إعلام التلميع.. وإعلام هز العروش
بقلم : محمود حسونة
من حق عمرو أديب أن يعتبر نفسه الإعلامي الأول في مصر، ولا يمكن إنكار أن له حضوراً يغطي على غيره من الإعلاميين المصابين بكساح برامج التوك شو التي تحولت إلى مكلمات تستفز من تسوقه أقداره للمرور على هذه المحطة أو تلك والاستماع إلى مصطلحات وألفاظ تخدش الآذان وتزعج النفْس.
نجوم التوك شو المصري نادراً ما يقدمون جديداً، ولا يجيدون سوى جمع مجموعة أخبار من مواقع إخبارية لقراءتها على مشاهديهم وكأن هؤلاء المشاهدين أميين لا يعرفون القراءة ولا الكتابة ولا يدركون كيفية التعامل مع المواقع الإخبارية، وكيلا نبخس إعلاميونا أشياءهم المفقودة فهم أيضا يجمعون هم ومعدي برامجهم المتاح من فيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي ويبنون عليها حكايات وحكايات.
بعض الاعلاميين يسعون للخروج من دائرة الكلام الأجوف الذي يغطون به مساحات برامجهم الزمنية، بمحاورة بعض الضيوف أحياناً، وغالباً ما تكون حوارات موجهة، قد تكون مفروضة على الإعلامي وقد تكون بمبادرة منه، لا فرق، المهم أن وراءها أهداف غير إعلامية، قد تكون ترويجية أو تلميعية أو تمهيدية لشيء ما، ومن نماذج ذلك الحوار الذي أجراه عمرو أديب مع الفنانة مي عمر، ومن لم يشاهده فقد كسب وقته، ومن ساقته أقداره لمشاهدته وساقه فضوله للانتظار أمام شاشة (إم بي سي) مصر حتى نهايته، فقد خسر خسراناً مبينا، خسر وقته وقد يكون خسر ما تبقى له من ثقة في عمرو أديب، حوار ليس فيه أي فائدة لا للمشاهد ولا للإعلامي الكبير، والفائدة المرجوة هي فقط للفنانة، والهدف الأوحد منه هو تلميع (مي عمر) والترويج لجزء ثان من مسلسلها (لؤلؤ)، ولذا كان السؤال الأوحد لمجموعة الأطفال الذين اتصلوا بالبرنامج من المذيع الألمعي هو (ما رأيك في جزء ثان من المسلسل؟)، وكأنه ارتضى أن يحول نفسه إلى روبوت مبرمج على هذ السؤال لأجل (السبوبة) وهو بلا شك مدرك أن المتصلات به طفلات يتسلين ولا يدركن أي فائدة ترتجى من جزء ثان للمسلسل.
الغريب أن حوار (الإعلامي الأول) في مصر مع الفنانة التي يريدونها (نجمة أولى)، تزامن مع حوار الإعلامية الأولى والأهم في العالم (أوبرا وينفري) مع الأمير الذي تخلى عن الإمارة البريطانية هاري وزوجته ميجان ماركل، والفرق بين هذا الحوار وذاك أن حوار أوبرا هز عرش بريطانيا وشغل قصر باكنجهام وزلزلزل مكانة مذيع شهير هناك ودفعه للاستقالة وأثار جدلاً حول العالم قد تستمر توابعه أشهراً بل وسنوات، أما الحوار التلميعي لعمرو أديب مع (معجزة زمانها) مي عمر فقد خرج منه المشاهدين خاسرين نادمين على الوقت الذي ضاع حول فساتين وأحذية وشنط لؤلؤ بعد أن (جاب الحوار التايهة) واعترفت خلاله مي أنها ما ارتدته وحملته من مقتنياتها الخاصة، ولَم تتم الاستعانة بها من دور الأزياء ولا اشتراها لها الانتاج.
عمرو أديب كان أول إعلامي تليفزيوني عربي يتعرض خلال حكاويه لحوار أوبرا مع هاري الذي طلق الملكية ليحتفظ بزوجته كما فعل عم جدته الملكة اليزابيث، الملك إدوارد الذي تنازل عن العرش لشقيقه (والد اليزابيث) عام ١٩٣٦ ليتزوج من حبيبته الأمريكية المطلقة مرتين وأليس سيمبسون، وقد تبنى عمرو أديب عبر ضيفه من لندن الصحفي عادل درويش، الموقف المتسرع للمذيع البريطاني بيرس مورغان والذي هاجم فيه ميجان ماركل واتهمها بالكذب عبر برنامجه الصباحي على محطة (آي تي في) وتوقعاته بأن يصدر القصر بيانا ساحقاً ماحقاً لزوجة هاري ولكن خاب ظنه وظن من تبعه، وكانت النتيجة أنه استقال بعد أن تلقت المحطة 41 ألف شكوى من أفراد الجمهور؛ ما دفع هيئة (أوفكوم)، وهي الهيئة المشرفة على معايير البث لإطلاق تحقيق في الحلقة المذاعة، ومدى تخطيها قواعد التسبب بالأذى والإساءة. وجميعنا يدرك جيدا أن لا أحد لدينا يستقيل مهما كانت أخطاءه وخطاياه وأكاذيبه، ولكننا فقط نتمنى أن نتعلم من مثل هذه التجارب.. مجرد تمنٍ.
عمرو أديب خلال حكايته عن الأمير هاري وميجان ماركل أبدى استغرابه، المغلف باستنكار، حصول أوبرا وينفري على 9 ملايين دولار عن هذا الحوار الذي أنتجته وباعته لمحطة سي بي أس بهذه القيمة، وهو يدرك تماما أن المحطة دفعت 9 ملايين دولار ولكنها ربحت من وراء هذه الحلقة الكثير والكثير مادياً وأدبياً.
ما قاله هاري وميجان ليس جديدا، ومن تتبع حياة أميرة القلوب الراحلة ديانا يدرك كم هي تعذبت بسبب قسوة الحياة الملكية وخلوها من المشاعر الانسانية، ثم جاء مسلسل (ذا كراون) بأجزائه المختلفة ليؤكد أن الحفاظ على المؤسسة الملكية يدفع ثمنه أبناؤها وبناتها، وأنها هي الأهم حتى لو كان ذلك على حساب مشاعر وأحاسيس وإنسانية أفراد أقدم عائلة ملكية والمتوجة على عرش دول الكومنولث البريطاني البالغة ١٥ دولة وليس بريطانيا وحدها.
حوار ممل لا يليق بمكانة مذيع كبير، وحوار آخر ساخن وحيوي وشديد الأهمية.. حوار أشعل الدنيا ودفع القصر الملكي البريطاني للبدء في اجراء تحقيقات فيما أعلنه هاري وميجان وأبدى حزنه عما تعرضا له، وكشفا عن أنه كان سببا هروبهما من الجنة الملكية حفاظا على انسانيتهما، وهروباً من قدر قد يحدث لميغان لا يختلف عن قدر ديانا والدة هاري.
mahmoudhassouna2020@gmail.com