* شد انتباه الناس من خلال المسرح قبل أن يستعين به حسن الإمام ليسند إليه دور البطولة فى (زقاق المدق) عام 1963
* لم يكن يوحى بأنه سوف يكون شرير الشاشة فى أفلامه الأولى، ورأيناه مناضلا، وطالبا، وبريئا، وشهيد الوطن
* أول أدواره كوغد كان على يدى مكتشفه أيضا فى (هى والرجال) عام 1965.
بقلم الناقد والباحث السينمائي : محمود قاسم
أدى صلاح قابيل أدوار الشر والخير بشكل متواز، وبالقوة نفسها، والجاذبية، كما لم يفعل غيره من الممثلين، خاصة فى جيله، ولا شك أن فى هذا ذكاء شديد، وقدرة على التنوع، والاختيار، وليس هذا بالقريب على نجم شد انتباه الناس من خلال المسرح، قبل أن يستعين به (حسن الإمام) ليسند إليه دور البطولة المطلقة فى الفيلم الأول لـ (قابيل) وهو شخصية (الحلاق عباس الحلو) فى (زقاق المدق) عام 1963.
براءة البدايات
كان الانطباع الأول أننا أمام حلاق شاب، حليق الذقن بشكل جذاب، دون أى زوائد، طويل القامة قليلا، مهندم الملابس، خجول، ملئ بالحياة، يبحث عن فرص عمل أفضل، ولم يكن يوحى بأنه سوف يكون شرير الشاشة، وبالفعل، فإنه فى أفلامه الأولى، خاصة التى أخرجها له مكتشفه (حسن الإمام) رأيناه مناضلا، وطالبا، وبريئا، وشهيد الوطن، مثلما كان فى (بين القصرين).
الوغد فى هى والرجال
إلا أن أول أدواره كوغد كان على يدى مكتشفه أيضا فى (هى والرجال) عام 1965، إنه دور طالب الحقوق العاشق، الذى أحب الخادمة، وهو يسكن فوق السطوح، فتأتيه بالمساعدات، وتقف إلى جانبه، ويعدها بالزواج، حتى إذا تخرج، وعمل فى إحدى المحاكم بالاسكندرية فى وظيفة مرموقة، صارت بالنسبة له غير لائقة اجتماعيا، فتهرب منها، وصارحها بحساسية موقفه الوظيفى، وأخرجها من حياته حزينة.
نحن لا نزرع الشوك
ظل (صلاح قابيل) يؤدى شخصية العاشق النبيل طوال خمس سنوات فى (هارب من الأيام) لحسام الدين مصطفى عام 1965، و(دلال المصرية) عام 1970، إلا أن أول من منحه دور الشرير الحقيقى كان (حسين كمال) فى عام 1970، فى فيلم (نحن لا نزرع الشوك)، هو فى هذا الفيلم شرير أقرب إلى ما جسده (كمال الشناوي) فى (المرأة المجهولة)، ويحمل أيضا الاسم نفسه عباس. فهو الوغد الشرير، الذى يتزوج من سيدة، بعد علاقة طويلة من الشد والجذب، ففى البداية تعمل سيدة خادمة لدى أسرة عباس، ويبدو هنا شابا مليئا بالحيوية، والرعونة، والاندفاع يحاول أن يلاحقها، ولا يتورع عن مهاجمتها، وأن ينال جسدها.
مما يدفع بها أن تهرب من منزل أسرته وتلتحق بالعمل خادمة أيضا فى بيت أسرة أخرى، ثم تتعرف على علام البلطجى، بائع الكازوزة الذى يحاول أن يفرض عليها عواطفه، ويستميلها حتى تتزوجه، ويحاول استغلالها، وسرقة ما تملكه من مصاغ.
وهو هنا رجل قوى، فى أشياء عديدة، فى التأثير عليها عاطفيا وفى قوته الحسية، وفى قدراته على سلب ما تمتلك، فهو يطير بها، ويعنفها، ويأخذ المال كى يصرفه على نزوات أخرى، مما يضطر سيدة أن تهرب من البيت، وتقع بين يدى إحدى بائعات الهوى، التى تقودها إلى المنازل الخاصة بالدعارة، وتصبح امرأة ذات مكانة، وترث أموالا كثيرة من أحد عشاقها، فيظهر (علام) مرة أخرى فى حياتها، ويبدو ناعما رقيقا، يستعمل معها أساليبه القديمة نفسها فتعود إليه وتنجب منه، ويبدأ فى التغير مرة أخرى، ويمارس معها كافة ما سبق أن فعله: النصب، والسلب، والضرب، والعنف، فتفلس وتهرب منه، كى يموت ابنها لشدة حاجته إلى العلاج.
(صلاح قابيل) هنا شرير لا مثيل له، فهو يمارس شروره على أقرب الناس إليه، زوجته، ويبدو جاحد القلب تجاه ابنه الذى يموت، وهو يستغل المرأة هنا، الوحيدة، العصامية المنكسرة أكثر من مرة، وفى أكثر من زمن، حتى إذا نال منها الكثير، هجرها، أو تركها تهجره، صحيح أنه انكسر بعد وفاة ابنه، وطلب من زوجته الغفران، وأنها لم تغفر له، وقررت تربية ابن حبيبها حمدى، إلا أنه حسبما كتب (رفيق الصبان) فى كتاب تكريمى عن (حسين كمال) فإنه لم يحصل الممثل، فيما بعد على دور مماثل.
عجايب يا زمن
بعد (نحن لا نزرع الشوك) سرعان ما عاد (صلاح قابيل) مرة أخرى إلى أدوار الخير، يقوم مرة بدور العاشق، ومرة بدور الجندى فى الجبهة، أو الصحفى الباحث عن الحقيقة، لكنه بالفعل لم تتح له فرصة مهمة مثلما أتيح له أمام (شادية) فى فيلمين سابقين وفى عام 1974، أسند إليه (حسن الامام) مكتشفه في دور الأخ الوغد أو المكروه فى فيلم (عجايب يا زمن) عام 1974، ففيه يقوم بدور الأخ محمود، المفضل لدى الأب حمدى، فهذا الأب يفضل ابنه محمود ويحبه أكثر من أخيه حسين.
ويهم هذا الأخير أن أمه ماتت منذ ولادته ومحمود هنا ليس شريرا بالمعنى المفهوم، بقدر ما هو أداة لتنفيذ مشاعر الأب الذى يفاضل بين ولديه، فيؤثر أحدهما على الآخر، ويثير الحزن، والغيرة فى قلب حسين، على حساب الأخ، خاصة أن محمود قد خطب الفتاة وفاء، التى يحبها حسين، مما يزيد من مشاعر التنافر بين الطرفين، وبالفعل فإنه تقوم مشاجرة بين الأخوين حين يتصور محمود أن حسين هو الذى حرض وفاء على تركه..
أى أن المتفرج هنا أمام طرفين أحدهما مظلوم، ومغبون من الأب والمجتمع، ولابد أن يكون الثانى قد أخذ الكثير مما يستحق أخوه، مثل حنان الأب، وإيثاره له، وأيضا أن محمود خطب حبيبته، وكما أشرنا، فهذا ليس دور شرير بالمعنى المألوف.
المطلقات
هذه الفترة كانت بمثابة مرحلة تحول بالنسبة لـ (صلاح قابيل) فهو يؤدى دور الوغد، وأغلبها أدوار ثانية فى الفترة التى أسندت فيها البطولات على كل من (محمود ياسين، وحسين فهمى، ونور الشريف) فأدى فى فيلم (المطلقات) دور الزوج الذى ينفصل عن زوجته، من أجل أن يقيم حياة جديدة، فيكون ذلك بمثابة العار لامرأة شرقية مطلقة.
كما أن (صلاح قابيل) أدى دور رجل الأعمال فاروق شكرى، زعيم العصابة أيضا فى فيلم (اللعبة القذرة) إخراج حسام الدين مصطفى عام 1973، وفى فيلم (لا شىء يهم) لـ (حسين كمال) عام 1975، أدى دور فهمى الموظف الذى يجيد التعامل مع رؤسائه، من خلال التملق، والكذب، سعيا إلى الحصول على الرضاء، والترقى، فإذا كان رئيس مجلس الإدارة الجديد يعشق لعبة الكاراتيه، فإنه يذهب ليتعلم أصول اللعبة، سعيا وراء حصوله على الرضاء والمكانة المقربة.
دائرة الانتقام
فى عام 1976 كان (صلاح قابيل) واحدا من ثلاثة أشخاص، قرروا أن يزجوا بشريك لهم فى جريمة سرقة كبرى إلى السجن، وذلك فى فيلم (دائرة الانتقام) لـ (سمير سيف) لقد اتخذ كل منهم اسما مستعارا.. وتسللوا فى الليل مع جابر إلى بيت أحد الأثرياء، هو قريب لواحد منهم، وسرقوا ما به، ثم هربوا بعد أن تركوا زميلهم مغمى عليه، وأبلغوا عنه، وعندما حاول جابر الاعتراف عليهم، لم يجد ما يدل عليهم، وبعد خروجه من السجن، وجد أخته قد احترفت الدعارة، وأن أمه قد ماتت، فقرر الانتقام منهم، وكان فؤاد الذى جسده (صلاح قابيل)، قد صار صاحب مؤسسة اقتصادية، بفضل النقود المسروقة، وعليه أن يحافظ على مكاسبه، وعندما يلحق به جابر، فإنه يتوسل إليه ألا يقتله، فيكمم فمه، ويرمى به فى حمام السباحة رغم وجود رجاله الأشداء الذين فشلوا فى حمايته..
ليلة القبض على فاطمة
كان من الغريب أن يختفى (صلاح قابيل) عن السينما طوال ست سنوات، ابتداء من عام 1978، بعد فيلم (أسياد وعبيد) لـ (على رضا) إلى عام 1984، حين أسند إليه (بركات)، واحد من أهم أدوار الشر فى تاريخ السينما فى فيلم (ليلة القبض على فاطمة)، فهذا الشرير هنا ليس جاحدا فقط ضد أخته التى قامت بتربيته، وخطيبها الذى انتظرها طويلا، بل هو خائن ضد الوطن إبان محنته فى عام 1956، وهو سياسى متسلق، صعد إلى قمة الهرم الاجتماعى عن طريق التآمر والقتل، وإنكار الجميل، أى أننا أمام شرير مركب، وليس مجرد خارج عن القانون..
الشقيق الشرير هنا هو (جلال طاهر)، يرسل فى البداية رجاله إلى دار أخته فاطمة، فى محاولة للقبض عليها بتهمة الجنون، وتتمكن فاطمة من الهروب، كى تحكى أمام الجيران عن سوءات أخيها، منذ أن كان صبيا صغيرا، تولت تربيته، هو وأخوته، اذن فهو شخص ضد الجميع: أسرته، والوطن، فهو حين كان صبيا يعمل فى التزوير، ثم فى التهريب، وسرقة معسكرات الانجليز، ثم فى بيع السلاح للفدائيين، وعندما تقوم ثورة يوليو يصبح واحدا من زعمائها اللصوص، بل والقتلة، ومثلما كتب (سامى السلامونى)، فإن (دمويته الشاذة تصل إلى حد تدمير حياة أخته التى ضحت بكل شىء من أجله.. فهو يلفق تهمة لحبيبها (سيد) تدخله السجن لمدة خمسة عشر عاما، وبعد انتهائها يهدده بالسجن مرة أخرى، كى يحول دون زواجه من فاطمة، بل ويأمر بقتل أخته نفسها ببساطة شديدة، فيضربها رجاله بعنف، ويلقون بها فى البحر ولكنها تنجو، فيعود ويأمر بالقبض عليها بتهمة الجنون)
هو شر لا منفذ منه ولا تراجع، فهو برجماتى، مصلحته فوق الجميع، يفعل أى شىء لتنفيذ مهمته ورغبته، ولم يصور لنا الفيلم، فى كل مراحله، أى صورة اجتماعية أخرى لجلال، فهو ليس بعاشق، وليست هناك امرأة فى حياته سوى أخته التى تعرف أسراره، ويصور الفيلم جلال على أنه عضو بارز فى مراكز القوى أيام عبد الناصر، لا يتورع عن ارتكاب كل أنواع الجرائم.
فتح هذا الفيلم باب العودة القوية لـ (صلاح قابيل) إلى السينما، كانت ملامحه قد تغيرت قليلا، وصار فى الاربعينيات من عمره (مولود عام 1937) أبرز ما فيه شوشة بيضاء فى أطراف شعر رأسه الأمامي، ورغم هذه العودة القوية، فلا يمكن أن نقول أنه قد انحسر فقط فى أدوار الشر، فهو أحيانا الفتوة، وفى أحيان أخرى هو ضابط الشرطة، حيث أدى هذه الشخصية فى أفلام عديدة منها (بطل من ورق) عام 1988، و(نهر الخوف) عام 1988، و(الإرهاب) عام 1989، و(ضربة معلم) وغيرها.
الحرافيش
لكنه فى منتصف الثمانينات أدى دور الفتوة فى أكثر من فيلم ليس فقط فى الأعمال المأخوذة عن (حرافيش) نجيب محفوظ بل أيضا فى فيلم (الهلفوت) لـ (سمير سيف) ففى فيلم (شهد الملكة) جسد دور فتوة الحارة، المشوه الوجه، الذى يسعى للزواج من زهيرة، ضمن رجال آخرين أحاطوها، مثل المأمور، بكل ما له من هيبة، والفتوة بكل ما يملك من قوة، والفسخانى بماله من جاذبية، ثم سيد الحى بماله من جبروت ومكانة.
ونوح الفتوة هنا ليس شريرا بالمعنى المألوف، بل هو رجل مشوه، لديه توتة، ويستخدم النبوت كسلاح، وهو ينافس المأمور من أجل الزواج من المرأة التى تشبه ملكة خلية النحل، وقد صور الفيلم الرجلين أقرب إلى الكاريكاتير منهما إلى شخصين يتمتعان فعلا بمكانة ومهابة.
وفى (الحرافيش) للمخرج نفسه فى العام التالى رأينا الممثل يؤدى دور الفتوة الشرير، الطاغية، الذى يصاهر عائلة الناجى، ويستغل فرصة رحيل الناجى الأكبر، كى يعلن نفسه عند أطراف المنطقة أنه الفتوة الجديدة، ولكن سليمان الناجى، الابن الأكبر للعائلة يظهر فى اللحظة المناسبة، ويواجه عتريس، وينتزع منه اعترافه بأنه الفتوة، وتقوم أحداث الفيلم على أساس الصراع بين الناجى وأسرته، والخصومة بين ولديه على قلب المرأة نفسها، مما يزيد من حمية الاقتتال، وعندما يضعف سليمان الناجى، بدنيا، فإن عتريس يظهر مرة أخرى، ومثل الموقف الأسبق، فإنه يعلن نفسه فتوة على الحي، ولأن الفتونة، فإن خضر الناجى، الابن الأكبر سليمان، يكرر المواجهة التى سبق أن فعلها أبوه، وينتزع المنصب من عتريس.. الذى يعود متخاذلا أمام قوة النبوت.
الهلفوت
فى فيلم (الهلفوت) جسد (صلاح قابيل) شخصية الفتوة عسران، القاتل الأجير، ففى البداية نراه يستغل الزحام الماثل أمام المزلقان، كى يطلق الرصاص على رجل مطلوب منه أن يقتله فى مقابل أجر، وعسران هذا شخص مهيب عملاق، ذو نظرات حادة، ويحمل السلاح، ويخافه الجميع، ويعملون له ألف حساب، ويعيش وحده فى منزل يغلقه خلفه بالعديد من المزاليج، مما يعكس الجانب الآخر لهذا الشرير المثير للخوف.
فذات يوم، يلتقى الحمال عرفة بمرسى الذى يبحث عن عسران، بتكليف من الثرى كيلانى لاستئجار عسران لقتل المقاول فؤاد المنياوى، يدعى عرفة أنه عسران ويحصل على ألفى جنيه كمقدم لإتمام العملية، وكان عرفة قد سبق أن اكتشف مدى ما يتمتع به عسران من خواء جسدى حين اكتشف كل هذه المزاليج التى يغلق بها بابه، خوفا أن يفاجئه خصم، ويقتله، لذا فإن حاجز الخوف يتلاشى داخل عرفة، ويدخل فى مواجهة جسدية معه، يموت خلالها عسران بالسكتة القلبية.
عصفور له أنياب
فى عام 1987، جسد (صلاح قابيل) شخصية الشرير مرتين، الأولى فى فيلم (عصفور له أنياب) اخراج حسن يوسف، وفيه يعود إلى دور الأخ العاق، فهو رياض الذى يحاول أن يستولى على قطعة أرض يمتلكها أخوه المهندس محمود، مما يؤدى بدخول الأخ الأصغر مستشفى الأمراض العقلية لمدة سبع سنوات، وعندما يخرج محمود من المصحة العقلية، يجد أخاه رياض وقد صار رجل أعمال كبير بعد أن استولى على نصيب أخيه من الميراث، وهو الذى ادعى له أنه سوف يقيم مشروعا مشتركا معه ذات يوم، لكنه الآن ينكر أى صلة بما حققه من ثروة، ويدعى أنه خسر كل ما له فى أول مغامر قام بها فى دنيا الأعمال، وأن الشركة الضخمة التى يملكها الآن هى ملك لزوجته.
ويتحول الأخ محمود إلى شرير، يتكلم مع أخيه بلغة الخروج عن القانون، فتحت تهديد المسدس، يعطى رياض لأخيه كل ما له من حقوق، ويستطيع محمود أن يعيد أخاه إلى سابق عهده، كرجل بسيط، يعيش فى بيت الأسرة القديم.
المرأة الحديدية
الفيلم الثانى الذى جسد فيه صلاح قابيل دور الشرير عام 1987 هو (المرأة الحديدية) إخراج عبد اللطيف زكى، ولا يكاد يخرج دوره عن ما سبق أن جسده فى فيلم (دائرة الانتقام) قبل عشر سنوات تقريبا، فهو واحد من أربعة أشخاص، تخلصوا من رابعهم عن طريق القتل الجماعى، أى أنه هنا قاتل بالمشاركة.
وإذا كان الخارج من السجن هو الذى انتقم لنفسه من خصومه الثلاثة، فان ماجدة، زوجة القتيل، وهى مدربة كاراتيه، هى التى تبحث عن الرجال الأربعة الذين أطلقوا النار على شكرى فى فيلا العجمي، ومنهم شكرى الثرى، رجل الأعمال، صاحب ورشة النجارة، حيث ستحدث المواجهة بينه وبين ماجدة، فتقتله بالمنشار الكهربى.
شخصية الوغد الضبع يتم الانتقام منه، ليست جديدة على (صلاح قابيل) وهو يجسدها هنا باعتبار أن الناس تستهويها قصص الانتقام، وأن السينما تنظر إلى المجرمين الأوغاد بأنهم يستحقون العقاب، فمن قتل يجب أن يقتل، ولو بعد حين، وقد أثرى شكرى، وزملاؤه الآخرين بشكل غير شرعي، وقاموا بأنفسهم بالقتل، والتخلص من شريك لهم، سبق أن اختلفوا معه.
نواعم
فى عام 1988 قام المخرج مدحت السباعي، بإعادة إخراج فيلم (سمارة) الذى كتبه أبوه عبد المنعم السباعى عام 1954، وذلك تحت عنوان (نواعم) ونحن لم نعقد مقارنة بين الفيلمين، لكن كان على (صلاح قابيل) أن يجسد شخصية زعيم العصابة الغامض، الذى تعرفه (سمارة أو نواعم) من صوته، فترمى بشباكها عليه، وقد جسد (محمود المليجي) هذه الشخصية فى الفيلم الأول، رجل أنيق من علياء المجتمع يدير الجرائم، خاصة التهريب من برجه العاجى، دون أن يعرف أحد هويته، إلا أن نواعم، تتعرف على زعيم العصابة من خلال صوته الذى سبق أن سمعته، وقد كانت فى صحبة زوجها المعلم هريدى.
(مدحت السباعي) رأى أن أنسب من يجسد هذه الشخصية فى الثمانينات هو (صلاح قابيل) بأناقته، وبدلته البيضاء، واتزان حركته، فهو ليس بصاحب هيئة الإجرام، بل ابن الذوات الأنيق الذى يرمى بشباكه حول نواعم، وتستطيع أن تعرف منه بعض أسرار عملياته، فتبلغها إلى (سيد) ضابط المباحث المتخفي، ومن خلال هذه المعلومات فإنه يتمكن من القبض على العصابة، بمن فيهم رئيسها.
يا عزيزي كلنا لصوص
فى الفترة نفسها كان (صلاح قابيل) يجسد الادوار الخيرة، مثل دور الزوج الذى تقوم زوجته وعشيقها بقتله بالسم الزعاف فى فيلم (غرام الأفاعي) لحسام الدين مصطفى، أما عام 1989 فإنه قد بدأ بنشاط مختلف للمثل عندما عرض له فيلم (يا عزيزى كلنا لصوص) إخراج أحمد يحيى، فنحن هنا أمام ثلاثة من اللصوص الظرفاء، الأول عبد الله بهنسى الذى يكره عائلة السلامونى ويسعى إلى الاستيلاء على أموالها، ويمتلك الكثير من الأموال، أما الثانى فهو مرتضى السلمونى ابن العائلة الثرية الذى يجد نفسه وقد فقد كافة أمواله بعد أن تم القبض على أبيه، الذى مات حزنا ووضعه تحت الحراسة، أما اللص الثالث فهو محروس الذى صدقه مرتضى حين جاء لسرقته فى إحدى الليالى، وبدأ يواجهه لسرقة فيلا خصمه عبدالله.
إنها سرقات متبادلة أقرب إلى حكايات الشطار، فكل طرف يتفنن فى سرقة البروش الماسى من الآخر، فمحروس عندما يسرق فيلا عبدالله يأتى إلى مرتضى بأوراق مهمة وخطيرة، ويقوم مرتضى بمساومة خصمه لدفع ثلاثين ألف جنيه، مما يجعله يرضخ، على أن يقوم عبد الله بتدبير خطة متقنة لسرقة البروش من مرتضى، حين يسافر لبيعه فى روما، فيرسل إليه برجال العصابات لإيهامه بأنهم قتلوا مساعده، فيترك لهم البروش.
والفيلم ملئ بحكايات الشطار حول الخطط المتقنة لسرقة البروش أو الوثائق، وينتهى بضحكة بجلجلة من مرتضى، وهو يقول: ياعزيزى كلنا لصوص.
الراقصة والسياسي
فى العام التالى قام (صلاح قابيل) بالتمثيل فى عمل آخر مأخوذ أيضا عن إحسان عبد القدوس هو (الراقصة والسياسي) أدى فيه دور الشرير المقبول الجانب، فهو رجل سياسة، سبق أن رقد مع راقصة، وسرق مالها، ولم يدفع لها ثمنها، واختفى، ليظهر على شاشة التلفزيون بعد عدة سنوات، لقد أصبح وزيرا مرموقا، وتسعى الراقصة إلى استعادة علاقتها به.. فقد طلب خاله مدكور منها إحياء حفل خاص لأحد الضيوف من السياسيين العرب مقابل ثلاثة آلاف جنيه، وقد استضافته فى فراشها ليلة كاملة، دون أن يعطيها حقها المالى.
الرغبة التى انتابت سونيا سليم فى استرداد النقود من الوزير، ليست بالطبع من أجل المال، فالرجل كان ذكرا حقيقيا فى فراشها، وهى تحاول استعادته، لكنه الآن فى منصب حساس، ويحاول صد المرأة، إلا أنها تهدده بنشر مذكراتها، والكتابة عنها، فيعرض عليها مبالغ طائلة لإلغاء فكرة نشر مذكراتها.
وعنوان الفيلم الذى أخرجه سمير سيف، يحاول أن يؤكد أن الراقصة التى دبرت أموالها من خلال هز البطن هى أشرف من رجل السياسة الذى يحاول أن يضع العراقيل أمامها فى إنشاء دار حضانة للأيتام.
أما رجل السياسة, فإن ماضيه سيئ، فهو بلطجي، ونصاب، ووصولي، ولا يزال يمارس أساليبه القديمة وهو فى منصبه المرموق.
سميحة بدران
فى العام نفسه قام (صلاح قابيل) بدور عباس الذى يتاجر فى الدواجن الفاسدة فى فيلم (قضية سميحة بدران) اخراج إيناس الدغيدي، وهو شريك ليوسف زوج اخته زهيرة فى هذه العمليات، والذى يتعرض لحملة صحفية شرسة من الصحفية (سميحة بدران) فى إجراء تحقيقات صحفية تدين الفساد بصوره المختلفة فى المجتمع، مما يدفع بيوسف، جارها القديم الذى حقق ثراء كبيرا باستخدام طرق ملتوية فى الصفقات أن ينسج عواطفه الزائفة على الصحفية ويتزوجها من أجل أن يلهيها عن الهجوم عليه.
وقد بدا الدور الشرير الذى جسده (صلاح قابيل) هنا ثانوى، قياسا إلى دور (يوسف شعبان)، حيث أن الزوجة الصحفية كان هدفها هو كشف فساد زوجها، أما عباس فقد كان مجرد أخ لزوجة يوسف التى وافقت على أن يقترب زوجها بالصحفية، من أجل هدف خاص يتمثل فى إبعاد الحملات الصحفية عن دائرة عملها.
تنويعات شريرة
فى عام1991، بدأت الأدوار تنهال على (صلاح قابيل) متنوعة، فقد جسد ستة أدوار من خلال ستة أفلام، لعب فى بعضها دور الشرير، ولا نقول المجرم، مثل دور سعيد فى فيلم (تصريح بالقتل) إخراج تيمور سرى، فهو صاحب إحدى شركات تجارة المواد الكيماوية، الذى يستورد مواد محظور استعمالها، ويستخدمها فى التخلص من بعض موظفى الشركة ممن لا يأمن من جانبهم لتبدو وفاتهم طبيعية.
أى أننا أمام قاتل، وخارج عن القانون، وهناك شخص يقف له بالمرصاد، هو الطبيب الشرعى مجدى الذى يعلم أن سعيد سوف يستلم شحنة قادمة من الخارج بها مواد مشعة، وعندما يسرق أحد عمال الجمرك عينة منها ظنا منه أنها تحمل أغذية محفوظة، يصاب العامل بحروق قاتلة، ليلقى حتفه فى مياه البحر، فى محاولة يائسة لإطفائها، ودون أن يثبت دليل واحد لإدانة سعيد.
يقرر مجدى اقتحام وكر سعيد لتحدث مواجهة بالرصاص بينهما، لكنها لا تسفر عن شيئ، ولمهارة سعيد فى طمس معالم جريمته، وهروبه من شحنة المواد المشعة، وقبضة البوليس واتهامات مجدى أيضا، نحن إذن أمام مجرم من نوع خاص، هو واحد من الفاسدين، الجشعين، ثرى وذكي ولا يعرف قلبه الرحمة أو المراجعة، وثمن هذا الجشع هو أن الناس تسقط فى التهلكة، حيث تدخل البلاد سيارة محملها بعلب المواد المشعة فيلتفون حولها ويتخاطفونها ظنا منهم أنها مواد غذائية محفوظة دون أن يلتفتوا لأى تحذير.
وفى العام نفسه، جسد (صلاح قابيل) دور السجين الذى قضى مدة عقوبته فى فيلم (مسجل خطر) لسمير سيف، فهو مصطفى أبو العز الذى اضطر للاعتراف كذبا بارتكاب سرقة كبرى قام بها شركاؤه للحصول على مال لعلاج زوجته، هو اذن ليس مجرما بقدر ما هو ضحية، وبعد خروجه من السجن يجتمع رفقاء الزنزانة للانتقام من شركاء مصطفى بعد أن عرف أنهم تركوا زوجته تموت، وأودعوا ابنته الوحيدة ملجأ للأيتام.
وقد وضع فيلم (زوجة محترمة) لأحمد السبعاوى شخصية الأخ الأكبر كرجل شرير، رغم أنه تعرض لخيانة من زوجته وأخيه، فالدكتور حسين أستاذ جامعى، ينقذ الفتاة سهام من أيدى بعض الشباب حين حاولوا اغتصابها ليلا على كورنيش الإسكندرية، ثم يقرر الزواج منها لحمايتها، وعندما يصل يوسف شقيق حسين من الخارج عقب انتهاء دراسته، يسقط حسين فجأة مصابا بالشلل ولحماية سهام من الضياع إذن وافته المنية يطلب من شقيقه يوسف أن يتزوجها بعد أن يطلقها، وينفذ الشقيق طلبه بعد تردد طويل، كما توافق سهام مضطرة.
حتى هنا وحسين رجل بالغ السمو، والرقي، لكنه يجرى عملية جراحية ناجحة، ويتم شفاؤه من الشلل، وهنا يتعامل مع الفيلم على أنه شرير، فهو يطلب من شقيقه أن يطلق سهام كى يعيدها إلى عصمته، إلا أن يوسف يرفض ويترك الفيلا ليقيم مع زوجته فى شقة صغيرة، فالفيلم يرى أنه ليس من حق حسين أن يتزوج امرأته السابقة للمرة الثانية، وانه طلبا غريبا.
شرير المقاولات
قام (صلاح قابيل) بدور الشرير فى العديد من أفلام المقاولات، كبطولة مطلقة، مثل دور أباصيرى فى فيلم (المفسدون) إخراج إسماعيل حسن عام 1991، فهو يغتصب إحدى الموظفات التى تعمل عنده، وهو على خصومة دائمة مع منافسيه من تجار المخدرات.
وكذلك الحال فى فيلم (المتهمة) لبركات عام 1992، فهو طارق رجل الأعمال الذى يتزوج من البنات كى يستخدمهن فى عمليات التهريب دون أن تعرفن، خاصة ليلى، الذى يأخذ ليلى معه بعد الزواج إلى اليونان يبدو رجلا مليئا بالحب والشاعرية، وعندما تعود للقاهرة لزيارة والدها بسبب تدهور حالته يتم القبض عليها فى المطار لوجود كيس هيروين داخل حقيبتها، تكتشف أن زوجها طارق مهرب مخدرات، وهو الذى دس لها الهيروين، ولكنها تعجز عن إثبات براءتها ليحكم عليها بالسجن المؤبد.
وبعد سنوات، تخرج ليلى من السجن، عجوزا، منهكة، ويظهر طارق مرة أخرى، ويهددها فى كشف سرها أمام ابنتها فتقتله، هذا المجرم لا يعرف التوبة، ولا التحول إلى الأفضل، وهو يظل على مؤامراته وأخلاقه السيئة إلى أن ينال جزائه على أيدى إحدى ضحاياه.
ولعل هذه الفترة كانت قد شهدت ازدهارا وقبولا على (صلاح قابيل) وأسند إليه المخرجون المزيد من هذه الأدوار، مثل دور رجل الأعمال الشرير فى فيلم (دنيا عبد الجبار) واسمه الدوكش، الذى يعاقب أحدا لعاملين لديه بسبب خسارته فى أحد المزادات بأن أمر رجاله بضربه أمام زوجته دينا، مما يدفع عبد الجبار إلى أن يتحول إلى شخص عنيف ويقرر أن ينتقم من الذين أهانوه وعذبوه، وأذلوه أمام زوجته، وخاصة الدوكش.
ليكون بذلك قد قام فى هذه الفترة دور الشرير بلا منازع، هذه الفترة التى خلت تقريبا من وجود وجه مألوف يقوم بمثل هذا النوع من الأدوار، لكن الممثل، كان قد صار يقبل القيام بأى دور يسند إليه.