذي كان إنتاج عام 1932 بطولة المطربة نادرة صاحبة الصوت الماسي الجميل ، وإخراج المخرج الإيطالي ماريو فولبي، ويقول بعض المؤرخين أن زكريا أحمد مثل مشهدا واحدا في فيلم (ليلى بنت الفقراء) مع ليلى مراد، ولكن المشهد الذي يقال إن زكريا أحمد ظهر فيه لا يُظهر تقاربا بين شكل الممثل وشكل زكريا أحمد.

ومع طائفة الشيوخ سنذهب إلى الشيخ سيد مكاوي الذي مارس التمثيل مع سبق الإصرار والترصد عام 1956 في فيلم (العروسة الصغيرة) بطولة مريم فخر الدين ويحي شاهين، إخراج أحمد بدرخان وقصة وسيناريو وحوار الأديب يوسف جوهر، وكان الدور الذي قام به سيد مكاوي هو جار يحي شاهين بطل الفيلم الموظف الفقير الذي تموت ابنته من المرض، وفي اللقطات الذي يظهر فيها سيد مكاوي “الجار الكفيف” سنكتشف خفة ظل سيد مكاوي رغم أن الحوار لم يساعده على إظهار خفة ظله، وستتعجب من نحافته الشديدة والابتسامة الخفية التي تظهر دائما على وجهه، فهو بحق صاحب الوجه المبتسم بطبيعته ولكنك ستجد ظاهرة غريبة هى أن أفلام (مصطفى كامل، و حبيب قلبي) بطولة رياض السنباطي، و(العروسة الصغيرة) الذي شارك فيه (سيد مكاوي) كلها من تأليف الأديب يوسف جوهر، وأيضا سنجد اسم المخرج أحمد بدرخان يتكرر في هذه الأفلام بالإضافة إلى حلمي رفلة.

وفي زحمة العمل الواحد للفنان سنجد فنانا اسكندرانيا اسمه فادي اسكندر، يبدو أن أحدا من أهل هذا الجيل لا يعرفه، ولكنه مطرب من طراز خاص من مواليد الأسكندرية، وقد اشتهر بلون خاص في الغناء، ورغم أنه من جيل الستينيات إلا أن ظهوره لم يبدأ إلا عام 1970 وقد مثل هذا المغني الذي توفي عام 2013 في فيلم واحد هو فيلم (حاوي) الذي مثل مصر في عدة مهرجانات، ورغم أن هذا الفيلم يعتبر من الأفلام المتميزة، وهو تأليف وإخراج إبراهيم البطوط، إلا أن هذا الفيلم لم يلق شهرة أو انتشارا، وقد كان يشار إليه بأنه من أفلام المهرجانات، وكان فادي اسكندر في هذا الفيلم مجرد ضيف شرف.

نأتي إلى الأخير، والأخير هو الشاعر الراحل أحمد فؤاد نجم الذي شارك في فيلم وحيد هو فيلم (شباب على الهواء) إخراج عادل عوض، وقام نجم في الفيلم بدوره في الحياة، فقد كان يؤدي دوره كشاعر وفي نفس الوقت كان هذا الشاعر هو جد أحد أبطال الفيلم (احمد الفيشاوي)، وقد تميز أداء نجم بالتلقائية المحببة التي تميز شخصيته الحقيقية.

والآن وقد اقترب الحبر من أن يجف في قلمي لذلك اكتفي بهذا القدر، وقد يأتي وقتٌ لنتحدث فيه عن المطربة النادرة (نادرة) بطلة أول فيلم غنائي مصري، أقول قد يأتي ولكن أيضا قد لا يأتي، فالله وحده أعلم.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.