كتب مروان محمد
في أول عمل درامي مصري وعربي يتناول برصد حي جائحة كورونا، تأتي الحكاية الأولى (مالناش إلا بعض) ضمن حكايات مسلسل (ورا كل باب) في صورة دراما اجتماعية من تأليف باهر دويدار، وبطولة (صابرين، جمال عبد الناصر، جيهان خليل، عابد عنان)، وإخراج سميح النقاش، وإنتاج (سينرجي)، حيث تركز على البعد الإنساني في الأزمة، والذي يخلص إلى نتيجة أن الناس في ظل خطر الكارثة (ملهاش إلا بعض)، وهو ما انعكس على حرص الجيران والأهل على التعاون فيما بينهم لتجاوز الآثار الوخيمة جراء جائحة شرسة تعصف بحياة الناس كل يوم، وقد ضمن المؤلف الحكاية الأول قصة لص حمل الفيروس من صديقه وحاول التحايل بالسرقة دون إدراك لخطورة تحركاته، لكن الدكتور صاحب الشقة التي ذهب لسرقتها استطاع كبح جماحة وإيقافه قبل أن ينشر المرض بين أهله وذويه.
ويحسب الأداء الجيد لـ النجمة المتألقة (صابرين) في دور الأم التي تحلم بلملمة أسرتها على مائدة واحدة في رمضان، وقد بدا أداؤها صادقا وهى تتعامل مع أبناها وجارتها المسيحية بوسواس قهري ربما كان ناجما عن أنها حملت نفس الفيروس في الواقع قبل أشهر وهو ما انعكس على أدائها فتذكرت كل المراحل المرة التي مرت بها، كما لتضح من نبرات صوتها المعبرة للغاية ونظراتها الحادة في كل من حولها من بشر وأدوات وحتى الخضار الذي تعده لمائدتها الرمضانية، وهو ظهر جليا ليبت لنا حجم المعاناة التي يمر بها مرض كورونا تماما كما مرت هى بنفس التجربة في فترة عزلها وتلقيها برتوكول العلاج.
وعلى ذات الوتر الإنساني الرائع عزف الفنان القدير (جمال عبد الناصر) لحنا بديعا على أوتار المشاعر الإنسانية التي ظهرت في تعامله مع اللص (شيتوس) بعنف تارة وحنو بالغ تارات أخرى في محاولة من جانبه لفلسفة المرض بأنه قضاء وقدر من جانب المولى عز وجل، وذلك بطريقة بسيطة تؤكد نضجه الكبير في الأداء بنعومة مع درجة من درجات الحسم والجدية في ترويض لص (عابد عنان) استهدف شقته لسرقتها، لكنه بحنكة الأستاذ الجامعي في دور الدكتور أبو بكر، وبحوار هادئ يأتي في مستوى البسطاء تمكن بلغة جسد بالغة الدقة أن يروض اللص ويقنعه في مشهد (ماستر سين) أجاد فيه (عنان) على مستوى المعايشة للشخصية بتفاصيلها الدقيقة بلغة طيعة تعبر عن تشوهات شخصية اللص، ليأتي المشهد على النحو التالي:
الدكتور أبو بكر يدخل على شيتوس ليجده مستندا على جدار قائلا: بتبعد دلوقتي وبتلزق نفسك في الحيطة زي الفيران .. بعد إيه؟.. دا أنا بقالي ربع ساعة بحاول أفهمك انك تبعد عن وشي، وانت البعيد مفيش مخ نهائي!
شيوتس: أنا اش عرفيني انته كنت بتقول إيه .. أنا كنت فاكرك حتزعق وتلم عليا الخلق .. إلا قولي بصحيح : هو انته فعلا عندك كورونا؟.
يرد الدكتور بسخرية : لأ أنا بقولك كده عشان تسيبك من سرقة البيت وتقعد تمرضني!
شيتوس : وأنت بتقول فيها ياباشا أنا بقالي أسبوع أصلا سايب بيتنا وكنت باروح أبيت عند واحد صحبي وجاتله كورونا وكنت قاعد معاه عادي بامرضه وباعمله كل اللي هوه عاوزه واديني قدامك أهو محصليش حاجة.
الدكتور : يعني انت قبل ما تيجي هنا كنت قاعد مع واحد صحبك عنده كورونا وبتمرضه .. طبعا من غير احتياطات صح؟
شيتوس : أه ياباشا صح.
الدكتور بسخرية : هه هه صح .. وفرحان بنفسك دا انت كده اتعديت .. يعني مش حرامي وبس ..لا حرامي وحمار كمان!
شيتوس : اتعديت ايه بس .. هوه كان حصل ايه يعني لكل ده؟ .. وبعدين يعني هو الكورونا ده شبطة يعني؟
الدكتور : أيوه شبطة وأكتر من كده كمان .. عموما المسحة هى بقى اللي هتأكد إذا كنت اتعديت ولا لأ؟!.
شيتوس : انت بتصدق كلام التليفزيونات ده ياباشا .. دا كله كلام هجص .. هما ايه عايزين يقعدو الناس في البيوت علشان يخفوا الزحمة بتاعة رمضان بتاعة كل سنة من الشوارع والمواصلات.
الدكتور: يعني الحكومة قافلة المدارس والمصالح والأشغال وضاربة اقتصاد الوطن ومنزله الضباط والعساكر عشان ينفذوا الحظر .. كل ده عشان يخفوا زحمة الشوارع اللي عايشين فيها بقالنا عشرين رمضان عادي .. انته غبي يابني؟
شيتوس : يابشا هو حد عارف الكورونا ده كان يطلع ايه أصلا .. قول يا باسط.
الدكتور في عجب من شيتوس : ياباسط، ثم يرفع صوتا قائلا : أيوه فيه ناس عارفه .. العلما اللي بيدرسوا الفيروسات اللي زي دي ، واللي حظك السيئ وقعك في واحد منهم .. بس للأسف مصاب بكورونا!!.
شيتوس : مش فاهم ولا مؤاخذه.
الدكتور : انت يابني حمار؟ .. يعني انته طالع تسرق شقة مانتش عارف مين صاحبها؟ .. انته ميح للدرجة دي .. مش جايز الشقة دي تطلع فاضيه مفيهاش حاجة تستاهل .. انته شكلك كده حرامي درجة تالتة.
يتحرك شيتوس من مكانه منفعلا: أنا مش حرامي أصلا ياباشا .. دي أول مرة والله .. أنا أصلا شغال في محل قريب من العمارة هنا .. كنت باخد بالي ان الشقة دي وكام شقة في العمارة فاضيين على طول .. لما الكورونا دي شدت حيلها والمحل قفل الدنيا داقت في وشي .. والله العظيم ياباشا أنا باصرف على أمي وأختين بنات غير مراتي وابني اللي لسه ما كملش سنة.
الدكتور : وهو اللي عاوز ربنا يفرجها عليه يقول يارب ولا يروح يسرق يا مغفل؟
شيتوس : أهو ربنا اداني جزاء أهوه وبدل ما اطلعي بتليفزيون ولا كاسيت أبيعهم شكلي حاطلع بكورونا زي ما سعادتك بتقول!!.
الدكتور بلغة فيها حنو على حال شيتوس: ومين قالك بس ان ربنا بيجزيك وبيعاقبك .. مش جايز يكون ربنا بيخاخد بايدك وبيمنعك من الحرام .. مش جايز يكون اطلع على قلبك ولقاك غلبان مش وش معصية فشالها من طريقك .. قولي: انت اسمك ايه؟
شيتوس ينظر في حيرة من أن ينطق اسمه!!.
الدكتور : قول يا بني متخفش أنا مش عاوز أأذيك .. وحتى لو كنت عايز أأذيك ما أنا خلاص أذيتك من غير ما اقصد .. قولي : اسمك ايه؟
شيتوس بتردد : (شيتوس).
الدكتور في اندهاش : نعم !
شيتوس : شيتوس يا باشا .. شيتوس صحابي بيقولولي يا شيتوس.
الدكتور : آه اسم الدلع يعني .. لا اسمك الحقيقي؟
شيتوس : هو شيتوس حلو يا باشا.
الدكتور يهز رأسه قائلا : ماشي .. طالما مطمن كده وحتبقى مرتاح ماشي ياعم شيتوس.
على ايقاع موسيقى ناعمة يبدأ الدكتور في تلاوة تعليماته ونصائحه لشيتوس بعد أن تأكد من إصابته بالفيروس: بص بقى يا عم شيتوس ربنا خلق الكون ده ومشيه بمشيئته وبمعرفته وبحكمته .. مفيش أي حاجة بتحصل بالصدفة ولا من غير سبب .. أنا جالي كورونا طلع في دماغي بقى أسيب بيتي اللي بنيتي في التجمع ليا ولعيالي وآجي هنا عشان أقضي فترة العزل بتاعتي من غير ما أقول لحد أنا فين ولا إني عندي كورونا.. وانت بقى لما استسلمت لشيطانك وطاوعته في فكرة السرقة نقيت شقتي أنا بالذات مع انك لسه قايل ان فيه شقق تانية مقفولين في العمارة.
شيتوس : أنا استقربت بس يا باشا عشان مطلعش كتير.
الدكتور مع عزف شجي على العود يجسد الحالة التراجيدية : لا طبعا .. طيب اشمعنا الفكرة دي مجتلكش امبارح ولا أول امبارح قبل ما أجي؟.
شيتوس : عشان فقري.
الدكتور : برضه لا .. عشان احنا فيه بينا ميعاد .. ربنا هو اللي محدد ميعاده ومكانه .. وربنا سبحانه وتعالي وحده يعلم سببه وحكمته.
شيتوس : حكمته واضحة يا باشا وأنا فهمتها خلاص .. أنا رجل فقري لا نافع في يمين ولا في شمال .. معلش سامحني على الطريقة اللي دخلت بيها دي .. أستأذنك أنا بقى .. سلام عليكم.
الدكتور : على فين؟!.
شيتوس : ومن بكره الصبح حانزل أدور على شغل تاني وحادور على حد يسلفني قرشين لحد ما ربنا يفرجها من عنده.
الدكتور صارخا في وجهه : انت مجنون يابني ؟ .. انت أكيد دلوقتي عندك كورونا .. إن مكنش من صحبك اللي كنت قاعد معاه يبقى مني .. انت عاوزه تروح تنقل كورونا لأمك الست الكبير واخواتك وابنك .. انت غبي يا بني.
شيتوس : ياباشا عندي كورونا ايه بس ما أنا واقف قدامه أهوه.
الدكتور : لازم نعتبر انك اتعديت لحد ما نتأكد وبعدين نعمل المسحة ونشوف نتيجتها ولحد دا ما يحصل مش حتتحرك من هنا .. ثم يخرج مسدسه مهدد شيتوس بعدم مغادرة المنزل إلا بعد أسبوعين فترة العزل، ثم يقيده بسلسلة في السرير كي يضمن بقاءه لحين عمل المسحة والتأكد من إصابته فيتم عزله وتلقيه العلاج معا لمدة أسبوعين كما قال له من قبل.