بقلم : محمد حبوشة
يقول القاص المصري المبدع محمد المخزنجي، في مقال له بعنوان (متمردة جميلة لإنقاذ عالم ما بعد كورونا) بالموقع الإلكتروني للدورية الأمريكية (للعلم Scientific American): من بين كل نجوم السينما العالمية أرى أن الأجمل هى (ميريل ستريب)، ويمكن أن يجادلني كثيرون في ذلك، فثمة صواريخ هوليودية غيرها، قاصفة الفتنة وساحقة الجاذبية ورائعة النحت والتلوين، ومع ذلك أصر أن (ستريب) تفوقهن جميعًا بجمالها الكلاسيكي، وإشعاع ذكائها النفسي، وموهبتها الفنية الهائلة، وشجاعتها الإنسانية فيما تختار من أعمال فنية وما تتخذه من مواقف.
وأنا معه في هذا التفضيل خاصة إذا كنا نبحر بخيالنا نحو رؤية خاصة لنجوم هوليود، لكن عندما نقف على أعتاب عالمنا العربي ونتأمل مليا فسوف تبزر لنا على الفور النجمة المصرية الشابة (منة شلبي) التي تشبه إلى حد كبير (ميريل ستريب) في محاكاتها الإبداعية في السينما، ويضاف لها تفوق آخر ملحوظ في الدراما التليفزيونية وآخرها مسلسل (في كل أسبوع يوم جمعة) الذي يضعها وضعها حاليا (في دائرة الضوء)، وهو ما يؤكد صدق موهبتها التي تألقت أكثر في إبداع درامي لايضاهى في مسلسلين من أهم أعمال جيلها من بنات مصر في الدراما التليفزيونية (حارة اليهود، وواحة الغروب)، وهو ما يؤكد أن هذه الموهبة لم تكن مصادفة بل أكدت نبوءة النجم الراحل الكبير (محمود عبد العزيز) حين شاهدها في إحدى السهرات وقت أن كانت طالبة في الفرقة الأولى بمعهد الفنون المسرحية، وكان يبحث عن فتاة لتقوم بدور ابنته في فيلم (الساحر)، فقدمها لرضوان الكاشف، الذي وجد فيها – وفق قوله – مواصفات البنت الشعبية التي يحتاجها، لكنها (ساذجة)، فأخذ يدربها ويعلمها فنون التمثيل، وأبعدها عن حياة السهر والليل التي كادت تغرق فيها مبكراً.
ومنذ تلك اللحظة الفاصلة في عمر (منة شلبي) كانت هى بمثابة وصفة البهجة في الفن العربي جراء ما تحمله من مزيج الإثارة التي تصل إلي الإغراء، والأداء الذي يرتفع إلى الصدق، والإطلالة التي تصل إلى التوهج، والشهرة التي تأكل على موائدها الاشاعات والنميمة، وانطلقت مع عرض ذلك الفيلم (الساحر) كنموذج جديد لممثلات الإغراء، بكل ما تعني الكلمة من تمرد، وجرأة، وممارسة لمشاهد الغرام على الشاشة، وهو الأمر الذي كانت تتمنع عنه أغلب الممثلات في بداية الألفية الجديدة، تحت مسمى (السينما النظيفة) الخالية من القبلات والمشاهد العارية.
بعيون سوداء واسعة ولامعة هلت منة شلبي على السينما المصرية فسحرتها منذ فيلمها الأول “الساحر” 2001، فتاة خطفت قلوب الجمهور منذ أول لقطة عبر عينين بعيون بعيون سوداء واسعة ولامعة هلت (منة شلبي) على السينما المصرية فسحرتها منذ فيلمها الأول (الساحر) 2001، عينين معبرتين عن كل مشاعرها وأحاسيسها المنبثقة من فتاة في عمر المراهقة، وبعد سنوات تزيد لمعة عين منة شلبي حينما يتحول الوجه من الامتلاء إلى الشحوب وحينما تزين شعرها بطريقة مختلفة عن طرق المراهقة فتبين وجهها الدائري أكثر، وأيضا حينما تتعلم كيف تبتسم لا كيف تبكي فقط مثلما كانت تفعل في بداياتها، ومع هذه التغيرات الشكلية، جاءت التغيرات الجوانية أو الفنية، فنجدها قد تطورت كثيرا بالفعل مع كل دور تلعبه.
وظلت منة شلبي منذ البداية وحتى اليوم على عهدها مع السينما والدراما التليفزيونية كفن لا كسلعة استهلاكية تقدم لفئة محددة ولا كـ (سبوبة) لأكل العيش فقط ولا مهنة من لا مهنة له، بل ظلت ساحرة السينما المصرية والدراما في الألفية الجديدة على عهدها في الإيمان بالفن والسينما ودورها في المجتمع بلا أي شعارات زائفة أو كلمات معلبة، بل عبر العمل المستمر والدؤوب الذي يتخلله تطورا للأداء وتجسيدا لأطياف مختلفة من فئات الفتاة والمرأة المصرية.
ولدت منة شلبي في 24 يوليو 1982 بالجيزة، ووالدها هو رجل الأعمال هشام الدين شلبي، ووالدتها الراقصة زيزي مصطفى، تلك التي عانت طويلا في ستينيات القرن الماضي حتى تألقت وزادت شهرتها في الثمنينيات، وعمتها الإعلامية بوسي شلبي، ودرست (منة) في المعهد العالي للفنون المسرحية، إلا أن ولادتها في عائلة فنية جعلها تدخل مجال الفن في عمر صغير، فكانت تظهر في طفولتها في العديد من البرامج التلفزيونية وفوازير رمضان للأطفال، ولأن الفن يجرى في شريانها كانت تتقمص دور والدتها أثناء الدراسة، وتقف أمام المرآة لتحدث نفسها، وتوقع أوراق للمعجبين، ولوحظ ذلك من قبل مدرسيها بالمدرسة ووالدتها وبعض الفنانين الذين رأوها.
وفي عام 2000 أدركت النجمة القديرة سميحة أيوب موهبتها في التمثيل وشاركتها في مسلسل (سلمى ياسلامة) كما ظهرت لمدة ثلاث ثواني فقط في فيلم (العاصمة)، لكن البداية الحقيقية لـ (منة شلبي) كانت مع الفنان محمود عبد العزيز في بطولة فيلم (الساحر) في عام 2001، وقد أبدعت (منة) في أداء الدور كثيراً مما منحها شهرة كبيرة، بل هو ما جعلها تحصل في 2002 على دور رئيسي في مسلسل (أين قلبي) مع الفنان حسن حسني وخيرية أحمد، كما شاركت في العام نفسه في مسلسل (لدواعي أمنية) مع كمال الشناوي وماجد المصري، في 2003 ظهرت في عدة أعمال فشاركت في الفيلم الكوميدي (كلم ماما) مع عبلة كامل وحسن حسني.
في عام 2003 أيضا والذي وضعها على طريق الشهرة، شاركت في فيلم (فيلم هندي) الذي لم يحقق إيرادات عالية، وشاركت أيضاً في فيلم (إوعى وشك) والذي لم تتجاوز إيراداته ميلوني جنيه، وعلى الشاشة الصغيرة ظهرت منة في مسلسل (البنات) والذي تناول الحديث عن فتيات المجتمع المصري وعملهن والصعوبات التي يواجهنها. وكان مقرر عرضه في رمضان العام نفسه ولنه استبعد، وفي 2004 لعبت دوراً مهما في فيلم (أحلى الأوقات) بالاشتراك مع هالة فاخر وحنان ترك وهند صبري، وشاركت أيضاً في فيلم (بحب السيما)، لكنها كانت مشاركة ضعيفة – على حد قولها – ولم تحقق طموحها كممثلة.
وفي نفس العام شاركت في فيلم (شباب تيك أوي)، والذي تم تصويره قبل عدة أعوام ولكن بسبب مشاكل في الإنتاج تأجل للعام 2004، وفي 2005 شاركت في خمسة أفلام وهى: الفيلم الدرامي الرومنسي (إنت عمري)، والذي شارك في القاهرة السينمائي الثامن والعشرون ومثل مصر في المسابقة الرسمية، لكنه لقي الكثير من الردود والانتقادات السلبية، كما شاركت في فيلم (الحياة في منتصف اللذة) مع الفنانة حنان ترك، وشاركت أيضاً في فيلم (ويجا) مع هند صبري ومن إخراج خالد يوسف، وكان الفيلم الرابع الذي شاركت فيه هو (أحلام عمرنا)، وأيضاً الخامس هو فيلم (بنات وسط البلد).
في 2006 ظهرت من جديد عبر الشاشة الصغيرة من خلال مشاركتها في مسلسل (سكة الهلالي) مع النجم الكبير يحيى الفخراني والممثل الشاب أحمد السعدني، وعلى صعيد السينما أيضا شاركت في أربعة أفلام هى: فيلم “عن العشق والهوى، واحد من الناس، في محطة مصر) والذي شاركها بطولته كريم عبد العزيز وحلت ضيفة شرف في فيلم (لعبة الحب)، وفي 2007 ظهرت في عدة أفلام وهى: الفيلم الكوميدي (كده رضا) مع الفنان أحمد حلمي وفيلم (الأولة في الغرام) وفيلم (هي فوضى) الذي تناول موضوع الفوضى في مصر وفساد رجال الشرطة وكان من إخراج الراحل العظيم يوسف شاهين وشاركه المخرج خالد يوسف.
شاركت منة شلبي في 2008 في فيلم واحد فقط هو فيلم (آسف على الإزعاج)، وكان لها ظهور وحيد على شاشة التلفاز في المسلسل الكوميدي (تامر وشوقية ج3)، لكنها شاركت في 2009 في فيلم (بدل فاقد) وفي مسلسل (حرب الجواسيس)، وفي 2010 شاركت في فيلم (نور عيني) مع المطرب تامر حسني، وشاركت أيضاً في مسلسل (الجماعة)، وفي العام 2011 ظهرت في مجموعة أفلام وهى: فيلم (إذاعة حب، بيبو وبشير، وميكرفون)، وفي العام 2012 ظهرت في فيلمي (حلم عزيز، وبعد الموقعة).
في 2013 شاركت في فيلم واحد هو (سمير أبو النيل)، ومسلسل (نيران صديقة)، وبعد غياب قليل سنة تقريبا عادت من جديد في 2015 حيث ظهرت في مسلسل (حارة اليهود)، وشاركت في فيلم (نوارة)، والذي نالت عنه جائزة أفضل ممثلة، وفي العام 2016 كان لها ظهور وحيد في فيلم (الماء والخضرة والوجه الحسن)، وفي 2017 ظهرت في فيلم (الأصليين)، وفي مسلسل (واحة الغروب)،
وظهرت في فيلم (أهل العيب) في 2018، وشاركت أحمد حلمي بطولة فيلم (خيال مآتة) في 2019. وفي عام 2020 عرض لها مسلسلي (في كل أسبوع يوم جمعة، ونمرة اتنين).
خلال مسيرة من الأفلام السينمائية تأرجحت (منة شلبي) بين مختلف الشخصيات والأدوار تثبت صدق موهبتها الحقيقية، فمن (نور) الفتاة الجميلة في (هى فوضى)، والتي تتعرض لشهوة أمين الشرطة حاتم (خالد صالح)، والذي يحاول ابتزازها عاطفيا في كل فرصة تلوح له، ولكنها تحاول صده مرة بعد الأخرى، إلى أن ينجح في الإيقاع بها والاعتداء عليها وسلبها شرفها، إلى (سندس) الموظفة البسيطة في (الأولة في الغرام)، والذي أدته بمنتهى التلقائية لتوقع المشاهد في غرامها من خلال ردود أفعالها باختلاف المواقف.
ومن (سامية فهمي) في (حرب الجواسيس) التي واجهت مؤامرة جاسوسية خطيرة تورط بها خطيبها، ولكنها استطاعت أن تتغلب على عاطفتها وحبها حين أحست بنوايا حبيبها الخائن تجاه بلده، فقررت التعاون مع المخابرات للإيقاع به، إلى (سارة) في (نور عيني)، حيث لعبت دور الفتاة الكفيفة التي فقدت بصرها بعد تعرضها لحادث وخاضت علاقة حب مع نور(تامر حسني)، وتتعرض علاقتهما لعدة مواقف يغلبها سوء الفهم، إلى أن تسترد سارة بصرها في النهاية وتتكشف الحقائق فتعود علاقتهما لنصابها الصحيح.
وتتألق بعد هذا الدور في واحد من أهم الأفلام بمسيرة منة شلبي من خلال شخصية (نوارة) في فيلم يحمل ذات الإسم (نوارة) لتؤدي دور خادمة لدى أحد الرجال القريبين من نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك، تعيش قصة حب مع حبيبها، وفي تلك الفترة تظهر مؤشرات أحداث 25 يناير، فيقرر رب عملها المغادرة وترك المنزل وجزء من المال لها، من أجل التعايش مع الفترة المقبلة. وتتعرض نوارة لمواقف عدة تبدل حالها من سيء لأسوأ.
وتأتي بدورها في (حارة اليهود) لتعتلي عرش الأداء الدرامي من بين بنات جيلها من خلال شخصية (ليلى) الفتاة اليهودية التي تقطن بحارة اليهود وتعمل في محلات شيكوريل، وفي سعيها المعتاد للإقناع وتقمص الشخصية نشهد منة في نمط ملابس مميزة لهذه الآونة وتسريحة شعر مختلفة، ثم تعاود كرة الإبداع في دور (ثريا جلال) في (الأصليين)، لتقدم فيلما آخر من أهم أفلامها في شخصية الفتاة الحالمة التي تعيش حياة من نوع خاص وتتعرض لمواقف غير مألوفة، بينما تعكس تناقضات عدة من خلال اقتباساتها بالفيلم (أنا الشهوة وأنا العفة، أنا الحياة وأنا الموت، العشق أول مراتب الجنون).
وها هى تؤدي شخصية صعبة ومرهقة نفسيًا من خلال (سارة) في (تراب الماس) حيث تتعرض لخدعة مؤسفة من حبيبها إياد نصار، وهو مذيع شهير تكتشف أنه يقوم بتسجيل ممارساته الجنسية في غرفة نومه مع فتيات مختلفة، وهذا بعد أن تصبح هي ذاتها ضحيته، وقالت منة عن دورها أنها كانت منعزلة تماماً عن كل شئ لتركز فقط في الشخصية حتى أنها لم تكن تستطيع الانفصال عنها بالمنزل.
لكنها تصل لقمة الأداء الدرامكي الصعب بشخصية (كاثرين) في (واحة الغروب)، لتقدم لنا واحد من أهم أدوارها التليفزيونية على الإطلاق، حين جسدت شخصية الفتاة الأيرلندية المسيحية ، المحبة للحضارة المصرية والتي تهوى اكتشاف المزيد عن الآثار المصرية وخاصًة كل ما يتعلق بمقبرة الإسكندر الأكبر، وتمكنت منة من خلال لون الشعر والمكياج واللهجة المختلفة أن تجعل من كاثرين إحدى أكثر شخصياتها الفنية تميزًا.
أما الدور الذي وضعها (في دائرة الضوء) فاستحقت الكتابة عنها هو تجسيدها لشخصية (نور – ليلى) في مسلسل (في كل أسبوع يوم جمعة)، وهو المسلسل الذي عرض مؤخرا على منصة (شاهد) الإلكترونية، من إخراج محمد شاكر خضير ومعالجة درامية لإياد إبراهيم عن رواية الأديب الكبير إبراهيم عبد المجيد، لنشهد (منة) في قمة تنوع واختلاف شخصياتها بهذا المسلسل، فهي تؤدي شخصية ذات أبعاد نفسية معقدة وتمر بمراحل عصيبة جدًا بحياتها.
يبقى لي فقط ذكر ما حققته (منة شلبي) للعديد من الجوائز عن أعمالها وكان من أهمها: جائزة أفضل ممثلة عن دورها في فيلم (بنات وسط البلد) من مهرجان المركز الكاثوليكي للسينما المصرية عام 2006، جائزة أفضل ممثلة عن دورها في فيلم (بنات وسط البلد) أيضا من مهرجان جمعية الفيلم للسينما المصرية عام 2007، جائزة أفضل دور نسائي أول عن دورها في فيلم (عن العشق والهوى) من المهرجان القومي للسينما المصرية عام 2007، جائزة فاتن حمامة للتميز عن مجمل أعمالها من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي عام 2019.. فتحية تقدير احترام لفنانة اختارت التمرد طريقا لها في الأداء التمثيلي الصعب، فأمتعتنا بسحر فنها ومن هنا نتمنى لها طول العمر لتمتعنا أكثر وأكثر.